السلام في السودان على الطريقة المصرية أم الإثيوبية؟

 


 

 

أماني الطويل

قد يكون من المثير للانتباه وللتساؤل في آنٍ تلك الزيارة التي أجراها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى بورتسودان غداة انتهاء مؤتمر القاهرة للقوى المدنية السودانية مباشرة. وتثار أيضاً أسئلة في شأن طبيعة التحركات الدبلوماسية لأديس أبابا في هذه المرحلة ومدى ارتباطها بالعلاقات المأزومة مع القاهرة على خلفية أزمة سد النهضة وتداعياتها على الجهود المصرية الرامية إلى وقف الحرب السودانية.

لعبت الأهمية الاستراتيجية السودانية لكل من مصر وإثيوبيا والتكوين العرقي السوداني المنقسم بين العروبة والزنوجة دوراً في أن يكون هناك تناقض في المصالح بين كل من القاهرة وأديس أبابا في الخرطوم على خلفية الأحلام الإمبراطورية الإثيوبية التي ترفض الأطر التعاونية متعددة الأطراف. من هنا مارست إثيوبيا ضد مصر ومنذ اندلاع الثورة السودانية تكتيكات تأزيم العلاقات بين القاهرة والخرطوم ووظفت في ذلك الاتحاد الأفريقي أحياناً ومنظمة "إيغاد" أحياناً أخرى، فضلاً عن توظيف الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق ذات الغرض تحت عناوين مختلفة، وذلك بهدف شيطنة مصر كشريك للسودان سواء على صعيد أزمات التفاعلات الداخلية قبل الحرب أو مجهودات إنهاء الصراع العسكري الداخلي.

في هذا السياق ربما يكون تصنيف زيارة آبي أحمد إلى بورتسودان في الخانة ذاتها، أي السعي إلى التأزيم المشار له سالفاً، مما يعني وجود اتجاه إثيوبي لتقويض جهود القاهرة الراهنة التي نجحت في جمع غالبية الأطراف السياسية السودانية (ما عدا المؤتمر الوطني الذي كان حاكماً) في مؤتمر للقوى المدنية، وسعت فيه إلى توسيع رقعة المعسكر المعادي للحرب، وسط حضور إقليمي ودولي كما انتقلت إلى استراتيجية وقف الحرب بكل آلياتها ومتطلباتها.

وعلى رغم كل ذلك رتب الاتحاد الأفريقي مؤتمراً للقوى السياسية السودانية في أعقاب مؤتمر القاهرة، وجرى الإعلان عنه بمجرد الإعلان المصري، وتحت ذات العنوان، وهو ما يثير التساؤلات عن جدوى مثل هذا المجهود إن لم يكن مرتبطاً بصراع إثيوبيا ومصر.

وطبقاً لما أسلفنا فإن المشهد الراهن بين القاهرة وأديس أبابا يتطلب فحصه من زوايا تأثيره في فرص وقف الحرب في السودان من جهة، ودوره في جملة التفاعلات الإقليمية المرتبطة بفرص إنهاء المعارك بين الجيش و"الدعم السريع" أيضاً.

على الصعيد الثنائي الإثيوبي - السوداني تبدو زيارة آبي أحمد مرتبطة بطبيعة التفاعلات العسكرية بين البلدين في هذه المرحلة، خصوصاً مع وجود تقديرات إقليمية ودولية متفق عليها أن الحرب مؤثرة بصورة أساسية في حالة تصاعد التهديدات الأمنية في كل من إثيوبيا وتشاد وإريتريا، إذ تمارس ميليشيات فانو الإثيوبية والمعادية لرئيس الوزراء آبي أحمد اعتداءات على الحدود الإثيوبية - السودانية، وتتحالف على نحو مواز مع قوات "الدعم السريع" ضد الجيش السوداني.
يأتي كل ذلك في وقت تقترب قوات "الدعم السريع" من القضارف والنقاط الحدودية الإثيوبية - السودانية المشتركة، وهي تفاعلات كان مطلوباً توضيحها لرئيس المجلس السيادي السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وكشف الموقف الإثيوبي الرسمي منها، حتى لا يجري تصنيف هذه التحركات العسكرية باعتبارها أعمالاً عدوانية من جانب أديس أبابا ضد الخرطوم صاحبة التاريخ المؤثر في التفاعلات الإثيوبية. ولعل هذا التقدير الإثيوبي للعلاقات مع السودان في هذه المرحلة هو ما يفسر مشاركة آبي أحمد وعبدالفتاح البرهان في زراعة شجرة قالا إنها للسلام بين البلدين.

