التصدي لنهب الأراضي في ظل الحرب (١/٢)
تاج السر عثمان بابو
2 December, 2023
2 December, 2023
اعلن محافظ مشروع الجزيرة ان وزارة المالية وبنك السودان المركزي قد وافقا على تمويل محصول القمح بعد أن تم تفويض المحافظ برهن أصول المشروع، وهو قرار خطير في ظل الحرب الجارية حاليا وعدم شرعية الحكومة الحالية، وغياب السلطة التنفيذية والتشريعية .. وهو امتداد لقرار جبريل ابراهيم في ظل الحكومة الانقلابية لضم المشروع لوزارة المالية، واستمرار لمخطط نهب الأراضي بعد الابادة الجماعية التي جرت في دار فور.
مما يتطلب اوسع مقاومة لرفض المخطط، فالحكومة ملزمة بتمويل محصول القمح وتوفير مدخلات الإنتاج والوقود دون رهن المشروع، فهي تمول الحرب اللعينة الجارية الان مما يتطلب وقفها، وتمويل محصول القمح وتوفير الاحتياجات الأساسبة مرتبات العاملين. الخ.
بهذه المناسبة نعيد نشر هذه الدراسة بعنوان " التراكم الرأسمالي من نهب الأراضي في السودان (١٨٩٨ -٢٠٢٠ )
نتابع في هذه الدراسة نهب الأراضي في السودان بعد التوسع في إدخال نمط الإنتاج الرأسمالي في السودان والزراعة الحديثة مع بداية الاحتلال الانجليزي للسودان، واشتداد الهجمة علي الأراضي بعد الاستقلال ، والدور الكبير الذي لعبته الأرض كأحد مصادر التراكم الرأسمالي في السودان علي الصعيدين المحلي والعالمي، وتهريب العائد ، بعد إدخال المحاصيل النقدية علي حساب الغذاء، مما أدي للافقار والمجاعات التي يشهدها السودان.
أولا : بعد إعادة إحتلال السودان عام 1898م جرى التوسع في إدخال نمط الإنتاج الرأسمالي في السودان والزراعة الحديثة ، وكان من ضمن أهداف الاستعمار الإنجليزي تحويل السودان إلى مزرعة قطن كبيرة تشكل مصدرا دائما ومستمرا لمصانع لانكشير من خامة القطن السوداني ، أي مصدر رخيص للمواد الخام وسوق لمنتجاتها الصناعية حسب قوانين التبادل غير المتكافئ ، ولتحقيق ذلك كان لابد تنظيم ملكية الأرض وإلغاء نظام الرق .
فيما يختض بتنظيم ملكية الأرض صدرت قوانين تنظيم الملكية وتسوية النزاع حول الأراضي والتي كان أهمها:
- قانون الحقوق على الأرض الزراعية لعام 1899 م،
- صدر قانون الغابات 1901 م ، قانون نزع الأراضي 1903 م. الذي يعطي الحكومة الحق في الاستيلاء علي أي أرض يمكن أن تحتاج اليها للصالح العام ، علي أن تعوض المالك بقطعة أخري بعد الاتفاق معه ، وقد صدر هذا القانون لأن الحكومة كانت بصدد مد خطوط السكة الحديد في بعض المناطق ، وستحتاج الي تلك الأراضي.
- صدر قانون تحديد الأراضي ومساحتها 1905 م الذي اصبحت بموجبه الحكومة المالك الشرعي لكل الأراضي الزراعية والغابات الخالية من الملكية الخاصة.
- في عام 1912 ، تم تسجيل كل الأراضي الزراعية ، وصدر قانون تقييد تصرف السودانيين في الأراضي 1918 م الذي يتضمن عدم جواز بيع أو رهن أو التصرف في اي أرض ما لم يكن بموافقة المديرية ، ماعدا في حالة الوصية أو الايجار لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات ، وعندما يراد بيع الأرض تحصل المحكمة علي صورة مما هو مدون عنها في "تسجيل الضرائب"، وتطلب اذا لزم – شهادة الشيخ أو العمدة بأن الشخص المسجلة الأرض باسمه هو المالك الوحيد لها ( للمزيد من التفاصيل راجع، سعيد محمد أحمد المهدي ، قوانين السودان ، المجلد الأول ، 1901- 1925، دار جامعة الخرطوم للنشر 1975م) .
كان الهدف من صدور القوانين المقيدة لبيع الأراضي هو منع المضاربات وانتقال الأراضي للاجانب والمصريين ، ورغم صدور هذه القوانين ، فان عملية المسح والتسوية للأراضى لم تكن قد تمت نهائيا في أنحاء السودان .
