الحجر المصري والبيضة الحبشية … بقلم: د. عبد اللطيف البوني

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
حاطب ليل

aalbony@gmail.com
طالما ان كل حاجة مصر من المياه العذبة موجودة في الهضبة الاثيوبية فمن الطبيعي ان يحدث توتر في العلاقة بينهما بين والفينة والاخرى فصراع الموارد لايستغربه التاريخ بل بالعكس الذي يثير الدهشة هو التوافق الذي يتم بين البلاد التي بينها مورد مشترك لسؤ اوربما لحسن حظ السودان انه  يقع بين هذا البلدين ليس جغرافيا فقط بل حتى فبيما يتعلق بالنهر المشترك فالسودان يشترك مع اثيوبيا في انه هو الاخر دولة مصب فاحدث الدراسات تشير الي ان السودان يرفد النيل الازرق بكميات من المياه تفوق تلك التي جاء بها من اثيوبيا –وهذة قصة اخرى اسالوا عنها بروفسير قريش –ثم يشترك مع مصر في انه دولة استخدام لمياه النيل في بعض اجزائية الشاحبة الامطار وينفرد عنهما بانه دولة ممر
اعالى النيل الازرق اي الهضبة الاثيوبية مكتظة السكان  وسياتي يوما تحتاج فيه الي انزال بعضهم مع مياه النيل في السهل الذي يجاورها وتجري فيه مياه ذات النيل اسافل النيل في البر المصري هي الاخرى مكتظة السكان وتحتاج ذات يوم قادم الي رفعهم الي السهل المنحدر منه النيل ولسؤ حظ او حسن حظ السودن انه ذلك السهل المنبسط الارض القليل السكان مقارنة باعالي النيل الازرق واسافله فالهجرات السكانية الاضطرارية لاتعرف الحدود السياسية بدلالة الممالك التي قامت على ذات النيل بدءا من عهد المجموعات والاسر ومملكة نبتة ومروي واكسوم وغيرها
صراع اعالي واسافله على السهل بينهما لم يتوقف في الايام من الايام ولكنه في كل فترة وفي  كل عهد يتخذ شكلا مختلفا على حسب الزمان وما يحيط به من ظروف فاذا اخذنا يومنا هذا نجد ان سد النهضة يمثل بؤرة هذا الصراع  علما بان قضية سد النهضة ليست الاولى التي توتر الاجواء بين الاعالي والاسافل ولن تكون الاخيرة باى حال من الاحوال فهذا الصراع لن ينتهي الا بامرين  اذا حدثت معجزة صنعت دولة واحدة على طول النيل من المنبع الي المصب او قيام الساعة
في صراع البلدين على سد النهضة يسعى كل منهما الي كسب السودان الي صفة بالتي هي احسن وبالتي هي اخشن فكلا البلدين لديهما ما يحفزان به السودان وما يبتزانه به بعبارة اخرى اي منهما تحمل الجذرة بيد والعصا بيد وتلوح بهما في وجه السودان ففي حالة ضعف السودان تكون العصا لها الغلبة وفي حالة قوته تكون الجذرة هي سيدة الموقف وللاسف الشديد في وقتنا الحاضر كلا البلدين يشهان بالعصا في وجه السودان وليس هناك جذرة تلوح في الافق لان السودان حالة يغني عن سؤاله داخليا واقليميا ودوليا فالمطلوب من سهل السودان ان يرفع راسه ويلملم اطرافه ويستعيد عافيته لكي تنهال الجذرات بدلا من العصي المرفوعة حاليا . في حالة تعافي السودان سوف يلعب ببيضة النيل وحجره ويبسط السلام في المنطقة ولااطول فترة ممكنة اما ضعفه فلن يقضي عليه بل يزيل النشارة التي كانت تحمي الواح زجاج النيل الشرقي وان شئت قل الازرق
(ب )
وهذا قرار بائس
