مجلة نيوزلاين الأمريكية: كيف يمكن لتقرير حقوق الإنسان أن يقلب الأوضاع في السودان؟

 


 

 

في تقرير نشرته مجلة نيوزلاين المختصة بشؤون الشرق الأوسط والتي تصدر من واشنطن:


• كيف يمكن لتقرير حقوق الإنسان أن يقلب الأوضاع في السودان
• تتمثل مهمة نبيل أديب في الكشف عن مجزرة ارتكبتها القوات السودانية في عام 2019 ويخشى المحامي أديب أن تؤدي نتائجه إلى إنقلاب


نيوزلاين - الولايات المتحدة الأمريكية
كاتب التقرير الصحفي: مات ناشيد – كاتب مختص بشؤون مصر، ليبيا والسودان

ترجمة - أمجد شرف الدين المكي
صحيفة سودانايل الإلكترونية - مكتب أمريكا

________________________________________

في الثالث من يونيو 2019، وقبل يوم واحد من عيد الفطر من العام الماضي، عبرت القوات السودانية جسر النيل الأزرق وبدأت في إطلاق النار على المعتصمين المتواجدين أمام القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، ونتيجة لذلك، تم إحراق الخيام واغتصاب النساء. حاول بعض المعتصمون اللجوء إلى مباني وزارة الدفاع بالخرطوم (القيادة العامة - مكان الإعتصام) - لكن بعض إفادات الناجين بأن الجنود، أغلقوا البوابات لإبعاد المتظاهرين. وفي أثناء ذلك، أفاد شهود عيان أيضاً، بأن منتمين لقوات الدعم السريع، وهي قوة شبه عسكرية قوية، قد قاموا بإلقاء الجثث في نهر النيل.
وضعت المذبحة نهاية مروعة لشهور من الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وقبل عدة أسابيع، في 6 أبريل / نيسان، نظم نشطاء اعتصامًا أمام وزارة الدفاع. وبعد خمسة أيام فقط رضخ الجيش للمطالب الشعبية وتمت إزاحة الدكتاتور عمر البشير. ومع ذلك، رفض الجيش تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، مما دفع الناس إلى البقاء في الشوارع. واعتصموا أمام مباني وزارة الدفاع في مشاهد تابعها العالم جميعاً، برهبة، وإعجاب شديدين. وتحدى المعتصمون، حظر التجوال ووقفوا على موقفهم، مطالبين بحكومة مدنية، حتى ذلك الصباح المشؤوم في يونيو عندما قتل ما لا يقل عن 127 شخصًا.

أثار هذا العنف غضبًا عالميًا، مما أجبر المجلس العسكري الانتقالي السوداني على تقاسم السلطة مع تحالف مدني - وهو قوى الحرية والتغيير. وعندها عينت الحكومة الجديدة الأُستاذ نبيل أديب البالغ من العمر 76 عاما لرئاسة تحقيق رسمي في المذبحة. ومُنح محامي حقوق الإنسان -المسيحي القبطي ثلاثة أشهر لتقديم تقريره وتقصي الحقائق وتقديمه إلى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وتوجيه اتهامات جنائية لمن أمر بالقتل وفض الإعتصام.