من أهم القوانين التي أصدرتها إدارة الحكم الثنائي فيما يتعلق بالأراضي كان قانون تسوية الأراضي وتسجيلها عام 1925، والذي وضع القواعد الأساسية لتسوية وتسجيل الأراضي إذ ضمن وجود صاحب الأرض والمستند الدال على ملكيته، واعتبر الأراضي غير المشغولة ملكا للحكومة.
إدخال نظام الإدارة الأهلية والحواكير
- في عام 1923 ادخل الاستعمار نظام الإدارة الأهلية ومعها نظام الحواكير التي يديرها نظار القبائل ، وتقسيم الأراضي القبلية (الحواكير)، حواكير لمالكيها الأصليين (الذين يستضيفون قبائل أخري دون أن يكون لهم الحق في النظارة ، والسماح لها بالاستفادة منها، باعتبارها مستضافة) وأصبح ناظر القبيلة مسؤولا عن إدارة الحواكير ، أي تمّ ربط الحاكورة بالقبيلة في المكان المحدد ، اضافة لسلطات ناظر القبيلة الادارية والمالية للحواكير.
فى عام 1930 م صدر قانون ملكية الأراضي الذي منح الحاكم العام السلطة للحصول على أي مساحة للاستخدام العام وذلك بنزع ملكيتها.
وهنا نلاحظ التوسع في تطور حق الملكية الخاصة للأراضى الذي يعنى الاستعمال والاستغلال والتصرف ، فحسب ما ورد في قانون الأراضي وتسجيلها 1925 م عن التصرف في الأرض بأنه كل ما يرهن أو ينقل من شخص لاخر بفعل الأطراف ، أو بأمر محكمة ، وان أيلولة الأرض أو الرهن تعنى نقلها من شخص لاخر بالميراث أو أي طريقة قانونية أخرى.
كما ابقت الإدارة البريطانية علي تشريعات الامام المهدي التي حرمت ملكية الأجانب للاراضي ، وضمت كل اراضي الأجانب التي صادرتها المهدية من الأجانب للدولة.
هذا اضافة الي أن قوانين الأراضي لم تمس من الناحية الفعلية الحقوق العينية التقليدية المعروفة والمسلم بها للأفراد والقبائل والجماعات..
وبصدور هذا القانون 1930 م الخاص بقانون ملكية الأراضي الذي منح الحاكم العام السلطة للحصول على أي مساحة للاستخدام العام ، وذلك بنزع ملكيتها ، تكون الإدارة الاستعمارية قد استكملت قبضتها على ملكية الأرض ، وقننت كل الخطوات التي اتخذتها منذ بداية حكمها والتي مهدت بشكل أساسي لإدخال زراعة القطن والذي كان من أهداف احتلالها للسودان .
بعد استكمال قبضة الإدارة البريطانية علي الأراضي تمّ هجوم الشركات الرأسمالية الاقليمية والعالمية علي الأرض في السودان بهدف تحويل البلاد لمزرعة قطن كبيرة لمد مصانعه في لانكشيربالمادة الخام كما أشرنا سابقا ، علي أساس التبادل غير المتكافئ، واصبح السودان مصدراً للمواد الخام ومستورداً للسلع الرأسمالية،وقامت مشاريع القطن في الجزيرة والقاش وطوكر وجبال النوبا، اضافة للمشاريع الخاصة للقطن علي النيلين الأبيض والأزرق، ومشاريع الطلمبات في الشمالية ، الخ، اضافة للاستثمار في الزراعة الآلية المطرية التي بدأت إثناء الحرب العالمية لمد قوات الحلفاء في شمال افريقيا بالغذاء، وبنهاية الاستعمار كانت المؤسسات الاستعمارية قد حققت أرباحا ضخمة من زراعة القطن ونهب ثروات البلاد الأخري ، وتحويل معظم الأرباح التي حققتها شركة السودان الزراعية إلى خارج البلاد في شكل عائدات لاصحاب الأسهم ، علي سبيل المثال: كان أجمالي أرباح الشركة في السنوات الأربع الأخيرة ( 1947 - 1950 م ) اكثر من 9.500.000 جنية إسترليني ( تيم نبلوك : صراع السلطة والثروة في السودان ، ص ، 29 _30 ) ، أي أن الاستعمار كان ينهب ويستنزف قدرات البلاد الاقتصادية ، ويصدر الفائض الاقتصادي اللازم لتنمية البلاد إلى الخارج ، وفى النهب أيضا ترد مرتبات كبار الموظفين والإداريين الإنجليز ، ففي عام 1945 م بلغ نصيب 771 موظفا إنجليزيا 61.3 %من إجمالي المرتبات في الميزانية، وعندما أحيل هؤلاء الموظفين للمعاش عام 1954 م تقاضوا تعويضا مقداره 1.590.00 جنية مصري ، وهذا النهب الاستعماري ، ومن كل النواحي ، يجعلنا نؤكد أن المستعمر جاء لينهب الشعب السوداني ، وبالتالي كان ذلك من أسباب تخلف السودان الاقتصادي والاجتماعي .
