السودانيون في مصر

 


 

 

يهبط السودانيون مصر كل صيف، للعالج والسياحة وشهر العسل والتعليم منذ الرواق السناري والرواق الدارفوري باألزهر الشريف طوال خمسمائة عام؛ كما ينهمرون عليها موجة إثر موجة barrel-and-stock-lock عند النوازل والكوارث وعندما تدلهم الخطوب، ) أو كما قال البحتري: ذكرتنيهم الخطوب التوالي.... ولقد تذكر الخطوب وتنسي !(، مثل الحرب الجنجويدية الراهنة، التي هي عبارة عن غزو ريفي صحراوي هكسوسي شيطاني بربري ماحق، مع سبق اإلصرار والترصد واإلعداد الماكر اإلجرامي الصبور الدؤوب، كمن تزوج من جنية فاتنة ومطيعة ورائعة، ال تكشف عن هويتها الحقيقية إال في ساعة الصفر التي يحددها النبي سليمان- أي حميدتي ورهطه األقربون. فالجنجويًد عصبة ذات أمشاج مصالحية وإثنية شبه عربية/غرب إفريقية متداخله - من تشاد وإفريقيا الوسطي والنيجر وتوقو والسنغال ونيجريا - تجمع بينها العمليات النهبوية المشتركة التي بدأت بقطع الطرق العابرة بغرب السودان وشمال شرق تشاد، ثم باالستئجار لدي سلطة البشير / اإلخوان المسلمين كمرتزقة همجيين ممعنين في الشراسة والعدوانية وعدم مخافة هللا، لقمع االنتفاضات المحلية بدار فور التي دأبت عليها قبائل الزرقة الدارفورية العريقة الناطقة بغير العربية رغم إسالمها - الفور والزغاوة والمساليت والداجو والبرتا والميدوب - منذ بداية األلفية الثانية،
وبحلول العام ٢٠٠٣ كان الجنجويد بقيادة م حمدان دقلو وأشقائه وبني عمه موسي هالل وكوشيب، تحت إمرة العقيد البرهان ) نفس برهان اليوم(، ومن خلفه وزير الدفاع عبد الرحيم م حسين والقائد األعلي عمر البشير، قد تسببوا في حرق جميع قري تلك القبائل الزرقاء )أي السمراء(، وقتل معظم الرجال واألطفال وسبي واغتصاب النساء، ومن نجي منهم الذ بمعسكرات النازحين داخل الحدود تحت إشراف منطمات اإلغاثة الدولية، ومنهم من استعصم بمعسكرات الالجئين بتشاد وإفريقيا الوسطي، وما زالوا بها وقد تصرمت عليهم عشرون عاما حسوما.
نفس أولئك الجنجويد أتي بهم الطاغية البشير للخرطوم عام ٢٠١٣ ليقمع بهم جماهير العاصمة القومية الثائرة علي حكمه وعلي دكتاتورية اإلخوان المسلمين اللصوصية االستبدادية، وخلق منهم كتيبة تابعة له شخصيا إسمها قوات الدعم السريع RDF، ولكن من يزرع الريح يجني العاصغة، ومن يتبني ثعبانا صغيرا سرعان ما يشب عن الطوق فينقلب السحر علي الساحر. وهكذا، فقد انحاز الجنجويد إلي جانب الشارع المنتفض في ديسمبر ٢٠١٨ ألسباب انتهازية وماكيافيلية بحتة، وقاموا باعتقال البشير وإيداعه سجن كوبر، فانطلوا علي الثوار، أو من ظهر في الواجهة آنئذ من قوي الحرية والتغيير، واصبحوا جزءا من التشكيالت التي ورثت الحكم عن نظام البشير.
وما هي إال بضع سنوات أخري حتي عاد الجنجويد لطبعهم العقربي الخؤون، فانقلبوا علي الوطن كله، وظلوا يذبحون رجاله ويهتكون عروضهم ويسبون نساءهم وينهبون ويحتلون بيوتهم بكل أحياء العاصمة المثلثة، وما انفكوا يسفكون الدماء بكل برود، بما لم يحدث من قبل في تاريخ السودان، بل وفي تاريخ البشرية جمعاء منذ عهد جنكيز خان والهكسوس الذين غزوا مصر قبل ما يقرب من األربعة آالف سنة.
فهبط الناجون من جحيم الجنجويد، هبطوا مصر علهم يحافظون علي حيواتهم، وليذهب عرض الدنيا فدية ألرواحهم.
ولقد استقبلهم شعب مصر بالترحاب والبسمات والكلمات الحنونة الطيبة. ولكن مسؤولي الجمارك والقنصلية بمحطتي أرقين وحلفا يطبقون القانون بصورة حرفية سلحفائية ال تراعي األهوال والعذابات التي مرت بها هذه الجماهير قبل أن تقطع آالف الكيلو مترات للحدود المصرية.
وعندما يتناهون إلي القاهرة يجدون أسعار وإيجارات الشقق قد تضاعفت عشر مرات، وقد انتعشت قرون استشعار أثرياء الحرب الذين كنا نقرأ عنهم في العدوان الثالثي ١٩٥٦ وفي أيام نكسة حزيران ،١٩٧٦ علما بان معظم هؤالء الهاربين من نيران الخرطوم جاؤوا )يا موالي كما ولدتني أمي( وقد صادر منهم الجنجويد كل انواع الحلي والتلفونات وما يحملونه من نقود.
ويحزنني كثيرا أن بعض السودانيين يتداولون خبرا في األسافير يقول إن األمم المتحدة قد تبرعت لمصر باربعمائة مليون دوالر مساهمة فيما جره اللاجئون السودانيون علي مصر من تكاليف. وهذا ليس من أخالق السودانيين األصيلين، فنحن ال نقول لمضيفنا هيا ناولنا مما جاد عليك به الخيرون، وليس من طبعنا االستجداء والمماحكة في هذه المسائل الحساسة. فبما أنك ضيف عليك التزام الصمت واألدب، وليس عليك أن تملي شروط االستضافة علي مضيفك.كان السودانيون دائما عفيفين وأهل كرامة وإباء.
المهم في األمر ، دعونا نركز علي ما حاق ببلدنا من غزو جنجويدي مدعوم من قبل جهات مضللة وممعنة في الجهل والسذاجة. فنحن أمام جيش وطني يقاتل عناصر قادمة من غرب إفريقيا مفعمة بالحقد وروح االنتقام والعدوان علي سكان المناطق النيلية، وما انفكوا حتي البارحة يخرجون األسر بكهولها ومرضاها من ديارهم ليحتلها صبية الجنجويد، مثل منزل الدكتور ابراهيم االمين بتقاطع الستين مع شارع أوماك بالرياض، وقد زرت ابراهيم قبل شهرين ألنه أصيب بجلطة في الدماغ نجاه منها رب العالمين. ولقد تعرض صديقي ابراهيم للطرد والسحب ًمن منزله عنوة مع أطفاله وأحفاده، وأنا أعرف مدي الغبن الذي يعيش فيه هذا الطود الوطني الفذ، ووهللا يا شذاذ آفاق العمق اإلفريقي ، لو حدث أي شيئ البراهيم، لن تنجو من العقاب ولو تحصنتم باسوار انجمينا أيها الصعاليك المنبتون.
ال نامت اعين الجبناء
عاش كفاح الشعب السوداني
النصال المسلح شعار اليوم.ً

fdil.abbas@gmail.com

 

آراء