في 1957 وفي حكومة اسماعيل الازهري كان ابراهيم المفتي اقرب الناس للازهري وزيرا  لوزارة الاشغال وهذة الوزارة كانت لها الولاية على كل المباني الحكومية وبحلها حلت الفوضى التي نراها الان من مقاولين ومقاولات مضروبة وهذة قصة اخرى ابراهيم المفتي امر بموترقريدر لكي يصلح له حجيل منزله الحكومي والحجيل هو سور من الحنة فاعترض وكيل الوزارة لان الوزير منصبه منصبا  سياسيا لادخل له في العمل التنفيذي والتصرف في بيوت الحكومة شان تنفيذي ورفع الامر لرئيس الوزراء اسماعيل الازهري فاقر تصرف الوكيل –وردت هذة القصة في احد كتب منصور خالد
الواضح من القصة التي اتخذناها رمية اعلاه ان الزعيم كان يفهم حدود الوزير والوكيل جيدا فالوكيل كما هو معلوم هو ذروة سنام الخدمة المدنية وهو منصب دولة وليس منصب حكومة بمعنى ان الموظف الذي يشغله يجب ان يصل اليه بالتدرج الوظيفي من بداية السلم الي نهايته دون تدخل من اي جهة حتى ولو كانت رئاسة الجمهورية والوكيل يعتبر الخبير الاول بشئون الوزارة والعالم بادق تفاصيلها  ثم اتى على الناس زمنا اصبح منصب الوكيل يشغل بامر رئاسي بتوصية من الوزير المختص وجرت الاعراف على ان يكون المرشح من داخل الوزارة المعنية وقريبا من المنصب بالتدرج الطبيعي وهذا انحراف بمنصب الوكيل فكان ينبغي ان يكون وفقا للقواعد الموضوعية ودون توصية من الوزير وبالتالي دون اقرار من رئيس الجمهورية ولكن الزمن غلاب وسلاح التمكين فعال
هذة الايام تدور معركة في وزارة التربية والتعليم بين وزيرتها والنقابة لان الوزيرة اقدمت على تعيين وكيل من خارج معلمي الوزارة وبهذا تكون قد تجاوزت الاعراف التي كانت سائدة علما ان تلك الاعراف نفسها فيها خروج عن القانون النابع عن القاعدة الراسخة التي تفصل  بين الدولة والحكومة فالدولة تنتهي وظائفها بالوكيل وكما ذكرنا الوصول لمنصب الوكيل يتم بقواعد موضوعية اي ليست مفصلة على مقاس شخص محدد  وهي قواعد معروفة للكافة توضح موهلات كل وظيفة في الخدمة العامة بشقيها المدني والعسكري اما الوزير فهو منصب سياسي يمكن ان يشغل فيه صائد اسماك او مزارع وزارة التربية والتعليم لان الامر خاضع للموازنات  السياسية وقد سبق ان اصبح مزارعا محترما وزيرا للصحة وفي حكومة ديمقراطية  ولكن لايمكن باي حال من الاحوال ان يكون مهندس او طبيب  وكيلا لوزارة التربية والتعليم
في الاسبوع لماضي تحدثنا عن معتمد رئاسة ولاية الخرطوم  الذي صرح بانهم احبطوا مؤامرة لتهريب الف اسطوانة غاز في طريقها من العاصمة للولايات وقلنا ان هذا خبر في غاية البؤس يدل على العوز والتخبط والتوهان في مجابهة ازمة حقيقية ويمكننا هنا ان نصف قرار تعيين وكيل للتربية من خارج كادرها بانه قرار بائس ومدقع في البؤس نابع من التسلط وعدم تقدير للمؤسسية وهذا زمان البؤس في كل  شئ فاللهم نسالك رد القضاء واللطف فيه –نعم اجاز الفقهاء الدعاء برد القضاء -
(ج )
من اين جاءهم هذا ؟
