الجنجويد ومملكة عرب التيه

ربما يوحي العنوان بإصابة كاتب المقال ببعض الجنون أو اللوثة العقلية ، أو ربما بخلل كامل وشامل في جهازه الذهني، أو ربما ببعض المبالغة، أو ربما يعتبره البعض (كلام طير في الباقير) وبين القوسين تعبير سوداني دارجي يعادل بلغة القوم (لا في العير ولا في النفير)، وبلغة الخواجات (nonsense) ، ولكنني على كل حال سوف أقول ما أقول على أن يرميه القارئ في البحر بعد قراءته.
بدءاً أود أن أذكّر من نسيَ أو تناسى أوتسامح بأن الدعم السريع هو إسم دلع للجنجويد تكرم به عليهم الراقص المخلوع في لحظة من لحظات تجلياته الرقصية الطفولية، والتي كانت مرتبطة بإحساسه الهبيل بأنه سوف يبقى في الحكم مدى الدهر، وأن تنظيمه المجرم سوف يبقى في الحكم حتى ظهور المسيح المُتوهّم ليستلمه منهم كما كان رموز تنظيمه الأفاكون يوهمون به أنفسهم في عجهياتهم القبيحة وغرورهم النتن قبل أن تدور عليهم الدوائر ويُرمون في مزبلة التاريخ كزبالة ضارة، وأود أن أذكر ثانياً بأن قائد الجنجويد هو (حميدتي) صاحب التاريخ الدموي المعروف، وإذا كان هناك من أصاب ذاكرته خللاَ فنسي أو تناسي أو تسامح مع تاريخ قائد المليشيا المجرم فليعلم أنه مصاب بزهايمر في مرحلة متقدمة أو أن عاطفته غالبة على عقله، والحالين يستدعيان الشفقة ويبرران العذر، فلا يُعقل عند طفل صغير أن يقف المرء على الحياد في حرب يخوضها قواته المسلحة مع أي جهة كانت، دعك من مليشيا متمردة.
الجنجويد يا سادتي تنظيم مليشاوي أنشأه المخلوع لحمايته كما كان يصرح هو في كل مناسبة وفي غيرما مناسبة، ولم يكتفي المخلوع بتدليع المليشيا بإسم الدعم السريع بل وصل به العبث إلي تسمية قائدها ب(حمايتي)، ولكنني الآن أتساءل، ما معنى دعم سريع في يومنا هذا؟ ، ومن المحتاج لدعم سريع؟ ، ألم يكن ذهاب المخلوع داعياً إلي ذهاب داعمه السريع معه في نفس اليوم؟ ، ألم يكن من الوطنية الحقة أن يستمع مسؤولي الغفلة إلي نداء الثوار الأشاوس الذي قالوه بأعلى أصواتهم (الجنجويد ينحل) و (مافي مليشيا بتحكم دولة)؟ ، كيف أبقى من كانوا في موقع المسئولية على الجنجويد وشاركوه في السلطة على أعلى مستوياته؟. نعلم أن البرهان المجرم الآخر هو من تمسك بتلميذه وشريكه في جرائم دارفور، وأنه تمسك بأن يكون حميدتي بجانبه في المسئولية التي آلت إليه بحكم الواقع، ونعلم أن تفكير البرهان لم يكن مختلفاً عن تفكير المخلوع بخصوص حميدتي، فكما إتخذ المخلوع من قائد المليشيا (حمايتي) فقد أراد البرهان في سذاجة يحسد عليها، أراد من قائد المليشيا أن يكون له (حمايتي) أيضاً، ولكن كان لقائد المليسيا مشروع آخر في ذهنه، هو مشروع مملكة آل دقلو الممثلة لدولة عرب التيه التي ذكرناها في عنوان هذا المقال، وقبل تفصيل هذا الحلم الدقلاوي أقول أن الوضع الآن لا يتحمل الحياد بين الطرفين، فمهما كان البرهان سيئاً فهو قائد قواتنا المسلحة، ورغم أنه كان اليد اليمنى للمخلوع في تكوبن الجنجويد، ورغم أنه كان الراعي الرسمي لتغول الجنجويد، ورغم أنه من مكّن قائد المليشيا من مفاصل الدولة، ورغم أنه حرّس الجنجويد في المرافق الحيوية والحساسة في الدولة، ورغم أنه الغى مرسوم رئاسي بخضوع الجنجويد للجيش بمرسوم دستوري في 2019، ورغم أنه سلم بعض معسكرات الجيش داخل العاصمة وحولها للجنجويد، نعم ، رغم أن البرهان هو المسئول الأول عن اللامبالاة التي أوصلت قائد الجنجويد إلي ما وصل إليه من إنتفاخ، رغم