الخيار صفر.. عن معادلات استراتيجية أوباما وتقرير إمبيكي … بقلم: خالد التيجاني النور
30 October, 2009
tigani60@hotmail.com
حدثان أو قل تطوران على قدر كبير من الأهمية حفل بهما الأسبوع الماضي من شأن تبعاتهما والتداعيات المحتملة لكليهما أن تلعب دوراً بالغ الأهمية في تشكيل المعالم الأساسية للمرحلة المقبلة في الساحة السياسية السودانية، وأعني بالحدثين إعلان استراتيجية أوباما للسودان وتقرير لجنة إمبيكي، ومع ما يبدو من تباين ظاهر في طبيعة والملابسات المحيطة بكل منهما، إلا أن القراءة المتأنية الفاحصة لفحوى وما بين السطور وما وراء «الاستراتيجية» و «التقرير»، تشير إلى أنهما يحملان دلالات تنطوي على تطورات بالغة الأهمية تصب في اتجاه واحد من شأنه التأثير بشدة في مجريات الأحداث السياسية المقبلة في السودان، ولا يمكن بأية حال التعامل معهما باستهانة، أو اعتبارهما مجرد حدثين عابرين يكفي التعاطي معهما ببيروقراطية سياسية لا تضع في اعتبارها استحقاقاتهما الخطيرة على مستقبل البلاد،
ولئن انصرف أغلب الاهتمام والتعليقات السياسية على استراتيجية أوباما وقراءتها من وجهات نظر مختلفة تمتد من الترحيب بها إلى رفضها، ومن يراها بلا جديد يذكر، ومن ينظر إليها بحسبانها سياسة للإدارة الديمقراطية لها ما بعدها، فإن تقرير لجنة الرئيس الجنوب الأفريقي السابق ثامبو إمبيكي الذي لم يجد حظه من الاهتمام الذي يستحقه ربما كان أكثر أهمية وأعمق تأثيراً في الأوضاع السياسية الراهنة بالبلاد، وعلى الرغم من رد الفعل الحكومي الذي اتسم بقدر كبير من الهدوء وضبط الأعصاب، إلا أن المؤكد أن توصيات لجنة إمبيكي حملت مفاجأة غير سارة على الإطلاق للحكومة السودانية التي كانت تعوِّل على خروج توصياتها بما يعزز التأييد الأفريقي لموقفها من مسألة المحكمة الجنائية الدولية. وعلى الرغم من تأثير مواقف بعض الدول الأفريقية المنضمة لميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، التي تجد نفسها لسبب أو آخر متمسكة بالتزاماته، مما شكل شرخاً على التأييد شبه المطلق الأفريقي شبه المطلق الذي حظي به الرئيس عمر البشير في قمة سرت الأخيرة، إلا أن الموقف الأفريقي مع ذلك بقي متماسكاً إلى حد كبير في دعمه لموقف الخرطوم.
غير أن تماسك هذا الموقف الأفريقي أصبح الآن على المحك بعد تقرير لجنة إمبيكي التي شكلت أصلاً لتقديم بديل أفريقي ملائم، بشأن تحقيق العدالة في انتهاكات دارفور، بما يقي من تدخل المحكمة الجنائية الدولية الذي استند في تدخله على استنتاج مفاده أن العدالة السودانية لا تعمل إما لأنها تفتقر للإرادة، أو غير راغبة بفعل التدخل السياسي في عملها، أو لعدم قدرتها لافتقارها للكفاءة اللازمة، معتبرة في كل الأحوال أن مبدأ التكاملية في الاختصاص كان يمنعها من التدخل لو أخذت العدالة السودانية مجراها.
وهذه الخلفية ضرورية لفهم الأهمية التي يكتسبها تقرير لجنة إمبيكي وخطورة توصياتها، فمن الواضح أن الحكومة التي يستند رفضها لتدخل المحكمة الجنائية الدولية أساساً إلى تأكيدها على قدرة ورغبة وكفاءة القضاء السوداني في تحقيق العدالة بشأن التجاوزات الخطيرة في دارفور مما لا يستدعي تدخلاً خارجياً من المحكمة الجنائية الدولية، معتبرة أن تدخلها يستند على اعتبارات سياسية وليست قانونية، من الواضح أن الحكومة كانت تأمل في أن تخرج توصيات لجنة إمبيكي بما يعضد موقفها في أساس النزاع مع المحكمة الجنائية الدولية.
