“الترس” .. عبقريةُ شعبِنا لصفْعِ الإستبداد !! 

 


 

فضيلي جماع
25 March, 2022

 

   تطالعنا دون حياء أصواتٌ خائرة، ليس من وراء همْزِها ولمْزِها سوى إبطاء حركة الثورة السودانية المشتعل أوارها منذ ثلاث سنوات وأربعة أشهر. نقرأ همزهم ولمزهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي. وطوراً - وتلك مصيبة - تصدر وخزات الإبر والدبابيس هذه من مثقفين وسياسيين نرجو لو أنهم (نقّطونا) بصمتهم! تتلخص أحاديثهم الخجول في ما معناه : إلى متى يظل هؤلاء الشباب في دوامةِ التظاهر، بينما تزداد معاناة الإنسان السوداني كل يوم دون طائل؟ وهذا السؤال الذي يبدو بريئاً في مظهره، يحمل في طياته السُّمَّ الزُّعاف. فالمحتوى الخفي والخبيث للسؤال هو زرع الشك في استمرارية ماكينة الثورة الهادرة دون فتور ، وهي تدخل النصف الأول لعامها الرابع.

   يعرف الكثيرون أنّ الظلمَ والجوعَ قاسمان مشتركان في كل الثورات. فكم من طاغيةٍ نفخ  أوداجَه ، وأرغى وأزبد، حاسباً أن القوة التي يهين بها شعبَه ستدوم. يسرق ويقتل ويسجن وينسى ميزان العدالة. فقد قال أحد أباطرة أوروبا ذات يوم حين أسكرته السلطة المطلقة بأنه هو الدستور! نسي أنّ الشعوب متى جاعت وصودرت حناجرُها ثارت وألقت بأمثاله من الطغاة في سلة مهملات التاريخ. وكتبت صفحة جديدة ناصعة البياض في تاريخها !!

  الشارع المنتفض هو وقود الثورة وصوتها الداوي لو يعلمون. وأي كلام عن ضرر يلحق بالناس وإعطال المصلحة العامة جراء التظاهرات، وإغلاق الشوارع في هذه المرحلة من تاريخنا إنما هي كلمة حق أريدَ بها باطل. التظاهرات حق مشروع طالما استمر القمع والاستبداد وسرقة لقمة الخبز من أفواه المساكين. وطالما ظلت طغمة عسكر النظام المباد والمليشيات والفلول ومن لف لفهم – طالما ظلوا ممسكين بالسلطة عبر فوهة البندقية - فإنّ هدير الشارع يظل هو الترياق الذي يذهب بريحهم، طال الزمن أم قصر.

   وإذا كان هناك من نصح يعيده كاتب هذه السطور ، هو  أنّ الثورة  التي لا تبدّل من تكنيك مسيرها وخططها سوف تبطيء خطاها وتعطي عدوها الفرصة للإنقضاض عليها. وأعني بذلك أنّ وضع جدول ثابت للتظاهرات ، واتباع خط ينتهي عند باحة القصر أمر ليس من ذكاء القيادة وإجادة تقنياتها بأي حال. وقد أعجبني اليوم تسجيل صوتي للثائر هشام مختار نصح فيه الثوار بأن يدعوا جانباً انصباب المسيرات كلها حول القصر. بل الأفضل - كما يشير الأستاذ هشام مختار- أن توزع أحياء العاصمة ومدن البلاد الأخرى إلى تجمعات في مناطق بعينها، مما يضعف قوى مليشيات النظام ويرهقها بدنياً..إضافة إلى الرهق المادي لخزينة نظام الإنقلابيين الخاوية!

   ثم نختم بالترس وما أدراك ما الترس!! فالترس وإن قامت بتطوير فنونه ثورة ديسمبر إلا إنه واحد من مخترعات الشعب السوداني في انتفاضة اكتوبر 1964م. وكانت ليلة المتاريس من الوسائل الذكية والشجاعة التي أعطت الثوار اليد العليا في ثورتهم ضد حكم الفريق ابراهيم عبود وعجلت بإزالته. فالترس إذن إرث ثوري سوداني يضاف إلى رصيد بنك ثورة ديسمبر العملاقة. نقول للثوار في كل مدن بلادنا- وليس العاصمة وحدها : أقيموا التروس حيث دعت خطط الحراك الثوري. ولقد طالما أضحكني المرجفون - أصحاب الأصوات الخائرة- إذ يرمون اللوم على الثوار متذرعين بالضرر الذي يلحق بالمواطنين جراء التتريس! وكأنهم نسوا الحاويات الضخمة التي أغلق بها البرهان وطغمته جسور العاصمة المثلثة وصوت الرصاص الحي يلعلع فوق رؤوس أبنائنا وبناتنا. ليس هذا تاريخ بعيد لنقوم بتنشيط ذاكرتنا لإستعادته. فذاكرة شعبنا ليست غربالاً !

   لا نجزم بزوال هذا النظام في القريب العاجل. فثورة المهاتما غاندي السلمية في الهند استمرت سبعة عشر عاماً - مع فارق توفر وسائل التقنية العصرية في زماننا. كذلك استغرقت ثورة الحقوق المدنية بقيادة مارتن لوثر جونيور سبع سنوات لتصيب هدفها..واستغرقت أم الثورات في عصرنا – الثورة الفرنسية - عشر سنوات لتنتصر وتنجز أهدافها. ونحن شعوب السودان قد فجرنا ثورة من كبريات ثورات القرن الواحد والعشرين. ولن يصيبنا الوهن شيباً وشباباً للوصول بثورتنا للغاية التي يسعى لها شعبنا.

  نردد لمن ينتظر هزيمة ثورة ديسمبر ، ونكوص راية حلمنا بالدولة المدنية ، نردد هتاف شبابنا في الشارع الثائر: الشعب أقوى ، والردّة مستحيلة!



فضيلي جمّاع

لندن

عشية 23 مارس 2022م



fjamma16@yahoo.com

 

آراء