التخريب الممنهج للتعليم في فترة الانقاذ (10)

 


 

 

1
التخريب الآخر الأكبر للتعليم والممنهج هو الذي حدث بعد انقلاب 30 يونيو 1989م الذي دبرته الجبهة االقومية الإسلامية بقيادة د. الترابي ، وصادر الحريات والحقوق الأساسية ، ومارس القمع الوحشي للمعارضين السياسيين والنقابيين من اعتقالات واعدامات وتعذيب وحشي في بيوت الأشباح ، وقام بتشريد أكثر من 450 الف من العاملين ، وزاد نيران الحرب الجهادية اشتعالا في الجنوب ، وجبال النوبا وجنوب كردفان ، حتى تم انفصال الجنوب ، واصبح البشير مطلوبا للجنائية الدولية نتيجة الجرائم ضد الانسانية و الإبادة الجماعية التي تمت في دارفور بواسطة قوات الحكومة والجنجويد ، كما تم عقد مؤتمرات كانت قراراتها وتوصياتها جاهزة ومعروفة سلفا والدعوة فيها تتم علي أسس فردية ومن الاذاعة مثل: مؤتمرات الصحافة والاعلام والحوار الوطني، والتعليم.الخ .
كما سارت سياساته الاقتصادية في طريق التنمية الرأسمالية التقليدي الذي سارت عليه حكومات مابعد الاستقلال المدنية والعسكرية، رغم شعارات الاسلام التي رفعها، فهي تنمية مستندة علي الفكر التنموي الغربي: " تحرير الاقتصاد والأسعار واقتصاد السوق ، والتصديق بمدارس وجامعات ومستشفيات خاصة لرموز الإسلامويين، بعد أن اصبح التعليم والصحة سلعة لتحقيق أكبر قدر من الأرباح والتراكم الرأسمالي ،اضافة للخصخصة أو تصفية مؤسسات القطاع العام وبيعها بأثمان بخسة لمحاسيب النظام، التخفيضات المتوالية للعملة، ونهب عائدات البترول التي قُدرت بأكثر من مائة مليار دولار ، اضافة لنهب عائدات الذهب ، تهريبها للخارج وتم ادخال نظم مثل: السلم في الزراعة والزكاة وتجربة البنوك الاسلامية وشركات الاستثمار الاسلامية، فالبنوك الاسلامية، كما هو معروف، استغلت الشعار الاسلامي للحصول علي سيولة كبيرة استخدمت في صفقات تجارية قصيرة المدي بأسلوب المرابحة، ولم تساعد الاستثمار ولم تقدم بديلا وظيفيا لسعر الفائدة.
بعد الاستيلاء علي السلطة تم التمكين في الارض للرأسمالية الطفيلية الاسلاموية والتي تضاعفت ثرواتها بشكل هائل بعد الانقلاب وكان من اهم مصادر تراكمها الرأسمالي: نهب اصول القطاع العام، اصدار قانون النظام المصرفي لعام 1991م والذي مكن لتجار الجبهة ولمؤسساتها من الهيمنة علي قمم الاقتصاد الوطني، والتسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والإعفاء من الضرائب، والاستيلاء علي شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الاسلامية، والمضاربة في العقارات، والاستثمار في مشاريع الزراعة الآلية، والاستيلاء علي مؤسسات تسويق الماشية، اضافة لنهب عائدات البترول والذهب والجبايات واقفار المزارعين، ودعم رأس المال الإسلامي العالمي، اضافة للاستثمار في التعليم والصحة والذي اصبح مصدرا للتراكم الرأسمالي كما اشرنا سابقا..
2
وصلت البلاد في ظل نظام الانقاذ الى أدنى مستوي لها في التعليم ، فمنذ إعلان سياسة الانقاذ بعد صدور قرارات وتوصيات مؤتمر التعليم الذي دعت له السلطة الانقلابية في 17 سبتنمبر 1990 ، وتمّ وصفها بانها ثورة تعليمية كبرى!!! تهدف الى إعادة صياغة الانسان السوداني ، وتحقيق نظام تعليم مستمد من موروثات المعارف الإسلامية عقيدةً واخلاقا .