نواصل
alsirbabo@yahoo.co.uk
مما يتطلب اوسع مقاومة لرفض المخطط، فالحكومة ملزمة بتمويل محصول القمح وتوفير مدخلات الإنتاج والوقود دون رهن المشروع، فهي تمول الحرب اللعينة الجارية الان مما يتطلب وقفها، وتمويل محصول القمح وتوفير الاحتياجات الأساسبة مرتبات العاملين. الخ.
بهذه المناسبة نعيد نشر هذه الدراسة بعنوان " التراكم الرأسمالي من نهب الأراضي في السودان (١٨٩٨ -٢٠٢٠ )
نتابع في هذه الدراسة نهب الأراضي في السودان بعد التوسع في إدخال نمط الإنتاج الرأسمالي في السودان والزراعة الحديثة مع بداية الاحتلال الانجليزي للسودان، واشتداد الهجمة علي الأراضي بعد الاستقلال ، والدور الكبير الذي لعبته الأرض كأحد مصادر التراكم الرأسمالي في السودان علي الصعيدين المحلي والعالمي، وتهريب العائد ، بعد إدخال المحاصيل النقدية علي حساب الغذاء، مما أدي للافقار والمجاعات التي يشهدها السودان.
أولا : بعد إعادة إحتلال السودان عام 1898م جرى التوسع في إدخال نمط الإنتاج الرأسمالي في السودان والزراعة الحديثة ، وكان من ضمن أهداف الاستعمار الإنجليزي تحويل السودان إلى مزرعة قطن كبيرة تشكل مصدرا دائما ومستمرا لمصانع لانكشير من خامة القطن السوداني ، أي مصدر رخيص للمواد الخام وسوق لمنتجاتها الصناعية حسب قوانين التبادل غير المتكافئ ، ولتحقيق ذلك كان لابد تنظيم ملكية الأرض وإلغاء نظام الرق .
فيما يختض بتنظيم ملكية الأرض صدرت قوانين تنظيم الملكية وتسوية النزاع حول الأراضي والتي كان أهمها:
- قانون الحقوق على الأرض الزراعية لعام 1899 م،
- صدر قانون الغابات 1901 م ، قانون نزع الأراضي 1903 م. الذي يعطي الحكومة الحق في الاستيلاء علي أي أرض يمكن أن تحتاج اليها للصالح العام ، علي أن تعوض المالك بقطعة أخري بعد الاتفاق معه ، وقد صدر هذا القانون لأن الحكومة كانت بصدد مد خطوط السكة الحديد في بعض المناطق ، وستحتاج الي تلك الأراضي.
- صدر قانون تحديد الأراضي ومساحتها 1905 م الذي اصبحت بموجبه الحكومة المالك الشرعي لكل الأراضي الزراعية والغابات الخالية من الملكية الخاصة.
- في عام 1912 ، تم تسجيل كل الأراضي الزراعية ، وصدر قانون تقييد تصرف السودانيين في الأراضي 1918 م الذي يتضمن عدم جواز بيع أو رهن أو التصرف في اي أرض ما لم يكن بموافقة المديرية ، ماعدا في حالة الوصية أو الايجار لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات ، وعندما يراد بيع الأرض تحصل المحكمة علي صورة مما هو مدون عنها في "تسجيل الضرائب"، وتطلب اذا لزم – شهادة الشيخ أو العمدة بأن الشخص المسجلة الأرض باسمه هو المالك الوحيد لها ( للمزيد من التفاصيل راجع، سعيد محمد أحمد المهدي ، قوانين السودان ، المجلد الأول ، 1901- 1925، دار جامعة الخرطوم للنشر 1975م) .
كان الهدف من صدور القوانين المقيدة لبيع الأراضي هو منع المضاربات وانتقال الأراضي للاجانب والمصريين ، ورغم صدور هذه القوانين ، فان عملية المسح والتسوية للأراضى لم تكن قد تمت نهائيا في أنحاء السودان .
من أهم القوانين التي أصدرتها إدارة الحكم الثنائي فيما يتعلق بالأراضي كان قانون تسوية الأراضي وتسجيلها عام 1925، والذي وضع القواعد الأساسية لتسوية وتسجيل الأراضي إذ ضمن وجود صاحب الأرض والمستند الدال على ملكيته، واعتبر الأراضي غير المشغولة ملكا للحكومة.