الآن وبعد ما يقرب من عامين، حيث أسر الضحايا والنشطاء متعطشون للعدالة، ومع ذلك لم يقدم المحامي أديب أي نتائج. وإدراكًا لحساسية عمله، فإن أديب متأكد من أن تحقيقه سيكون له تأثير كبير، بل ومدمّر، على بلده. وفي حديثه معي من النادي القبطي في الخرطوم، حذر من أن "النتيجة قد تؤدي إلى إنقلاب أو إضطرابات جماهيرية في الشوارع".
هذه التجربة الحالية للجنة المحامي أديب، حدث أمر مشابه لها من قبل في السودان. وهو الآن رجل كبير في السن، يواجه حواجز أمام العدالة ابتليت بها بلاده في الماضي. ففي أكتوبر 1964، يتذكر عودته إلى الخرطوم من القاهرة، حيث درس القانون، للاحتفال بالإطاحة المدنية بنظام إبراهيم عبود العسكري. في ذلك الوقت، كان أديب من أشد المؤيدين للحزب الشيوعي السوداني، الذي لعب دورًا مركزيًا في قيادة المظاهرات والإضرابات العمالية أثناء ثورة إكتوبر. وبعد إنتفاضة إكتوبر، دعا عدد من أعضاء الحكومة المدنية التي تلت الانتفاضة إلى اعتقال الأعضاء البارزين من النظام السابق، لكن أزمة سياسية أوقفت طموحاتهم في يناير 1965. وأدى الخلاف حول قواعد وتوقيت الانتخابات القادمة إلى مواجهة متوترة بين القوى ذات الميول اليسارية والأحزاب السياسية الأكثر محافظة ودينية، ووفقًا للمؤرخ ويلو بيرريدج الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة نيوكاسل. في روايتها، أرادت الأولى منح نصف مقاعد البرلمان المقبل لممثلي العمال، بينما اعترضت الثانية على أساس أنها غير ديمقراطية. بعد شهر، حشد حزب الأمة، الذي عارض الكتلة اليسارية، مناصريه الدينيين المتشددين للاحتجاج على اقتراح بتأجيل الانتخابات. حيث كان الحزب الشيوعي وحلفاؤه العلمانيون يطمعون في الحصول على مزيد من الوقت لتمرير الإصلاحات التي من شأنها تحسين إحتمالاتهم في التصويت المقبل. وكانت لمعارضة حزب الأمة القوية، بأن أحبطت تلك الخطط التي أدت إلى مأزق سياسي. وعدم إيجاد أرضية مشتركة، والتي أدت في نهاية الأمر إلى استقالة الحكومة المؤقتة الأولى. وعليه قام البرلمان، بإصدار عفو شامل لقادة نظام عبود، الذي كان بمثابة إشارة إلى مدبري الانقلاب بأنهم إذا أطاحوا بالحكومة، فلن يواجهوا أية عواقب. وأعقب ذلك، إنقلاب عسكري لمجموعة من ضباط الجيش علي الحكومة المنتخبة مستندة على خلفية الشعارات الشيوعية في عام 1969. عندها - إعتنق المحامي أديب النظام الجديد، وقال لي بعد فوات الأوان: "كنت غبيًا". "اعتقدت أنهم سيوجهون البلاد في الاتجاه الصحيح."
هذا الأمر - أثار استياء أديب بأن حاكم السودان الجديد، جعفر نميري، تخلى عن معتقداته الشيوعية وإتجه إلى الإسلام السياسي، بل ذهب إلى حد فرض الشريعة في عام 1983.
وبعد خلع نميري بعد عامين من إعلان الشريعة، وسط اقتصاد متردي والذي أدى إلى انتفاضة شعبية، حيث تبعتها فصل أفراد من قواته الأمنية، وحوكمت مجموعة صغيرة. وعليه لاحقاً، وسعياً للإنتقام، دعم أعضاء من الحرس القديم للنميري انقلاب البشير في عام 1989.
ويحذر بيرريدج، مؤلف كتاب "الانتفاضات المدنية في السودان الحديث:" ربيع الخرطوم "لعامي 1964 و1985" هناك احتمال لسيناريو مشابه يتكرر اليوم ". ويؤكد أديب على أن رد الفعل العنيف قد يكون لا مفر منه، لكنه يعد بالحفاظ على نزاهة تقريره. وقال إنه سينظر في الأدلة فقط، وليس الآثار أو الجوانب السياسية، عند توجيه الاتهامات. ثم عزا تأخير التحقيق إلى الموعد النهائي غير الواقعي الذي أُعطي له للقيام بمهمة بهذا الحجم. وأضاف أديب أن لجنته تحدثت إلى مئات الشهود وأن التحقيق يحدث تقدماً. على الرغم من أن لجنته لم تقم بعد بتقييم العديد من مقاطع الفيديو على الإنترنت التي تُظهر قيام القوات بعملية فض الإعتصام. وبينما لا يوجد أحد في لجنة أديب لديه الخبرة الكافية التقنية للبت في اللقطات والفيديوهات، إلا أنه قد سُمح له بطلب المساعدة من الاتحاد الأفريقي (AU). ومع ذلك، قال أديب إن الاتحاد الأفريقي غير قادر على توفير الدعم الفني الذي يحتاجه، لذلك فهو يطلب المساعدة من الخبراء الغربيين.
وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بعد أكثر من عام على بدء التحقيق، قال إنه قدم طلبًا إلى رئيس الوزراء لتوسيع ولايته لكنه لا يزال ينتظر الرد. وأضاف أديب أن زوايا الكاميرات ومن بعض مقاطع الفيديوهات، تشير إلى أن المهاجمين صوروا فظائعهم التي قاموا بها - وهي تفاصيل يجد صعوبة في قبولها. وهو الأمر الذي يحتاج فيه لخبراء لتحليل هذه المقاطع.

