الاستثمار التنموي في السودان: (ودام الغذائية نموذجاً): الجزء الأول

 


 

 

 

يجب أن تركز التنمية المستدامة على خلق مسار للتنمية البشرية يتيح للجميع ممارسة خياراتهم وتلبية تطلعاتهم، سواء في هذا الجيل أو الأجيال القادمة"

هيلين كلارك (مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)

 

هناك ثلاث أسباب رئيسية لنجاح أو تعسر اداء أي شركة في العالم. السبب الأول بنيوي يتعلق ببنية الاقتصاد في الإقليم، السبب الثاني مؤسسي يتعلق بالكيفية التي تدار بها الشركة، والسبب الثالث سلوكي يتعلق بطموح الموظفين، مثابرتهم، وعزمهم على التغلب على الصعاب، مهما بلغ الأمر.


قبل ان اشرع في التشريح، أود أن أقول أن توجه بعض الدول الخليجية، بالأخص الكويت وقطر، للاستثمار في الحزام السوداني ككل (تشاد، السودان، جيبوتي، نجير، افريقيا الوسطى ... إلخ)، امر حيوي ينبأ عن افق فسيح ورؤية استراتيجية، لان هذه هي المنطقة الأغنى في العالم من حيث الموارد الطبيعة، الكثافة السكانية والموقع الجيو-استراتيجي (الإطلالة على البحر الاحمر، المحيط الاطلنطي، إلى آخره) وقد فطن الغربيون لأهميتها الاستراتيجية منذ الأزل، بيد أنهم لم يفكروا في تطوير استراتيجية تعني بالحزام إلا بعد أن شهدوا تدفق الأفارقة على سواحلهم.


لا يبدو حتي الأن إن كان هناك وفاق أوروبي أو مجرد رغبة من بعض الدول النافذة مثل المانيا فرنسا للاستثمار السياسي والحيوي في إفريقيا، لكنهم رعوا بهمة اتفاقية السلام التي أبرمت في الدوحة (وثيقة الدوحة للسلام في دارفور وقعتها الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة في 14 يوليو/تموز 2011)، كما أيدوا مبادرة قطر للاستثمار في دارفور التي تعتبر قلب الحزام السوداني. من الناحية الاقتصادية، فإن عائدات الاستثمار في اوروبا لا تزيد عن 4%، في الوقت الذي يقول فيه مو إبراهيم (البليونير البريطاني من اصل سوداني) ان عائدات الاستثمار في افريقيا، رغم المخاطر، تزيد عن 40 بالرغم عن البيروقراطية وكل العوائق الادارية.


لقد انتبهت قطر إلى أهمية تطوير واستراتيجية الأمن الغذائي فأنشأت شركة مواشي (وِدَام الغذائية لاحقاً) ووضعت استراتيجية لإنشاء ثلاث مشاريع حيوية: المقصب (المسلخ)، مشروع الدواجن ومشروع الاعلاف. ونحن نتسأل لماذا لم تنفذ هذه المشاريع رغم حيويتها رغم مضى أكثر من خمسة أعوام، علما بأن إنشاء المقصب (المسلخ)، يشمل ذلك دراسة الجدوى الفنية والتجارية، لا يتجاوز 18 شهراً. ننوه إلى هناك شركات سعودية وإمارتية، مثل الهيئة العربية للاستثمار، وحتي مصرية مثل الشركات المصرية العاملة في الحديد والصلب، سافولا، الراجحي، الخريفي، ... إلخ أنشئت بعد ذلك التاريخ وحققت ارباح طائلة. بل هي الان تعتبر منتجة للدواجن ومصدرة للإعلاف.


هذا المثال الاخير، يعطيني مدخلاً حسنا للحديث عن الاشكال البنيوي في الاقتصاد السوداني نفسه والذي يركز قادته منذ أكثر من ربع قرن على حصر الخارطة الاستثمارية في رقعة معينة وتمعن في توجيه أنظار المستثمرين إليها، بالرغم عما يبديه الخبراء من تبرم يوشك ان يصل إلى درجة الاعتراض، إذ يرون أن قيمة استصلاح الأرض في الشمالية (شريحة صغيرة بطول النيل صالحة للزراعة وما عداها صحراء يباب) يفوق 4000 دولار للفدان، في حين ان قيمة استصلاح الأرض في دارفور وكردفان، ووسط السودان لا يفوق 130 دولار . لقد انتبهت القيادة القطرية إلى الميزة الاستراتيجية للزراعة في الريف السوداني، فأنشئت مصرفا للاستثمار في دارفور. بقيت هناك نقط واحدة: التنفيذ.