وهو في جوهره مشروع يخدم فكر الاسلامويين الظلامي باسم المشروع الحضاري ، ولتحقيق هذا لم يراعو حتى توصيات مؤتمر التعليم في التمويل والأحصاء التربوي، وتدريب المعلمين وتحسين أوضاعهم المعيشية والمهنية.الخ.
لكنهم قاموا بصياغة المناهج على عجل بواسطة عناصرهم ، ودون مشاورة المعلمين واولياء الأمور والمختصين والمهتمين ، وهى مناهج مليئة بالأخطاء المعرفية اولإملائية والحشو والتكرار ، اضافة لعدم مراعاة أذهان الطلاب بزحمتهم بمواد فوق طاقتهم الذهنية ، وعدم مراعاة خصائص الييئة والواقع السوداني المتعدد دينيا ولغويا وثقافيا وعرقيا.
إما في السلم التعليمي فقد كانت ابرز معالمه :
- قام على 8 :3 ، أي جعل المرحلة الابتدائية 8 سنوات، والثانوي 3 سنوات
- إلغاء المرحلة المتوسطة .
- انقاص سنوات الدراسة عاما .
( للمزيد من التفاصيل راجع عمر على محمد طه شرارة ، تطور التعليم العام خلال خمسين عاما 1956- 2006 ، دار مدارات ، 2012)
كان هذه القرارات وبالا على التعليم ، فقد تم خصم عام دراسي كامل من الطلاب أدى لتدهور في مستوى تعليمهم ، اضافة لتجاهل ملاحظات وانتقادات المعلمين والمهتمين واولياء الأمور الذين ارهقوهم في متابعة أبنائهم بمناهج طويلة مليئة بالحشو الذي لا معنى له.
كان من نتائج ذلك تدهور مستويات الطلاب في اللغة العربية وبقية المواد ، وعودة البلاد الى الوراء جراء تلك المناهج للتعليم.
تدهورت اوضاع المعلمين المعيشية والمهنية، والبيئة المدرسة، فقد اصبحت 90% من المدارس غير صالحة. .
ضعف ميزانية التعليم التي لم تتجاوز 2,5% ،على سبيل المثال في العام 2012 ، بلغ الصرف على التعليم 44 مليار جنية ، في حين بلغ الصرف لجهاز الأمن (1) ترليون جنية ( الترليون الف مليار) و 30 مليارجنية.
كان من نتائج ذلك الخراب الكبير الذي نشهده في التعليم العام الذي عبرت عنه لجنة المعلمين في اضرابها الجارى حاليا ، حيث اشارت لضرورة زيادة الحد الأدني لأجور المعلمين ، وزيادة الانفاق على التعليم ليصل الي 20%، وتدهور بيئة المدارس التي زادت تدهورا بعد انقلاب 25 أكتوبر ، واصدار ميثاق للتعليم باعتباره اساس تقدم وتطور البلاد واستثمار بشرى لا غنى عنه، اضافة الى أن اجبار الطلاب على دفع الرسوم أدي لتسرب أعداد كبيرة منهم خارج المدارس.
وبعد خراب سوبا بعد 20 عاما من التجربة اقروا بالفشل .
3
في التعليم العالي الغت الحكومة الانقلابية قانون الجامعة ، واعلنت ما يسمي بثورة التعليم العالي الذي التي كانت كارثة ، وصادرت استقلال الجامعات والاتحادات الطلابية في الجامعات كما حدث في الثانويات.
