الحضارة الإسلامية: حضارة أصيلة وليست عنصرية …يا بريش !!!

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
تعقيباً على مقال:"كلكم وكُلنا من عائلة القرود "والمغُور" يا سامي صلاح!! .. بقلم: عبدالغني بريش فيوف. والمنشور في سودانايل، بتاريخ: 26/6/2022م

أ.د. أحمد محمد أحمد الجلي
ahmedm.algali@gmail.com
اطلعت على مقال السيد/ عبد الغني بريش ،معلقاً على ما كتبه أحد أعضاء حزب المؤتمر السوداني، على الفيس ،واصفاً بعض الحركات المسلحة والأحزاب السياسية التي نظمت اعتصام القصر قبل انقلاب اكتوبر،قائلاً: “هو إعتصام القرود المتخلفة عقلياً وذهنياُ وأخلاقياً والمنحطة نفسياً وجسديا. واحتج بريش ،محقاً، على صدور مثل هذا الوصف من شخص سوداني مثل سامي.وبعد ايراد الكاتب موقف حزب المؤتمر السوداني،من العبارات العنصرية التي صدرت من العضو والتحقيق معه سعياً لاتخاذ اجراءت تأديبية ضده، عرض الكاتب لبيان ًالممارسات ضد السود لدى اليهود ،وفي الحضارة الغربية بصفة عامه،وبين أن هذا السلوك العنصري قد يكومن مبررا الى حد ما في المحيط الغربي الذي يسود فيه اللون الأبيض ويجد البيئة الاجتماعية،الت تسند هذا التوجه العنصري، لكن من غير المنطقي أن يصدر هذا الوصف من شخص سوداني يعد من فيئة السود،الى آخر ما تضمنه المقال.
واستوقفتني في مقالة السيد عبد الغني العبارة التالية " إنَّ احتقار البشر غير العرب في السودان على أساس الثقافة والحضارة العربية الصحراوية، يعد مظهرا آخر من مظاهر زيف هذه الحضارة المزعومة، تلك الحضارة التي تدعي المجد، والقدرة على انتاج المعارف، والأفكار القادرة على تدبير كل شيء، لم تكن سوى وباءا فتاكا، هتك بالسودان واعادت به ألف وأربعمائة عام إلى الوراء." ،وتبدو العبارة نابية عن سياق النقال ،الامر الذي دفعني الى التعليق عليها.
وهذه العبارة تدل أما على جهل بتاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية،او ظلم في الحكم على الحضارة الإسلامية ،وقد أبريء الكاتب عن وصف الجهل بالإسلام وخصائص الحضارة الإسلامية ،ومنجزاتها ،في زمن توفرت فيه المعلومات وتيسر الحصول عليها ،ويمكن بنقرة، الدخول على جوجل ،ليجد القاريء الكثير من الكتب والمقالات عن الحضارة الإسلامية ،وخصائصها، ومنجزاتها العلمية والفكرية والفنية ،في شتى المجالات، وكيف انها اسهمت في الحضارات الإنسانية لاسيما الحضارة الغربية، التي تدين للحضارة الإسلامية -لا في المنهج الذي قامت عليه الحضارة المعاصرة فحسب - تدين للحضارة الإسلامية بوجودها ابتداء ،كما عبر بعض علماء الغرب.واحسب أن الكاتب قد انطلق من الموقف الاخر ( ظلم الحضارة الإسلامية) عن عمد -كما درج على ذلك بعض خصوم الإسلام من التيارات والايديولجيات التي تعتاش على مهاجمة الإسلام عقيدة ونظما وحضارة، وعليه فأود ،أن اذكر الكاتب ،وبعض القراء الذين قد يضللون ببعض الأحكام التي يسوقها بعض حملة الأقلام في هذا الزمن الرديء:بأنَّ من أهم مميزات الحضارة الإسلامية بعدها عن العنصرية،فهي حضارة إنسانية النزعة ،اهتمت بالإنسان والتراث الإنساني أخذاً وعطاءً .وتنطلق هذه النزعة الإنسانية -التي تتسم بها الحضارة الإسلامية-من المباديء الإسلامية التي تؤكد على الحقائق التالية :