بالرغم من ذلك، فقد صور مجرمو الحرب انتهاكاتهم واحتفلوا بها على مدى عقود. خلال محاكمات نورمبرغ في عام 1945، قال كبير المدعين العامين الأمريكيين روبرت جاكسون للمحكمة العسكرية الدولية، "سوف نعرض لهم أفلامهم الخاصة" في إشارة إلى الأدلة التي جمعها ضد النازيين.
وأحدث مثال على ذلك هو حالة محمود الورفلي، وهو قائد من الجيش الوطني الليبي والذي أُغتيل في مارس / آذار الماضي. فقبل أربع سنوات، وجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام بإعدام أسرى حرب وغير مقاتلين في بنغازي، ثاني أكبر مدن ليبيا. حيث كانت هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف تستند فقط إلى الأدلة التي وجدتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بفضل العديد من مقاطع الفيديو التي صورها أقران الورفلي وتحميلها على الإنترنت.

ربما تكون قوات الأمن السودانية قد جرمت نفسها. كما يعتقد أديب، لكنه في الوقت نفسه، يعطي نفس القدر لمؤامرات أُخري. وكثيراً ما يلاحظ أن بعض مقاطع الفيديو الخاصة بالفض العنيف انتهى بها المطاف على قناة الجزيرة. وليس سراً أن قطر تمتلك قناة الجزيرة، التي توفر تغطية مواتية للإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم العربي. بالنسبة إلى أديب، تشير هذه التفاصيل بالتحديد إلى مخطط قطري أوسع. ويتكهن أن قناة الجزيرة ربما تكون قد بثت مقاطع فيديو لقوات حكومية تشارك في المجزرة لحماية الجناة الحقيقيين. وهي الخلايا الإسلامية التي تتبع للنظام السابق والتي تعمل في دولة عميقة أو موازية. وقال لي "الجزيرة علامة استفهام كبيرة". "لماذا الجزيرة؟"
وتنشر قوات الدعم السريع والتي تمثل منحاً آخر. فالقوات عبارة عن ميليشيات "الجنجويد" القبلية من ولاية دارفور الغربية، والتي شنت حملة تطهير عرقي، التي يمكن وصفها بأنها إبادة جماعية، بأمر مباشر من نظام البشير في عام 2003. وقائدها محمد حمدان دقلو - المعروف باسم حميدتي - يزعم أن المحتالين اشتروا زي قوات الدعم السريع من الأسواق وتسللوا إلى وحداته عشية المجزرة. وبالنسبة لحميدتي الذي يصدقه قلة من الناس، أصبح حميدتي الرجل القوي والغني نائب رئيس المجلس العسكري في الحكومة الانتقالية. ويحاول جاهداً، أن يحسن من صورته بعد الإتهامات المتعددة التي لاحقته، داخلياً وخارجياً.

ذكر لي السيد آري بين ميناشي - مدير العلاقات بالمؤسسة الكندية (lobby Firm) التي وقعت إتفاقاً مع قوات الدعم السريع لتلميعها داخلياً وخارجياً بابتسامة - أن حميدتي: "قال له: إن رجال الإخوان المسلمين هم من يرتدون زيه الرسمي، وأنا أميل إلى تصديقه".