ولكن يبدو أن الخرطوم التي بدت متحمسة لمهمة لجنة إمبيكي ورحبت بها وتعاونت معها إلى أقصى حدود التعاون، لم تتحسب لأسوأ الاحتمالات، أن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وعلى الرغم من أن تقرير اللجنة حفل بتوصيات إيجابية كثيرة بشأن تسوية نزاع تدعم وجهة نظر الخرطوم، إلا أن توصيات اللجنة بشأن القضية الجوهرية المتعلقة بقضية العدالة الجنائية تشكل صدمة حقيقية ومفاجأة غير سارة على الإطلاق للحكومة السودانية، بل وتشكل ضربة موجعة لجهود الحكومة الدبلوماسية لاحتواء أزمة المحكمة الجنائية الدولية، فلجنة إمبيكي التي تعتبر بمثابة لجنة تحقيق أفريقية طالما طالبت بها الخرطوم، خلصت إلى توصيات خطيرة تشكك في أهلية الأجهزة العدلية السودانية، وذهبت إلى حد القول بأن «استجابة العدالة الجنائية- السودانية- لدارفور حالياً غير فاعلة ومربكة، وفشلت أيضاً في الحصول على ثقة أهل دارفور»، وانتهت إلى التوصية بأنه يجب على السودان أن يشكل محكمة تضم قضاة أجانب لمحاكمة مرتكبي الجرائم الكبرى في اقليم دارفور «يجب على الحكومة السودانية أن تسهل تأسيس محكمة مختلطة، وأن تتخذ خطوات فورية لإدخال تشريع يسمح للقانونيين المؤهلين من غير السودانيين بالعمل في الجهاز القضائي السوداني»، ومضى أكثر من ذلك حين أوصى التقرير بأن يتولى الاتحاد الأفريقي مسؤولية الإشراف على تحقيق العدالة الجنائية في دارفور بالتعاون مع الحكومة السودانية.
لقد وضعت توصيات لجنة إمبيكي الحكومة السودانية أمام خيارات ضيقة وصعبة للغاية، فمن جهة فإنها لن تستطيع المغامرة برفض توصياتها المتعلقة بمسألة العدالة الجنائية، لأن ذلك سيشكل تهديداً جدياً لتماسك الموقف الأفريقي الداعم الرئيسي للخرطوم في أزمتها مع المحكمة الجنائية الدولية، كما أنها لن تجد مبررات موضوعية قوية لرفض مقترحات تقدمت بها شخصيات أفريقية ذات وزن معتبر، بناءً على تحقيقات معمقة قامت بها على الأرض، فضلاً عن أن الحكومة السودانية رحبت بمهمة لجنة الحكماء وسهلتها مما لا يستقيم بعد ذلك التشكيك في نتائجها.
بيد أن القبول كذلك بتوصيات لجنة إمبيكي يهدد بنسف الأسس التي يرتكز عليها الموقف الحكومي في رفضه المبدئي لتدخل المحكمة الجنائية الدولية، إذ يعني ذلك الإقرار بالشكوك التي أثارتها لجنة الحكماء حول أهلية القضاء السوداني، مما يجعل اعتراض الخرطوم على إجراءات المحكمة الجنائية الدولية لا محل له من الإعراب.
وربما بسبب هذا الموقف المأزقي تحاول الخرطوم السيطرة على مشاعر الإحباط التي انتابتها من تقرير لجنة الخبراء، ويلاحظ أنها تكاد المرة الأولى التي تضبط فيها الحكومة بشدة رد فعلها على حدث بهذا الحجم، إدراكاً منها لخطورة الموقف، في محاولة لتدارك التبعات والتداعيات الخطيرة في الحالتين سواء بقبول أو رفض تقرير لجنة إمبيكي، خاصة أنها لا تملك وقتاً كافياً لتقليب خياراتها المحدودة، خاصة وقد جرى تسريب محتويات التقرير قبل أيام قليلة فقط من انعقاد مجلس السلم والأمن الأفريقي على المستوى الرئاسي لتدارس تقرير لجنة إمبيكي واتخاذ قرار بشأنه. ومن المؤكد أن الحكومة ستحاول امتصاص هذه الصدمة وإقناع القمة الأفريقية المعنية بتخفيف توصيات اللجنة بقدر الإمكان بما يرفع عنها الحرج، ولكن من الصعوبة بمكان تصور أن تجد الخرطوم سبيلاً للإفلات من عواقب ما أوصى به الحكماء سوى التعاطي معها بقدر كبير من التعاون، وقد استنفدت كل خياراتها، كما أنها ستجد نفسه أخيراً مضطرة لدفع ثمن باهظ لاستهانتها بقضية العدالة الجنائية في دارفور وتأخرها في تنفيذها بما يقنع على الأقل حلفاءها وأصدقاءها بأنه فعلت ما يجب عليها أن تفعله.
