الحرب العالمية الفاصلة
إستيفن شانج
27 April, 2022
27 April, 2022
مدخل:
"لا توجد سابقة تاريخية تذكر أن بلداً ما قد استفاد من دخوله حروباً طويلة"
الحكيم الصيني سون تزو من كتابه (فن الحرب)
والحرب الروسية في أوكرانيا تدخل شهرها الثالث، فإنها مدة ليست بالقصيرة في حسابات الحروب الحديثة التي تقوم على سرعة الحسم وتقليل الإنفاق والخسائر البشرية والمادية، هذا بخلاف أن روسيا كقوة عظمى لم تراعِ مكانتها الدولية وشخصيتها القيادية في النظام العالمي الجديد بمبادرتها إلى شن حرب على جارتها أوكرانيا.
سارعت روسيا إلى غزو أوكرانيا على الرغم من المناشدات الدولية العديدة التي دعت الرئيس فلاديمير بوتين إلى التحلي بالمزيد من الصبر وبحث الأزمة في الإطار السياسي والدبلوماسي، وعلى الرغم من علم الإدارة الروسية في الكرملين بتكتيكات أعدائها – التقليديين والمفترضين – الذين يتحيّنون الفرص ويتجسّسون على روسيا بكل السبل من أجل استطلاع ما لديها من إمكانات. وهو بحسب رأينا تصرف نزق وأرعن من سياسي مخضرم وقائد متمكن وذو خبرة طويلة كـ(بوتين)، وهي خطوة لا تفسرها إلا غطرسة وتضخم ذات و(بارانويا) عُرف بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الفترة الأخيرة.
لقد قدم الرئيس الروسي بوتين للغرب (حلف الناتو) خدمة جليلة على طبق من ذهب بخوضه لهذه الحرب التي بدأت بوادر خسارة روسيا لها تلوح، وكشفت بجلاء إمكانات روسيا التسليحية والعسكرية المتواضعة مقارنة مع أصغر دولة في حلف الناتو مثل (بولندا) على سبيل المثال، إذ أن القطب الآخر، الولايات المتحدة، سعت منذ وقت مبكر من إنهيار الاتحاد السوفيتي إلى معرفة الاستعدادات العسكرية الروسية تحسباً لأية حرب يمكن أن تنشب بينهما في المستقبل، ولتكون معركة حاسمة بين الغريمين تقضي على أسطورة الدب الروسي. ولعل حكمة الرؤساء الأمريكيين الذين جاءوا بعد جورج بوش الأب إلى الرئيس باراك أوباما، هي ما خففت من حدة التوتر بين الدولتين وساعد في تطاول أمد الاصطدام الحتمي بينهما، الأمر الذي يؤيد فرضية المناوئين للرئيس الأمريكي الحالي (جو بايدن) والقائلة بضعف مقدراته السياسية.
الناظر إلى العلاقات الأمريكية الروسية حري به ملاحظة أنها لم تكن منذ إعلان غورباتشوف للسياسات الإصلاحية المعروفة بـ(البيروسترويكا) بأسوأ منها الآن، فقد شهدت الفترة التي تزامن فيها الرئيس (فلاديمير بوتين) في روسيا و(جورج بوش الابن) في أمريكا و(توني بلير) في بريطانيا أنضر سنوات التعاون بين القوى العظمى، إذ شكّل ثلاثتهم يداً قوية وباطشة في وجه الإرهاب والقضاء على بؤره الملتهبة في الشرق الأوسط، كما تفاعل بوتين مع الرئيس الأمريكي السابق ترامب بصورة ملفتة أبقت على التعاون الأمني والعسكري والإقتصادي والتقني قائماً بين القوتين العظميين وبصورة أكثر من ذي قبل، ولعل التدهور الذي تشهده العلاقات الثنائية بينهما الآن، سيكون مدعاة إلى عودة ترامب مرة إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة عام 2024م إذا إستمرت حرب أوكرانيا إلى ذلك الوقت أو خرجت روسيا منتصرة على الغرب بعد تركيعها له بسلاح الطاقة (النفط والغاز) والأمن الغذائي (الحبوب الغذائية).
