العبيد أحمد مروح على سدة الصحافة

 


 

 

الناخبون المهاجرون: كيف تختار تكساس للخرطوم حكامها

 

moibrahim@aol.com.au

متريت، قرية ليس لها ذكر فى العالم ولا حتى فى لبنان حيث تقع. قرية لم تسمع بها سوى قلة من الناس خارج دائرة سكانها الذين يتراوح عددهم بين 180 و200 شخص فقط لا أكثر. بالقرية ما يزيد قليلاً عن العشرين منزلاً ومدرسة مهدمة ومحطة لبيع الوقود ومسجد صغير وكنيستين مارونيتين صغيرتين ايضاً. ليس بالقرية ولا متجر واحد لبيع مواد البقالة ويأتي الناس بإحتياجاتهم من الخبز والطعام والشراب من خارج القرية. في مايو 2004 الماضي أجرت السلطات اللبنانية أول إنتخابات في (متريت) من أجل إختيار مجلس محلي وعمدة للقرية، وعرف العالم للمرة الأولى بأمر ذلك المكان.

سيصبح لأهل متريت مكان تحت الشمس وإدارة محلية وتطلعات مشروعة نحو التنمية والرقي والتقدم وأحلام بالحصول على خدمات الدولة في مكانهم تعليماً وصحة وأمنا. تنافس على منصب عمدة القرية مواطن إسمه سلامة سلامة ومواطنة إسمها يولا عبيد.

إهتم أبناء القرية الصغيرة حول العالم بأمر قريتهم فصمموا على الذهاب إلى هناك والمساهمة في شرف الإستحقاق الإنتخابي الأول. من مدينة سيدني الأسترالية غادر 22 شخصاً تاركين وراءهم أعمالهم وعائلاتهم ومدارسهم ومصالحهم، وكان ضمن هؤلاء وزير أسترالي سابق وبرلماني مخضرم من أصل لبناني. تكفل هؤلاء بدفع قيمة تذاكر السفر التي يبلغ سعر الواحدة منها ما لا يقل عن ألفي دولار ومصاريف الإقامة في تلك القرية النائية وكلفة الغياب عن العمل لكنهم قدروا أن متريت، قريتهم التي في القلب، تستحق.

كان بوسع هؤلاء أن يملأوا مواقع الإنترنت ضجيجاً بأن عددهم يقارب 10% من جملة ناخبي القرية وإن على الحكومة أن تأتي إليهم في منازلهم للحصول على أصواتهم ولوفعلت لكان هذا أوفر للوقت وللجهد وللمال. كان بوسع هؤلاء أن يدبجوا المذكرات لرئيس مفوضيتهم الخاصة بالإنتخابات وللأمم المتحدة ومركز كارتر ومنظمات حقوق الإنسان ..وسيما سمر!

منذ أسابيع يطغى على الساحة السياسية السودانية في المهجر أمر الإنتخابات المقبلة مع فتح مراكز تسجيل الناخبين في أنحاء البلاد ومناطق مختارة من مناطق الحضور السوداني الأكثر كثافة في المهجر. إن الأصرار الذي أبداه الكثير من سودانيي المهجر على التسجيل وعلى ممارسة حق الإنتخاب يستحق التقدير والثناء إذ أنه يشي دون شك بأن الوطن ما يزال حاضراً في وجدان المهاجرين وإن المشاركة في بنائه ما تزال تشغل بال أبنائه الذين شاءت أقدارهم وظروف التاريخ والجغرافية والحرب والسياسة أن يكونوا بعيدين عنه.

خاطب سودانيو كندا مفوضية الإنتخابات مطالبين بالحصول على ثلاثة مطالب محددة على النحو التالي:

        السماح لهم بالتسجيل والتصويت من كندا،

        المرونة في شروط إثبات الجنسية واقترحوا قبول المستندات الرسمية القديمة،

        تيسير عملية التصويت بفتح مراكز في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والسماح بالإقتراع عن طريق البريد.

وفي الولايات المتحدة أقام نشطاء مهاجرون ملتقى للحوار بالتعاون مع جامعة آيوا أطلقوا عليه إسم (ملتقى آيوا لدعم التحول الديمقراطي والسلام والوحدة الوطنية)،  أسفر عن مذكرة وجهت للمفوضية القومية للإنتخابات تطالب بمطالب شبيهة بتلك التي قدمها مهاجرو كندا لكنها تزيد عليها بالمطالبة باعتماد أي وثيقة صادرة عن جهة رسمية سودانية أو شهادة إثنين من المواطنين حاملي الوثائق كمعيار لإستحقاق الشخص للتسجيل كناخب إضافة إلى إعتماد طريقة التسجيل بالبريد المعمول بها في الولايات المتحدة وبلدان أخرى، وتمديد فترة التسجيل حتى نهاية ديسمبر لتمكين المهاجرين المقيمين في كافة الولايات الأمريكية من ممارسة حقهم هذا!