أولا: إنَّ الإسلام يقرر أنَّ الناس جميعاً يعودون إلى أصل واحد. بل إنَّ وحدة الخلق الإنساني حقيقة مقررة في ابتداء الخلق، سعت الأديان السماوية كلها، وخاصة الإسلام، إلى احيائها في نفوس الناس، وازالة كل ما يؤدي إلى اضعافها من حقد وخصام وافساد بين الناس. فالناس جميعاً، في المنظور الإسلامي،يعودون إلى أصل واحد. وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة، كما ورد في قوله تعالى:(هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَٰحِدَةٍۢ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِۦ ۖ فَلَمَّآ أَثْقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَٰلِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ )،الأعراف:189. (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍۢ وَٰحِدَةٍۢ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ،النساء:1. وبين القرآن الكريم ، أن معيار التفاضل بين الناس هو مقدار ما يحمل كل منهم من قيم إنسانية، أو يتحلى به من تقوى كما عبر القرآن الكريم. :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ،الحجرات:13 وإنَّ اختلاف الناس شعوباً وقبائل لا ينبغي أن يكون مسوغاً للصراع والتنازع والفرقة.بل ينبغي أن يكون سبيلاً إلى التفاهم وتبادل المنافع والمعارف والتجارب.وبين الرسول r عدم المفاضلة بين الناس لانتمائهم العرقي أو الجهوي ،وأنَّ الناس جميعا شركاء في الانسانية،وهم سواء من حيث بشريتهم،وتمايزهم يكون بمقدار تقواهم واستقامتهم وما يقدمونه من عمل صالح.، وأنَّ الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه علاقات الناس مسلمين وغير مسلمين،التعاون والعمل المشترك من أجل خير الناس جميعا: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة:2.
ثانيأ: إنَّ الناس جميعاً شركاء في الإنسانية ،وإنَّ الانسان بصرف النظر عن دينه وأصله كائن مكرم عند الله تعالى، وهو مفضل ومميز على كثير من المخلوقات. (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) ،لاسراء:70، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ،التين:4 .وبين الرسول r هذه الحقيقة بقوله: "أيها الناس إنَّ ربكم واحد،وإنَّ أباكم واحد،لا فضل لعربي على أعجمي،و لا لعجمي على عربي،و لا لأحمر على أسود،و لا لأسود على أحمر إلاَّ بالتقوى. "،كما ورد قوله r:” أيها الناس، إن الربّ واحد والأب أبّ واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي،”. ومن الأمثلة العملية على هذا التكريم ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:"مر بنا جنازة فقام لها النبيr:فقمنا معه فقلنا:يا رسول الله إنها جنازة يهودي، قال:إذا رأيتم الجنازة فقوموا" ،وفي حديث آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية،فمروا عليهما بجنازة فقاما.فقيل لهما :إنها من أهل الأرض=أي من أهل الذمة=فقالا:إن النبيr مرت به جنازة فقام فقيل له:إنَّها جنازة يهودي.فقال:أليست نفساً".
.ُثالثأ: إن الجيل الاول الذي حمل الإسلام وصحب الرسول لم يكونوا من قريش فحسب، بل كانوا من قبائل مختلفة وأجناس شتى جمع بينهم الدين،وألف بين قلوبهم الله تعالى ،كما بين القرآن الكريم: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، الأنفال:63..