إن إنشاء المصرف – إن كانت ما تزال النية قائمة، التي لربما تكون قد تغيرت تأثراً بالظرف الإقليمي العصيب – يرتبط ارتباط عضوي بالرؤية الاستراتيجية والخطة التنموية التي تستلزم وضع الاستثمارات القطرية في مناطق الإنتاج. لا يعقل أن ينشأ المقصب (المسلخ) في الخرطوم أو شندي (إذ تخطط شركة زادنا حالياً في إقامة 5 سلخانات) على بعد 1500 كيلو متر من منطقة إنتاج اللحوم. لا سيما، ان قطر تسعى للاستثمار في البنية التحتية في دارفور، عليه فهي الأولى بالاستفادة من مشاريع الطاقة والطرق التي ستقام في دارفور بالتعاون مع صناديق دولية. إن طريقة تفكير النخب المركزية لن تتغير؛ فهم يستخدمون موارد الهامش لإقامة استثمارات في المثلث الاستيطاني خشية أن تنفصل الأقاليم فتضيع هذه الاستثمارات أو إنهم يريدون أن يدفعوا هذه الأقاليم نحو الانفصال فيتفرغوا للتجارة مع شمال الوادي بعد أن يكونوا قد نجحوا في إقامة سودان منسجم عرقياً. علماً بأن اكتشاف ال DNA أو ما يسمي بالحامض النووي قد فضح كآفة ادعاءات العنصريين.


لقد اتصلت بالمدير السابق لشركة ودام (مواشي سابقاً)، د. سامي بله، يوم ان سمعت بأن الشركة تتهيأ لإعداد دراسة جدوى اقتصادية لإنشاء مقصب (مسلخ) في الخرطوم، وقلت له أن الدراسة الجدوى لا تبين المسار الاستراتيجي قدر ما تحدد الخيارات الأولى بالإتباع. وجدته متفهماً ومقتدرا، لبقا ومهذبا، بل حادبا على مصلحة الشركة وطامحاً في ريادتها للمجال وحريصا على التغلب على الصعاب. يساعده في ذلك أهليته المهنية والقبول الذي لقيه محلياً وإقليمياً. لا غرور فقد نجح د. سامي بله، في إخراج الشركة (قسم السودان) من إفلاس كان موشكا (سالب 500,000 ريال) إلى ربح مستحق (موجب 20000000 ريال) في خلال عام. مما انعكس ايجابا على سعر الشركة في البورصة وتحسن سمعتها في السودان. إن السمعة، وإن كانت قيمة معنوية، فإن لها انعكاسات مادية في مجتمعاتنا الشرقية التي لم يتم فيها مأسسة القيم بدرجة تغنى عن المؤسس. حتى يحدث ذلك فإن شخص المدير له انعكاس سلبي أو ايجابي على أداء الشركة.


رجعت بعد فترة للاطمئنان على مسار الاستثمار في هذا المجال فوجدت ان المدير، ذاك الشخص المتخصص والذي له دكتوراة في التنمية المستدامة للإنتاج الحيواني من كندا، قد استُبدل بطبيب بشري --أو هكذا يدعي-- لا صلة له بالتنمية أو الاستثمار . بطل عجبي عندما علمت أن الأخير له صلة قربي من المستشار القانوني في الشركة الام بالدوحة (بالتحديد إبن أخته). حينها ادركت ان لا جدوي لي من التواصل مع فرع الشركة في السودان واكتفيت فقط بتدوين هذه الحيثية ووضعها إلي جانب أخريات يدللن علي إشكاليات سوسيولوجية وتحديات أخلاقية تواجه التنمية في دول العالم الثالث. بمثل هكذا أسلوب تضيع علي السودان فرص كبيرة للاستثمار وينخفض أفق الأجنبي في الاستثمار التنموي إلي السمسرة والتجارة ذات الربح الأني.


إن تنزل فلسفة إدارية وموجهات استراتيجية تعطي اولوية للحوكمة (الرقابة والشفافية وتقنين سبل المحاسبية) يعتمد أول ما يعتمد علي وجود أناس مقتدرين في مجالس الإدارة يتجنبون التفويض الي جهات قد تسعي إلي تقويض الموجهات اكثر مما يعمل علي تفعيلها (Manage vs. Delegate)، ويشجعون الجهاز التنفيذي للعمل علي تقنين النزاهة متبعاً سبلاً منهجية صارمة. وهذا كله لن يجدي إذا كانت الدولة المضيفة لا تحترم تعاقداتها ولا يسود فيها حكم القانون. قامت الدنيا وقعدت قبل أعوام بشان الاختلاسات التي أتهم بها سوداني كان يعمل مديرا للشركة فرع السودان. فلمَا طلبته المحاكم وكادت تطوله العقوبات، قال غير مكترث، "شنو يعني كتعملو لي شنو، أنا عايش في بلد رئيسه مطلوب"!؟ مثل هذه السمعة تثبط همة المستثمرين وتجعلهم يبحثون عن وجهة أخري مهما بلغ الثمن.


