الخلط بين حالات الهجرة ، النزوح و التوطين – في حالة الانفصال
20 January, 2010
د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
منذ بداية تكون الدولة السودانية تداخلت عوامل كثيرة في التمازج السوداني في مختلف دويلات السودان و أقاليمه وصولا للسودان الحالي الذي يتهدده الانفصال. ما يلفت الانتباه البيان الصادر قبل ايام من قبيلة البرتا و علاقتها بدولة الفونج ، اذ وردت هناك اشارة الي عدم وجود عنصر يسمي الفونج و انما اصل تلك الدولة قبائل عربية مثل القواسمة و اخري اشار البيان الي انها زنجية و من اهمها البرتا. الاعتقاد السائد لدي غالبية السودانيين ان موطن البرتا هو دارفور. هذا الامر متروك لذوي الاختصاص العالمين بهذه الامور، عنيت من تلك الاشارة ان حركة السكان في السودان لم تحظي بقدر كاف من الدراسة و البحث العلمي ما عدا محاولات قليلة معظمها لم يجد حظه من النشر او الانتشار بالشكل المطلوب إضافة لقصور المناهج التعليمية التي تغفل مثل تلك الجوانب الحيوية حول تاريخ السودان و سكانه و ثقافاته ، اذ ليس كل ما يتصل بالمكونات السكانية بما فيها القبلية بالضرورة سلبي و انما هناك اهمية كبري في الكشف عن الجوانب الخاصة بالسكان من مختلف أوجهها. نزعات الانفصال السائدة الان في السودان بشماله و جنوبه و غربه تضفي أهمية جديدة علي الجوانب المتعلقة بالسكان.
شهد السودان في مختلف الحقب التاريخية موجات من الهجرة و النزوح إضافة لإعادة التوطين كحالة حلفا علي سبيل المثال . في نهاية الأمر اختلطت كل تلك المفاهيم مع بعضها في المكونات الاثنية للسودان و في الهيكل الديمغرافي للسكان بشكل من الصعب التمييز فيه بين المواطن الاصلي و المتجنس و الأحقية في الحصول علي حق المواطنة السودانية. هنا تنتج صعوبة حقيقية في تجريد جماعات سكانية معينة من جنسيتها السودانية حتي و لو كانت قادمة من خارج السودان الحالي فما بالكم بذلك في حالة حدوث انفصال. انتج الحراك السكاني انماطا معيشية و اشكالا من النشاط الاقتصادي ساهمت في الاستقرار الاسري و في عمليات التنمية و النمو الاقتصادي في السودان. الكثير من الأسر المهاجرة الي السودان او النازحة بسبب الحرب او لعوامل اقتصادية و غيرها استطاعت ان تحسن احوالها المعيشية و تلبية حاجاتها الاساسية في السكن و التعليم و الدواء و الغذاء و اقامة مشاريع او اعمال مختلفة الاحجام و الاهمية. بمسح بسيط للمهن في المناطق الصناعية و في المشاريع الزراعية و الاسواق و المواصلات و التشييد يمكن للمرء الوقوف علي تلك الاشكال من النشاط و طبيعة العاملين بها. اسهم ذلك في خفض معدلات الفقر لتلك الفئات السكانية مقارنة بالذين لا زالوا في مواطنهم الاصلية او مقارنة بالمتأثرين بالحرب. اسهم ذلك في رفد قيم مضافة في الاقتصاد كما اضفي نوعا من التمازج السكاني حيث تختلط السحنات في كل مكان لدرجة تعيِ مراسلي القنوات الفضائية خاصة السودانيين منهم في اختيار النماذج المستطلعة في تقاريرهم الاخبارية ، اذ تجدهم يعانون في اثبات هوية ما يمكن ان يوصف بها السوداني.
مع كل تلك الظواهر لم تكن هناك مساهمة تذكر للنازحين او المهاجرين القدامي الي السودان في تحويل مبالغ نقدية الي اوطانهم الام يمكن ان تسهم في تحسين الحياة هناك ناهيك عن المساهمة في التراكم الرأسمالي . ذلك بالعكس من الذين هاجروا ( اغتربوا ) الي دول الخليج مثلا. المهاجرون في اوقات مبكرة الي السودان معظمهم من الفقراء الذين فضلوا البقاء في السودان ، اما بالنسبة للمجموعات الاخري من الشام و اليمن و مصر و الهند و اوربا فلا توجد بيانات مفصلة يمكن الاستدلال بها لاستنتاج احوالهم الاقتصادية. لكن يمكن القول انهم كانوا يعيشون بسلام و استقرار في السودان الي حين تطبيق قوانين سبتمبر ثم الخوف الذي صاحب انقلاب الإنقاذ و ما صاحب ذلك من حالة تشبه الهروب الجماعي. من مكونات النزوح و الهجرة تكون عقول و خبرات سودانية علي درجة راسخة من الاصالة و قد دخلت في تكوين المجتمع السوداني بشكل لا يمكن اقتلاعها منه. مع ملاحظة عدم وجود قانون واضح للهجرة و الجنسية في السودان، خاصة مع ظاهرة تجنيس لاعبي كرة القدم ، يأتي السؤال عن كيفية حل معضلة الجنوبيين المقيمين بشمال السودان الذين يملكون الحق الكامل في الجنسية السودانية؟ هل ينتظر منهم العودة الطوعية الي الجنوب في حالة الانفصال ام سيتم ترحيلهم قسرا ؟ ما هو اثر ذلك علي الشمال؟ و كيف يمكن توطينهم و إعاشتهم في الجنوب؟ هل هناك بيانات مفصلة عن أعداد الجنوبيين في الشمال؟ حسب بيانات الإحصاء السكاني فان عددهم في الخرطوم هو حوالي 250 الف مواطن ( من منَ تم تسجيلهم ) بينما ذكر بعض قادة الحركة ان مثل هذا العدد يوجد بالحاج يوسف فقط. عموما هذا ملف شائك اخر من ملفات الوحدة و الانفصال يبدو انه مهمل ايضا و بعيدا عن البحث. قصدنا من ذلك التنبيه الي خطورة لعبة الانفصال الجارية الان في السودان و عن استهانة طرفي نيفاشا بهذا الإجراء الخطير الذي لا يجدي معه تطيب الخواطر مثلما حدث في الاحتفال بأعياد السلام في يامبيو بين السيدين رئيس الجمهورية و نائبه الأول. الانفصال في حالة السودان من المتوقع ان يولد مشاكل تجعل كل من سعي إليه يعض علي أصابع الندم الذي سيكون بعد فوات الأوان.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]