السودان: الديمقراطية المستحيلة الديمقراطية الممكنة
طاهر عمر
13 June, 2023
13 June, 2023
المضحك أن نخبنا في السودان تتحدث عن الديمقراطية و لكن على طريقتها و نقول المضحك لأنهم إقتنعوا باستخدام كلمة ديمقراطية و يقصدون شقيها الاقتصادي و السياسي إلا أنهم يبغضون إضافة ليبرالية لها لأنها تجعلهم في مواجهة مع ثقافتهم الأبوية و هي تجعل من المثقف على إستعداد للخنوع و التبعية و الموالاة للامام و المرشد و الختم و الاستاذ عند أتباع النسخة الشيوعية السودانية و هذا يختلف عن مفهوم الديمقراطية كثورة قد أصبحت بديلا للفكر الديني لأنها قد أصبحت بقعة ضؤ تكشف بوضوح مفهوم الدولة الحديثة و كذلك مفهوم السلطة.
تطور الفكر في المجتمعات الغربية الى لحظة راهنهم تشقه أفقيا فكرة القطيعة مع التراث منذ عهد الأغريق و الرومان و المسيحية و الحداثة و ثم ما بعد الحداثة و ثم بعد فشل أفكار ما بعد الحداثة و هجومها على أفكار الحداثة و بعدها قد عاد الفكر من جديد الى أفكار عقل الأنوار و أفكار الحداثة مع إستعداده لمواصلة مسيرة الانسانية و هي تراجيدية و مأساوية بلا قصد و لا معنى منفتحة على اللانهاية يسوقها التفكير النقدي و التفكير النقدي هو ما تبقى من عقلانية خلفتها مدارس الفكر في الغرب أي ذات النزعات الانسانية عبر مدارس كثيرة و لكن بعد زوال بريق الوجودية و البنوية قد أصبح التفكير النقدي إرث يدلل على عقلانية و أخقلاقية الفرد.
هناك نقطة مهمة و هي صعوبة بلورة فكرة معينة و لكي تصبح مقبولة في وسط النخب تحتاج في كثير من الأحيان لعقود من الزمن للتحقق من صحتها و التحقق من قابليتها لتحقيق توازن مؤقت على صعيدي الاجتماع و الاقتصاد و سرعان ما تتجدد الإختلالات و تحتاج لديناميكية جديدة تضبط حالة الاختناقات الجديدة المتجددة في سلسلة لا نهاية.
أضرب على ذلك مثلا في زمن الكساد الاقتصادي العظيم 1929 كانت حيرة الفلاسفة و الاقتصاديين و المؤرخيين و علماء الاجتماع فيما حدث و قد أحتاج الفلاسفة و علماء الاجتماع و الاقتصاديين لما يقارب الخمسة سنوات حتى تقدم جون ماينرد كينز بالنظرية العامة التي تشرح لنا ما حدث و ما يجب أن يكون من فكر حيث أصبحت مسألة التدخل الحكومي من أجل خلق توازن اقتصادي بديلة لفكرة اليد الخفية لادم اسمث.
و هنا تظهر لدارسي تاريخ الفكر الاقتصادي و النظريات الاقتصادية أن كينز أستطاع أن يدمج كتابي ادم اسمث و هما ثروة الامم و كتابه السابق نظرية المشاعر الأخلاقية لكي يصل لفكرة التدخل الحكومي من أجل خلق نقطة توازن اقتصادي لكي تسود بعدها مفاهيم جديدة من أهمها مسألة خلق الطلب و بالتالي تصبح نظرية ساي الاقتصادية أي أن العرض يخلق الطلب قد أصبحت في مهب الرياح في زمن الكساد الاقتصادي العظيم.
إذا عكسنا تجربة الكساد العظيم و كيف أحتجنا لخمسة سنوات لتظهر النظرية العامة لكينز على واقعنا السوداني ها هي ثورة ديسمبر تدخل عامها الخامس و النخب من إنتكاسة لانتكاسة إبتداء من نكسة قبولهم بشراكة العسكر و تكالبهم على توزيع الوظائف مما يدل على أنهم ليس لهم تصور لمفهوم الدولة الحديثة و لا لمفهوم السلطة في ظاهرة المجتمع البشري بل كان كل همهم تقاسم ما تركته الانقاذ من ركام ظانيين أنه دولة.
ما أريد توضيحه أن النخب السودانية لم تتنبه أن الأحزاب السودانية بتراثها لا علاقة لها بالديمقراطية كثورة قد أصبحت بديل للفكر الديني لأن أحزابنا السودانية كلها أحزاب دينية بما فيها النسخة الشيوعية السودانية كدين بشري تتوهم في إمكانية تقديم حلول نهائية و تتوهم في مسألة نهاية التاريخ و إنتهاء الصراع الطبقي و هذا فكر غائي لاهوتي ديني لم يسود إلا لأن النخب السودانية ليس لها علاقة بتطور الفكر في العالم من حولنا مقارنة بالعالم العربي و الاسلامي رغم تقليديته و بقية العالم.
مثلا نجد فالح عبد الجبار عالم الاجتماع العراقي في كتابه الديمقراطية الممكنة الديمقراطية المستحيلة يسير خلف تطور الفكر الذي ينعكس من محاولات مفكريين عراقيين و قبله نجد فكر عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في فكره الذي يقول فيه بشكل واضح أن حالة التركيبات الهشة للهياكل الاجتماعية في العالم العربي لا تساعدها إلا الديمقراطية الليبرالية لكي تعبر و تخرج من حيز المجتمعات التقليدية.
و هنا نكاد نقول أن النقطة التي أريد التحدث عنها قد وضحت و هي أن علي الوردي و فالح عبد الجبار كانا عندما يتحدثان عن التحول الديمقراطي يقصدان الفكر الليبرالي بالشقيه السياسي و الاقتصادي كما هو سائد في الغرب عكس النخب السودانية يتحدثون عن ديمقراطية من بنات أفكارهم هم كسودانيين لهم قدرة فائقة على الترقيع و التوفيق الكاذب و خاصة نخبهم التي سيطرت على مواقع متقدمة في ساحاتهم الفكرية الفارغة من أي معنى لكنهم لهم قدرة على التأقلم على الكساد الفكري الذي إنعكس في عدم الإزدهار المادي و التطور الفكري فيما يتعلق بفلسفة الحكم و فن الإدارة العامة.
و تمر عقود و نفس الوجوه الكالحة لمفكريين سودانيين لم يقدموا أي فكر جديد كل فلاحهم عندما يقولون لك في ستينيات القرن المنصرم كان فلان شارب الشيوعية السودانية شراب و كان علان يفسر بأشعاره الديالكتيك. في وقت كان في جميع أنحاء العالم هناك تحول هائل في المفاهيم التي يقف المفكر السوداني كسد مانع من وصول أنوارها.
لهذا نجد أن هناك فرق كبير بين أحزاب الشيوعية في الغرب و قد أيقنت من فكرة نمط الانتاج الرأسمالي مقارنة بنسخة الشيوعية السودانية المتكلسة و هناك كثر من الفلاسفة و المؤرخون في فرنسا تركوا شيوعية سارتر أمثال موريس ميرلو بونتي و كلود لوفرت و إدغار موران و هنا كثر قد غلبهم القفز على حاجز شيوعية عبد الخالق محجوب المتكلسة مقارنة بشيوعية أحزاب الغرب التي أيقنت من فكرة نمط الانتاج الرأسمالي.
مثلا كثر من من نظن أنهم نخب واعية يظنون أن حزب الامة و فكر الامام الصادق المهدي كرجل دين يمكن أن يجلب ديمقراطية و هذا يظهر في لجان حكماءهم عندما تحيط بهم الخيبة حيث يتنادون تعال يا محجوب محمد صالح و فيصل محمد صالح و يا عبد الوهاب الأفندي و الطيب زين العابدين و يا كمال الجزولي و يا الجزولي دفع الله و يا الحاج وراق و يضعون معهم بعض من من يسمونهم حكماء السودان و شخصيات وطنية و رجال طرق صوفية و رجالات إدارة أهلية و بعدها شوف خمج الفكر الما بعده خمج.
و تمر السنون و هم يتحدثون عن الديمقراطية على طريقتهم و لا يقصدون سبيل الديمقراطية الليبرالية التي يتحدث عنها علي الوردي و فالح عبد الجبار و قوتهم تكمن في سردبتهم على الموقف السالب من التقدم و كلمة سردبة كانت وصية الكوز احمد عبد الرحمن للكيزان أيام تسقط بس.
و هكذا هو حال نخب الشيوعية السودانية و السردبة و إصرار على فكر قد أصبح أمام الرياح هباء إلا أنه له عمالقته على الطريقة السودانية كمؤشر على أن الشيوعية السودانية باقية ما بقى الدهر ما دام داخلها كمال الجزولي و أشعار شعارهم التي يشرحون بها الديالكتيك و شطحات عبد الله علي ابراهيم و حالة الجذب الشيوعي على طريقة الجذب الصوفي التي تناله و هو يطلب المدد صائحا أستاذنا مناديا عبد الخالق محجوب تلحقنا و تفزعنا.
و بالتالي و لا يهم نخب السودان أن تقول لهم المؤشرات أنكم كاسدون فلهم قدرة على إغاظة أي منتظر لصحوتهم لا يفوقهم فيها أكبر غبي. هناك أيضا مؤشر قوي على كساد الفكر عند النخب السودانية مثلا من قبل قرن بالتمام و الكمال كانت فكرة الاقتصاد و المجتمع عند ماكس فيبر توضح لنا بوضوح تام كيف تكون المجتمعات التقليدية في حالة تيه كحال النخب السودانية الآن و ضرب مثلا بأن الفكر الرأسمالي فكر عقلاني و إستدل على عقلانيته بأنه لم يظهر بعد في حيز المجتمعات التقليدية كحال مجتمعنا السوداني و الغريب أغلبية النخب السودانية يظنون ان الفكر الرأسمالي فكر رميم و يظنون أن تحقيق التنمية و العدالة لا تكون بغير الفكر الاشتراكي.
و هذا وهم كبير للنخب السودانية لذلك تجد أغلبهم في الحزب الشيوعي و حزب البعث و الحزب الناصري و حتى من في احزاب الطائفية في لا وعيهم يظنون في إشتراكية إسلامية كامنة في أحزابهم الطائفية أي اشتراكية أبو ذر الغفاري و هذه واحدة من محن النخب السودانية و طريقة مجافاتها للفكر الليبرالي و عدم قدرتهم على التصالح معه أي الفكر الليبرالي و بغير التصالح مع الفكر الليبرالي لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية و تحول ديمقراطي يكفل المساواة و الحرية بين كل أفراد المجتمع و خاصة حرية المراءة قولا و فعل كما يقول هشام شرابي عالم الاجتماع الفلسطيني.
خوف النخب السودانية من الفكر الليبرالي و تهيبهم منه هو سر تخلفهم و تكلسهم الفكري لذلك هو سر فشلهم خلال سبعة عقود في عدم القدرة على التحول الديمقراطي بل هو سر خنوعهم لحكم الحركة الاسلامية السودانية لمدة ثلاثة عقود و هم يظنون ان هناك إشتراكية إسلامية و مساواة و غيرها من أفكار المجتمعات التقليدية.
و من هنا نقول لكم أن الديمقراطية هي بديل للفكر الديني و هي المنتصرة على الفكر الشيوعي و هي تحتفل بذلك منذ انهيار جدار برلين و كان مصادف لاحتفال العالم بقرنيين على مرور الثورة الفرنسية. يا نخب السودان لن تقوم لكم قائمة و أنتم لا تريدون القبول بالفكر الليبرالي و هو المنتصر للفرد و العقل و الحرية و تريدون بديلا عنه إشتراكية تظنون أنها كامنة في أحزاب طائفية و ظاهرة في نسخة شيوعية سودانية متكلسة و هذا التأجيل لمواجهة موقفكم المخذي من الفكر الليبرالي ستدفعون ثمنه تخلف و حروب عبثية كحرب البرهان و حميدتي و تأخر في التحول الديمقراطي.
و في النهاية سوف تأتي أجيال و يكون هناك تحول ديمقراطي و لكن كلما تذكروا حقبتكم و تخلف الفكر فيها لعنوكم. دعوتي لكم بأن مواجهة واقع السودان اليوم لا تكون إلا بفكر ليبرالي يبعد رجال الدين و العسكر من ساحة العمل العام و يقدم مفكريين لا يتهيبون من فكرة القطيعة مع التراث فلا سبيل غير معادلة الحرية و العدالة و لا يكون الوصول إليها عبر فكر أحزاب الطائفية و لا فكر النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية و لا فكر الهامش و المركز بل بفكر يرسم علاقة بتشريعات تؤسس للعلاقة بين الفرد و الدولة بعيدا عن العرق و الدين و لا تكون علاقة الفرد في ظل الدولة الحديثة في حوجة لامام أو مرشد أو ختم أو استاذ شيوعي.
لهذا فارقوا فكر أحزاب الطائفية و الشيوعية السودانية و أسسوا لفكر ليبرالي يرسم علاقة الفرد بالدولة و ينتصر للفرد و العقل و الحرية. مسألة مفارقة النخب السودانية للفكر الديني مسألة صعبة لأن تجربة النخب و ذاكرتهم لا تقوى على التفكير خارج إطار الفكر الديني رغم أن هناك كثر من المفكريين في العالم العربي قد تحدثوا عن فكرة أننا في زمن الايمان الحر أو ما بعد الملة. لا يستطيع المفكر السوداني أن يؤسس لفكرة أن الدين علاقة بين الفرد و ربه و ينعتق من فكر رجال الدين الذين يريدونك أن تسير في قطيع الملة و نجد خوف النخب السودانية و عدم قدرتهم في مواجهة رجال الدين في مسألة أن أمر الدين شأن فردي تجد خوفهم في طرح النخب السودانية في مؤالفتها الكاذبة ما بين الدين و الدولة في طرح محمد ابراهيم نقد و هو يتبع أستاذه عبد الخالق في بحثه لدور سياسي للدين في السودان و نجدها في مخيلة الشيوعي السوداني طشاش طشاش في تشيع الشيوعي السوداني بالنوبة في يوم موته أي نوبة الصوفية.
و هذا وحده يدل على خوف النخب السودانية من القطيعة مع التراث الديني في السوداني و تجدهم ضد علمانية الدولة و فصل الدين عن الدولة و كله بسبب إعتقادهم أن الاشتراكية هي التي تحقق التقدم و التنمية سواء كانت كامنة في طرح احزابهم الدينية إشتراكية أبو ذر أو في طرح الحزب الشيوعي السوداني و هيهات أو اشتراكية البعثيين و الناصريين و لذلك في تصالح مع الفكر الكيزاني أمة واحدة ذات رسالة خالدة و لذلك نجد علمانية محمد ابراهيم نقد المحابية للأديان محاولة مغازلة للكيزان في اشتراكية ابو ذر و اشتراكية البعثيين و الناصريين المستمدة من تراثهم الاسلامي العربي التقليدي.