إن الاصلاح الهيكلي ضرورة لإخراج شركة ودام الغذائية فرع السودان (مواشي سابقاً) من الركود وحالة التردي والتدهور المؤسسي، بيد ان ذلك لا يغني عن التخطيط الاستراتيجي والتنسيق بين جهات سيادية لها السلطة في اتخاذ قرار بشأن الدعم الذي تتلقاه بعض البلدان البعيدة (مثل استراليا) دون أخرى قريبة (مثل السودان)، كما لها مصلحة في التوفيق بين الأهداف السياسية وتلكم الاقتصادية. إن تنويع المصادر وعدم الاعتماد على مورد واحد (مثل استراليا التي تتلقى دعم قدره 50% من قيمة الخراف التي يباع الكيلو جرام منها بــ 14 ريال مقابل السوداني الذي يباع بــ 23 ريال واصل الدوحة، اي قبل الوصول الي الجزارة الذي تبيعه ب 35 ريال)، وتحسين فرص الاستثمار في المرعي العشبي والطبيعي (هذا يسميه الخبراء القرب الحيوي والنوعي)، له صلة مباشرة بالأمن الغذائي لدولة قطر – التي دأبت على طرق آفاق المنافسة العالمية بموضوعية ومنهجية علمية.


لإحداث التحول المطلوب في الانتاج الزراعي محلياً، تسعي دولة قطر لاتخاذ الخطوات الاتية: استثمار رأسمالي يصل الي 39 مليار ريال حتي العام 2025 لمواجهة مخاطر الارتفاع الحاد في الاسعار العالمية للأغذية؛ بناء قدرة تحلية المياه وتأمين البنية التحتية لنقلها وتوزيها؛ وتحزين المياه الجوفية وتغذيتها؛ وبناء قدرة الطاقة الشمسية؛ بناء القدرة المطلوبة في البحث والتطوير والارشاد؛ تكوين قوي عاملة مرنة من حيث الحجم (بالتقريب 20,000) والمهارات؛ استكشاف الصناعات التقنية الملائمة مع مراعاة ضرورة إنشاء مستويات اعلي من التكامل العمودي، واعتماد الاصلاحات القانونية والتنظيمية للقطاع الزراعي. إن زيادة الإنتاج المحلي من 10% إلي 40% وفق منهجية علمية من شأنه أن يقلل استهلاك المياه بنسبة الثلث، يزيد التكلفة المالية بالضعف، والتي تسهم بزيادة الزراعة في اقتصاد الدولة من 0.6 إلي 5.4 مليون ريال قطري، اي 9 أضعاف.


إن بناء منظومة غذائية ذكية، أو بمعني أدق إيجاد منظومة غذائية اكثر كفاءة، لا يمكن أن يتم إلا من خلال التكامل الزراعي الاقليمي الذي يجمع المزايا النسبية لكل البلدان العربية. فاستحداث التكاملية قد يؤدي إلى ضبط دورة الإنتاج وبالتالي تحسين معدل الاستهلاك بنسبة 56٪؛ لا سيما أن منطقة الخليج تستورد حالياً 50 ٪ من احتياجاتها الغذائية، وسترتفع هذه النسبة لتصل إلى 64٪ خلال عقدين من الزمن. عليه، لابد من تطبيق أنظمة رشيدة لإدارة الموارد الطبيعية، البشرية والمالية. لم يعد من الممكن العمل علي إنتاج الغذاء دون النظر إلي التكلفة البيئية أو الاقتصادية في عالم يكتنفه الحصار، الحروب المصطنعة والنزوح والهجرات والأزمات المالية وانعدام الموارد. مثلاً، لقد سعت السعودية الي إنتاج الأعلاف في العقد الماضي دون النظر إلي التكلفة البيئية وإذا بها تفاجئ بنضوب مخزونها من المياه الجوفية.


