“التاكا تزول”، وكلامي لا يزول!! عوالم النشر والتوزيع والتدشين في بلادي

 


 

 


كنت أحسبها من باب المجاز، كلمة المسيح "الجبال تزول، وكلامي لا يزول"، لم يدر ببالي إن للكمات ظل تقيل فيه الشعوب من رمضاء العيش، ولها نور تتلفت له زهور عباد شمس القلوب، ولها سطوة تخيف الحكومات المستبدة، والعقول الخاملة.

حكام بلادنا، يخافون الكلمات، يمزقون قصائد "محجوب شريف"، خوفا من خروج دبابة من بيوتها، وهي تتضوع بالحب والفراش، نقاد أدب تخرجوا من الكلية العسكرية، ويتلصصون على أبطال الحكايات، رعبا من قيادة ثورة والخروج من بين السطور، للصدور، مثل صورة أشعة أكس، يقلبون الصفحات أمام أعينهم، عسى أن يروا كناية، أو زهرة، أو غمية، داااخل ضلوع الرواية، ترفع لثام قبحهم اليومي المظلم، بهمس نورها.

تقف "الكلمات"، في صفوف طويلة، مملة، منظمة، كلمات الشعر في صف، والنثر في صف أخر، أمام بوابة الرقابة "التي تحاول أن تطال الخواطر، نبع الإبداع"، من باب "الوقاية خير من العلاج"، تمر على أبواب الحجم "كي يوزن حجمها "سمينة أم ضعيفة"، ثم تمضي لباب (مؤامرة، أم طابور خامس)، ثم تمر بباب ضيق وقصير "كي تركع الكلمات، والويل للتي لم تركع"، أو هربت من الصفوف، أو هاجرت في الأفاق، ثم تدلف للباب الأخير، (كلمات مؤمنة، أم كافرة؟).

جيش كبير لا يزرع، ولا يصنع، (في بلاد ما أحوجها لذلك من كل فرد، بل من كل عصفور، وموجة)، يساهر على فوانيس المدينة، صفته "اللحى، والجهل"،  كي يقرأ "الكلمات"، ويراقب "الكلمات"، ويجلد "الكلمات"، ويشنق "الكلمات" بصلاحية إله، يفعل ما يريد، ويطال فعله، حياة الكاتب، وكلماته "إعدام المفكر محمود عام 1985م، وموت بهنس على أرصفه البرد، وجنون جماع، ومعاوية نور، وتكفير "التجاني".

في هذه الأحوال، يحمل الشباب، وفي حقائب جلدية، على ظهورهم، أو في أعماق قلوبهم، مسودات قصص، وحكايات، وقصائد، تعبر عنهم، وأحلامهم، وهمومهم، الذاتية، والوجودية والوطنية، يخفونها كما تخفي عظام الضلوع القلب، وأي قصة تنشر اليوم "تأكدوا بأن عمرها أكثر من سبع سنوات في رحم الكاتب"، تولد عجوز، رغم شبابها، وقد تكون مرحلية، فات أوانها،  ومع هذا تعيش في وقت آخر، مثل دب قطبي، في خط الأستواء، فما أكثر الحروب على النشر، والإبداع، بل هناك من يرحل لسر السماء والموت، وترحل معه إبداعاته "أفي السماء دور نشر؟"، أم يقرأ الناس بفراستهم، الكتاب والحكاية وهي مسطورة في بالك؟ لا حد للاستحالة في السماء.

حين ينشر الكتاب، لن تجد تلكم الفرحة الفطرية "التدشين"، طريقها لصدرك، أقسم لكم بأني لم ادشن كتاب اصدرته ليوم الناس هذا، "يكفي انه صدر والسلام"، حتى فرح الفطرة، سجين في بلادي، ومن عجب تتدعي بأنها "تحكم بشرع سماوي"، شرع الجهل، والغباء، والبلادة، معا.

تفنن الباعة، وقد عم الفساد، في قرصنة نشر الكتب، وبمقدروك، أن تشتري كتابك (أنت مؤلفة)،  "بطبعة، وعدد، وتصميم"، لا علم لك به، فتأكد بانك في قلب الخرطوم، وفي كتب مفروشة في اطراف الطرق، كل شئ ممكن، في بلاد "تخاف الجبال، تخاف الكلمات"، وباعة الكتب، بعيون ذكية، عرفوا "الممنوع مرغوب"، استفادوا منه، والكاتب ضحية بلاد، وحكومة، وباعة قراصنة.

ومع كل هذا، تزول "التاكا"، وكلمات الأدب لا تزول.

ملاحظة:
التاكا، جبل شامخ، شرق البلاد.


ganikaramalla@gmail.com

 

آراء