الخرطوم… رقص الأفاعي وصمت القبور

 


 

 

الصمت وقد تمددت الافاعي الطويلة الفتاكة ، وأفرزت تلك العقارب الصحرواية سمومها القاتلة علي جسد الخرطوم الطاهرة ليلاً ونهاراً ، المغول والبربر والغجر ، استباحوا شرفها في وضح النهار . انهمرت دموعها الساخنة ، وسالت دماء عذريتها و بكارتها في وضح النهار ، ونحن نقف علي ضفة النهر القاصي نشاهد المأساة من علي البعد ، نتأمل ضياع الشرف الباذخ ، و نفقد مقدرتنا حتي علي الصراخ ، لماذا هذا الصمت الرهيب المريب ولماذا لا نمسي الأشياء علي حقيقتها ، أكاد أجزم بأننا هزمنا يوم أغتصبت الخرطوم ، أكاد أجزم بأننا هرمنا يوم أذلت الخرطوم، نحتاج الي تلك الصرخة المدوية ، ذاك الصوت القوي القادم من وديان الصمت في دواخلنا ، لا لمن زرع الخوف والبطش والقتل ، لا لمن سرق الضحكة والفرحة والبسمة ، لا لمن هتك الشرف والعرض والعذرية.
***
الغدر…والخرطوم هتكت عذريتها ، ودمرت خيامها وخبائها ، فجمعت شيئاً من بقايا الجسد المتهالك وقد لوثه المغول والبربر ، خرجت ليلًا والخوف والرعب والوجع علي أكتافها وبعض الصغار ، أتجهت ألي الشمال عبر الصحراء والفيافي والقفار ، فكان وجعها أن أغلقت شقيقتها الاخري الباب علي وجهها المتعب بالسفر والجوع والخوف ، ياليتها صمتت وتركت بابها مغلقاً ، لكنها طالبتها برسوم عبور الي دارها الرحبة علي النيل والمتوسط ، ويح قلبك من جرح شقيقتك وقد أغرقت أرضك لها ، ووهبت كنوزك حباً لها ، ورفعت صوتك عاليًاعند صمت الجميع بلاآتك الثلاث .
***
الغدر …الشقيقة الصغرى في جنوب النهر حالها ليس بافضل من الاخري ، وضعت أشجار السنط و المسكيت والشوك في طريق الخرطوم ، ومن ثم اطفات نار قدرتها وأطلقت كلابها المسعورة في أتجاه شقيقتها لتمزق ماتبقي من ثوبها الطاهر الملطخ بدماء الغدر والخيانة ونكران الجميل ، ولم يكن حال الثالثة أشرف وقد تحصنت بتلال البن وشلالات المياه ، فانهمكت في تناول فناجين القهوة والدخان يتراقص علي تلك التلال البعيدة علي بنت النيل المكلومة.
***
الخيانة…وهاهي الأيام العصيبة تخرج وتفضح أسوأ شيءٍ في نفوسنا الخربة ، ونخون الجار والقريب وحتي الأهل ، أسفي عليك أرض تاسيتي العريقة ، أرض الحضارات ، كانت أرض الاقواس المصوبة تصل الي صدور الاعادي والغزاة ، أسفي علي زمن نصوب فيها حرابنا وسيوفنا و نبالنا الي صدور بني الأوطان ، مقابل ماذا هذا الهبوط الي هاوية الغدر والانحطاط والنذالة ؟
**^
رحم الله محمود درويش حين قال:
أيها المارُّون بين الكلمات العابرة
آن أن تنصرفوا وتقيموا أينما شئتم
ولكن لا تقيموا بيننا
آن أن تنصرفوا ولتموتوا أينما شئتم
ولكن لا تموتو بيننا

فلنا في أرضِنا ما نعمل
ولنا الماضي هنا ولنا صوت الحياة الأول
ولنا الحاضر، والحاضر، والمستقبل
ولنا الدنيا هنا... والآخرة

فاخرجوا من أرضنا
من برنا ..من بحرنا
مِن قمحنا .. مِن ملحنا .. مِن جرحنا
من كل شيء، واخرجوا من مفردات الذاكرة
***
د.زهير عامر محمد عبد الكريم
المملكة المتحدة ٢٤ يونيو ٢٠٢٣

zuheiramir@hotmail.com
//////////////////////

 

آراء