السودان: قيم الجمهورية و مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد

 


 

طاهر عمر
16 September, 2022

 

مشكلة السياسي السوداني مشكلة عويصة مثلا على ذلك حالة الإصرار على طرح فكرهم القديم الى درجة تصل الى بئس الذنب و الغريب الكل يعتقد أن الأمور سوف تصفى لصالحه رغم أن كل الظروف و المؤشرات تقول غير ذلك. شباب ثورة ديسمبر بمستوى وعيهم الذي فاجاء الجيل القديم و سببه أن هناك طفرة في تكنلوجيا الاتصال أتاحت لهم إرتفاع مستوى وعي يفوق تجربة الجيل الفاشل. طرح شعار ثورة ديسمبر حرية سلام و عدالة من جيل مستوى وعيه يعتبر طفرة جهجه مسيرة النخب الفاشلة و خاصة بأنها كانت خالية الوفاض فيما يتعلق بتنزيل مفهوم الحرية و السلام و العدالة.
من الملاحظات المهمة جدا في تطور الفكر الفجائي الذي يشابه طفرة جيل ديسمبر و ثورته المجيدة مثلا عندما أحست البرجوازية الصغيرة و أرباب العمل و الارستقراطية بدورهم المهم في ترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية و كان ذلك نتاج للثورة الصناعية و قد مرت على شروقها خمسة عقود مما أدى لتحول في المفاهيم أجبر الارستقراطية الى قبول فكرة المسؤولية الاجتماعية و قد تطورت الى أن وصلت الى مستوى الضمان الاجتماعي أو فكرة الحد الأدنى للدخل للعاطلين عن العمل.
هذا الإرتفاع في مستوى الوعي لدى الارستقراطية و البرجوازية الصغيرة و تحول مفاهيمهما الهائل في قبول فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد يقابله إرتفاع مستوى وعي جيل ثورة ديسمبر بسبب تكنولوجيا الاتصالات و طرحه لشعار ثورة ديسمبر و هذا الجيل الصاعد سوف يكون أساس طبقات صاعدة لم يصادف أن يكون مثقفه العضوي من أتباع الأحزاب السودانية القديمة بطرحها الطائفي و السلفي بإختصار أي أتباع المرشد و مولانا و الامام و السلفيين و كذلك أتباع الايديولوجيات المتحجرة.
جيل ثورة ديسمبر لم يكن مثقفه العضوي من أتباع أحزاب اللجؤ الى الغيب أو أتباع الأيدولوجيات المتحجرة و لهذا السبب كان هذا التأخر في إنزال و أنجاج شعار ثورة ديسمبر على أرض الواقع. و المضحك ينتظر أتباع الامام و مولانا و أتباع المرشد كل على طريقته أن يكون له دور بل يعتقد و هو واهم بأنه هو من يفوز بثورة ديسمبر كغنيمة و مثل أتباع المرشد و مولانا و الامام لا يؤرقهم الانتظار لأنهم أسيري أنساق ثقافية مضمرة مثل انتظار المهدي و المسيح تساعدهم هذه الانساق في إجادة دور الانتظار.
بإمكانهم الانتظار لقرون كانتظارهم لمهديهم و مسيحهم و ختمهم و هذه أسرار الانساق الثقافية المضمرة أي لماذا ينتظر السياسي السوداني انتظار الموتى دون يقدم حل كحالهم الأن دون تحقيق جسم معارض موحد لاسقاط أفشل إنقلاب أي إنقلاب البرهان الفاشل؟
لأنه أي السياسي السوداني أسير فكر أتباع أحزاب وحل الفكر الديني. و لا يختلف الشيوعي السوداني عن أتباع وحل الفكر الديني لأن الماركسية نفسها ما هي إلا ما أنطبع في لا شعور ماركس من مسيحية القرون الوسطى و فكرة انتظار المخلص و لهذا قد جاءت الماركسية و الهيغلية لاهوتية غائية دينية لا تختلف عن الفكر الديني في شئ عندما ركّزت على إضطراد العقل و التاريخ بدلا من إفتراض أخلاقية الفرد و عقلانيته.
