التجريم والصاق التهم الجزاف بالقوي المدنية

 


 

 

mugheira88@gmail.com

لا يستقيم منطقا القول بأن من يعارض استمرار هذه الحرب اللعينة في بلادنا و يدعو لإيقافها هو غير مؤيد للجيش الوطني , ففي مثل هذه التصنيفات ظلم و تجني وتشويش علي المواقف درجت الجماعات السياسية المتناحرة في بلادنا علي مضغه و استهلاكه بغية التجريم والصاق التهم الجزاف , و هذا لعمري مرض أصيب به هذا المجتمع نسأل الله شفاؤه و البرء منه .
فالحرب , أي حرب , في السودان وفي غيره , فعل بشري شنيع و مكروه , بل هي أسوأ فعل يرتكبه الانسان وهو الذي خلق في المبتدأ لإعمار الأرض و إصلاحها و للتناسل و التكاثر وعمل كل ما فيه خير ونفع للبشر والمحافظة علي حيواتهم .
و للحروب آثار كارثية علي الناس و المجتمعات لما فيها من قتل و ازهاق للأرواح و لما تحدثه من إصابات و اعاقة مستدامة . فهي تجبر الناس علي الفرار من منازلهم و الهروب الي مناطق ليس بالضرورة انها آمنه و يضطرون الي النزوح والتشرد و يتعرضون للأزمات النفسية والصحية جراء تدهور البيئة و انتشار الأمراض وانعدام الأدوية , كما تعمل الحروب علي تدمير المنشئات العسكرية والمدنية و إصابة البني التحتية مما يؤدي الي الخسائر الاقتصادية و تعطيل عجلة الإنتاج و تفشي العطالة و توقف دورة التجارة و نقص الغذاء فيعم الفقر و الجوع وتنتشر الأمراض , هذا فضلا عن الاضطرابات الاجتماعية التي تؤدي الي زعزعة الاستقرار و توالد الصراعات القبلية والجهوية و الاثنية و تسود حالات من التوتر والعنف تكثر فيها السرقات و الاختطاف و الاغتصابات وغيرها من المصائب , فالحرب , و بكل المقاييس هي أسواء كارثة تواجهها المجتمعات لأنها تخلف كماً من الآثار السالبة طويلة الأمد , فلا أحد يمكن أن يؤيد استمرار الحروب و إطالة أمدها . و في تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف دعوات لنبذ الاقتتال وبسط السلام و بث الطمأنينة في النفوس .
أما تأييد الجيش الوطني فهو شرط من فروض الولاء للأوطان , واحترام المؤسسات القائمة في الدولة حق للبلاد علي أهلها , حقوقية كانت أو تربوية أو عسكرية. و مثل هذا التقدير والاحترام يندرج تحته احترام المؤسسات التعليمية و الشرطية والصحية و الدبلوماسية و احترام حقوق المرآة والطفل و النقابات و كافة مؤسسات الدولة و هيئاتها و مساعدتها في تأدية واجباتها . و يدخل ضمنه تأييد وتشجيع المنتخبات الوطنية الرياضية و الفرق الكشفية والمسرحية و غير ذلك . فالمؤسسة العسكرية مؤسسة مثل كل المؤسسات الوطنية , و أن اختلفت الأدوار , تقوم بدورها في المساهمة في بناء الدولة و المساهمة في تطورها و ازدهارها و من هنا يتوجب احترامها و تقديرها .
فلا ينقص من وطنية المرء مثقال ذرة اذا نادي بوقف الحرب أو اصطف في تكوينات تبحث عن الحلول التي تعمل علي تعطيل ألياتها لوقف نزيف الدم و زهق أرواح أبناء الوطن الواحد و طي صفحات التخاصم و الخلاف و ايجاد منافذ للوصول الي مرافيء التعايش السلمي وايقاف مد التدهور الكبير الذي تسير فيه بلادنا بخطي متسارعة .
والذي لا مراء فيه أن انتقادات الشارع للقوات المسلحة , و فروعها من قوات الدعم السريع وحرس الحدود و حتي قبل الحرب , لها ما يبررها بعد أن ارتكبت من الأعمال الوحشية في حروب دارفور و النيل الأزرق و خاضت في أعلي مستوياتها خضم السياسة و الأعمال التجارية وامتلاك المناجم والضيع , ثم عمدت اثناء الفترة الانتقالية الي اجراء عدد من التفاهمات و العروض مثل عقد لقاءات سرية تفضي للتعاون والتطبيع مع الكيان الصهيوني و ابتدار اتفاقات مع بعض الدول و منح وعود بأنشاء قواعد عسكرية وموانئ غض النظر عن الرفض الواسع لها من معظم المواطنين . كما أن ذات المكون العسكري لم يقم بواجبه الكامل في حماية الفترة الانتقالية, بل حاول اجهاضها حين ارتكب مجزرة القيادة العامة الوحشية التي راح ضحيتها مئات الشباب الغض الصائمين ثم ما لبث أن انقلب عليها بليل بدواع غير مبررة . فليس من المنطق أن يكون تأييدنا للجيش موصولا في كل خطواته و حركاته و سكناته و إن تعاظم خطرها علي وحدة وسلامة الوطن و رغبة أهله في إقامة الحكم المدني الديمقراطي و الذي ظل المطلب الأبرز في كل ثوراتهم المجيدة .
كما أن هذا الموقف من تأييدينا و انتقادنا للمؤسسة العسكرية لا يمنعنا أبدا من شجب أعمال و إدانة قوات الدعم السريع لذات الأسباب السالفة و لارتكابها كثيرا من الفظائع و الانتهاكات قبل و اثناء الفترة الانتقالية و سلوكها الوحشي تجاه الاسر و المواطنين و المنشآت اثناء هذه الحرب , التي يكفي وصف قائد الجيش و قائد قوات الدعم السريع لها بأنها عبثية و ملعونة و الخاسر الأكبر فيها وطننا السودان و شعبه الأبي الكريم .
لهذه الأسباب مجتمعة , فانه من الخطل و الظلم و التجني أن يرتبط رفض الناس للحرب والدعوة لإيقافها العاجل بالوقوف ضد الجيش الوطني و عدم تأييده هو واحد من مؤسسات الدولة التي يتوجب احترامها و دعمها و تأييدها .

 

 

آراء