وفي المقابل، وفي تحقيق مستقل، نشرته البي بي سي بعد شهر من فض الإعتصام، عبر برنامجها (عين أفريقيا) - حيث قام خبراء بتجميع أكثر من 300 مقطع مصور تم تسجيله من قبل المتظاهرين بهواتفهم الذكية، حيث أظهرت المقاطع، مقاتلين يرتدون الزي الرسمي لقوات الدعم السريع، وهم يعملون جنباً إلي جنب مع قوات الجيش والشرطة السودانية أثناء فض الإعتصام.
إن التنسيق المتبادل بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة في عملية فض الإعتصام، يوضح أن الفض كان بأمر من ضباط رفيعي المستوى وليس بتحريض من متسللين آخرين. وفي بعض مقاطع الفيديو، يمكن مشاهدة الجيش يفتح المجال لقوات الدعم السريع لملاحقة المتظاهرين، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع سلوك الجيش قبل شهرين. ففي الأيام التي سبقت الإطاحة بالبشير، إشتبك جنود وضباط من الرتب المتوسطة مع قوات الأمن الأخرى لحماية الاعتصام والمعتصمين.

كما اطلعت هيومن رايتس ووتش على صور ومقاطع فيديو لعملية الفض العنيف. وأظهرت الأدلة أن القوات الحكومية أهانت المحتجزين وسخرت منهم، ووفقًا لتقرير أصدرته منظمة حقوقية في نوفمبر / تشرين الثاني 2019. واستشهد التقرير بمقطع واحد لمقاتلي قوات الدعم السريع يجبرون المتظاهرين على الزحف في برك الماء. وقد عرّف بعض المهاجمين أنفسهم على أنهم ينتمون إلى قوات الدعم السريع. كما قال الضحايا إنهم يستطيعون القول من لهجة الجناة أنهم أتوا من دارفور.

وفي فبراير الماضي، أظهرت لقطات جديدة بطائرة بدون طيار - ربما تم تحميلها من قبل عضو منفصل عن إرادة الدعم السريع - على موقع يوتيوب. والتي قالت روان شيف فيه، وهي الخبيرة في الاستخبارات مفتوحة المصدر التي تعمل في فريق The Sentry، وهو فريق سياسي يتتبع الأموال القذرة في جميع أنحاء إفريقيا، إن مقاطع الفيديو أكدت النتائج التي توصلت إليها هيئة الإذاعة البريطانية وهيومن رايتس ووتش.

وفي أحد مقاطع الفيديو، رصدت الخبيرة شايف آلاف المقاتلين ومئات المركبات التكتيكية التابعة لقوات الدعم السريع والشرطة. وأضافت أنه من الواضح أيضًا أن العديد من الأجهزة الأمنية والجيش ينسقون بشكل واضح لمحاصرة الاعتصام. بالنظر إلى التعاون الذي سبق الهجوم، خلصت شيف إلى أن القوات الحكومية لابد وأن تكون قد تلقت أوامر من كبار قادتهم. وأخبرتني أيضاً، أنه لا توجد طريقة يمكن أن يشتري بها "المحتالون" هذا العدد من الزي الرسمي ويجمعون العديد من الشاحنات الصغيرة المسلحة لشن هجوم بهذه الضخامة. وأبدت شايف قلقها من شكوك السيد أديب حول قناة الجزيرة، على الرغم من اللقطات المؤلمة بها، وتخشى شايف أن يركز أديب على التفاصيل الخاطئة. عندما نقل شكوكه حول المقاطع التي بثتها قناة الجزيرة، حيث وصفتها شايف بأنها مقلقة للغاية. وتسائلت: "ماذا عن مئات مقاطع الفيديوهات التي لم تظهر على قناة الجزيرة؟" وأضافت "أعتقد أن هناك نقصًا جزئيًا في الإرادة من اللجنة لمقاضاة الجناة الفعليين خوفًا من رد فعل عنيف".