أما على صعيد جهود وقف الحرب السودانية فيبدو لنا أن مؤتمر القاهرة للقوى السودانية حقق من الإنجازات ما يفوق ما توصل إليه اجتماع الاتحاد الأفريقي المنعقد في أديس أبابا، ذلك أنه في حين كان اجتماع العاصمة المصرية جامعاً لكل القوى السياسية بغض النظر عن الموقعين على البيان الختامي الذين شكلوا غالبية الحاضرين، فإن مؤتمر أديس أبابا قاطعته تنسيقية "تقدم" لسببين، الأول تقدير "تقدم" أن الاتحاد الأفريقي لا يمارس التشاور السياسي الكافي مع كل القوى، وأن بلورته لخطط وقف الحرب هي بمعزل عنها. وعلى رغم إعلان "تقدم" أن مقاطعتها تأتي في إطار رفض حضور النظام القديم، فإن هذا السبب المعلن في تقديرنا هو في إطار المكايدات السياسية فحسب. والسبب الثاني هو أن الاتحاد الأفريقي تبنى خطة تدخل عسكري خارجي في السودان منذ مايو (أيار) 2023 وجددها أخيراً في اجتماعات كمبالا، من ثم فإن تفاعل "تقدم" مع الاتحاد الأفريقي تحت هذه المظلة يعني إعطاء شرعية لتدخل عسكري خارجي في السودان وهو أمر تنأى عنه التنسيقية في تقدير وموقف صحيح منها.

في هذا السياق فإنه عطفاً على مؤتمر القاهرة ستسعى مصر إلى العمل على عدد من المسارات المتوازية، الأول في شأن وقف الحرب في السودان، وفي هذا الإطار فهي لم تهمل أو تتجاوز منبر جدة وذكره البيان الختامي للمؤتمر بما يعني أن الشريك السعودي حاضر في الجهود المصرية مع وجود ضوء أخضر أميركي لا ندري حدوده على وجه الدقة، وهو ما يفسر لنا زيارة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي إلى بورتسودان غداة انتهاء مؤتمر القاهرة في شأن تنشيط مسار جدة من حيث كونه منصة بديلة لمنصة "إيغاد" التي فشلت في جمع طرفي الصراع العسكري في السودان، وذلك طبقاً للإجماع السوداني والرغبة المصرية. كل ذلك أيضاً دون إهمال حجم التقارب بين مصر والإمارات في الملف السوداني بما سمح أيضاً بإنجاح مؤتمر القاهرة من ناحية، ورتب لدور إماراتي مغاير لما مضي في السودان، إضافة ربما إلى أن كلف دعم قوات "الدعم السريع" جاءت باهظة الكلف ومهددة للسودان على صعيد وجودي.
ويرتبط المسار الثاني بأطراف العملية السياسية السودانية ومحاولة التوافق على تدشين مائدة مستديرة تضم جميع ألوان الطيف السياسي الداخلي. وفي ما يتعلق بالطريق إلى جدة، أي جمع الأطراف العسكرية المتصارعة فربما يكون عبر الاتحاد الأفريقي، ذلك أن اللجنة الرئاسية الأفريقية التي جرى الاتفاق عليها كأحد مخرجات اجتماع الاتحاد الأفريقي الأخير، قد تتضمن مصر في المرحلة المقبلة، إلى جانب دول أفريقية أخرى، وذلك طبقاً لقراءة عدد من المؤشرات منها جهود القاهرة الراهنة في إطار مجلس السلم والأمن والتي عبر عنها مفوض الشؤون السياسية والأمن بالاتحاد الأفريقي أدكوني بانكولي. وسبق أن قال بانكولي إن العملية التحضيرية للعملية السياسية السودانية تجرى بالتعاون بين مجلس السلم والأمن الأفريقي والجامعة العربية والولايات المتحدة و"إيغاد"، داعياً إلى الاسترشاد بآليات المشاورات الشاملة والحوار البناء وخطط السلام المنشودة في السودان وغيرها من الدول الأفريقية.

هذا المستوى من التفاعلات المصرية - السودانية، والمصرية مع سياق الاتحاد الأفريقي تطلبت من رئيس الوزراء الإثيوبي فيما يبدو لنا خلق مسار يحفظ لأديس أبابا وزنها في التفاعلات السودانية. من هنا جاءت زيارته الأخيرة للسودان، فضلاً عن تنسيقه الدائم مع جنوب السودان وتمثيله وتنسيقه لأهداف الإدارة في الإمارات. وأعتقد أن المشكلات الداخلية المتضخمة لآبي أحمد في هذه المرحلة مع كل من قوميات أمهرة وتيغراي وقطاع من أورموا، وتصاعد المهددات الأمنية داخل بلاده قد تجعله أكثر انفتاحاً في التنسيق مع الجهود المصرية المنسقة مع الاتحاد الأفريقي في شأن السودان.

خيارات آبي أحمد في التفاعلات الداخلية السودانية إذا استقرت على خيار التنسيق سيكون نجاحها رهناً باتجاهات رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان في هذه المرحلة، فإذا انحاز لجهود وقف الحرب عبر منبر جدة، فإن ذلك سيكون برداً وسلاماً على إثيوبيا ولكل دول الجوار، أما إذا اختار الاستمرار في خيار الحرب فقد يعني ذلك مشكلات متصاعدة لإثيوبيا مؤثرة في الصراع الداخلي فيها، كما ستكون الحال في كل من إريتريا وتشاد، بينما سيتصاعد حجم النزوح السوداني إلى مصر مؤثراً في مقدراتها الاقتصادية الضعيفة أصلاً، وقد تنشأ سياقات احتكاك على المستوى الاجتماعي.

نقلا عن اندبندنت عربية

 

 

آراء