رحم الله فقيد البلاد الكبير الدكتور عبد الوهاب عثمان الذي رحل عن دنيانا في الايام الفائتة راضيا ومرضيا عنه فقد خدم بلاده باخلاص وتجرد وترك خلفه سيرة عطرة وتجربة ثرة ولحسن الحظ ترك ايضا مؤلفا عظيما يعتبر  من المرجعيات الاساسية والحديثة في مسيرة السودان الاقتصادية ولكن من سؤ الحظ لم يظهر لنا حتى الان مايشئ بانه قد دون مذكراته الخاصة التي يمكن ان يذكر فيها دقائق واسرار تجربة حياته من كافة الوجوه السياسية والادارية والاجتماعية بكافة اشكالها فقد صادف ان جلست معه في منزله بالصافية عندما ذهبت هناك في مناسبة اجتماعية تخص جاره الاستاذ محجوب عروة وذكر لي في تلك الجلسة ما ادهشني وحيرني وما لايمكن ان يقال للاخرين الا منه مباشرة ومن هنا تاتي اهمية المذكرات الخاصة 
يشهد كل المعاصرين من الجيل الماثل من ان سنوات الراحل عبد الوهاب الاربعة في وزارة المالية كانت من افضل سنوات الانقاذ الاقتصادية فقد كانت متميزة عن التي سبقتها  والتي خلفتها فقد استطاع كبح جماح الدولار وزيادة الانتاج وزيادة الصادر وتقليل الواردات الكثير من منافذ الفساد المالي وبالتالي  هدد مصالح بعض ذوي النفوس الضعيفة من ذات جماعته السياسية فكادوا له  ليس في شخصه العصي على النيل بل في سياسته المشهود لها فحاربوه بساسية مضادة ليترك المنصب مغاضبا ليعلب اب ضنب على كيفه فكان ما كان ما هو معروفا لدى كافة الناس
اذن ياجماعة الخير ان سياسة عبد الوهاب الاصلاحية لم تهزمها امريكا ولاالحصار الدولي ولا المعارضة الداخلية بل هزمت من داخل مجموعة عبد الوهاب الحاكمة وهذا يذكرنا بما قاله علي الحاج للصادق الرزيقي في المانيا قبل عدة اشهر اذ حكى له كيف انه وصل لاتفاق لانهاء الحرب في الجنوب يومها كان قرنق محاصرا في جيب حول نمولي ولكن من داخل المجموعة الحاكمة تم رفض ما توصل اليه فسارت الامور في الاتجاه المعاكس الي نيفاشا ثم انفصال الجنوب ثم ما  ذكره ذات علي الحاج لعبد الرحيم محي الدين كيف تعرضت شخصيته للاغتيال المعنوي واتهامة بسرقة اموال طريق الغرب بمجرد ان تم ترشيحه لمنصب نائب الرئيس وكانت تلك المناسبة التي اطلق فيها علي الحاج عبارته الشهيرة (خلوها مستورة) ثم اخيرا وليس اخرا ما صرح به الدكتور عبد الحليم المتعافي من انه تعرض لظلم اخوانه في التنظيم اكثر من تعرضه لظلم الاعلام  ومن المؤكد ان هناك الكثير من الانقاذيين الكبار والصغار الذين تعرضوا للكيد من اخوانهم في الله
حتما سوف تاتي الساعة التي سوف تنكشف فيها كل الطوابق المستورة وسوف يشهد الناس ان الكثير من الحفر التي وقعت فيها البلاد كانت صناعة انقاذية خالصة وكان دافعها المكايدة وضرب الاخوة لبعضهم من تحت الحزام ودون كثير جهد سوف يكتشف الناس ان سبب ذلك هو السلطة المطلقة ولاشئ غير السلطة المطلقة لانها مفسدة مطلقة فهي التي تبدل الفطرة وتحلق الدين وتشيع التامر وتنشر الفساد  فانت عندما تكتف كل الخيول وتترك خيولك  وحدها في المضمار من المؤكد انها سوف تتنافس تنافسا غير شريف وتكعبل لبعضها  وتمزق شروط اللعب النظيف
(ه )
هل الكبران حسنان ؟