وقال لي أديب: "يقول الناس إنني خائف، لكن إذا كنت خائفاً بالفعل، لكنت قد قدمت تقريري بسرعة" وفي نفس الوقت، "لا يوجد شخص في دائرة الإتهام محتفلاً ومسروراً بهذا الزمن الطويل الذي أخذه هذا التحقيق".
ويستشهد أديب بسجله الحافل للدفاع عن نزاهته لسنوات عديدة، قدم التمثيل القانوني لمعارضين ضد نظام البشير، مما أكسبه احترام نشطاء حقوق الإنسان. إلا أنه تعرض لانتقادات شديدة لدفاعه عن رئيس المخابرات السابق صلاح قوش عندما اتهم بالتخطيط لانقلاب عام 2012. وكان قوش حينها من أكثر الرجال الذين يخشون من النظام السابق، إلا أن أديب يعتقد أن التهم الموجهة إليه كانت ذات دوافع سياسية وأنه يحق له الحصول على دفاع عادل. وبعد عام واحد، أصدر البشير عفواً عن قوش لعدم وجود أدلة ضده.
وإذا نظرنا إلى الوراء، فإن الدفاع عن قوش قد زاده قوة وصلابة لتعامله مع الرأي العام الذي يتحمله الآن. وكثيرا ما تنتقد الصحافة المحلية أديب، بينما يضايقه المتصيدون على وسائل التواصل الاجتماعي. ومنذ وقت ليس ببعيد، رأى صورة مزيفة لنفسه مرتديًا زي قوات الدعم السريع منشورة على الفيس بوك - نظرًا لأن الصورة ولدت وحصدت إعجابات وتعليقات كثيرة، أدرك أنه يفقد ثقة الجمهور.

ويخشى الكثير المتابع لملف قضية فض الإعتصام، أن يعزز أديب مناخ الإفلات من العقاب إذا أعفي كبار ضباط الجيش من الملاحقة، وكما حدث في عام 1965. وحذرني مسؤول سوداني على علم بالتحقيقات، ولكن لا يُسمح له بالتعليق على السجل. "يجب أن يستعد الشباب لخيبة الأمل". وأضاف: "أتوقع أن تخلص اللجنة إلى اتهامها لضباط من الرتب الصغيرة".

ومن غير إكتمال العدالة، سيجد الكثيرين المعاناة في تقبل هذا الواقع العدلي. والمُضي قدمًا عن ذلك اليوم المؤلم وغض النظر عنه. وكما قالت سليمة إسحاق شريف، وهي أخصائية نفسية، حيث ذكرت، أن مثل هؤلاء لا يمكنهم التوقف عن التفكير في اللحظات التي سبقت المجزرة. فقبل ساعات من حدوث ذلك، كانت تشرب القهوة مع شبان كانوا يخططون لطهي الإفطار للمتظاهرين في عيد الفطر، احتفالاً بعيد رمضان في وقت لاحق من تلك الليلة، حيث رأت العشرات من شاحنات الدعم السريع متوقفة على جسر قريب. وسرعان ما انقطع التيار الكهربائي في جميع أنحاء المدينة، فيما انتشرت شائعات بأن القوات الحكومية ستقتحم لفض الإعتصام. وأضافت سليمة شريف: بعد المجزرة، أصبت بالرعب. وعلمت أن اثنين من الرجال الذين تناولت القهوة معهم في الليلة السابقة قُتلا. وقالت لشبكة سكاي نيوز وبي بي سي أفريكا إن المحتجين في الاعتصام كانوا يتوقعون الموت في أي لحظة. وفي الأيام التالية، خشيت أن تقوم قوات الأمن بمطاردة النشطاء الذين فروا. وحتى الآن ما زالت لا تصدق أنها نجت. "أرادوا القضاء علينا". أخبرتني سليمة شريف في مكتبها وكانت ذات نبرة حزينة.

قصة شريف تلخص الصدمة الجماعية والغضب في الخرطوم. كثيرون، مثلها، يريدون العدالة لعشرات الأشخاص الذين لقوا حتفهم في 3 يونيو. الفشل في العدالة، قد يولد السخط والغضب ويدفن أي إيمان متبقي في الحكومة الانتقالية. ومع ذلك، قد يدفع السودان أيضًا ثمناً باهظاً إذا وجه أديب اتهامات ضد كبار ضباط الأمن في المجلس العسكري. حيث يمكن لأي شخص متهم أن يحاول الإطاحة بالنصف المدني للحكومة وتوطيد السلطة أو يدعم الآخرين الذين سيفعلون ذلك. أديب ليس لديه أوهام ولا هو في عجلة من أمره لإنهاء التحقيق. قال لي: "أياً كان ما نقرره فسوف يزعزع استقرار البلاد".

