“السودان بعيون غربية” .. تقديم: الدكتور عبد السلام نور الدين

 


 

 




صدر هذا الأسبوع عن دار نشر ومكتبة "جزيرة الورد" بالقاهرة كتاب "السودان بعيون غربية - الجزء الثالث " وهذه مقدمة له كتبها الدكتور عبد السلام نور الدين

***************       ***********
"السودان بعيون غربية"
تقديم
الدكتور عبد السلام نور الدين


بدرالدين حامد الهاشمي : الأستاذ الدكتور الذي يكتفي بكتابة اسمه مجردا من الألقاب العلمية التي بذل جهدا وذكاءً وصبرا وسنين عددا لنيلها - أكاديمي مرموق في علوم الأدوية ومحاضر جامعي ومشرف على طلاب الدراسات العليا ومع ذلك لم أكن اعرف من كل ذلك شيئا حينما بعثت له قبل أكثر من سنتين برسالة متأججة الاعجاب لترجماته الرصينة لمقالات وأبحاث ومدونات ذات عمق وأبعاد وجدوى وفي ذات الوقت بعيدة عن متناول غير المتخصصين في شعابها الضيقة فانتقاها بعناية من مظانها وترجمها بجزالة ولخص بعضها دون ابتسار أو اختزال بعد تقديم موجز مصوبا ومعلقا بين معقوفتين دون تدخل في بنية النص .

ليس كثير الورود أن تعثر في الفضاء الكتابي الذي يجوب فيه السودانيون بأقلامهم جيئة وذهوبا وعلي وجه أدق على متن الصحف الورقية والأخرى الإلكترونية بكاتب مثل بدرالدين الهاشمي وقد اختار بعد نظر وتدبر "الترجمة" كمعادل موضوعي أو مقابل موازي لعرض التصور والتصديق لديه لذا يحرص دائما "كقارئ" على انتقاء مختاراته و"ككاتب" على تجويد اللغة كحامل لفكرة جلبابها الجدية والطرافة في سياق اطروحة أخلاقية أو جمالية أو اجتماعية أو تاريخية أنثروبولوجي أو اقتصادية لا تكاد تبين للوهلة الاولى ولكنها تنداح شيئا فشيئا اتساعا كلما تقدم بها ايضاحا لإضاءة النفق المظلم
يحسن بنا إذا رغبنا في سبر غور مكابدة بدرالدين الذي يجمع بين القارئ والكاتب والمترجم في واحد ان نستعين بالبيرتو مانويل في سطور في تاريخ القراءة " كان ..... يقرأ من أجل "المعن بأعلى مراحل الفهم، والذي يقرأ نصا بقصد ترجمته يشتغل بأكثر عمليات "الأسئلة والأجوبة" نقاء في سبيل اصطياد (تصيد) أكثر الافكار غموضا ومراوغة. أقول "اصطياد" الفكرة وليس "نقلها"، فإن من طبيعة "كيمياء" هذا الضرب من القراءة أن المعنى فيها يستحيل فور ترجمته إلى معنى آخر مواز ومختلف. يمضى المعنى عند الشاعر في التقدم كلمة إثر أخرى، متحولا من لغة إلى أخرى".

يبدو من مختارات ترجمات بدرالدين الهاشمي (انظر سودانايل منبر الرأي. نحو 300 مقالا، وروايتي "المئذنة" و"حارة المغنى" ومحتويات هذا الكتاب -السودان بعيون غربية (الجزء الأول والثاني) أنه يسعى بدأب متصل "مع سبق الاصرار والترصد" إذا جاز لنا استخدام هذا التعبير القانوني في سياق جد متباين- لإضاءة الوجود و الطابع القومي للذات السودانية من زوايا وأركان وأبعاد وأزمنة وأمكنة متباينة ومتعددة دون أن يغفل أو أن يتجاهل سدول الضباب التي تحجب تلك الرؤية بتدبير له مقاصد مصلحية أو بتداعيات عفوية.