رابعاً:على أثر الفتح الإسلامي الذي امتد على نحو قرن من الزمان ،ما بين الهند شرقاً والمحيط الإطلسي غرباً ،وما بين بحر قزوين شمالاً وبلاد النوبة جنوباً ، انتشر الإسلام بين تلك الشعوب ،ودخلت العديد من الشعوب فيه ،وانضوت تحت لواء الدولة الإسلامية أمم ،كان لمعظمها ماض حضاري تليد كالفرس والهنود والعراقيين والسوريين والروم والمصريين ،وقد أسهمت تلك الشعوب بتراثها الحضاري، وبخصائصها وتقاليدها في تشكيل الحضارة الإسلامية.
فالحضارة الإسلامية هي نتاجٌ لتفاعل ثقافات الشعوب التي دخلت في الإسلام، سواء إيمانًا وتصديقًا واعتقادًا، أو انتماءً وولاءً وانتسابًا، وهي خلاصةٌ لتلاقح تلك الحضارات التي كانت قائمةً في المناطق التي وصلت إليها الفتوحات الإسلامية، ولانصهار تلك الشعوب في بوتقة المبادئ والقيم والمُثُل التي جاء بها الإسلام هدايةً للناس كافة.
لقد نجحت الحضارة الإسلامية في اختيار العناصر الصالحةِ من تلك الثقافات والحضارات، ثم مزجت بينها وأكملت نواحي النقص فيها، بحيث صار لها في النهايةِ نكهة خاصة، وشخصية مميزة استمرَّت على مدى قرون طويلة، بل ما زالت تعيش بين ظهرانَيْنا حتى الآن. وأصبحت الحضارة الإسلامية عِقْدًا تنتظم فيه عبقريات الشعوب والأمم التي خفقت فوقها رايةُ الفتوحات الإسلامية، واذا كانت كل حضارة تستطيع أن تفاخر بالعباقرة من أبناء جنس واحد وأمة واحدة ، فإنًّ الحضارة الإسلامية تفاخر بالعباقرةِ الذين أقاموا صرحها من جميعِ الأممِ والشعوبِ.. فأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد،والطبري والخليل وسيبويه والكندي والغزالي والفارابي وابن رشد،والبيروني والخوارزمي،وابن سينا.. وأمثالهم ممن اختلفت أصولُهم وتباينت أوطانُهم، ليسوا إلا عباقرةً قدَّمت الحضارةُ الإسلامية -من خلالهم-إلى الإنسانية أروعَ نتاجِ الفكر الإنساني السليم
خامسا:ً من خلال الواقع التاريخي لحركة المسلمين، نجد أنَّ الدولة الإسلامية منذ نشأتها الأولى تألفت من شعوب وأجناس ونحل ومعتقدات متباينة،وأنَّ ذلك الإختلاف، لم يمنع غير المسلمين ،من السريان والفرس وغيرهم، من الإندماج في المجتمع الإسلامي ،والمشاركة النشطة في العمل الفكري والثقافي بالترجمة والتأليف، ومزاولة الطب والفلك وسائر العلوم. وأنَّ ذلك التنوع السلالي واللغوي والثقافي يعد مفخرة من مفاخر الإسلام، وتأكيداً لطبيعة رسالته الكونية وثقافته وحضارته الإنسانية التي شارك فيها أعلام متميزون وأسهم في بنائها مفكرون عظام من أمثال: ابن سينا، والغزالي ،والخوارزمي،وغيرهم.