لهذا لا يهم الشيوعي السوداني تبديد الزمن كما رأينا كيف كان كل همهم إسقاط حكومة الفترة الانتقالية بقيادة حمدوك و لا يهمهم على أي مصيبة سينفتح الباب على مصرعيه كما إنفتح على إنقلاب البرهان الفاشل لأن الشيوعي السوداني له مسيحه الكامن في آداب ماركسية ماركس و كما لأتباع وحل الفكر الديني في السودان مهديهم و ختمهم كذلك للشيوعي السوداني مسيحه الأتي من غياهب لاهوتية و غائية و دينية الماركسية.
و يعتقد الشيوعي السوداني أن انتظاره و تبديد الزمن سيفتح على نهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي و بالتالي سيكون فوزه هو الأرجح و هذه مصيبة السياسي السوداني أسير الانساق الثقافية المضمرة و منها فكرة انتظار المهدي و المسيح و يمكن أن تضيف عليها إنتظار ماركس نفسه كمسيح مقلد للمسيح عندما قال تعالوا الى يا جميع المتعبين و ثقيلي الأحمال أني أريحكم فكذلك كانت ماركسية ماركس تعتقد أنها ستحل مشكلة البروليتارية و هم ما يقابل المتعبين و ثقيلي الأحمال كما في نداء المسيح.
و لهذا لا يختلف الشيوعي السوداني في انتظاره لماركس كمسيح عن انتظار أتباع وحل الفكر الديني للمهدي و الامام و بالتالي يصبح ماركس للشيوعي السوداني كمرقس صاحب إنجيل مرقس عند المسيحي و بالتالي ماركسية الشيوعيى السوداني ماهي إلا انجيل مرقس لمنتظري المسيح و عودته و ما أكثر منتظري المسيحي في المجتمعات التقليدية.
المهم في الأمر مسألة انتظار السياسيين السودانيين و تبديد الزمن و إهداره لا يعني لهم شئ لهذا يتخفون تحت ظلال الانتظار و ما يساعدهم هي أنساقهم الثقافية المضمرة التي تحدد سلوكهم و قد فضحتهم ثورة ديسمبر و شعاراتها حيث لم تصادف شعاراتها غير كساد فكرهم الذي لا يعرف فكر يؤسس للحرية و السلام و العدالة.
حالة إجادة الانتظار من قبل السياسي السوداني لكي يفرض نفسه نجدها في ماضي الحرية و التغيير عندما كانت حاضنة لحمدوك حيث انتظرت أكثر من ثلاثة شهور دون تعطي حمدوك برنامج و بعدها عندما وصل الصبر حده عند الشعب كانت المحاصصة القبيحة و سياسة وضع اليد على السلطة و الآن يريد السياسي السوداني تكرار نفس المرض عندما يحصد الموت شباب يانع كالورد في سبيل تحقيق الحرية و السلام و العدالة يأتي السياسي عديم الضمير لكي يمارس خيبته التي تتمثل في المحاصصة و التكالب على السلطة كما كان أيام حمدوك.
و لا يهمهم أن شباب يستحق الحياة كشهداء الثورة قد دفع من الدم و العرق و الدموع ما يجعل ميت الشعور يحس بالمسؤولية الاجتماعية و لكن هل يجدي ذلك نفعا مع سياسي سوداني لم ينتصر يوما للحياة؟ لأنه أسير تاريخ خوف لم يساعد على كشف تاريخ الذهنيات حيث تتقدم عبره الشخصية التاريخية التي تفارق و تعاكس العقل الجمعي للمجتمع التقليدي و تؤسس لتاريخ جديد يشمل الانسان التاريخي و الانسانية التاريخية و يرسخ لنزعة انسانية تفتح على مجد العقلانية و إبداع العقل البشري و لا يكون ذلك في ظل نخب ما زالت منتظرة للمسيح و المهدي و ماركس.
الأنساق الثقافية المضمرة للسياسي السوداني و من ضمنها حالة انتظارهم و كل منهم يظن بأن الأمور ستؤول له لكي يسطر و يهمن على الآخرين لا يمكن التخلص منها و التغلب عليها في ظل مثقف سوداني ما زال أسير تاريخ الخوف و لهذا تجدهم جميعا أتباع للمرشد و الامام و مولانا أو أسيري فكر دين بشري أفشل من الأديان في جلب سلام العالم. إجادة النخب السودانية للانتظار كما انتظارها للمهدي و المسيح و ماركس يجعل تفرض رأيها بعد نفاد صبر الشعب و بعدها تأتي للسلطة بمستوى وعي متدني للسياسي أسير تاريخ الخوف و فهم المجتمعات التقليدية للدين.