وفي الواقع فإن مقترح المحاكم المختلطة ليس جديداً، فقد سبق أن طرحته الجامعة العربية، وكذلك الاتحاد الأفريقي في أعقاب توجيه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام بحق الرئيس عمر البشير في منتصف يوليو من العام الماضي في محاولة مبكرة لتدارك الأمر، غير أن الخرطوم رفضته بمبرر أن القضاء السوداني قادر وراغب ومؤهل لإقامة العدالة، وتلكأت العدالة السودانية في الوقت نفسه في القيام بواجبها بما يقنع أصدقاءها قبل خصومها، ولذلك تأتي إعادة طرح هذه التوصية مجدداً مختلفة لأنه يأتي ضمن توصيات لجنة أفريقية بعد تحقيقات ميدانية أجرتها، مما يجعل من الصعوبة بمكان التغاضي عن توصياتها.
هذا من أمر تقرير لجنة إمبيكي، أما استراتيجية إدارة أوباما بشأن السودان التي أعلنتها أخيراً بعد طول انتظار في الأسبوع نفسه، فإن القراءة الفاحصة المتأنية لها تكشف أن لها ما بعدها، وأن الذين سارعوا إلى إصدار حكم متعجل عليها بأنها لا تحمل جديداً جانبهم الصواب في تحليل المعطيات المتاحة للنظر العميق في تبعاتها وتداعياتها.
صحيح أن بيان الخارجية الأمريكية الذي لخص استراتيجية أوباما الموسوم بـ «السودان لحظة حرجة ونهج شامل»، وكذلك بيان البيت الأبيض في الشأن ذاته، لم يتضمنا ما يمكن اعتباره جديداً لم يكن معروفاً من قبل في شأن توجهات السياسة الأمريكية تجاه السودان، إذ أعادت استراتيجية أوباما التأكيد على الخطوط الرئيسية للسياسة الأمريكية التي كانت سائدة في عهد إدارتي سلفه الجمهوري جورج بوش المتعلقة أيضاً بملفات دارفور، الجنوب، والإرهاب، وفي هذا الخصوص يمكن القول إن استراتيجية أوباما لا تتضمن جديداً، وهو أمر مفهوم لأن الأجندة الأمريكية بشأن السودان لا تتغير بتغير الإدارات، ولكن ما يمكن وصفه بالجديد في استراتيجية أوباما لا يتعلق بمضمون السياسة الأمريكية، وهو أمر لا خلاف عليه سواء بين الإدارات المختلفة أو حتى داخل الإدارة الواحدة، ولكن بسبل وأساليب تنفيذ هذه السياسة. وفي الواقع فإن ما كان يُثار من وجود خلافات بين أركان إدارة أوباما بشأن سياستها تجاه السودان، فإن الأمر لم يكن يتعلق بالأهداف النهائية المرجو تحقيقها، بقدر ما هو اختلاف حول السبل الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف، وكيفية استخدام وسائل الضغط والتحفيز، ومدى التعاطي والتواصل مع الخرطوم.
وما يمكن أن يقال إنه جديد في استراتيجية أوباما ليس الاتفاق على أهداف جديدة، ولكن اتفاق أركان الإدارة على وسائل تنفيذ هذه الاستراتجية، وفي هذا الأمر تحديداً يمكن القول إنها تحمل تطورات بالغة الأهمية في تأثيرها على الأوضاع السياسية في السودان في المستقبل القريب.