سادساً : وفقاً لتوجيهات تلك القيم الإسلامية ، انطلق المسلمون يعمرون الأرض ويبدعون في مجالات العلم والمعرفة المتنوعة..ونتج عن ذلك العديد من المنجزات والمبتكرات في مجال العلوم والمعارف المختلفة ،من رياضيات وفلك وطب وهندسة ،وفيزياء وكيمياء وغيرها. ،وأجرى المسلمون العديدمن الأبحاث التطبيقية وطوروا استخدامات الري والميكانيكا ، وتحسين صناعة الورق ، وتكرير السكر واختراع البارود، وغيرها الكثير.هذا فضلاً عن اسهاماتهم الكبيرة في حقول العلوم الإنسانية ، كالتاريخ ، والإقتصاد ، والسياسة والقانون ، والتربية ، والنفس ، ومناهج البحث ، والاجتماع ، والنظم الإدارية ، والآداب والفنون .. إلى آخره. وتأثيراتها في مجرى الحضارات البشرية ، وخاصة الحضارة الغربية ، فهي أوضح للعيان وأشد حضوراً من أن يشار إليها أو يدلل عليها. (أثر العرب في الحضارة الأوربية ، جلال مظهر : دار الرائد ، بيروت ، 1967م.:صفحات: 170-171-192 )
سابعاً: انتشرت أنوار تلك الحضارة فعمت كل أصقاع العالم المعروفة آنذاك.وكان لها أثر عظيم لا سيما على أوروبا ،ونهضتها الحضارية وتقدمها العلمي .كما يشهد بذلك كثير من مؤرخي الحضارة الغربية.فأسهم العرب في نهضة أوروبا حينما انتقل المنهج التجريبي إليها وأخذت به . وكما تقول المستشرقة الالمانية زيغرد هونكة : "إنَّ العرب لم ينقذوا الحضارة الاغريقية من الزوال ، ثم نظموها ورتبوها وأهدوها للغرب فحسب ، إنَّهم مؤسسو الطرق التجريبية في الكيمياء والطبيعة والحساب والجبر والجيولوجيا وحساب المثلثات وعلم الاجتماع. لقد قدم العرب أثمن هدية، وهي طريقة البحث العلمي الصحيح التي مهدت أمام الغرب الطريق لمعرفة الطبيعة وتسلطه عليها اليوم". (انظر:شمس العرب تسطع على الغرب ( زيغرد هونكة) ص:339-375)
ويؤكد ذلك بريفولت في كتابه “بناء الإنسانيةHumanity The Making of”،قائلاً: "إن ما يدين به علمنا للعرب ليس فيما قدموه إلينا من كشوف مدهشة لنظريات مبتكرة، بل يدين لها بوجوده نفسه، فالعالم القديم – كما رأينا – لم يكن للعلم فيه وجود، وعلم النجوم عند اليونان ورياضياتهم كانت علومًا أجنبية استجلبوها من خارج بلادهم، وأخذوها عن سواهم، ولم تتأقلم في يوم من الأيام، فتمتزج امتزاجًا كليًا بالثقافة اليونانية. وقد نظم اليونان المذاهب وعمموا الأحكام ووضعوا النظريات، ولكن أساليب البحث في دأب وأناة وجمع المعلومات الإيجابية وتركيزها، والمناهج التفصيلية للعلم، والملاحظة الدقيقة المستمرة، والبحث التجريبي، كل ذلك كان غريبًا تمامًا عن المزاج اليوناني، ولم يقارب البحث العلمي نشأته في العالم القديم إلا في الإسكندرية في عهدها الهيليني، أما ما ندعوه (العلم) فقد ظهر في أوروبا نتيجة لروح من البحث جديدة، ولطرق من الاستقصاء مستحدثة، بطرق التجربة والمقاييس وتطور الرياضيات إلى صورة لم يعرفها اليونان. وهذه الروح وتلك المناهج أوصلها العرب إلى العالم الأوربي" ( Making of Humanity (Robert Briiffault) London,George Allen& Unwin.1st Edit.1919.P.191)
