الثورة العربية … الاسلاميون يتصدرون المشهد
بسم الله الرحمن الرحيم
في مطلع تسعينيات القرن الماضي ، وتحديدا في العام 1993 م وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي (العظيم ) وسقوط ما عرف أمريكيا بامبراطورية الشر ، ظهر لأول مرة وعلى لسان قادة ومفكرين غربيين أبرزهم الرئيس بوش الأب ، مصطلح ( الخطر الأخضر ) وذلك بعد زوال الخطر الأحمر الذي كانت تمثله ، في نظر هؤلاء ، النظرية الشيوعية والأنظمة التي قامت عليها ، وكان المعني بذلك ( الخطر) الجديد هو الاسلام .
الخلفية التي استمد منها قادة الغرب ومنظروه نظرية الخطر الأخضر قامت على ركيزتين أساسيتين ، الأولى ما بدا حينها من معالم صحوة اسلامية وبروزا لامكانية وصول تيارات الاسلام السياسي لمقاليد السلطة في عدد من البلاد العربية والاسلامية ، كما في حالة أفغانستان حيث تولى المجاهدون السلطة بعد اندحار جيوش الاتحاد السوفيتي ، وسقوط حكومة آخر عملائه في كابول ؛ وكما في حالة الجزائر حيث حال الانقلاب الذي حرضت عليه ودعمته فرنسا ، دون استكمال الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية حيث كانت الجبهة الاسلامية للانقاذ بزعامة الشيخ عباسي مدني ، على وشك الوصول لسدة الحكم عقب اكتساحها للجولة الأولى ؛ وكما في حالة السودان حيث نجحت ( ثورة الانقاذ ) في الوصول للسلطة وأعلنت توجهها الاسلامي صراحة .
أما الركيزة الثانية التي قامت عليها نظرية الخطر الأخضر ، فهي حالة ( الفراغ ) التي أضحت تعيشها أجهزة الاستخبارات الغربية بعد زوال خطر الشيوعية ، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تقليص لميزانيات هذه الأجهزة بواسطة المشرعين في البرلمانات الغربية اذا ما ثبت أنه لم تعد هنالك ضرورة للصرف عليها كما كان متبعا ، بعد تراجع التهديدات التي كان يقال أن شعوب تلك الدول تواجهها ، فنشطت هذه الأجهزة في أن تخلق ( عدوا ) جديدا وخطرا يتهدد الشعوب الغربية يتعين أن تتصدى هذه الأجهزة !!
وخلال العقد الأخير من القرن الماضي ( التسعينيات ) والعقد الأول من القرن الحالي ، وكردة فعل انتقامية من التنسيق غير المباشر والذي كان تم بموجبه دعم مجموعات الجهاد في أفغانستان لمحاربة الاحتلال السوفيتي لتلك الدولة ، جند اليساريون وبقايا الشيوعية ومن لف لفهم ، أنفسهم لخدمة أجندة المخابرات الأمريكية والغربية لمحاربة ما أسموه ( الاسلام السياسي ) مستميتين في محاولات القضاء عليه قبل تمكنه من الوصول للسلطة ، أو على أضعف الايمان ، منعه من ممارسة النشاط السياسي الطبيعي ، فضلا عن دمغه بالعنف والرجعية ؛ وعلى هذه الخلفية أمكن محاصرة نظام الانقاذ في السودان ودعم معارضيه بالمال والسلاح والاعلام والدبلوماسية ، وتم اطلاق يد نظام زين العابدين بن على في تونس لمحاصرة تمدد حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي ، وجرت محاصرة نشاط الاسلاميين أينما وجدوا .