كما شردت الأساتذة المؤهلين مما كان له الأثر السلبي علي التعليم العالي ، والغت نظام الاعاشة والسكن ،وقام صندوق دعم الطلاب الذي اوغل في الفساد ونهب ممتلكات الجامعات، ومارست اقصي انواع العنف ضد الطلاب من قتل وتشريد وتعذيب وحشي ، وقمع مفرط لاضراباتهم ومظاهراتهم ، وكونوا الوحدات الجهادية الطلابية التي حولت الجامعات لساحات حرب بدلا من ساحات للحوار والفكر المستنير، وحرية البحث العلمي والأكاديمي ،وسالت الدماء ، واشتدت موجة العنف والإرهاب ، ومصادرة حرية الفكر والحوار، ومنع فوز قوائم المعارضة في الاتحادات ، وتم استشهاد عدد كبير من الطلاب ( محمد عبد السلام، التاية، ابو العاص ، . الخ)، كما تم استخدام القمع الوحشي لطلاب دارفور، ولكن رغم ذلك تواصلت مقاومة الطلاب بمختلف الأشكال من اعتصامات ومظاهرات ومذكرات وعرائض ، وقيام اوسع تحالفات تم فيها انتزاع بعض الاتحادات ، واستخدم "رباطة" المؤتمر الوطني العنف لالغائها، أو تجميد الاتحادات ، كما حدث في جامعة الخرطوم والجامعة الأهلية، وكردفان. الخ.
قامت انتفاضات الطلاب في سبتمبر 1995 ، وسبتمبر 1996 ، و2012 ، والتي كانت قوية هزت النظام، وتم مواصلة النضال من أجل شرعية الاتحادا الطلابية وحرية وديمقراطية النشاط الطلابي السياسي والفكري والأكاديمي واستقلال الجامعات، وتوفير مقومات التعليم من سكن واعاشة ، الغاء الرسوم الدراسية الباهظة و توفير المكتبات والأساتذة، وميادين رياضية ومعامل، وابعاد الوحدات الجهادية المسلحة من الجامعات وعودة الطلاب المفصولين ، والتحقيق في اغتيال الشهداء .الخ.
4
في هذه الفترة يونيو 1989- ديسمبر 2019 ، حدثت متغيرات كبيرة في التعليم العالي حيث بلغت جملة مؤسسات التعليم العالي أكثر من 72 مؤسسة منها 44 جامعة خاصة وأهلية و28 حكومية ، منه 11 بالعاصمة، وبلغ القبول بها أكثر من 250 ألف طالب.
هذا التوسع كما اشرنا سابقا ، لم يقابله توسع في الصرف علي التعليم ، وفي توفير الأساتذة المؤهلين والمراجع والمكتبات والمعامل والمباني اللائقة ، والبيئة الجامعية مثل : الميادين الرياضية وأماكن النشاط الثقافي والترفيه . الخ من مقومات التعليم العالي. كما تم تصفية نظام السكن والاعاشة والزيادة في الرسوم الدراسية، كما تواصلت اعداد الزيادات في الطالبات مما يتطلب دراسة وحل مشاكل الطالبات.
كما تدنت مستويات البحوث العلمية ، وضعف ميزانية التعليم التي بلغت في المتوسط 1,3% من ميزانية الدولة، مما أدى لفرض الرسوم الباهظة على الطلاب المقبولين للجامعات هذا العام ، التي وجدت مقاومة كبيرة من الطلاب والأساتذة ، ومجالس إدارات الجامعات، اضافة لنهب ممتلكات الجامعة ( أراضي ، مزارع. الخ)، وضعف العلاقات والتدريب الخارجي، وتراجع جامعة الخرطوم وغيرها في التصنيف العالمي .
فضلا عن مشكلة القبول الخاص التي جعلت الكفاءة تتراجع في وحه من يمتلكون المال، اضافة لمشكلة التدريب النظرى دون العملي ، كما تم حشو المناهج بمطلوبات الجامعة ، تدن اللغة الانجليزية جراء التعريب غير المدروس.
لمواجه ذلك تبرز أهمية زيادة الصرف على التعليم ، وشروط الخدمة المجزية للاساتذة لمواجهة خطر الهجرة للكفاءات ، الغاء القبول الخاص ، واستقلالية الجامعات وحرية البحث العلمي والأكاديمي ، وتوفير مقومات التعليم العالي من معامل ومكتبات ، وسكن واعاشة للطلاب ، وعودة الداخليات للجامعات .
نواصل

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء