الدياشة ,,, وحوش السياسة

 


 

 

المغيرة التجاني علي

mugheira88@gmail.com

يعجز المرء أن يصدق الرواية التي تقول بأن عبد الله خليل رئيس الوزراء 1958 قد سلم السلطة للفريق ابراهيم عبود كما يسلم شخص آخرا صندوقا أو هدية أو مفتاح , اذا لم تكن النيتان اتفقتا علي ما كان يجري في شؤون الحكم في البلاد . فالفريق عبود و نائبه أحمد عبد الوهاب تمت دعوتهما الي منزل السيد الصديق المهدي الذي حضر اللقاء و برفقته زين العابدين صالح . و كان طلب السيد الصديق بعد أن قدم شرحا لأحوال البلد , أن يتم تعيين وزير دفاع من الجيش في الحكومة القائمة . يقول الفريق عبود في اقواله للجنة التحقيق بعد زوال حكمه : ( فانفضت اللجنة الي لا شيء و لم يحدث اتفاق و لم يحدث اجتماع بعد ذلك حتي جاءني السيد عبد الله خليل قبل انعقاد البرلمان بعشرة أيام و قال لي ان الحالة السياسية سيئة للغاية و متطورة و يمكن أن تترتب عليها اخطار جسيمة و لا منقذ لهذا الوضع غير ان يستولي الجيش علي زمام الامر .) صحيح ان (البيه ) عبد الله خليل كان يعمل بقوة علي تنفيذ اجراءات الانقلاب و لكن في الجانب الآخر كان الفريق عبود ورفاقه الموجودين في الخرطوم يعملون علي تنفيذ الأمر يدفعهم في ذلك عدة اسباب منها أن حركة الضباط الأحرار في مصر قد استولت علي مقاليد الأمور و مصر جارة و لها تأثير و ارتباط بالأحداث في السودان ,و السبب الآخر ان عبودأ و رفاقه علي المام أيضا بالشأن السياسي الحزبي و الخلافات القائمة بين الاحزاب و التغيير المستمر للحكومات .

أما التدخل الآخر للجيش في السياسة فيتبدى في الحركة العسكرية التصحيحية التي تمت في مارس 1959 والتي قام بها الأميرلاي ( عميد ) محي الدين أحمد عبد الله و رفيقه الأميرلاي عبد الرحيم محمد خير شنان و ذلك لأن الاختيار في مجلسي الثورة والوزراء قد تخطاهم , و قد كانت لهم شروطهم والتي دخل بموجبها محي الدين و شنان وزراء في الحكومة .و من شروطهم ايضا ابعاد اللواء احمد عبد الوهاب .

أما المحاولة الثانية و قد كانت اكثر تنظيما من سابقتها فقد قامت بها حركة الضباط الشباب من اجل تغيير نظام حكم الفريق عبود ورفاقه و قد كانت اشبه بالحركة القومية حيث جمعت في تكوينها الرشيد الطاهر بكر المحامي من جماعة الإخوان المسلمين كما ضمت ضابطين شيوعين منهم شقيق السكرتير العام للحزب الشيوعي . و قد اثبتت الوثائق فيما بعد ان عددا من المدنيين من احزاب مختلفة شاركوا بالإعداد للمحاولة التي عرفت بحركة البكباشي ( مقدم ) علي حامد , ابرزهم الدرديري محمد عثمان الاتحادي و أحمد سليمان المحامي الشيوعي . واستمر حكم الفريق ابراهيم عبود حتي العام 1964 حين اطاحت به ثورة اكتوبر الشعبية المجيدة .

أما التدخل الآخر للجيش في الشأن السياسي فقد تجلي في حركة الضباط الأحرار التي استولت علي السلطة في مايو 1969 بقيادة العقيد جعفر نميري و قد ضم مجلس قيادتها اعضاء من القوميين العرب و الشيوعيين بعد أن تكونت لديهم الرغبة في احداث التغيير من أجل اهداف قومية و القضاء علي حكم الحزبين التقليديين. و استمرت حكومة مايو حتي كتبت ثورة مارس ابريل المجيدة من العام 1985 الفصل الأخير في مسيرتها .

جرت في عهد الحكم المايوي العديد من الانقلابات العسكرية بغرض الاستيلاء علي السلطة واحداث تغيير في بنية و هياكل و اساليب الحكم و كان من اشهرها الانقلاب الشيوعي في يوليو 1971و انقلاب المقدم حسن حسين في سبتمبر من العام 1975 و حركة محمد نور سعد في يوليو لعام 1976 و لكنها جميعها باءت بالفشل لأسباب متنوعة , و تم اعدام قادتها و أطلقت من بعد يد المشير نميري في الحكم المطلق الذي انتهي بفضل ثورة الشعب في ابريل 1985 .

و في العام 1989 انقض عمر البشير و رفاقه , ومن خلفهم الجبهة القومية الاسلامية علي السلطة الديمقراطية و اقاموا نظاما شموليا قابضا تحت اسم ثورة الانقاذ الوطني التي اطاحت بها الثورة الشعبية المجيدة في ديسمبر من العام 1918 .

تدخل الجيش نفسه ضد حكومة البشير و قاد انقلابا عسكريا معظم قادته من عناصر حزب البعث في شهر ابريل لعام 1990 و المعروفة بحركة الثامن والعشرون من رمضان بأهداف سياسية تؤكد رغبة الجيش في دخول حوش السياسة الفسيح .

يأمل السودانيون أن يكون الانقلاب الذي قاده البرهان و حميدتي و رفاقهم في المجلس العسكري الانتقالي يوم الخامس و العشرون من شهر اكتوبر 2021, والذي قادت نتائجه الي اشتعال الحرب في البلاد , آخر الانقلابات العسكرية في السودان لينعم والي الأبد بحكم مدني ديمقراطي يؤدي الي نهضة البلاد و إعمارها.

 

 

آراء