ولعل أكثر الجوانب إثارة للاهتمام عند إعلان استراتيجية أوباما بشأن السودان، هو تأكيد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على وجود ملحق سري لها لم يفصح عنه، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام التكهنات بشأن طبيعة هذه الجوانب السرية للاستراتيجية، وعن الأسباب التي تقف وراء الإبقاء على سريتها، فالإدارة الأمريكية حددت بتفاصيل مطالبها من الحكومة السودانية بشأن انشغالاتها الثلاثة في دارفور والجنوب ومكافحة الإرهاب، والعقوبات التي تفرضها حالياً معلومة، وكذلك المجالات التي يمكن أن تفرض فيها أية عقوبات مستقبلاً، والحوافز التي تطلبها الخرطوم من واشنطون كذلك معلومة ولا تتعدى رفع العقوبات وشطبها من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وبالطبع تطبيع العلاقات بين البلدين، فما هو الأمر الذي يدعو لإضفاء السرية على جوانب من هذه الاستراتيجية؟
ربما يتمكن المرء من التكهن بالإجابة على ذلك من ثنايا إجابات المسؤولين الأمريكيين على أسئلة الصحافيين في المؤتمرين الصحفيين اللذين أعقبا إعلان استراتيجية أوباما، وهما المؤتمر الذي عقدته كلينتون، والسفيرة سوزان رايس، والجنرال قرايشن، ثم المؤتمر الثاني الذي أعقبه وشارك فيه أربعة من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية الذين حظر على الصحافيين كشف هوياتهم، وطلب منهم الإشارة إليهم بالأرقام فقط عند نقل إفاداتهم، وهو أمر يثير الكثير من علامات الاستفهام حول دوافع ذلك.
وأكثر ما لفت الأنظار في أسئلة الصحافيين هو تركيزها على سؤال أساسي تكرر أكثر من مرة يتعلق بسياسة الإدارة الأمريكية بشأن التعامل مع الرئيس البشير، على خلفية قضية المحكمة الجنائية الدولية، وكانت الإجابة هي أن السياسة المعتمدة لدى الإدارة هي عدم التعامل مع الرئيس البشير، والتعاطي عوضاً عن ذلك مع مساعديه ومستشاريه. ولعل هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها الخارجية الأمريكية صراحة أن عدم التعامل مع الرئيس البشير يعبر عن سياسة رسمية وليس مجرد أمر عارض، وبالطبع فإن ذلك يأتي كما أسلفنا على خلفية الاتهامات الموجهة للبشير من المحكمة الجنائية الدولية، وعلى الرغم من أن هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها هذا الموقف الأمريكي صراحةً من البشير، إلا أن المبعوث الرئاسي الأمريكي للسودان الجنرال سكوت قرايشن سبق أن أعلن في مقالة له بعنوان «هذا اعتقادي» نشره موقع الخارجية الأمريكية قبل عدة أسابيع، أنه لم يلتق بالرئيس البشير في زياراته العديدة السابقة للسودان، وأنه ليست لديه خطط للاجتماع به في المستقبل، وذكر ذلك ضمن تأكيده على موقف السياسة الأمريكية الداعم للمحكمة الجنائية الدولية.
ولربما كان الإفصاح رسمياً عن هذا الموقف الأمريكي من الرئيس البشير، أهم وأخطر ما كشفت عنه تداعيات الإعلان عن استراتيجية أوباما الجديدة. ولعل ذلك أنهى محاولة بعض المسؤولين في الخرطوم عن ملف العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، التهوين من شأن الملاحظة التي لفتت نظر المراقبين من أن المسؤولين الأمريكيين الذين زاروا السودان كفوا عن الاجتماع بالبشير منذ صدور لائحة اتهام الجنائية بحقه، وعلى رأسهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية جون كيري، والمبعوث قرايشن الذي زار البلاد خمس مرات، وكانت التبريرات التي تساق للرد على ذلك تحاول نفي أن يكون ذلك تعبيراً عن موقف أمريكي.
