الاخت سعيدة جعفر حسن عبد النور ارملة الشهيد الفريق طيار خالد الزين فاجأنى رحيلك.. فبكيت!

 


 

 

 

...بعد ان اعيت الرئيس الراحل جعفر نميرى رحلة غير واضحة المعالم مرت بشعارات اشتراكية كانت هى ايقونة شعارات تلك الايام ، اتجه لخيار براغماتى فى المجال السياسى والاقتصادى من ورائه منظرين مستقلين وقد شاب هذا التوجه نجاحات و اخفاقات، وفى خضم مواجهات استهدفت حياته.واطروحات نخب تتصارع وتتامر لتكون قريبة من دوائر اتخاذ القرار.وتمشيا مع قناعات ذاتية تحميه و تعضد سلطانه حطت به الظروف لما سماه الخيار الاسلامى.

كان لجوء الراحل نميرى للشعار الاسلامى دون التعمق فى مقاصد الدين، داعيا لتطبيق قوانين الحدود دونما مر اعاة للظروف ، و بترت عند تطبيقها عشرات من ايدى شباب ، و بحت اصوات متشددة تنادى بادراج مادة الردة فى القوانين-- فى مجتمع سودانى كان من ابرز سماته التسامح الذى كرسته طرق صوفية تدعو للدين بالذى هو احسن واقوم-- فكان اعدام لشيخ عالم من شيوخ التصوف والفكر تجاوز السادسة والسبعين من العمر ..محمود محمد طه لتسجل كجريمة تعتبر الافظع من ضمن ما عايشتها البشرية من فظائع.
بعد القضاء على ذاك الحكم الهمجى ، وابان ماسمى بعهد الديمقراطية الثالثة وصلت الكويت للعمل بالسفارة هناك..لنعايش فترة ديمقراطية غير مستقرة ، بذل خلالها السيد الصادق المهدى جهدا مقدرا لرتق ما انفرط من عقد يجمع الناس بعد وصفه القوانين التى طبقت بانها لاتساوى الحبر الذى كتبت به، ورغم ان الحزب الاتحادى الممثل للضلع الثانى للائتلاف كان ايضا يعتبر تطبيق تلك القوانين قد تمت فى الزمان الخطأ وبالطريق الاسوأ...الا ان الكيد بين الحزبين جعل الطرف الثالث قى المعادلة و المتمثل فى الجبهة القومية الاسلامية ( الحصان الاسود ) بدلا ان يكون المدان الذى ساند نظام نميرى لتلك الهاوية ، و عايشنا اجتماع كوكادام و مقاطعة الاتحادى له... و عايشنا ايضا ما سمى بانفاق قرنق - المرغنى وتردد الصادق الالتزام بموجباته و اختلت المعايير ، لتأتى مذكرة القوات المسلحة لتنذر المتصارعين وتدعوهم للوصول الى اجماع يدخل البلاد.فى فترة سلام وتنمية.، ووسط هذه الغيوم و تداخل الخيارات بين اطراف شتى أطل علينا صباح 30 يونيوتغيير عسكرى مفاجىء يقول انه جاء لانقاذ السودان من الملاجة و اضطراب الرؤية.
ظللنا بالسفارة ننتظر ما تخبئه الايام ، و قد ذكرت فى مقالة سابقة مقابلتى للراحل الزبير محمد صالح فى المنامة و زيارة العميد انذاك عمر البشير للكويت ثم زيارة العميد عتمان محمد حسن المسؤول السياسى فى القيادة الجديدة برفقة د. عبد السميع عمر الذى كان يكن كراهبة دفينة للبيت الدبلوماسى ومعهم سكرتير مكتب العميد ، و لا داعى لتكرار ما ذكرت
و ذات صباح من عشرينيات ابريل 1990 وفى اخريات رمضان من ذاك العام وصلتنا النشرة الاعلامية. القادمة من رئاسة وزارة الخارجية تحمل نبأ تنفيذ حكم الاعدام فى حق 28 ضابطا من ضباط الفوات المسلحة، و قرأت الاسماء و كان اولهم الفريق طيار خالد الزين ، و امعنت النظر وامتلكنى ذهول، و دارت بى الدنيا وانا بالمكتب. اتساءل كيف يتم هذا القتل بدم بارد ، و كان الاجدى ان نسمع بشريات تتصل باحلامنا فى ليلة القدر التى هى خير من الف شهر...و بدأت فى قراءة الاسماء و عرفت منهم ابن منطقتى الشاب الخلوق الرائد معاوية يسن على بدر الذى لم يكن منتميا لاية جهة سياسية، والعميد طيار محمد عثمان كرار الذى كان قد جاء زائرا للكويت مرافقا مولانا محمد عثمان المرغنى.