ترجمة/ أمجد شرف الدين المكي

________________________________________


نص التحقيق كاملاً باللغة الإنجليزية نقلاً عن مجلة نيوزلاين

How a Human Rights Report Could Upend Sudan
Nabil Adeeb’s job is to uncover a massacre committed by Sudanese forces in 2019. He fears his results may lead to a coup

Mat Nashed
Mat Nashed is a veteran journalist covering Sudan, Libya, and Egypt
May 4, 202107:45 EST
https://newlinesmag.com/reportage/how-a-human-rights-report-could-upend-sudan/
On June 3, 2019, the second-to-last day of Ramadan, they came to kill. Sudanese forces crossed the Blue Nile bridge to fire on a protest camp, burn down tents, and rape women. Young men tried to seek refuge inside the Defense Ministry in Khartoum, yet survivors say that the guards sealed the gates to keep protesters out. After the carnage, witnesses saw members from the Rapid Support Force (RSF), a powerful paramilitary, throw corpses into the Nile.
The massacre put a harrowing end to months of anti-government protests. Several weeks earlier, on April 6, activists had organized a sit-in outside the Defense Ministry. After just five days, the army yielded to popular demands and deposed dictator Omar al-Bashir. However, the military refused to hand over power to a civilian government, prompting people to stay in the streets. With the world watching in awe, protesters defied a curfew and stood their ground, until that fateful morning in June when at least 127 people were killed.
The violence sparked a global outcry, compelling Sudan’s Transitional Military Council to share power with a disjointed civilian alliance called the Forces for Freedom and Change. The new government appointed 76-year-old Nabil Adeeb to head an official inquiry into the massacre. The human rights lawyer and Coptic Christian was given three months to submit a fact-finding report to Prime Minister Abdalla Hamdok and to press criminal charges against those who ordered the killing.
Nearly two years later, victims’ families and activists are hungry for justice, yet Adeeb still hasn’t delivered any findings. Aware of the sensitivity of his work, Adeeb is certain that his inquiry will have a major, even devastating, impact on his country. Speaking to me from the Coptic Club in Khartoum, he warned, “the result could lead to a coup d’état or to mass unrest in the streets.”
Adeeb’s life corresponds with Sudan’s tumultuous history. Now an old man, he faces barriers to justice that plagued his country in the past. In October 1964, he recalls returning to Khartoum from Cairo, where he studied law, to celebrate the civilian overthrow of Ibrahim Abboud’s military regime. Back then, Adeeb was a fierce supporter of the Sudanese Communist Party, which played a central role in leading demonstrations and labor strikes during the revolution.
After the uprising, a number of members of the ensuing civilian cabinet called for the arrest of strongmen from the former regime, but a political crisis halted their ambitions in January 1965.
A dispute over the rules and timing of the upcoming elections spawned a tense standoff between left-leaning forces and more conservative and religious political parties, according to the historian Willow Berridge, Ph.D., from Newcastle University. In her account, the former wanted to award half of the seats in the next parliament to workers’ representatives, while the latter objected on the basis that it was undemocratic.
A month later, the Umma Party, which opposed the leftist bloc, rallied their militant, religious supporters to protest a proposal to postpone elections. The Communist Party and their secular allies coveted the extra time to pass reforms that would improve their odds in the upcoming vote.
The show of force by the Umma Party thwarted those plans and brought about a political deadlock. Unable to find common ground, the crisis led to the resignation of the first interim government. An elected parliament eventually assumed power that summer and granted a general amnesty to Abboud’s regime. In retrospect, the pardon signaled to coup plotters that if they overthrew the government, they wouldn’t face consequences after falling from grace.
Indeed, a group of military officers deposed the elected government on the back of communist slogans in 1969. Adeeb, then impressionable and naive, embraced the new regime. “I was stupid,” he told me in hindsight. “I thought they would steer the country in the right direction.”
To Adeeb’s dismay, Sudan’s new ruler, Jaafar Nimeiry, abandoned his communist beliefs and leaned into political Islam, even going so far as to impose shariah in 1983. After Nimeiry was deposed two years later amid a spiraling economy that triggered a popular uprising, key members of his security forces were dismissed, and a small group was put on trial. Seeking revenge, members from Nimeiry’s old guard backed al-Bashir’s coup in 1989.