ويمضي بريفولت الى القول: "إن روجر بيكون درس اللغة العربية والعلم العربي والعلوم العربية في مدرسة أكسفورد، على خلفاء معلميه العرب في الأندلس، وليس لروجر بيكون ولا لسميه (يقصد: فرانسيس بيكون) الذي جاء بعده الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي. فلم يكن روجر بيكون إلا رسولاً من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوربا المسيحية، وهو لم يمل قط من التصريح بأن تعلم معاصريه للغة العربي وعلوم العرب، هو الطريق الوحيد للمعرفة الحقة. والمناقشات التي دارت حول واضعي المنهج التجريبي هو طرف من التحريف الهائل لأصول الحضارة الأوربية، وقد كان منهج العرب التجريبي في عصر بيكون قد انتشر انتشارًا واسعًا، وانكب الناس في لهف على تحصيله في ربوع أوربا". Making of Humanity (Robert Briiffault) PP: 200-201) )
ثامناً: تعكس مسيرة الحضارة الاسلامية الدور الحضاري الذي لعبه المسلمون خلال التاريخ،كما تقدم-بما تحمله تلك الحضارة من ثقافة- وتضع الاسس للمباديء التي يمكن أن تقوم عليها العلاقة بين المسلم والآخر ،وهو امر مهم لا سيما في هذه الفترة التي يدخل فيها العالم مرحلة جديدة من التعايش الثقافي والحضاري ،وضرورة قبول الآخر،والإعتراف بالتعددية الثٌقافية. وهو توجه سبق أن عايشه الإسلام بكفالته لحرية الإنسان ،وحمايته للجماعات المختلفة التي شاركت في بناء حضارته،الأمر الذي حفظ لتك الجماعات هويتها،وشجعها على تطوير العناصر الايجابية في ثقافاتها،وصبغ تلك الثقافات بالصبغة الحضارية الإسلامية،وصهرها في بوتقة واحدة ،وكان المنطلق الأساسي لذلك كله قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ،الحجرات:13.
وأخيرا فإن القول بأن الثقافة العربية والحضارة العربية صحراوية،وانها السبب في الواقع المأساوي الذي عاشته وتعيشه الشعوب،قول مجاف لواقع الأحداث وحقائق التاريخ.فالحضارة الإسلامية لم تعرف في تاريخها الطويل احتقارا لغير العرب من الشعوب التي انضوت تحت لوائها، في أنحاء العالم المختلفة التي انتشر فيها الإسلام .كما أن مجد الحضارة الاسلامية، وقدرتها على انتاج المعارف حقائق ملموسة -كما اسلفنا من قبل -وليست دعاوى، كما زعم الكاتب . اما بالنسبة للسودان فلم تكن الحضارة الإسلامية وباءا فتاكاً، هتك بالسودان واعادت به !!( لعله واعاده)، ألف وأربعمائة عام إلى الوراء،كما زعم الكاتب، بل كان الإسلام بقيمه وتعاليمه وحضارته عامل وحدة وتآلف بين مختلف مكونات المجتمعات السودانية، كما تشهد بذلك الممالك الإسلامية التي ظهرت خلال التاريخ السوداني، كمملكة الفونج، والممالك الإسلامية في دارفور وغيرها من مناطق السودان.اما تخلف السودان وما يسوده الآن من تفكك وتخلف، ليس بسبب الحضارة الإسلامية، بل بسبب تفشي القبلية وسيادة العنصرية ،وافتقار الناس للشعور بالوحدة الإنسانية، التي غابت حينما ضعف الإيمان في النفوس ،وبعد الناس عن القيم الإسلامية.و عليه فلا سبيل الى نهضة تلك الشعوب، وجمع كلمة تلك المجتمعات الا بالرجوع الى القيم الإسلامية ،التي تقرر ضرورة التعايش بين الشعوب والأمم ،والإعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي بين الناس ،وتشجيع تنمية اللغات والثقافات للجماعات العرقية االمتعددة، واحترامهاً. وسيكون ذلك عاملاً رئيسياً في تحقيق سلام دائم، وضمانة وحيدة أن لا تستغل جماعة عرقية أو ثقافية منفردة الدين واللغة كي تعطي ميزة لوضعها الإجتماعي والإقتصادي،كما هو حادث الآن.

أ.د. احمد محمد احمد الجلي
ahmedm.algali@gmai.com

//////////////////////////////

 

آراء