---- 2-----
بعد ان قرأت اسم الفريق الطيار خالد الزين و تنفيذ حكم الاعدام فى حقه رجعت بى الذاكرة الى ايامى فى الصين بداية الثمانينيات من القرن الماضى وقد جاءها اللواء طيار انذاك خالد الزين ملحقا عسكريا و سكن فى شقة مجاورة لشقتى، و نمت بيننا علاقات اخوة طيبة ، فخالد لا تملك الا ان تحترمه لما يمتاز به من وضوح و اريحية وكرم ، لم تكن لديه اية حساسيات ضد العاملين بالبعثة شأن البعض الذين ظنوا ان العمل لا يستقيم الا بخلق صراعات و اختلافات ، و كانت زوجنه سعيدة ... السودانية الاصيلة دائمة الصلة بزوجتى الراحلة عبلة و نمت بينهما صداقة امتدت...خالد كان يمتاز بقامة فارعة ، وببنية بدنية رياضية و مثار تقدير من سائر البعثات الدبلوماسية فى بكين .. العاصمة المؤهلة لدخول عالم جديد بعد رحيل ماوتسى تونغ
و ظللت طيلة هذه الفترات و حتى اليوم اتذكر خالدا ، اساءل نفسى ياترى كيف كان وقع حكم الاعدام عليه ، و كيف استقبل سيل الرصاص الذى انهمر على جسده..و ما وقع الحادث على زوجته سعيدة و صغيريه نادر و ناهد .

-- 3-----
مرت الايام و جئت للخرطوم لازور سعيدة بمنزلها الكائن فى حى كوبر ، و ساقتنى الى حجرة خالد المزدانة بصور وهو على متن طائرات وشهادات اشادة به كاميز طيار فى سلاح الجو السودانى ، و من ضمن ما يحتفظ به فى مكتبته شريط مصور باحتفالاتنا ميلاد ابنتى سحر، و حكت لى وهى تذرف الدموع ان خالدا و زملاءه قد قضى عليهم غدرا دون محاكمات عادلة واثر خداع و غدر. ذكرتنى دموعها ما ذرفتها حين قدمت لمنزلى لتقديم العزاء فى الوفاة المفاجئة لزوجنى عبلة عام 1985
كنت أقابلها بين الفينة اخرى .. أحيانا تفاجئنى بمنشور تدسه ببن يدى يحكى المنشور ما اصاب اهل المغدور بهم من ظلم ...و مطالبتهم المستمرة لمعرفة اماكن دفنهم..و كنت احاول طمئنتها ... و أسأل عنها لاعلم انها تسافر للولايات المتحدة لزيارة نجليها نادر و ناهد...و أخيرا جاءنى الخبر المفجع..فارقت سعيدة الاصيلة الحياة هناك فى البلاد البعيدة، و حاولت ان أعرف عنوان نادر و ناهد و لم اتمكن من ذلك، و لا ادرى ان كانا يتذكران أيامنا فى الصين وقد كانا صغيرين واطفالى حينذاك سلمى فى الثالثة من عمرها وسحر المولودة الجديدة .
ظل هذا الحدث يمثل جرحا غائرا فى تفكيرى..والمنى حين علمت من أحد الضباط قوله بأن قانونهم يبيح اعدام المتورطين فى اى انقلاب يفشل ضد حكم عسكرى اخر .... قانون عجيب شكله و محتواه..ذاك الذى يعطى الحق لا نقلاب اخر استغل سماحة حكم مدنى و اصبح حاكما ليحكم على اخرين بالابادة.
لك الرحمة اختنا الفاضلة سعيدة ..و للفريق طيار خالد الزين ورفقائه المجد والخلود و لا حول ولا قوة الا بالله.

salahmsai@hotmail.com
///////////////

 

آراء