ما لم يظهر مفكريين ليبراليين بفكر ليبرالي و يتحدثون عن الليبرالية بشقيها السياسي و الاقتصادي بعيدا عن فكر أحزاب وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون سيطول ليل القرون الوسطى في حياتنا و ستطول حروبكم العبثية كحرب البرهان و صنيعته حميدتي و لا يكون ذلك بغير احترام الفرد و العقل و الحرية في السودان و لا يكون ذلك بغير ترك طريق أحزاب الطائفية و الحركة الاسلامية السودانية و الشيوعية السودانية و لا يكون ذلك باليسير غير تقديم فكر ليبرالي واضح من نخب لا تبالي في قطيعتها مع تراث سلطة الأب و ميراث التسلط و حاضنته أي الفكر الديني من كل شاكلة و لون. في الختام يجب التنبيه أن عنوان المقال هو عنوان كتاب لعالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار.
taheromer86@yahoo.com
تطور الفكر في المجتمعات الغربية الى لحظة راهنهم تشقه أفقيا فكرة القطيعة مع التراث منذ عهد الأغريق و الرومان و المسيحية و الحداثة و ثم ما بعد الحداثة و ثم بعد فشل أفكار ما بعد الحداثة و هجومها على أفكار الحداثة و بعدها قد عاد الفكر من جديد الى أفكار عقل الأنوار و أفكار الحداثة مع إستعداده لمواصلة مسيرة الانسانية و هي تراجيدية و مأساوية بلا قصد و لا معنى منفتحة على اللانهاية يسوقها التفكير النقدي و التفكير النقدي هو ما تبقى من عقلانية خلفتها مدارس الفكر في الغرب أي ذات النزعات الانسانية عبر مدارس كثيرة و لكن بعد زوال بريق الوجودية و البنوية قد أصبح التفكير النقدي إرث يدلل على عقلانية و أخقلاقية الفرد.
هناك نقطة مهمة و هي صعوبة بلورة فكرة معينة و لكي تصبح مقبولة في وسط النخب تحتاج في كثير من الأحيان لعقود من الزمن للتحقق من صحتها و التحقق من قابليتها لتحقيق توازن مؤقت على صعيدي الاجتماع و الاقتصاد و سرعان ما تتجدد الإختلالات و تحتاج لديناميكية جديدة تضبط حالة الاختناقات الجديدة المتجددة في سلسلة لا نهاية.
أضرب على ذلك مثلا في زمن الكساد الاقتصادي العظيم 1929 كانت حيرة الفلاسفة و الاقتصاديين و المؤرخيين و علماء الاجتماع فيما حدث و قد أحتاج الفلاسفة و علماء الاجتماع و الاقتصاديين لما يقارب الخمسة سنوات حتى تقدم جون ماينرد كينز بالنظرية العامة التي تشرح لنا ما حدث و ما يجب أن يكون من فكر حيث أصبحت مسألة التدخل الحكومي من أجل خلق توازن اقتصادي بديلة لفكرة اليد الخفية لادم اسمث.
و هنا تظهر لدارسي تاريخ الفكر الاقتصادي و النظريات الاقتصادية أن كينز أستطاع أن يدمج كتابي ادم اسمث و هما ثروة الامم و كتابه السابق نظرية المشاعر الأخلاقية لكي يصل لفكرة التدخل الحكومي من أجل خلق نقطة توازن اقتصادي لكي تسود بعدها مفاهيم جديدة من أهمها مسألة خلق الطلب و بالتالي تصبح نظرية ساي الاقتصادية أي أن العرض يخلق الطلب قد أصبحت في مهب الرياح في زمن الكساد الاقتصادي العظيم.
إذا عكسنا تجربة الكساد العظيم و كيف أحتجنا لخمسة سنوات لتظهر النظرية العامة لكينز على واقعنا السوداني ها هي ثورة ديسمبر تدخل عامها الخامس و النخب من إنتكاسة لانتكاسة إبتداء من نكسة قبولهم بشراكة العسكر و تكالبهم على توزيع الوظائف مما يدل على أنهم ليس لهم تصور لمفهوم الدولة الحديثة و لا لمفهوم السلطة في ظاهرة المجتمع البشري بل كان كل همهم تقاسم ما تركته الانقاذ من ركام ظانيين أنه دولة.