ومن الواضح أن الرئيس بوتين قد بنى استراتيجيته الحربية هذه المرة على حاجة العالم إلى نفط وغاز روسيا واللذان لا يمكن لأوربا وأمريكا تحديداً الاستغناء عنهما مهما بالغ مسئوليها في إخفاء ذلك بتصريحات تقلل من النتائج الوخيمة والتأثير الهائل جراء انقطاع إمدادات الطاقة من روسيا، غير أن الحرب الشاملة التي يبدو أنها وشيكة، سيكون من أهم أسبابها حاجة الغرب إلى روسيا والتذمر الداخلي جراء غلاء وشح المواد البترولية والطعام على مستوى العالم.
لا أود هنا أن أورد بعض الاتجاهات (المتفائلة) التي لا تستبعد تورط القادة الغربيين في التواطؤ مع بوتين ضد روسيا من الباطن، كالقول إن الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون يستبطن تأييد بوتين في حربه هذه، ولكنه يستظهر خلاف ذلك بتقمصه دور الوسيط والمصلح، في تلاعب واضح بعامل الوقت بالقدر الذي يسمح للروس تدمير أوكرانيا وفرض الأمر الواقع في نهاية الحرب. ولكني لا أؤيد مثل هذا التحليل لأسباب عديدة: أهمها أن الاتحاد الأوربي بما في ذلك بريطانيا - المنسلخة حديثاً - جميعها من أهم أهدافها القضاء على روسيا التي تنافسها عسكرياً واقتصادياً وتشكل لها مصدر قلق وإزعاج كجار غير ودود، أضف إلى أن أوكرانيا نفسها ليست أقل أهمية استراتيجية من روسيا بالنسبة للغرب في حال انضمامها لحلف الناتو.
ومما ينذر بأن عالم اليوم بات أقرب إلى الدمار والاندثار، وربما الزوال والتلاشي بصورة أسوأ من الحربين العالميتين الأولى والثانية، أن معظم توقعات الخبراء العسكريين والسياسيين والمحللين الاستراتيجيين باءت بالفشل، حين أكثروا من الزعم في بداية هذه الحرب قبل أكثر من شهرين أن الأمر لن يتعدى بضعة ساعات أو أيام على - أسوأ تقدير - حتى تجتاح القوات الروسية العاصمة الأوكرانية (كييف) معلنة انتصارها الساحق. ولكن المتغير الحاسم في هذه الحرب ظهر بصورة جلية في عاملين اثنين: أولاً، في الاستبسال الذي أبدته القوات الأوكرانية في مجابهة القوة التدميرية الروسية الغازية لبلادها، وفي الدعم السخي الذي هبط على أوكرانيا من الغرب ثانياً. ومع استمرار هذا الدعم وتطاول أمد الحرب فإن روسيا ستعاني أكثر وستخسر هذه الحرب بلا شك وسيكون الغرب قد استنزفها رويداً رويداً.
وربما شهدت الفترة القادمة مع المزيد من الخسائر الروسية - في مقابل الدعم الكبير والمستمر من قبل الناتو للقوات الأوكرانية - استخدام الروس لأسلحة ردع ودمار شامل، فلعل التصريحات الأخيرة للخارجية الروسية والقادة العسكريين والتي تضمنت اعترافات بخسائر متفرقة للقوات الروسية، مما سيجعل الإدارة الروسية تلجأ إلى حرب نووية عالمية تنقسم خلالها العالم إلى ثلاث مجموعات: الأولى بزعامة أمريكا والاتحاد الأوربي، وهي تحالف الغرب، والثانية الكتلة الشرقية (روسيا، الصين، كوريا الشمالية وإيران)، والثالثة بقية دول العالم ممن لم تنضم إلى أيّ من المجموعتين.