“There is potential for a similar scenario to repeat itself today,” warns Berridge, author of “Civil Uprisings in Modern Sudan: ‘The Khartoum Springs’ of 1964 and 1985.”
Adeeb agrees that a backlash may be inevitable, but he promises to uphold the integrity of his mandate. He said that he will only consider evidence, not political implications, when pressing charges. He then attributed the delay of the investigation to the unrealistic deadline he was given to mount a task this large. Adeeb added that his committee has spoken to hundreds of witnesses and that the inquiry is steadily progressing. Despite his assurances, his team still hasn’t assessed numerous online videos that show security forces dispersing the sit-in.
While nobody on Adeeb’s committee has the expertise to authenticate the footage, he is permitted to request assistance from the African Union (AU). However, Adeeb said that the AU is unable to provide the technical support he needs, so he is soliciting help from Western experts. Last December, more than a year after the inquiry was launched, he said he submitted a request to the prime minister to expand his mandate but is still waiting for an answer.
The camera angles from some of the videos, he says, indicates that the attackers filmed their own atrocities — a detail he finds difficult to accept.
Adeeb said he desperately wants experts to inform his analysis of footage he has seen online. The camera angles from some of the videos, he says, indicates that the attackers filmed their own atrocities — a detail he finds difficult to accept.
However, war criminals have filmed and celebrated their abuses for decades. During the Nuremberg trials in 1945, American Chief Prosecutor Robert Jackson famously told the International Military Tribunal, “we will show you their own films” in reference to the evidence he accrued against the Nazis.
The most recent example is the case of Mahmoud al-Werfalli, a commander from the self-described Libyan National Army who was assassinated in March. Four years ago, the International Criminal Court indicted him for executing prisoners of war and noncombatants in Benghazi, Libya’s second-largest city. It was the first time the ICC issued an arrest warrant based solely on evidence it found on social media, thanks to several videos al-Werfalli’s peers filmed and uploaded online.
Sudanese security forces may have also incriminated themselves. Adeeb entertains the possibility, yet he lends equal weight to outlandish conspiracies. He frequently notes that some videos of the violent dispersal ended up on Al-Jazeera. It’s no secret that Qatar owns Al-Jazeera, which provides favorable coverage to the Muslim Brotherhood across the Arab world. For Adeeb, that single detail hints at a broader Qatari plot. He speculates that Al-Jazeera may have aired videos of government forces taking part in the massacre to shield the real culprits: Islamist cells from the former regime that operate in a deep or parallel state.
“Al-Jazeera is a big question mark,” he told me. “Why Al-Jazeera?”
The RSF propagates a similar conspiracy. The force evolved out of the tribal “Janjaweed” militias from the western province of Darfur, which mounted a campaign of ethnic cleansing, and arguably genocide, at the behest of al-Bashir’s regime in 2003. The leader of the force, Mohamed Hamdan Dagalo — better known as Hemeti — claims that imposters bought RSF uniforms from street markets and infiltrated his units on the eve of the massacre.
While few people believed him, Hemeti became the deputy head of the Military Council in the transitional government. Flushed with power and wealth, he has doubled down on his alibi and stepped-up efforts to launder his reputation at home and abroad.
Enter Dickens and Madson, a Canadian public relations agency that inked a deal with Hemeti in 2019. In their Montreal office last summer, Ari Ben-Menashe, the head of the firm, echoed his client’s account of the massacre. “Hemeti said it was Muslim Brotherhood guys that dressed up in his uniforms, and I’m inclined to believe him,” he told me with a grin.
Open-source experts have pieced together a different story. Just one month after the massacre, BBC Africa Eye published their investigation based on more than 300 videos that protesters recorded with their smartphones. The footage shows uniformed RSF fighters working in tandem with the military and police to break up the protest camp.
The cross-coordination suggests that the dispersal was ordered by high-ranking officers and not instigated by infiltrators. In some videos, the military steps aside for the RSF to pursue protesters, which contrasts starkly with how soldiers behaved two months earlier. In the days leading up to al-Bashir’s ouster, mid-ranking soldiers clashed with rival security forces to protect the sit-in.