كل هذه التجاوزات التي يستحق عليها العقوبة، إلا أنه الآن يقود الجيش السوداني في محاربة هذه المليشيا القبلية المتمردة، وليس لنا من خيار إلا الوقوف بجانب قواتنا المسلحة في حربها مع الجنجويد، ليس من خيار لنا إلا مساندة قواتنا المسلحة لتخليصنا من براثن هؤلاء الهمج الذين إرتكبوا في السودان جرائم الحرق والقتل والإغتصاب والإبادة التي ترقى إلي جرائم ضد الإنسانية، هذه الأيدي الملطخة بدماء السودانيين طوال هذه السنوات العجاف لا بد من بترها، جاء هذا البتر من السفاح البرهان أو من فلول الحركة الإسلامية التعيسة، علينا أولاَ التخلص من الجنجويد ثم بعد ذلك فلنا مع البرهان حساب ، ولنا مع الحركة الإسلامية البغيضة حساب لم يكتمل بعد، ولنا مع قوى الحرية والتغيير حساب أكبر، فقد إرتكبت قوى الحرية والتغيير جريمة ترقى إلي الخيانة العظمى بتحالفها مع قائد الجنجويد الذي إرتكب مجزرة فض الإعتصام، وفي بلاهة لم توصلهم إليها إلا تكالبهم على السلطة حاولوا إيهامنا بأن الجنجويدي السفاح هو من سيدخلنا في العهد الديمقراطي الذي إستشهد من أجله شابات وشباب الثورة المجيدة على يد نفس السفاح الذي حاولوا تلميعه لنا كمنقذ، وكحارس أمين للديمقراطية، كيف جاز لقوى الحرية والتغيير أن يطلبوا من الشعب السوداني أن يصدق أن حميدتي سوف يأتيه بالديمقراطية ويحرسها له؟، هل يرى من يسمون أنفسهم بالصفوة في قوي الحرية والتغيير قنابير في رؤوسنا؟، هل وصل بهم شهوة كيكة السلطة هذه المرحلة المنحطة؟، ثم هل يفهم حميدتي أصلاً ما هي الديمثراطية؟ ، إن ما فعله القياديون في قوى الحرية والتغيير بهذا الخصوص لا يختلف في كثير أو قليل من نفاق الكيزان في شعاراتهم الدينية الجوفاء التي صدقوا ان في إمكانهم أن يسوقوننا بها في طريق العبث الدنئ، قد تساوى قياديي قحت بالكيزان تماماً في نظر الشعب السوداني اليوم، ولن ينسى لهم هذا الشعب الواعي الصبور خيانتهم يوم يأتي الحساب وتنكشف خيوط المؤامرة ويُعلم من الذي باع الوطن وقبض الثمن.

أما بالنسبة لحارس الديمقراطية فلن ينسى أحد تلك المناظر البشعة الموثقة من مثل وضع جنود الجنجويد بوتاتهم الغليظة على وجوه الشباب يوم مجزرة الإعتصام ، وليعجب المرء أن هناك من السودانيين من يدافع عن الجنجويد، هل نسي الناس تفاصيل مجزرة الإعتصام؟ ، هل نسي الناس كل ممارسات جنود الجنجويد في شوارع السودان أثناء المظاهرات وبعدها، هل نسوا أو تناسوا كل ممارسات الجنجويد في دارفور؟ ألَا يرى الناس ما يمارسه الجنجويد في شوارع الخرطوم اليوم من إنتهاكات، هل يُعقل أن يأتي سفاح أجنبي أمي جاهل ويكوّن جسماً مسلحاً موازياً للجيش الوطني ثم يتمرد على الجيش الوطني وينادي بالقبض على قائد هذا الجيش وتسليمه إلي العدالة فيناصره بعض أبناء الوطن؟ ، هل يعقل هذا؟ ، هل هناك في السودان شخص واحد يستحق تقديمه للعدالة أكثر من قائد الجنجويد؟ ، مهما كان موقفنا من قائد الجيش فعندما ينخرط الجيش في محاربة عدو فهناك خيار واحد في هذه الحالة، هو مناصرة الجيش، ونرجو ألاّ يتوقف الجيش إلا بعد دحر المتمردين وإستئصالهم من الأراضي السودانية كاملة، نرجو ألاّ ينصاع الجيش لمن ينادون بالحوار والرجوع إلي طاولة المفاوضات، فلا تفاوض مع مجرم متمرد، هذه الفرصة ، رغم كلفتها الباهظة، لا بد للجيش من إنتهازها لتخليص الوطن من إحتلال قبلي أجنبي قبيح لا يسمح به من كان له عزة أو كرامة، وأقول للمحتجين على الخسائر