السودان الوطن الواعد ما قد كان وما سيكون!

 


 

 

تسألت بيني وبين نفسي وانا اطالع خبر مفاده بان دولة موزمبيق وهي دولة كانت مصابة بلعنة الموارد مثل السودان، ولها من الموارد (الفحم والتيتانيوم والكهرباء المائية والموارد الطبيعية الأخرى... مخزونات ضخمة من الياقوت والغاز!!!، استطاعت بعد حرب او حروب دامية قتل فيها الالاف وشرد فيها قرابة مليون مواطن؛ استطاعت توقيع اتفاقية سلام في العام 2019م بين الحكومة والحركة العسكرية المتمردة "رينامو" ، واستطاعت اغلاق اخر قاعدة للحركة والتوصل لدمجها في القوات المسلحة.

خلال نفس الفترة الزمنية للحروب الموزمبيقية وفوقها بقرابة العشرين سنة لم تؤد مفاوضات السلام في السودان الى الا زيادة تعقيد المشهد الكارثي للصراعات السودانية السودانية ونقل الحرب من اطراف البلاد أي جنوب السودان وجنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور للعاصمة نفسها وصولا لتدميرها بالكامل!!!!

فما هو السبب الذي يجعل القوات النظامية السودانية والحركات المتمردة المسلحة او سمها حركات الكفاح المسلح لا تعرف سوى الحرب والاقتتال دون القدرة للوصول لاتفاقية سلام دائم؟. وهل اصبحت الحرب هي هدف في حد ذاتها، كسبب أو مبرر للوجود بالنسبة لقادة العسكر والحركات المسلحة!!! إي ان الحرب اصبحت تجارة رابحة تعلل بأسباب واهية من قبل تجار الحرب مثل صراع المركز والهامش والحرب الجهادية الدينية او تنافس ابناء البحر وابناء الغرب، والصراع القبلي والجهوي والصراع على الارض والحواكير؟؟؟ في حين أن دول مثل الصين والهند بكل منها عدد سكان يقارب الاثنين مليار مواطن وبها مئات الديانات واللغات واللهجات ولكن كل ذلك لم يكف ليكون سبب اختلاف يقود للحرب!!!مما يدل على أن الصراع السوداني السوداني هو صراع عقيم على السلطة التنفيذية بسبب الجهل و عدم تقدير للثروات الحقيقية الطبيعية السودانية من الاراضي الشاسعة والمياه والثروة الحيوانية والمعادن من بترول وذهب ويورانيوم وغيرها من الثروات، وما اصدق قول الشاعر "كالعير يقتلها الظماء والماء فوق ظهورها محمول"!!!

ثم قلت في نفسي لعل العسكر ومن والاهم من المستبدين المدنيين ليس لهم رؤية إبداعية لاستغلال تلك الثروات، ولكن اين الكفاءات السودانية ولماذا هي معطلة عن استثمار تلك الثروات؟؟؟ واتتني الاجابة طائعة، فلقد شاء حظي الطيب ان أكون من ضمن من ضمهم البروفسور أحمد التجاني في "قروبات الاسر المنتجة"، وكذلك ممن ضمتهم الدكتورة ناهد عبداللطيف في "قروب كلنا لتنمية وبناء ريف و قرى السودان"، ولكم كانت المفأجاة عظيمة وسعيدة لي بأن هناك مئات بل آلاف من المتخصصين السودانيين في كل المجالات، وتعلمت من تلك القروبات الايجابية الكثير وكان من اخرها أني تابعت محاضرتين عن "الديزل الحيوي" مع الدكتور مازن فقيري واخرى عن "الغاز الحيوي" مع الباشمهندس مازن عبدالرحمن مكي. ولكم فؤجئت بأن ما يتبقى بعد الحصاد من الزراعة والاعشاب او نبات مثل شجرة الجاروفا وغيرها من النباتات بالسودان ووصولا الى روث البقر والدواجن يمكن ان تنتج منه طاقة نظيفة بأيدي سودانية وتكاليف بسيطة تفيد ريف وقرى السودان، نأهيك عن مصادر الطاقة "المجانية" بالسودان مثل الطاقة الشمسية والطاقة المنتجة من الرياح ومن الخزانات والسدود وحتى من البترول!!! ولكن كل تلك الكفاءات مالم تكن موالية للسلطة الحاكمة تصبح محاربة ومبعدة بالاستبداد الإداري و بقوة السلاح عن المساهمة في التنمية!!!، و حقيقة قاومت لحبس دموعي من هذا الهدر للامكانيات في السودان. وتسألت هل الحرب مربحة ومنتجة لهذا المواطن الذي تتم "عسكرته" اكثر من الرعي والزراعة والحرف المهنية . وهل كان يمكن استثمار كل تلك الامكانيات والاموال المهدرة في تلك الحروب السودانية السودانية للانتاج في كل المجالات والاستثمار.