Human Rights Watch also viewed photos and videos of the violent dispersal. The evidence showed government forces insulting and mocking detainees, according to a report the rights group released in November 2019. The report cited one clip of uniformed RSF fighters forcing protesters to crawl in puddles of water. Some of the attackers identified themselves as belonging to the RSF. Victims also said they could tell from the accent of the perpetrators that they came from Darfur.
Last February, new drone footage — possibly uploaded by a rogue member of the RSF — surfaced on YouTube. Rawan Shaif, an expert in open-source intelligence with The Sentry, a policy team tracing dirty money throughout Africa, said the videos corroborated the findings of the BBC and Human Rights Watch.
In one video, Shaif spotted thousands of fighters and hundreds of tactical vehicles belonging to the RSF and police. Multiple security agencies and the military also clearly coordinate to surround the sit-in. Given the cooperation that preceded the attack, Shaif concludes that government forces must have received orders from the tops of their chains of command. There is no way, she told me, that “imposters” could have purchased that many uniforms and assembled that many armed pickup trucks to launch an assault that huge.
Despite the damning footage, Shaif fears that Adeeb is focusing on the wrong details. When I relayed his suspicions about Al-Jazeera, she found them deeply troubling.
“What about the hundreds of videos that didn’t turn up on Al-Jazeera?” said Shaif. “I think there is partly a lack of will from the committee to prosecute the actual perpetrators out of fear of a backlash.”
“People say that I’m frightened, but if I was frightened then I would have wrapped up the investigation quickly,” Adeeb told me. “Nobody under suspicion would celebrate an investigation taking this long.”
Adeeb cites his track record to defend his integrity. For years, he provided legal representation to opponents of al-Bashir’s regime, earning him the respect of human rights activists. However, he came under heavy criticism for defending the former head of intelligence, Salah Gosh, when he was accused of plotting a coup in 2012. Gosh was one of the most feared men from the former regime, yet Adeeb believed that the charges against him were politically motivated and that he was entitled to a fair defense. One year later, Gosh was pardoned by al-Bashir due to a lack of evidence against him.
Looking back, defending Gosh prepared Adeeb for the public scrutiny he’s enduring now. The local press frequently criticizes Adeeb, while trolls harass him on social media. Not long ago, he saw a fake photo of himself dressed in an RSF uniform posted on Facebook. As the image generated likes and comments, he realized that he was losing the public’s trust.
Many people fear that Adeeb will reinforce a climate of impunity if he absolves senior military officers from blame, like what happened in 1965. One Sudanese official with knowledge of the investigation, but who isn’t permitted to comment on the record, warned me that youth should brace themselves for disappointment. “My expectation is that the committee will establish what took place and assign responsibility to low-level officers,” he said.
Without the catharsis of justice, many people will struggle to move on from that harrowing day. People like Sulima Ishaq Sharif, a psychologist, can’t stop thinking about the moments leading up to the massacre. Hours before it happened, she was drinking coffee with young men who were making plans to cook breakfast for protesters on Eid al-Fitr, the festive end to Ramadan. Later that night, she saw dozens of RSF pickup trucks parked on a nearby bridge. Power soon went out throughout the city, while rumors spread that government forces were going to storm the sit-in.
After the massacre, Sharif was terrified. She learned that two of the men she had coffee with the night before were killed. She told Sky News and BBC Africa that protesters from the sit-in were expecting to die at any moment. In the following days, she feared that security forces were going to hunt down activists that got away. Even now, she still can’t believe she survived. “They wanted to finish us. They wanted to kill us all,” Sharif told me in her office, with somber resignation.
Sharif’s story encapsulates the collective trauma and anger in Khartoum. Many, like her, want justice for the scores of people who died on June 3. Failing to deliver could breed discontent and anger and bury whatever faith remains in the transitional government. However, Sudan could also pay a heavy price if Adeeb presses charges against senior security officers in the Military Council. Anyone indicted may try to overthrow the civilian half of the government and consolidate power or back others who would. Adeeb is under .no illusions, nor is he in a rush to finish the investigation. He told me, “Whatever we decide will destabilize the country.”

 

آراء