إذاً ستكون حرباً عالمية فاصلة وخاتمة لمرحلة احتقان وتوتر استمرت منذ سنوات الحرب الباردة وانتهت بمرحلة غزو روسيا لأوكرانيا، وليست حرباً عالمية ثالثة بعدها يتم عقد الصلح وتأتي (لجنة مارشال) جديدة لإعادة إعمار العالم. لأنه - وبكل بساطة - لن يكون هناك عالم ليُعاد إعماره.
stephone1258@hotmail.com
"لا توجد سابقة تاريخية تذكر أن بلداً ما قد استفاد من دخوله حروباً طويلة"
الحكيم الصيني سون تزو من كتابه (فن الحرب)
والحرب الروسية في أوكرانيا تدخل شهرها الثالث، فإنها مدة ليست بالقصيرة في حسابات الحروب الحديثة التي تقوم على سرعة الحسم وتقليل الإنفاق والخسائر البشرية والمادية، هذا بخلاف أن روسيا كقوة عظمى لم تراعِ مكانتها الدولية وشخصيتها القيادية في النظام العالمي الجديد بمبادرتها إلى شن حرب على جارتها أوكرانيا.
سارعت روسيا إلى غزو أوكرانيا على الرغم من المناشدات الدولية العديدة التي دعت الرئيس فلاديمير بوتين إلى التحلي بالمزيد من الصبر وبحث الأزمة في الإطار السياسي والدبلوماسي، وعلى الرغم من علم الإدارة الروسية في الكرملين بتكتيكات أعدائها – التقليديين والمفترضين – الذين يتحيّنون الفرص ويتجسّسون على روسيا بكل السبل من أجل استطلاع ما لديها من إمكانات. وهو بحسب رأينا تصرف نزق وأرعن من سياسي مخضرم وقائد متمكن وذو خبرة طويلة كـ(بوتين)، وهي خطوة لا تفسرها إلا غطرسة وتضخم ذات و(بارانويا) عُرف بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الفترة الأخيرة.
لقد قدم الرئيس الروسي بوتين للغرب (حلف الناتو) خدمة جليلة على طبق من ذهب بخوضه لهذه الحرب التي بدأت بوادر خسارة روسيا لها تلوح، وكشفت بجلاء إمكانات روسيا التسليحية والعسكرية المتواضعة مقارنة مع أصغر دولة في حلف الناتو مثل (بولندا) على سبيل المثال، إذ أن القطب الآخر، الولايات المتحدة، سعت منذ وقت مبكر من إنهيار الاتحاد السوفيتي إلى معرفة الاستعدادات العسكرية الروسية تحسباً لأية حرب يمكن أن تنشب بينهما في المستقبل، ولتكون معركة حاسمة بين الغريمين تقضي على أسطورة الدب الروسي. ولعل حكمة الرؤساء الأمريكيين الذين جاءوا بعد جورج بوش الأب إلى الرئيس باراك أوباما، هي ما خففت من حدة التوتر بين الدولتين وساعد في تطاول أمد الاصطدام الحتمي بينهما، الأمر الذي يؤيد فرضية المناوئين للرئيس الأمريكي الحالي (جو بايدن) والقائلة بضعف مقدراته السياسية.
الناظر إلى العلاقات الأمريكية الروسية حري به ملاحظة أنها لم تكن منذ إعلان غورباتشوف للسياسات الإصلاحية المعروفة بـ(البيروسترويكا) بأسوأ منها الآن، فقد شهدت الفترة التي تزامن فيها الرئيس (فلاديمير بوتين) في روسيا و(جورج بوش الابن) في أمريكا و(توني بلير) في بريطانيا أنضر سنوات التعاون بين القوى العظمى، إذ شكّل ثلاثتهم يداً قوية وباطشة في وجه الإرهاب والقضاء على بؤره الملتهبة في الشرق الأوسط، كما تفاعل بوتين مع الرئيس الأمريكي السابق ترامب بصورة ملفتة أبقت على التعاون الأمني والعسكري والإقتصادي والتقني قائماً بين القوتين العظميين وبصورة أكثر من ذي قبل، ولعل التدهور الذي تشهده العلاقات الثنائية بينهما الآن، سيكون مدعاة إلى عودة ترامب مرة إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة عام 2024م إذا إستمرت حرب أوكرانيا إلى ذلك الوقت أو خرجت روسيا منتصرة على الغرب بعد تركيعها له بسلاح الطاقة (النفط والغاز) والأمن الغذائي (الحبوب الغذائية).