وإذ يسعي قطاع السعودية الخاص لتعويض الفجوة من السودان، فهي إنما ترحل أزمتها إلي بلد مجاور، مستفيدة من الغياب التام لأسس الشراكة ذات النتائج المستقبلية المربحة والمستدامة (فالبلد سايبة وعزتها غايبة). بهكذا أسلوب يُضيع العالم العربي علي نفسه في كل مرة فرصة عقد شراكة ذكية ويؤجج من فرص الاستثمارات الانتهازية التي يقبض أثمانها القائمين علي الأمر ويحتفظ المواطنون بحقهم في المطالبة بالأصول، ولو بعد حين. إن إشاعة طرق التفكير العلمي والديمقراطي كفيل بحفظ حقوق جميع الأطراف، سيما كفالة حق الأجيال القادمة في الكرامة وتوفر سبل العيش الكريم. إن تعزيز سبل الحوكمة يتطلب توعية السكان بقضية الأمن الغذائي، تشجيع الابتكار وتطوير البحث العلمي، والتنسيق الاستراتيجي الفعال للسياسات.


إن ممارسة زراعية مستدامة وعالية التقنية يتطلب النظر إلي مصفوفة الأمن الغذائي والتي تقيس الإنتاجية من القمح أو اللحوم بحجم الاستهلاك من المياه والطاقة. إذ إن إنتاج واحد كيلو غرام من القمح يتطلب استهلاك 10 متر مكعب من المياه و 1.5 ميغاوات من الطاقة، فإن استهلاك واحد كيلو غرام من اللحم يتطلب استهلاك 200 متر مكعب من المياه و15 ميغاوات من الطاقة. هذا ما تضمنه تضمنه تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي «حوكمة المياه في المنطقة العربية : إدارة الندرة وتأمين المستقبل» لعام 2014 وأدرجتها التقارير السنوية للمنتدي العربي للبيئة والمياه (2010) والاقتصاد الاخضر (2011) والبصمة البيئية (2012)، والذي نوه إلي أن هذه التكلفة ستتضاعف ب 1.7 لعام 2050. إن الإنتاج الزراعي في العالم العربي حالياً يستهلك 85٪ من إجمالي احتياطي المياه، الذي يهدر بنسبة تفوق 60٪، كما إن الطاقة المهدرة تمثل 50% من الطاقة المنتجة. لقد أشار برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي إلي أن إيجاد منظومة غذائية اكثر كفاءة من شأنه ان يضاعف من مساهمة الفرد المباشرة في الدخل الوطني الي ثمانية اضعاف مقابل كل وحدة مستخدمة من المياه ويحقق وفورات علي المستهلكين في دولة قطر بقيمة 3.4 مليار ريال في السنة.


إن تحقيق الاستدامة كمطلوب أساسي للتنمية منوط بتفعيل شرطي الحوكمة والتنمية الاقليمية -- العاملان اللذان يعتمدان كأساسيات: تنويع الاقتصاد بشكل مستدام والذي يأتي نتيجة لوجود أطر مؤسسية، أهمها توفر الأراضي وحقوق الملكية الفكرية والسياسات العامة؛ تحسين الحوكمة المنهجية وذلك بمساعدة الحكومات الأفريقية والعربية في تلبية المعايير البيئية وتحقيق تطلعات المجتمعات المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص من خلال تحسين التكنولوجيا وبناء القدرات والتدريب؛ ضمان وضع استراتيجيات فعالة للمسؤولية الاجتماعية للشركات في كافة المبادرات العابرة للحدود التي يتبناها المستثمرون، وبالتالي تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، فضلاً عن تحقيق التماسك الاجتماعي. هناك حاجة إلى القيادة القائمة على القيمة في شكل استشارات ومشورة فنية لبروتوكولات محددة تتطلب التوافق مع المعايير العالمية وتعزز الشعور بالمسؤولية فيما يخص القضايا العابرة للحدود.