والسؤال هو كيف تتعامل الخرطوم مع هذا الخط الأحمر، وهي التي كانت قد هددت غداة قرار المحكمة التمهيدية الدولية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع أية دولة تشكك في شرعية الرئيس البشير؟ لقد كان مقبولاً التعامل مع هذا الموقف الأمريكي الخطير في الفترة السابقة، ربما بتفاهم ضمني أو بصفقة غير معلنة، قبلت بها الخرطوم على مضض، وقدمت هذا التنازل الكبير رجاء أن يسهم ذلك التفاهم المسكوت عنه إعلامياً في حلحلة الخلافات العميقة بين البلدين بما يفضي إلى تجاوزها والمضي باتجاه التطبيع، وقد كان لافتاً أن الخرطوم ظلت تثني على الجنرال قرايشن وتأمل في جهوده خيراً، حتى أن الرئيس البشير نفسه وصف مواقف قرايشن ذات مرة بأنها شجاعة، على الرغم من موقفه من الامتناع عن التعامل مع البشير الذي كان معلوماً لدى فريق التفاوض الحكومي. والسؤال الآن كيف تواصل الخرطوم التحاور مع واشنطون وقد تحول موقفها من البشير من موقف غير معلن إلى سياسية معتمدة ومعلنة للإدارة الأمريكية؟ وتقديم التنازلات في المفاوضات أمر مفهوم، ولكن هل يمكن أن يصل التنازل في أمر بهذه الحساسية إلى حد القبول برفض أمريكي معلن للتعامل مع الرئيس البشير، دون أن يكون ذلك دالاً على تحول كبير في حسابات ومواقف المؤتمر الوطني الحاكم؟
هذه التساؤلات المهمة قد تعطي إضاءات بشأن محاولة قراءة ما يمكن أن يتضمنه الملحق السري لاستراتيجية أوباما، ففي ظل مطالب معلومة من كل طرف للآخر تبقى الإشارة إلى حوافز أو عقوبات ذات طابع سري، الغرض منها رفع الحرج عن هذا الطرف أو ذاك في هذه اللعبة.
والأمر لا يخرج من احتمالين، فإما أن يكون إعلان واشنطون رفضها للتعامل مع البشير هو مجرد ورقة ضغط للحصول من المؤتمر الوطني على أقصى تنازلات ممكنة، وفي هذه الحالة فإن الحافز السري، المعلوم بالطبع لمفاوضي الحكومة، سيكون بالتأكيد رفع واشنطون لتحفظاتها على التعامل مع البشير وعدم دعم المحكمة الجنائية الدولية، وهي صفقة من شأنها إن كانت معلنة أن تحرج واشنطون مع جماعات الضغط الامريكية، وكذلك حلفائها الأوروبيين رعاة المحكمة الدولية، وبذلك يمكن تفهم مدعاة السرية في هذا الجانب من الاستراتيجية الأمريكية إن كان وارداً بالفعل.
والاحتمال الآخر هو أن إدارة أوباما جادة بالفعل في رفضها التعامل مع الرئيس البشير، وليست مستعدة للمساومة بهذا الشأن، وهو أمر يجعل الأمور في غاية التعقيد مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي شبه المعقودة ناصيته لصالح البشير في ظل غياب منافس معلوم له حتى الآن، فهل تكون هذه الحوافز الأمريكية السرية مدخرة لاستمالة طرف داخل بيت المؤتمر الوطني مستعد لتغيير معادلته الراهنة، مستنداً على دعم أمريكي موعود بحوافز لا يمكن بالطبع إعلانها؟
اللافت في ردود فعل قادة المؤتمر الوطني الحاكم على استراتيجية أوباما، أنها اتسمت بقدر كبير من التباين بين مواقفها، وبدت أحياناً أخرى متناقضة، وهو ما يشير إلى أن الحزب الحاكم يفتقر بالفعل إلى سياسة موحدة تجاه التعاطي مع ملف العلاقات الأمريكية، وهذا يعني أن الخيارات المطروحة عند هذا الطرف ليست مقبولة عند الطرف الآخر، ويذكيها أحياناً بالطبع التنافس المكشوف بين بعض القيادات.
مهما يكن من أمر فمن المؤكد أن الساحة السياسية السودانية مقبلة على تحولات سياسية درامية، سواء بفعل التبعات والتداعيات المحتملة لاستراتيجية أوباما، أو لتقرير إمبيكي، فضلاً عن تفاعلات الاستحقاقات الداخلية المصيرية المقبلة.
عن صحيفة (إيلاف) السودانية