ومن الواضح أن الرئيس بوتين قد بنى استراتيجيته الحربية هذه المرة على حاجة العالم إلى نفط وغاز روسيا واللذان لا يمكن لأوربا وأمريكا تحديداً الاستغناء عنهما مهما بالغ مسئوليها في إخفاء ذلك بتصريحات تقلل من النتائج الوخيمة والتأثير الهائل جراء انقطاع إمدادات الطاقة من روسيا، غير أن الحرب الشاملة التي يبدو أنها وشيكة، سيكون من أهم أسبابها حاجة الغرب إلى روسيا والتذمر الداخلي جراء غلاء وشح المواد البترولية والطعام على مستوى العالم.
لا أود هنا أن أورد بعض الاتجاهات (المتفائلة) التي لا تستبعد تورط القادة الغربيين في التواطؤ مع بوتين ضد روسيا من الباطن، كالقول إن الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون يستبطن تأييد بوتين في حربه هذه، ولكنه يستظهر خلاف ذلك بتقمصه دور الوسيط والمصلح، في تلاعب واضح بعامل الوقت بالقدر الذي يسمح للروس تدمير أوكرانيا وفرض الأمر الواقع في نهاية الحرب. ولكني لا أؤيد مثل هذا التحليل لأسباب عديدة: أهمها أن الاتحاد الأوربي بما في ذلك بريطانيا - المنسلخة حديثاً - جميعها من أهم أهدافها القضاء على روسيا التي تنافسها عسكرياً واقتصادياً وتشكل لها مصدر قلق وإزعاج كجار غير ودود، أضف إلى أن أوكرانيا نفسها ليست أقل أهمية استراتيجية من روسيا بالنسبة للغرب في حال انضمامها لحلف الناتو.
ومما ينذر بأن عالم اليوم بات أقرب إلى الدمار والاندثار، وربما الزوال والتلاشي بصورة أسوأ من الحربين العالميتين الأولى والثانية، أن معظم توقعات الخبراء العسكريين والسياسيين والمحللين الاستراتيجيين باءت بالفشل، حين أكثروا من الزعم في بداية هذه الحرب قبل أكثر من شهرين أن الأمر لن يتعدى بضعة ساعات أو أيام على - أسوأ تقدير - حتى تجتاح القوات الروسية العاصمة الأوكرانية (كييف) معلنة انتصارها الساحق. ولكن المتغير الحاسم في هذه الحرب ظهر بصورة جلية في عاملين اثنين: أولاً، في الاستبسال الذي أبدته القوات الأوكرانية في مجابهة القوة التدميرية الروسية الغازية لبلادها، وفي الدعم السخي الذي هبط على أوكرانيا من الغرب ثانياً. ومع استمرار هذا الدعم وتطاول أمد الحرب فإن روسيا ستعاني أكثر وستخسر هذه الحرب بلا شك وسيكون الغرب قد استنزفها رويداً رويداً.
وربما شهدت الفترة القادمة مع المزيد من الخسائر الروسية - في مقابل الدعم الكبير والمستمر من قبل الناتو للقوات الأوكرانية - استخدام الروس لأسلحة ردع ودمار شامل، فلعل التصريحات الأخيرة للخارجية الروسية والقادة العسكريين والتي تضمنت اعترافات بخسائر متفرقة للقوات الروسية، مما سيجعل الإدارة الروسية تلجأ إلى حرب نووية عالمية تنقسم خلالها العالم إلى ثلاث مجموعات: الأولى بزعامة أمريكا والاتحاد الأوربي، وهي تحالف الغرب، والثانية الكتلة الشرقية (روسيا، الصين، كوريا الشمالية وإيران)، والثالثة بقية دول العالم ممن لم تنضم إلى أيّ من المجموعتين.
إذاً ستكون حرباً عالمية فاصلة وخاتمة لمرحلة احتقان وتوتر استمرت منذ سنوات الحرب الباردة وانتهت بمرحلة غزو روسيا لأوكرانيا، وليست حرباً عالمية ثالثة بعدها يتم عقد الصلح وتأتي (لجنة مارشال) جديدة لإعادة إعمار العالم. لأنه - وبكل بساطة - لن يكون هناك عالم ليُعاد إعماره.
stephone1258@hotmail.com