تصريحات  الترابي تتصدر الاخبار وبينات الصادق تتصدر الاخبار ومواقف الميرغني تتصدر الاخبار واجتماعات ابو عيسى تتصدر الاخبار وعندما ظهرت حركة تدعو لتغيير كل هؤلاء اسندت رئاستها للدكتور الجزولي دفع الله كل هؤلاء السادة الترابي والصادق والميرغين وابوعيسى والجزولي دفع الله من مواليد ثلاثنيات القرن الماضي اي كلهم فوق الثمانين ونسال الله لهم طول العمر وموفور الصحة والعافية ولكن يحق ان نتساءل اين مواليد السودان في عقود القرن الماضي  بعد العقد الثالث؟
ان ظهور هؤلاء الشيوخ الاجلاء في هذة الايام بالتحديد يوضح مدى الازمة التي اوقعت فيها الانقاذ السودان وكيف انها سدت على السودان الافق وحرمته من النظر للمستقبل  وجعلته اسير الماضي علما بان الانقاذ ساعة ظهورها قالت انها جاءت لتمزق ورقة  الماضي البائسة  الكئيبة  لدرجة انها تدخلت حتى في مناهج التاريخ المدرسي وحاولت ان تضع خطا فاصلا بين ايام السودان قبلها وايام السودان بعدها فقبلها كان السودان يسير في دائرة مرزولة وبعدها خرج منها لايلوي على شئ وبتعبير الترابي اننا جئنا لنقطع هذة الدائرة ونجعل البلاد  تسير في خط مستقيم وهاهو يصبح جزءا من الدائرة نفسها
نعم هناك اجيال اخرى تتحرك في عمق الازمة وكل الاجيال اللاحقة لجيل الثلاثينات كانت جزء من الازمة واسهمت فيها بسهم واضح لكن المشكلة ان البلاد تلتمس الخروج من الازمة الان في ذلك الجيل الثمانيني , كنا سنقول ان هذا تقليد سوداني اصيل على قاعدة  الماعندو كبير يشوف ليهو كبير باعتبار ان الكبار اصبحوا ومن خلال تجربتهم الطويلة مستودع حكمة ولكن الملاحظ ان كبارنا اعلاه باستثناء الدكتور الجزولي دفع الله لم يخرجوا من العك السياسي لكي يتاملوا تجربتهم ويستنبطوا منها الحكمة التي يمكن ان يورثوها للاجيال اللاحقة انما كانوا ومازالوا خائضين في وحل السياسة اي لم يخرجوا من الغابة حتى يروا شجرها ان كان متحركا او ثابتا
ومع كل الذي تقدم وعلى قاعدة سيد الرايحة بفتح خشم البقرة نتمنى من كبارنا اعلاه ان يثبتوا ان (الكبران حسنان) كما يقول المثل الشائع  ويتجاوزوا ذواتهم وينظروا لمسقبل هذة البلاد وليس مستقبلهم الخاص بل مستقبل احفادهم ويسعوا ما وسعهم الوسع لاخراج هذة البلاد من وهدتها التي تقبع فيها الان وفي الجانب الذي يليهم فقط  فهؤلاء المشايخ لو لعنوا الشيطان وجلسوا واتفقوا على رؤية تصالحية تجمع كل اهل السودان الفضل سيكون لهذا الموقف مردود ايجابي على الساحة فالزعيم الخالد نلسون  مانديلا حقق الاستقرار لجنوب افريقيا وهو فوق الثمانين مستخدما  رصيده النضالي الكبير لتحقيق الهدف الذي ناضل من اجله ولكن عن طريق التصالح والاعتذار والنظر للمستقبل
نعم سياسات الانقاذ المتخبطة هي التي جعلت ازمة البلاد تصل ما وصلت اليه الان فالاربعة الثمانيين اعلاه  ترواحت علاقة الانقاذ بهم بين المعاداة والمصالحة وبدرجات متفاوتة وهاهي تلتمس منهم المساعدة على الخروج من الازمة كل هذا لانها لم تتجه نحو الشعب ولم تفكر في مشاركته بل ركبت راسها واصرت على الانفراد لدرجة استبعاد حتى شيخها وابنائها الذين حاولوا تعديل مسارها  واصبح الحكم فيها من دائرة ضيقة لدائرة اضيق فطبيعي ان تكون الخنقة الياها والتي ارجعتنا لثلاتينيات  القرن الماضي وتبكي يابلدي الحبيب

 

آراء