البشرية والمادية أننا جميعاً نتألم مما يعانيه الشعب السوداني البرئ من هذا الصراع الدامي، ولكن لحروب عزة وكرامة الوطن ثمنٌ يدفعه بعض أبناء هذا الوطن حتى يتعافى، والقضية ليست تشجيع على الحرب ، فلا عاقل يشجع على الحرب لأن ثمنها باهظ في الأرواح والممتلكات ، ولكن عندما تأتي الظروف التي تفرض الحرب فلا بد من خوضها بكل ما فيها من ضرر وخسارة ، وهذه حرب وطنية مقدسة لا مكان فيها للهزيمة، لأن نتيجتها تعني أن نكون أو لا نكون ، أن يكون السودان أو لا يكون ، للجنجويد يا سادتي مخطط تغيير ديمغرافي للسودان، وهو مشروع قديم من قبل الإستقلال ، منذ عهد الخليفة عبدالله التعايشي، كان يعتمد هذا المشروع في السابق على التسلل المعيشي من سكان غرب أفريقيا، وبعضهم تم إستقدامهم من قبل بعض الأحزاب لأغراض إنتخابية بحافز التجنيس. تذهب التقديرات الآن إلي أن تراكم هذا العمل الممنهج يمثل قرابة نصف السكان، حوالي 17 مليون، وهناك عامل بيولوجي يساعد على هذا النمو الكمي يتمثل في قدرتهم على الإنجاب بتعدد الزوجات، وقد وصلت خطة هذا التغيير الأن إلي قطف الثمار، وأنسب من يقود عملية إختطاف الدولة السودانية هو حميدتي كقائد لمشروع عرب التيه فهو من أهم قبائل الرزيقات التي تنتشر بين السودان الحالي وأفريقيا الوسطى والكمرون وتشاد ومالي والنيجر. من هنا نقول للمستغفلين وأطفال السياسة والشباب المندفعين لمناصرة الجنجويد أنكم تحفرون قبوركم بأيديكم، أو أنكم في أحسن الأحوال تمهدون لأنفسكم مصيراً مأساوياً لن يسر حتى العدو، إن تمكن الجنجويد من السلطة في الخرطوم هو نهاية ما يُعرف الآن بالسودان، والتاريخ ملئ بممثل هذه السيناريوهات المذلة لشعوب كاملة شردوا وأبيدوا ، هذه يا سادة عصابة همجية منفلتة تحارب أو (تداوس) بلغتهم، على عقيدة غير معلنة هي عقيدة عرب التيه المتمثلة في إقامة مملكتهم على أرض السودان.
وكل من يقف على الحياد أو يناصر الجنجويد فهو بالتأكيد في نفس مستوى سوء الجنجويد، لا فرق بينه وبينهم، ومن يناصر الجنجويد لا شك أنه غافل عما يمكن أن يؤول إليه السودان في حالة إنتصار الجنجويد، سوف يتحول السودان إلي كوريا شمالية أخرى يُحكم بالحديد والنار، سوف تكمم الأفواه إلا بذكر آل دقلو بالخير، سوف يتحول السودانيون إلي نازحين لا يجدون مخرجاً للنزوح، على مناصري الجنجويد تجهيز (بقجهم) في حالة إنتصار من يناصرونه، سوف يمتلئ البلد بكل شذاذ الآفاق والمشردون وكل من لا أصل له ولا أهل من عرب التيه من دول غرب أفريقيا، سوف يتحول الناس إلي صنفين لا ثالث لهما، مضطهِد بكسر الهاء ومضطهَد بفتحها، سوف تستباح البيوت والأموال والأملاك والأنفس والثمرات، على مناصري الجنجويد وضع صورة في أذهانهم لشوارع الخرطوم وفيها رجلٌ شيخ يُجلد وأم بأبنائها تُهان ورجل كريم يُذل وبيوت تُقتحم ومساجد تُدنس ومحلات تُنهب وفتيات يتم إغتصابهن في وضح النهار. هذه ليست صورة خيالية إنما رأينا نُسخ منها في ربوع الوطن.
أنا ديمقراطي صميم ومن أكبر معارضي حكم العسكر ، ومن أكبر كارهي الكيزان ، أقول هذا حتى لا يُفهم من كلامي أنني أؤيد العسكرأو أقف مع الكيزان، ولمن خطر في باله دمغي بإحدى الصفتين أن يقرأ مقالي مرة أخري وثالثة، أنا أؤيد الجيش في مهمته الأساسية بكل ما أملك، والجيش الآن يقوم بمهمتة الأساسية، فله أرفع قبعتي وأؤدي تحيتي وأدعو له بالتوفيق وأطلب منه أن يذهب إلي ثكناته بعد تأدية واجبه الوطني.