إدخال نظام الإدارة الأهلية والحواكير
- في عام 1923 ادخل الاستعمار نظام الإدارة الأهلية ومعها نظام الحواكير التي يديرها نظار القبائل ، وتقسيم الأراضي القبلية (الحواكير)، حواكير لمالكيها الأصليين (الذين يستضيفون قبائل أخري دون أن يكون لهم الحق في النظارة ، والسماح لها بالاستفادة منها، باعتبارها مستضافة) وأصبح ناظر القبيلة مسؤولا عن إدارة الحواكير ، أي تمّ ربط الحاكورة بالقبيلة في المكان المحدد ، اضافة لسلطات ناظر القبيلة الادارية والمالية للحواكير.
فى عام 1930 م صدر قانون ملكية الأراضي الذي منح الحاكم العام السلطة للحصول على أي مساحة للاستخدام العام وذلك بنزع ملكيتها.
وهنا نلاحظ التوسع في تطور حق الملكية الخاصة للأراضى الذي يعنى الاستعمال والاستغلال والتصرف ، فحسب ما ورد في قانون الأراضي وتسجيلها 1925 م عن التصرف في الأرض بأنه كل ما يرهن أو ينقل من شخص لاخر بفعل الأطراف ، أو بأمر محكمة ، وان أيلولة الأرض أو الرهن تعنى نقلها من شخص لاخر بالميراث أو أي طريقة قانونية أخرى.
كما ابقت الإدارة البريطانية علي تشريعات الامام المهدي التي حرمت ملكية الأجانب للاراضي ، وضمت كل اراضي الأجانب التي صادرتها المهدية من الأجانب للدولة.
هذا اضافة الي أن قوانين الأراضي لم تمس من الناحية الفعلية الحقوق العينية التقليدية المعروفة والمسلم بها للأفراد والقبائل والجماعات..
وبصدور هذا القانون 1930 م الخاص بقانون ملكية الأراضي الذي منح الحاكم العام السلطة للحصول على أي مساحة للاستخدام العام ، وذلك بنزع ملكيتها ، تكون الإدارة الاستعمارية قد استكملت قبضتها على ملكية الأرض ، وقننت كل الخطوات التي اتخذتها منذ بداية حكمها والتي مهدت بشكل أساسي لإدخال زراعة القطن والذي كان من أهداف احتلالها للسودان .
بعد استكمال قبضة الإدارة البريطانية علي الأراضي تمّ هجوم الشركات الرأسمالية الاقليمية والعالمية علي الأرض في السودان بهدف تحويل البلاد لمزرعة قطن كبيرة لمد مصانعه في لانكشيربالمادة الخام كما أشرنا سابقا ، علي أساس التبادل غير المتكافئ، واصبح السودان مصدراً للمواد الخام ومستورداً للسلع الرأسمالية،وقامت مشاريع القطن في الجزيرة والقاش وطوكر وجبال النوبا، اضافة للمشاريع الخاصة للقطن علي النيلين الأبيض والأزرق، ومشاريع الطلمبات في الشمالية ، الخ، اضافة للاستثمار في الزراعة الآلية المطرية التي بدأت إثناء الحرب العالمية لمد قوات الحلفاء في شمال افريقيا بالغذاء، وبنهاية الاستعمار كانت المؤسسات الاستعمارية قد حققت أرباحا ضخمة من زراعة القطن ونهب ثروات البلاد الأخري ، وتحويل معظم الأرباح التي حققتها شركة السودان الزراعية إلى خارج البلاد في شكل عائدات لاصحاب الأسهم ، علي سبيل المثال: كان أجمالي أرباح الشركة في السنوات الأربع الأخيرة ( 1947 - 1950 م ) اكثر من 9.500.000 جنية إسترليني ( تيم نبلوك : صراع السلطة والثروة في السودان ، ص ، 29 _30 ) ، أي أن الاستعمار كان ينهب ويستنزف قدرات البلاد الاقتصادية ، ويصدر الفائض الاقتصادي اللازم لتنمية البلاد إلى الخارج ، وفى النهب أيضا ترد مرتبات كبار الموظفين والإداريين الإنجليز ، ففي عام 1945 م بلغ نصيب 771 موظفا إنجليزيا 61.3 %من إجمالي المرتبات في الميزانية، وعندما أحيل هؤلاء الموظفين للمعاش عام 1954 م تقاضوا تعويضا مقداره 1.590.00 جنية مصري ، وهذا النهب الاستعماري ، ومن كل النواحي ، يجعلنا نؤكد أن المستعمر جاء لينهب الشعب السوداني ، وبالتالي كان ذلك من أسباب تخلف السودان الاقتصادي والاجتماعي .
نواصل
alsirbabo@yahoo.co.uk