وفي ختام خطابهم أعلن الموقعون على خطاب آيوا عن إستعدادهم لتوفير أماكن للتسجيل ولإقامة موظفي المفوضية الذين يفترض أن يرسلوا إليهم في الدنيا الجديدة، على أن تتكفل المفوضية بتدبير تكاليف السفر لموظفيها الكرام!

حصل مهاجرو كندا على رد رسمي  من السفير السوداني في أوتاوا الدكتور الصادق المقلي في صيغة خطاب تم توجيهه لمنظمات الجالية (رقم: س س ك/5/7/189 بتاريخ 26 أكتوبر 2009) أوضح فيه أن سفارته ملزمة باجراء الإقتراع فى البعثات الدبلوماسية فقط، وفقاً لسياسة حكومة البلد المضيف وكشف عن قيامهم بمخاطبة المفوضية بوضع حملة الوثائق الثبوتية الكندية في الإعتبار. أما جماعة ملتقى آيوا فلم يحصلوا-فيما نعلم- على رد على مطالبهم الهائلة التي تتجاوز أسوار المعقول وتفتقر في كثير من جوانبها إلى الجدية اللازمة للمشاركة في عمل جليل مثل المشاركة في الإنتخابات. فمن غير اللائق أن تتم المطالبة بإعتماد أي وثيقة صادرة عن جهة رسمية لشخص ما في زمن ما كبديل للهوية. لا يمكن حتماً قبول شهادة نجاح في مدرسة إبتدائية أو بطاقة تموينية أو كشف حساب مصرفي صادر عن بنك ربما يكون قد أفلس أو انهار كبديل لبطاقة الهوية أما المطالبة بقبول شهادة إثنين بأن الثالث سوداني فهو شطط بدوي لا أدري كيف تأتى لجماعة نشطاء آيوا أن يكتبوه وهم جلوس في حرم جامعة أمريكية مرموقة وعريقة! هذا كلام لا يؤخذ به الآن في أصقاع أريافنا النائية التي تمنح حق الشهادة الحصري بهوية الأشخاص للعمد وزعماء الإدارة الأهلية. أما الطلب بضرورة ترك باب التسجيل مفتوحاً حتى نهاية ديسمبر فهو طلب يفتقر إلى الحيثيات والمسوغات وإلى الجدية لا محالة، ومن الطبيعي ألا ترد المفوضية عليه مثله في ذلك مثل العرض القاصر باستضافة منسوبيها وتوفير قاعات مجانية للإقتراع من أجل عيون الوطن، فالكل يعلم إن المن والإفتخار بتقديم هذه القاعات غير مستحق والجميع في المهاجر يدركون أن كل حي سكني صغير يحتوي على قاعة للأنشطة الإجتماعية تمنح مفاتيحها مجاناً أو لقاء مقابل مادي بسيط لاحتواء أنشطة الجاليات والمجتمعات والأفراد.

بالنظر إلى محتوى المذكرتين مقروءتين مع مذكرات أخرى في بلدان أخرى يستطيع المرء الخلوص إلى أن نشطاء المهاجر قد أخذوا على حين غرة بالإنتخابات وكأنها أعلنت بغتة، في الوقت الذي يدرك فيه من أهم أقل منهم نشاطاً أن الإنتخابات إستحقاق دستوري لم يكن منه مناص وفقاً لاتفاقية نيفاشا والدستور الإنتقالي المنبثق عنها والذي ظل معمولاً به منذ ما يزيد عن الأربع سنوات!

تنطوي مطالب النشطاء المشار إليها على إزدراء ضمني بالوطن ولسنا هنا في موقع المطالبة بأن يكونوا مثل أبناء قرية (متريت) الذين اشرنا إليهم ولكنا نذكّر هؤلاء فقط بأن المشاركة في أي إستحقاق وطني ليست ترفاً  بل أنها تستوجب أول ما تستوجب حمل هوية هذا الوطن. سيصعب على أي حكومة في العالم أن تقبل بأن يختار لها حكامها وأعضاء برلمانها أناس لا يحملون هويتها كحد أدنى. إن من يريد المساهمة في بناء الوطن عليه ان يدرك ان ذلك- ولو على صعيد المثال الأسمى- طريق من إتجاهين فيه حقوق وواجبات وإن خدمة الأوطان تتطلب بذل قدر من الجهد لا نطلب فيه أن يصل بالناخبين-معاذ الله- إلى السفر من مهاجرهم القصية. أما من يستنكفون حمل وثائق الهوية الوطنية فيمكنهم بسهولة ان يدركوا أن هناك ناخبين غيرهم في السودان هم أكثر إستحقاقاً للمشاركة في الإنتخابات وهم أكثر إرتباطاً في شأنهم ومعاشهم  اليومي بالحكومة التي ستسفر عنها تلك الإنتخابات.

العبيد أحمد مروح على سدة الصحافة

أصدر السيد رئيس الجمهورية الأسبوع الماضي قراراً بتعيين الأستاذ العبيد أحمد مروح أميناً عاماً للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات مغلقاً بذلك رهان التكهنات التي انتظمت الوسط الصحفي حول المنصب . وقد سبق للأستاذ العبيد أن تولى هذا المنصب من قبل إلى أن غادره مستشاراً إعلامياً في السفارة السودانية بدولة الإمارات العربية المتحدة وبهذا المعنى فإنه ليس غريباً على أروقة المجلس مثلما هو صحفي وإعلامي مخضرم عمل مدققاً لغوياً ومحرراً وكاتباً صحفياً ومعلقاً سياسياً ورئيساً لقسم الأخبار بالتلفزيون القومي وبالتالي فإنه يمتلك الكثير من الخبرات والتجارب التي يمكن أن تفيد في عمل المجلس في المرحلة المقبلة. يعود الأستاذ العبيد إلى المجلس هذه المرة والصحافة السودانية تعمل وفق قانون جديد لم يمض عليه عام واحد وتم إقراره بعد مداولات عدة في الوسط الصحفي ودوائر التشريع وصنع القرار. الأمين العام الجديد للمجلس هو أحد أكثر العارفين بخبايا هذا القانون وروحه و(ثغراته) وقد كتب مقالاً حكماً من حلقتمين ضمن زاويته الأسبوعية بجريدة الصحافة بعنوان (الصحافة بين مقتضيات الحرية وموجبات القانون) (الصحافة 23 و30 مارس 2009) أثار فيهما الكثير من الأسئلة العميقة المتعلقة بالعلاقة  البينية داخل منظومة الوسط الصحفي وعلاقة تلك المنظومة بأجهزة الدولة والمجتمع مركزاً على أن الوصول إلى تقديم إجابات شافية ليس ممكناً على إطلاق العبارة ولا بد من موازنة توفر للعاملين في المنظومة الصحفية مناخاً مواتياً لتأدية دورهم، وفي نفس الوقت المحافظة على حقوق الأطراف الأخرى في العملية سواء كانت تلك الأطراف من الدولة أو المجتمع. لن نقدم للأستاذ العبيد صورة غير مشجعة في أسبوعه الأول في المنصب ولكنا نريد أن نذكر بأن غالبية النقاط التي أثارها في مقاليه المشار إليهما ، ما زالت دون إجابة وإنه ما من أحد ،غيره، وزملائه الكرام، مطالب باقتراح الإجابات.

أستطيع أن أقول أن كاتب هذه السطور قد اهتم في جزء كبير من كتاباته بقضايا الممارسة الصحفية وتناول بالنقد والمناصحة في كثير من الأحوال ظواهر سلبية وممارسات غير راشدة يحسب أنها تنتقص من قيمة الصحافة كمهنة منوط بها التنوير وترقية الحوار وقيمه وتقديم المعرفة، وبالرغم من ضعف إستجابة المجلس السابق حقيقة للتفاعل مع المكتوب علناً في الصحافة إلا أن الغد –بلا شك- أكثر إشراقاً ونحن متفائلون بمجلس جديد للصحافة والمطبوعات يخرج بتلك المؤسسة من صيغتها الديوانية الحالية التي كادت أن تحيلها إلى حكم في النزاعات إلى صيغة الوسيط المحايد "بين المجتمع ، ممثلا في أفراده ومؤسساته الرسمية والأهلية ، وبين صحافته ؛ وسيطا يجهد نفسه في أن ينهض بالصحافة صناعة وممارسة ، وفي ذات الوقت يكفكف شططها حتى لا تصبح سببا في اشعال فتنة" كما كتب الأستاذ العبيد في مقاله الوداعي بالزميلة الصحافة (17/11/2009).

إن حال الصحافة السودانية اليوم ليس جيداً تماماً وليس على ما يرام وقد بلغ بكاتبة مبينة العبارة مثل الأستاذة رباح الصادق أن قالت "في العام الأخير وصلت الصحافة السودانية دركا لم يكن معتادا. سن صحافيون كثر أقلامهم خوضا في أعراض الناس ومن أعلى قمة المجتمع وقادة السياسة والفكر وقائداتها هذا من جانب، ومن جانب آخر وصلت المقالات المرسلة والمعبرة عن أمزجة الكتاب وأهوائهم وعواطفهم لدرك بعيد" (الأحداث 15/11/2009). وسواء إتفقنا تماماً أو جزئياً مع الأستاذة رباح إذ لا سبيل إلى رد حجتها، فإن الأمين العام الجديد للمجلس يملك الدربة والأهلية  والعلاقات المتوازنة مع كافة أطياف الوسط الصحفي لأن يكون في مقدمة المدافعين عن قيم الصحافة ورسالتها الحقة. سيفتقد القراء في المرحلة المقبلة بلا شك قراءات الأستاذ العبيد المتعمقة ولغته الرفيعة التي كان يطل بها على قراء زاويته الأسبوعية في الزميلة الصحافة، لكنهم سيجدون بصماته بلا شك في مجمل المنتوج الصحفي السوداني، فهنيئاً للمنصب الرفيع بالقادم الجديد-القديم إليه.

(عن الرأي العام)

 

آراء