و هذا ما يجعل خطابهم الباهت غير قادر على محق حيل الكيزان لأن الكيزان ما زالوا يقرأون في كتابات النخب السودانية التي تحاول فرض بديل لخطاب الكيزان الديني و ما دروا بأن الشعب السوداني لا يحتاج لكهّان من كل شاكلة و لون بل يريد الشعب الحرية و السلام و العدالة و لا تكون هناك حرية و لا سلام و لا عدالة في ظل أي خطاب ديني أي ديني.
لأن مسألة الدين قد أصبحت شأن فردي في ظل العقد الاجتماعي الذي يؤكد بأن الخطاب الديني أي دين خطر على الحريات و أن في ظل الخطاب الديني أي دين لا يمكنك ان تتحدث فيه عن التسامح في ظله مهما كذب رجال الدين و ما كذبهم إلا من أجل الكسب الرخيص و لا يوقفهم في حدهم غير نشدان قيم الجمهورية و هي قيم التشريع و القوانيين التي تتحدث عن مجد العقلانية و ابداع العقل البشري.
و هي القيم التي قد وضعت الانسان في مركز الكون أي أنها تتحدث عن تأليه الانسان و أنسنة الأله و لا يمكن للسياسي السوداني أن يصل لمستوى وعيها و هو أسير تاريخ الخوف المرضي الذي جعل رحم السياسة السودانية عقيم و لم ينجب حتى اللحظة شخصية تاريخية تتجاوز العقل الجمعي التقليدي و تؤسس لعقل جديد و فكر جديد كما فعل مارتن لوثر و جون كالفن عندما تحديا التراث اليهودي المسيحي المتراكم على مدى ثلاثة ألف سنة.
لهذا نقول لنخب عقل الخوف المرضي إن الشعب لا يريد خطاب ديني بديلا لخطاب الكيزان و بالتالي نحن لا ننتظر معكم لا مهدي و لا مسيح و لا ماركس و لاهوته نحن الشعب السوداني نعتمد على ضمير الوجود و تجربة الانسان وفقا لعقلنا البشري بعيدا عن كذب رجال الدين من كل شاكلة و لون يريد الشعب السوداني أن يؤمن السياسي السوداني بأن أي فرد من الشعب السوداني عاقل و أخلاقي و لا يريد غير ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة و علاقة الفرد مع الدولة و بالتالي تصبح السلطة بالمفهوم الحديث مصدرها الشعب في زمن لم يعد بالامكان تحقيق فكرة الدولة الارادة الألهية.
و بالتالي لا ينتظر الشعب نجاح من أتباع الامام و المرشد و مولانا و مهما تأخروا و عطلوا توحيد الجسم المعارض لن ينتظرهم الشعب لأن فكرهم كعملة أهل الكهف لا تشتري شئ من زمننا الذي ينتصر للفرد و العقل و الحرية زمن الهوية الفردية أي الفرد الذي لا ينتظر لا مهدي و لا مسيح و لا ماركس من قبل دين بشري بل يتبع مسيرة الانسانية رغم أنها تراجيدية و مأساوية إلا أنها منفتحة على اللا نهاية و لا يختمها لا مهدي و لا مسيح و لا ماركس أنها متوجة بالتاريخ الذي لا يتوج اي التاريخ المنفتح على اللا نهاية و لا يقدر على فهمها غير الذي يؤمن بالانسان التاريخي و الانسانية التاريخية.
جاء الوقت الذي سيودع فيه الشعب السوداني تاريخ الخوف المرضي و يؤسس لتاريخ الذهنيات الذي يفارق العقل الجمعي لمجتمع سوداني تقليدي للغاية و بفضل جيل ثورة ديسمبر سوف تعبر مسيرة ثورة ديسمبر مع مسيرة الانسانية رغم انها تراجيدية و مأساوية.

taheromer86@yahoo.com
//////////////////////////

 

آراء