ما أريد توضيحه أن النخب السودانية لم تتنبه أن الأحزاب السودانية بتراثها لا علاقة لها بالديمقراطية كثورة قد أصبحت بديل للفكر الديني لأن أحزابنا السودانية كلها أحزاب دينية بما فيها النسخة الشيوعية السودانية كدين بشري تتوهم في إمكانية تقديم حلول نهائية و تتوهم في مسألة نهاية التاريخ و إنتهاء الصراع الطبقي و هذا فكر غائي لاهوتي ديني لم يسود إلا لأن النخب السودانية ليس لها علاقة بتطور الفكر في العالم من حولنا مقارنة بالعالم العربي و الاسلامي رغم تقليديته و بقية العالم.
مثلا نجد فالح عبد الجبار عالم الاجتماع العراقي في كتابه الديمقراطية الممكنة الديمقراطية المستحيلة يسير خلف تطور الفكر الذي ينعكس من محاولات مفكريين عراقيين و قبله نجد فكر عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في فكره الذي يقول فيه بشكل واضح أن حالة التركيبات الهشة للهياكل الاجتماعية في العالم العربي لا تساعدها إلا الديمقراطية الليبرالية لكي تعبر و تخرج من حيز المجتمعات التقليدية.
و هنا نكاد نقول أن النقطة التي أريد التحدث عنها قد وضحت و هي أن علي الوردي و فالح عبد الجبار كانا عندما يتحدثان عن التحول الديمقراطي يقصدان الفكر الليبرالي بالشقيه السياسي و الاقتصادي كما هو سائد في الغرب عكس النخب السودانية يتحدثون عن ديمقراطية من بنات أفكارهم هم كسودانيين لهم قدرة فائقة على الترقيع و التوفيق الكاذب و خاصة نخبهم التي سيطرت على مواقع متقدمة في ساحاتهم الفكرية الفارغة من أي معنى لكنهم لهم قدرة على التأقلم على الكساد الفكري الذي إنعكس في عدم الإزدهار المادي و التطور الفكري فيما يتعلق بفلسفة الحكم و فن الإدارة العامة.
و تمر عقود و نفس الوجوه الكالحة لمفكريين سودانيين لم يقدموا أي فكر جديد كل فلاحهم عندما يقولون لك في ستينيات القرن المنصرم كان فلان شارب الشيوعية السودانية شراب و كان علان يفسر بأشعاره الديالكتيك. في وقت كان في جميع أنحاء العالم هناك تحول هائل في المفاهيم التي يقف المفكر السوداني كسد مانع من وصول أنوارها.
لهذا نجد أن هناك فرق كبير بين أحزاب الشيوعية في الغرب و قد أيقنت من فكرة نمط الانتاج الرأسمالي مقارنة بنسخة الشيوعية السودانية المتكلسة و هناك كثر من الفلاسفة و المؤرخون في فرنسا تركوا شيوعية سارتر أمثال موريس ميرلو بونتي و كلود لوفرت و إدغار موران و هنا كثر قد غلبهم القفز على حاجز شيوعية عبد الخالق محجوب المتكلسة مقارنة بشيوعية أحزاب الغرب التي أيقنت من فكرة نمط الانتاج الرأسمالي.
مثلا كثر من من نظن أنهم نخب واعية يظنون أن حزب الامة و فكر الامام الصادق المهدي كرجل دين يمكن أن يجلب ديمقراطية و هذا يظهر في لجان حكماءهم عندما تحيط بهم الخيبة حيث يتنادون تعال يا محجوب محمد صالح و فيصل محمد صالح و يا عبد الوهاب الأفندي و الطيب زين العابدين و يا كمال الجزولي و يا الجزولي دفع الله و يا الحاج وراق و يضعون معهم بعض من من يسمونهم حكماء السودان و شخصيات وطنية و رجال طرق صوفية و رجالات إدارة أهلية و بعدها شوف خمج الفكر الما بعده خمج.