وإذ تسعي كثير من الأقطار الجادة إلي مواءمة خططها الوطنية وتطوير أهدافها كي تتوافق مع أهداف التنمية المستدامة 2030، فإنها تعتمد الاتي: تحسين استجابات السياسات وتعزيز التخطيط وبناء القدرات؛ تعزيز إدارة الطلب على المياه والطاقة والأراضي الصالحة للزراعة وذلك باعتماد ممارسة زراعية مستدامة عالية التقنية، تنويع الاقتصاد لخلق ثروة دائمة ودعم الجدوى الاجتماعية؛ تعزيز التوسع الحضري الأكثر استدامة وخلق بيئة معيشية أكثر صحة، تحقيق ائتمانيات الكربون اللازمة للوفاء بالتزام إبطال مفعول الكربون. رغم فارق الأمد الزمني لكل خطة، فهنالك مكاسب تتوخاها قطر من التغيير في نمط الانتاج الزراعي الذي استهلك مساحات هائلة من الاراضي والمياه بالتركيز علي انظمة الزراعة المحمية والحقول المفتوحة وأخرها قد تجنيها من خلال التنسيق الذي يغني بعض دول مجلس التعاون الخليجي عن محاولة كل دولة لتلبية كامل الطلب المحلي من القمح، وذلك في عام 2025. إنه لمن المحزن أن ينشغل بعض قادة الخليج بالتآمر علي بعضهم البعض، في وقت من المفترض أن يعملوا فيه ويتعاونوا علي تأمين حاجة شعوبهم من الأغذية. بل أن يعملوا علي توفير الأمن للشعوب الأخرى، خاصة الجارة التي ما فتئوا يحرصون عل إفقارها حتي رمتهم بآفاتها، والأسوأ لم يحدث بعد.


أنظر مناشدة الاستاذ/مالك المدان الحنينة المؤلمة للشعب السوداني: "من الشعب اليمني العريق إلى شعب السودان الشقيق. من أرض سام إلى أرض كوش ابن حام، من التبع شمر يهرعش إلى الملك طهراقا وتنوت، من العظيمة بلقيس أبنة الهدهاد إلى أماني كتشو، من معدي يكرب إلى كاشتا وملوك كرمة، من سبأ عظيم النبأ إلى مكرة ونوباتيا، من السيوف والحصون الحميرية إلى التيجان والأساور النوبية، من أنصار أحمد الرسول إلى من إتبعه بالقول الملين! سلام من الله عليكم وحرب تفتك بالمعتدين لقد تجاورنا لعصور .... وتعايشنا لدهور ... وتبادلنا البن والصمغ والعقيق والبخور. ولم أنسى بعد ولن أنسى رفاق دراستي السودانيين وتلك السنين التي كانت بيننا بكل ما فيها! أما اليوم، فأعلموا بأنه قد أزفت الأزفة وطغت العاصفة وأنشق القمر، وضاق الخناق وأشتد الحصار وسعرت البحار وانتشر الدمار ونحن في حرب لم تبق ولم تذر . منذ ثلاث سنين عجاف قتل فيها البشر وأحرق الشجر وطحن الحجر ووصلت الدماء إلى كل منزل وفناء، وظلم فيها شعب اليمن وأستضعف من قبل العالم أجمع وبيعت أرواحنا بالريال السعودي وأسترخصت حرماتنا أمام مرأى ومسمع العرب ولم يكن هذا بجديد!"

 

أقول لمالك: لقد أسمعت إذ ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي. فهؤلاء الذين برعت في أوصافهم لا يملكون لأنفسهم موتاً ولا حياة ولا نشرواً. هم يتلقون تعليمات من الإمبريالية العالمية التي ما عادت تستحي أو تتجمل في الطلب. فالرئيس ترمب يكيل السباب ويوجه تهمة الإرهاب لمن يشاء وكيفما شاء، علي سنة "رمتني بدائها وأنسلت". وهو يعلم أن قليل من الأعراب من يجرؤ علي رفض أو مقاومة الابتزاز الرخيصة هذه. فإنّ ممّا يغري هؤلاء الطغاة وأذنابهم، أيضاً هو الوضع الهلامي والوهمي المتمثل في الفراغ السياسي والثقافي والاجتماعي الذي خلفته الفوضى الخلاقة في المنطقة بأسرها – بيد أن الضرر لن يقتصر عليها وسيشمل الكل وربما تسبب في حرب عالمية ثالثة تكون بدايتها في الخليج – كنتيجة مدروسة وتبعة محسوسة لحرب الخليج الأولي والثانية، اللتان يسميهما المرحوم المهدي المنجرة الحرب الحضارية الأولي والثانية .

 

وها هي طبول الحرب تدق علي باب الشام بعد أحداث الغوطة التي أتهم فيها النظام السوري بقتل مدنيين مستخدماً الغار الكيماوي (أبريل 2018)، وعجزت فيها الأمم المتحدة علي استصدار قرار بالإدانة أو حتي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق مما جعل أمريكا تهدد بضرب النظام مستخدمة صواريخ كروز وجعل روسيا تتوعد بحرق المنطقة بأسرها. ما بين مخبول أمريكي يحس بالتضخم وجاسوس روسي يعاني من التوحد لا أشك أننا علي أبواب حرب عالمية ثالثة. حينها ستكون الحاجة لتأمين الغذاء أجل وأعظم!

 

auwaab@gmail.com

 

آراء