لعل نشر فكرة ان الخير الموجود على ظهر الارض وباطنها في السودان يكفيه لأن يصبح من الدول الغنية بل ذات الرفاهية بأقل مجهود موجه نحو التنمية والاستثمار،ومن ثم الاستفادة من تجربة الطفرة الاقتصادية البنغلاديشية، فذلك البلد ذو ال165 مليون مواطن في مساحة لا تتعدى 147 الف كيلو متر أي اقل من نصف مساحة دارفور ولا تملك أي ثروات طبيعية سوى "البشر والماء"، والتي لم تعرف الا بوصفها بلد كوارث وفيضانات وفقر،

"أوضح تقرير لمؤسسة الأبحاث العالمية لمصرف «إتش إس بي سي»،أن اقتصاد بنغلاديش سوف يقفز 16 نقطة بين عامي 2018 و2030، وهو المعدل الأعلى بين الدول. وقدّر حجم اقتصادها عام 2030 بحوالي 700 مليار دولار، .... تزايد اهتمام الحكومة بالقطاع الصناعي والذي أضحى يساهم بنحو 19 % من الناتج المحلي الإجمالي وبنحو 96.8 % من إجمالي الصادرات خلال 2017و2018، واستأثرت صناعة المنسوجات وحدها بنحو 80 % من إجمالي الصادرات البنجالية خلال العامين 2017م و2018م، حيث صدّرت بنغلاديش ملابس تجاوزت قيمتها 28 مليار دولار، محققة المركز الثاني عالمياً بعد الصين"!!!

فما هو سر الطفرة البنغلاديشية؟ انه وبكل بساطة ووجود نظام حكم مدني وطني يشجع بل يركز على التعليم وخاصة تعليم الفتيات ونشر التكنولوجيا الحديثة الرقمية، وتشجيع الاستثمار في القطاع الخاص وخاصة للفقراء فظهرت تجربة "بنك أو مصرف الفقراء" في 1983م وهدفه توفير رؤوس اموال للفقراء وقروض بدون ضمانات مالية، مما ادى لازدهار صناعة الملابس حيث بلغت قيمة صادراتها من الملابس 28 مليار دولار.

اذن بالنظر لكل تلك الامكانيات والثروات الطبيعية التي يتمتع بها السودان، نعلم ان مشكلته في المقام الاول هي ادارية بحتة وليست سياسية، أي معرفة كيفية ادارة الموارد واستثمارها، وهي اشكالية مرتبطة بضعف التعليم والتأهيل والتدريب وضعف الاستفادة من موارد الطاقة المحلية للانتاج والاستثمار. وبمعالجة ذلك الضعف بصورة علمية والتوجه نحو الانتاج وتناسي السياسة يمكن ان يعود بل ان يصبح السودان بلد واحد و واعد بل غني كما كان وكما سيكون في القريب العاجل.

wadrawda@hotmail.fr

 

آراء