و تمر السنون و هم يتحدثون عن الديمقراطية على طريقتهم و لا يقصدون سبيل الديمقراطية الليبرالية التي يتحدث عنها علي الوردي و فالح عبد الجبار و قوتهم تكمن في سردبتهم على الموقف السالب من التقدم و كلمة سردبة كانت وصية الكوز احمد عبد الرحمن للكيزان أيام تسقط بس.
و هكذا هو حال نخب الشيوعية السودانية و السردبة و إصرار على فكر قد أصبح أمام الرياح هباء إلا أنه له عمالقته على الطريقة السودانية كمؤشر على أن الشيوعية السودانية باقية ما بقى الدهر ما دام داخلها كمال الجزولي و أشعار شعارهم التي يشرحون بها الديالكتيك و شطحات عبد الله علي ابراهيم و حالة الجذب الشيوعي على طريقة الجذب الصوفي التي تناله و هو يطلب المدد صائحا أستاذنا مناديا عبد الخالق محجوب تلحقنا و تفزعنا.
و بالتالي و لا يهم نخب السودان أن تقول لهم المؤشرات أنكم كاسدون فلهم قدرة على إغاظة أي منتظر لصحوتهم لا يفوقهم فيها أكبر غبي. هناك أيضا مؤشر قوي على كساد الفكر عند النخب السودانية مثلا من قبل قرن بالتمام و الكمال كانت فكرة الاقتصاد و المجتمع عند ماكس فيبر توضح لنا بوضوح تام كيف تكون المجتمعات التقليدية في حالة تيه كحال النخب السودانية الآن و ضرب مثلا بأن الفكر الرأسمالي فكر عقلاني و إستدل على عقلانيته بأنه لم يظهر بعد في حيز المجتمعات التقليدية كحال مجتمعنا السوداني و الغريب أغلبية النخب السودانية يظنون ان الفكر الرأسمالي فكر رميم و يظنون أن تحقيق التنمية و العدالة لا تكون بغير الفكر الاشتراكي.
و هذا وهم كبير للنخب السودانية لذلك تجد أغلبهم في الحزب الشيوعي و حزب البعث و الحزب الناصري و حتى من في احزاب الطائفية في لا وعيهم يظنون في إشتراكية إسلامية كامنة في أحزابهم الطائفية أي اشتراكية أبو ذر الغفاري و هذه واحدة من محن النخب السودانية و طريقة مجافاتها للفكر الليبرالي و عدم قدرتهم على التصالح معه أي الفكر الليبرالي و بغير التصالح مع الفكر الليبرالي لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية و تحول ديمقراطي يكفل المساواة و الحرية بين كل أفراد المجتمع و خاصة حرية المراءة قولا و فعل كما يقول هشام شرابي عالم الاجتماع الفلسطيني.
خوف النخب السودانية من الفكر الليبرالي و تهيبهم منه هو سر تخلفهم و تكلسهم الفكري لذلك هو سر فشلهم خلال سبعة عقود في عدم القدرة على التحول الديمقراطي بل هو سر خنوعهم لحكم الحركة الاسلامية السودانية لمدة ثلاثة عقود و هم يظنون ان هناك إشتراكية إسلامية و مساواة و غيرها من أفكار المجتمعات التقليدية.
و من هنا نقول لكم أن الديمقراطية هي بديل للفكر الديني و هي المنتصرة على الفكر الشيوعي و هي تحتفل بذلك منذ انهيار جدار برلين و كان مصادف لاحتفال العالم بقرنيين على مرور الثورة الفرنسية. يا نخب السودان لن تقوم لكم قائمة و أنتم لا تريدون القبول بالفكر الليبرالي و هو المنتصر للفرد و العقل و الحرية و تريدون بديلا عنه إشتراكية تظنون أنها كامنة في أحزاب طائفية و ظاهرة في نسخة شيوعية سودانية متكلسة و هذا التأجيل لمواجهة موقفكم المخذي من الفكر الليبرالي ستدفعون ثمنه تخلف و حروب عبثية كحرب البرهان و حميدتي و تأخر في التحول الديمقراطي.