هل يمثل بدرالدين حامد الهاشمي الأكاديمي غير مجهول المكان في ميدانه الواسع والمثير الجاذب -علم الأدوية - الذي أطل على الثقافة والفكر في السودان من بوابة الترجمة المتواصلة ظاهرة جد جديدة في عالم تراجم السودانيين ؟ تشق الاجابة على هذا السؤال دون تلمس لبعض معالم ومسار التراجم في السودان الذي لا يقع في هذا الحيز المحدود لمقدمة لا تحتمل الاطالة - ومهما يكن من أمر فقد ابدع الدبلوماسي صلاح هاشم في نقل بعض عيون الاستشراق الروسي الى العربية ( أغناطيوس كراتشوفسكي -تاريخ الادب الجغرافي العربي ) وسار على ذات المنوال بتوجه مغاير الشعراء الكبار تاج السر الحسن ( 1930 -2013 ) وجيلي عبدالرحمن( 1931 -1990 ) وعبدالرحيم أبو ذكرى ( 1944 -9 8 19 ) في نقل إبداعات بارزة من مستحسن الادب السوفيتي والروماني الحديث الى قراء العربية ولا يخطر في بال أحد بالطبع اغفال ترجمات جمال محمد أحمد ( 1916 -1986 ) وفي ذراها "أفريقيا تحت اضواء جديدة" وقد أضاف على المك 34 19 - 1992 ) إلى المكتبة السودانية العربية "نماذج من الأدب الزنجي الأمريكي 1971: قصص وأشعار ومقالات مع مقدمة تعريفية". تشمل المختارات أعمالا أدبية بداية بعام 1890 وحتى 1960م، و"الأرض " الآثمة" لباترك فان رنزبرج: ترجمة بالاشتراك مع صلاح احمد إبراهيم 1972م و"المختارات من أساطير الهنود الأمريكيين وحكاياتهم" ظهرت أجزاء منه في الصحف. ولم تتخلف المدرسة الاشتراكية السودانية بشقيها الماركسي والبعثي وعلى رأسها عبدالخالق محجوب (1927 -1971 ) والجنيد علي عمر وهنري رياض ومحمد علي جادين بإثراء تلك المدارس بمدد فكري كانت في أمس الحاجة اليه (الماركسية وعلم اللغات-الادب في عصر العلم - قرامشي -صراع الثروة والطبقة في السودان).

كان لتفرق الشعراء والكتاب والدبلوماسيين واستاذة اللغة الانجليزية في المدارس الثانوية والجامعات ايدي سبأ منذ انقلاب مايو( 1969م) وهزيمة حركة 19 يوليو (1971م) وقد استصحبت نزاعات الانقلابين فصلا بالجملة من الخدمة العامة وتدهورا في مستوى الحياة المعيشية اقتضت هجرات جماعية الى الجزيرة والخليج ثم وقع الخروج الكبير لكل شرائح وفئات المتعلمين والمهنيين السودانيين بعد انقلاب الثلاثين من يونيو(1989م) إلى كل أركان الكوكب الأرضي وأضحت الاستعانة بخبرات السودانيين في الترجمة من العربية وإليها من ضرورات ونوافل وسائط الاعلام ليس في الجزيرة والخليج فحسب ولكن في كل أصقاع العالم ثم انبثقت في خواتيم الألفية الثانية الوسائط الصحافية والتواصل الالكتروني حيث عثر السودانيون في مواقعها على آلية جد مبتكرة لتجميع شتاتهم ولم طاقاتهم الفكرية وكانت منفذا جديدا للبحث والتواصل مع كل ثقافات العالم عبر الترجمة التي أضحت الواشجة الوثقى بين مبدعي وكتاب السودانيين في المهاجر مع بعضهم البعض ومع الأمة السودانية التي تبحث عن مكان يليق بها في القرية العالمية وفي هذا السياق يبرز الترجمان الممتاز بدرالدين حامد الهاشمي ليس كظاهرة جديدة ولكن تواصلا صاعدا لصلاح هاشم وجمال محمد أحمد وتاج السر الحسن وجيلي وأبو ذكرى وعلى المك وكتعزيز إيجابي لمشروعه الخاص في بلورة الوجود الفاعل لذاتية السودانيين القومية الذي ينبغي أن يكون حاضرا بعيون مفتوحة وعقل شجاع لا كما يتصورون انفسهم تحت أثر مخدر من التفكير الرغائبي وليس بالخضوع لرغائب عيون الاخرين- بل بالاحتكام إلى الموضوعية بشرائط العلم الطبيعي والاجتماعي الذي توفر عليه هذا الاكاديمي العالم الترجمان وفي هذا السياق علينا أن نقرأ بتفحص راشد: "السودان بعيون الكتابات الغربية"

عبدالسلام نورالدين
ليدز - بريطانيا
فبراير 2014م
alibadreldin@hotmail.com
///////////

 

آراء