وقد أسهمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م في الولايات المتحدة الأمريكية في اضافة تهمتين جديدتين لتيارات الاسلام السياسي هما الأصولية والارهاب ؛ وبحجة محاربتهما والقضاء على جذورهما ، وباسناد فكري ومعلوماتي من بقايا الشيوعية وحلفاؤهم ، شنت الولايات المتحدة الأمريكية حربا لا هوادة فيها ضد التيارات الاسلامية ، مستهدفة بالدرجة الأساسية جميع أشكال العمل الخيري الاسلامي في جميع أنحاء العالم ، بحجة أنه يمثل الأداة الرئيسية لدعم الارهاب ، فحجب الأمريكيون أموال المساعدات الانسانية التي تتبرع بها الدول الخليجية وأموال الزكاة التي يخرجها أثرياء العالم الاسلامي وفاعلو الخير فيه ، وفرضت في سبيل ذلك قيودا مشددة على حركة الأموال بين جميع البلدان ، وأصبحت حركة الأموال في المصارف المركزية تخضع لرقابة اضافية من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي .
وأطلق الأمريكيون في المقابل يد المنظمات الغربية التي أضافت الى أجندة عملها بندا جديدا هو تنصير المسلمين في مناطق لا وجود للمسيحية فيها ، كما في الحالة الأفغانية والصومالية وكما في حال دارفور ؛ وشنت الولايات المتحدة حربين متتاليتين على كل من أفغانستان والعراق فأطاحت بالأنظمة القائمة فيهما ، مرسلة بذلك رسالة الى جميع الأنظمة العربية والاسلامية أن كوني معنا لمحاربة الارهاب أو ستلقين نفس المصير !!
ومع أن التشخيص الأولي لحالة تمدد الاسلام وتفريخ الكوادر ( الارهابية ) وفقا لخبراء الغرب ومعاونيهم اليساريين ، كان يشير الي ضعف ثقافة الديمقراطية ، وأن الترياق المضاد للأصولية والارهاب هو نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان ؛ الا أنه سرعان ما تم تناسي موضوع الديمقراطية وحق الناس في التنظيم والتعبير ، أو التعامل معه بصورة انتقائية ، وتم التركيز على محاربة الارهاب ؛ وانتهز عدد من الأنظمة في المنطقة العربية ، وعلى رأسها النظام المصري المخلوع ، حجة أو ( موضة ) محاربة الارهاب والأصولية فواصلت تمسكها بحالة الطوارئ القائمة فيها ، وواصلت كذلك ضغطها وحربها على التيارات الاسلامية ، فضيقت عليها وأدخلت رموزها وكوادرها السجون ، ورفضت حتى أن تخلي بينها والناس وأن تسمح لها بانشاء أحزاب سياسية .
وقد تجلى أحد أوضح نماذج النفاق الغربي وازدواجية المعايير في هذا الصدد حينما فازت حركة المقاومة الاسلامية ( حماس ) في الانتخابات التشريعية الفلسطينية ، فرفضت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاعتراف بها بل وقررت عزل حكومتها ومحاربتها حتى اسقاطها ، وبلغ بالأنظمة العربية التواطؤ درجة أن غضت الطرف عن شن الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة مستخدمة الأسلحة المحرمة دوليا ، وأبقت على الحصار البحري على القطاع للعام الرابع !!
ومن حيث رغب المتطرفون في الغرب في محاصرة الاسلام في بلادهم ، وابعاد المسلمين عن هويتهم ، واذابتهم في حضارة اللهو الغربية المادية ، ، وتشويه صورة نشطائهم ، جاءت العودة للجذور واتسع نطاق المعرفة بسماحة الدين الاسلامي وجدارته بأن ينتمي اليه الناس ؛ وعلى مدى العقدين الماضيين ، تعلم الاسلاميون دروسا عظيمة ، وأدركوا أكثر من أي وقت مضى أنه لا بديل عن التمسك بالقيم التي دعا اليها الاسلام أصلا ، وحاول الغرب اعادة انتاجها وتصديرها لبلادهم مرة أخرى ؛ قيم الحرية والتسامح واحترام التعدد ورعايته .
اليوم يعود الاسلام ودعاته مرة أخرى للواجهة ، يعود الاخوان المسلمون في مصر وتعود حركة النهضة في تونس ، بدفع وروح جديدين ؛ ولعل الوعي بهذا هو ما جعل الموقف الأمريكي يبدو مرتبكا وهو يتعاطي مع الثورة الشعبية التونسية والثورة المصرية ؛ ومن المؤكد أن هذه العودة سيكون لها ما بعدها .
العبيد أحمد مروح
Obeid51@hotmail.com