و في النهاية سوف تأتي أجيال و يكون هناك تحول ديمقراطي و لكن كلما تذكروا حقبتكم و تخلف الفكر فيها لعنوكم. دعوتي لكم بأن مواجهة واقع السودان اليوم لا تكون إلا بفكر ليبرالي يبعد رجال الدين و العسكر من ساحة العمل العام و يقدم مفكريين لا يتهيبون من فكرة القطيعة مع التراث فلا سبيل غير معادلة الحرية و العدالة و لا يكون الوصول إليها عبر فكر أحزاب الطائفية و لا فكر النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية و لا فكر الهامش و المركز بل بفكر يرسم علاقة بتشريعات تؤسس للعلاقة بين الفرد و الدولة بعيدا عن العرق و الدين و لا تكون علاقة الفرد في ظل الدولة الحديثة في حوجة لامام أو مرشد أو ختم أو استاذ شيوعي.
لهذا فارقوا فكر أحزاب الطائفية و الشيوعية السودانية و أسسوا لفكر ليبرالي يرسم علاقة الفرد بالدولة و ينتصر للفرد و العقل و الحرية. مسألة مفارقة النخب السودانية للفكر الديني مسألة صعبة لأن تجربة النخب و ذاكرتهم لا تقوى على التفكير خارج إطار الفكر الديني رغم أن هناك كثر من المفكريين في العالم العربي قد تحدثوا عن فكرة أننا في زمن الايمان الحر أو ما بعد الملة. لا يستطيع المفكر السوداني أن يؤسس لفكرة أن الدين علاقة بين الفرد و ربه و ينعتق من فكر رجال الدين الذين يريدونك أن تسير في قطيع الملة و نجد خوف النخب السودانية و عدم قدرتهم في مواجهة رجال الدين في مسألة أن أمر الدين شأن فردي تجد خوفهم في طرح النخب السودانية في مؤالفتها الكاذبة ما بين الدين و الدولة في طرح محمد ابراهيم نقد و هو يتبع أستاذه عبد الخالق في بحثه لدور سياسي للدين في السودان و نجدها في مخيلة الشيوعي السوداني طشاش طشاش في تشيع الشيوعي السوداني بالنوبة في يوم موته أي نوبة الصوفية.
و هذا وحده يدل على خوف النخب السودانية من القطيعة مع التراث الديني في السوداني و تجدهم ضد علمانية الدولة و فصل الدين عن الدولة و كله بسبب إعتقادهم أن الاشتراكية هي التي تحقق التقدم و التنمية سواء كانت كامنة في طرح احزابهم الدينية إشتراكية أبو ذر أو في طرح الحزب الشيوعي السوداني و هيهات أو اشتراكية البعثيين و الناصريين و لذلك في تصالح مع الفكر الكيزاني أمة واحدة ذات رسالة خالدة و لذلك نجد علمانية محمد ابراهيم نقد المحابية للأديان محاولة مغازلة للكيزان في اشتراكية ابو ذر و اشتراكية البعثيين و الناصريين المستمدة من تراثهم الاسلامي العربي التقليدي.
ما لم يظهر مفكريين ليبراليين بفكر ليبرالي و يتحدثون عن الليبرالية بشقيها السياسي و الاقتصادي بعيدا عن فكر أحزاب وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون سيطول ليل القرون الوسطى في حياتنا و ستطول حروبكم العبثية كحرب البرهان و صنيعته حميدتي و لا يكون ذلك بغير احترام الفرد و العقل و الحرية في السودان و لا يكون ذلك بغير ترك طريق أحزاب الطائفية و الحركة الاسلامية السودانية و الشيوعية السودانية و لا يكون ذلك باليسير غير تقديم فكر ليبرالي واضح من نخب لا تبالي في قطيعتها مع تراث سلطة الأب و ميراث التسلط و حاضنته أي الفكر الديني من كل شاكلة و لون. في الختام يجب التنبيه أن عنوان المقال هو عنوان كتاب لعالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار.
taheromer86@yahoo.com