الغرق في زرقة منعم حمزة .. تشكيلي يوازن الخريف بين بحر وسماء

 


 

 

(منعم حمزة) فنان تشكيلي لا يشق له غبار، يتقن فن التلوين والتظليل والرسم بملايين الأفكار والطرق دون أن تتشابه أعماله بتسلل الروتين أو النمط أو حتي المنطق اليها مما يخلق تجددا في الدهشة عند النظر ألي لوحاته لا يدانيه ملل أو تنبوء. ولهذا الفنان مقدرة خاصة جدا علي خلق شعور يشبه الغرق لدي مشاهدي لوحاته بسبب أسلوبه المتفرد في تطويع اللون الأزرق في أعماله فيثير أحساسا بعيد الغوريجعل المشاهد لأعماله يشهق بعمق ساحبا برئتيه من الأوكسجين ما يدعم طفو عينيه أمام طغيان زرقة لا قرار لها.
هذه الأيام بينما السودان يتحول تحت الأمطار الخريفية ألي لجة زرقاء حدية الفعل، تكشف ساقي بلقيس وتنعش أخضر الزرع وترفع نعوش غرقي ضل حظهم في أزرق النيل والمطر بلا أيقاع ولا منطق، يتبني (منعم) جنون الطقس بفرشاته فيوثق زرقة متقلبة تقرأ ما يحدث بالبلاد، تستحضر لالئ الدموع وعصارات القلوب في دوامة ألوان ساحرة التطرف فهي زرقة عميقة الأهات تمسح الدمع والشجن عن زجاج السيارات العابرة،مجنونة بلا تدرج حينما تطيح بكل ما يعترض طريقها فتهدم منازل وصوامع وتكتسح سحب في علا طوابق سماواتها أحلالا لزرقة الفضاء الازلية، لايتدخل (منعم) لتوجيه فوضي فرشاته وانحيازها الهمجي،هو فقط يجمد اللحظة في المكان أو يحجزالمكان في سجن سليماني في قاع أزرق.
العلاقة بين التشكيلي منعم حمزة وبين اللون الأزرق مثيرة لدهشة العين والذهن معا،فهو قادر علي خلق ما لا حد له من التدرجات والأبعاد بأضافة لمسات زرقاء من غير سوء تبدعها فرشاته، كما أنه يجيد استعمال الأزرق مع جميع الألوان في تناغم يقرأ موهبة الفنان اللأصيلة والمتجددة، ويكمن شغف منعم بالأزرق في حبه للون أولا ثم في ثقته في أمكانياته التقنية والعملية كفنان من نوع خاص جدا، قادر علي خلق عوالم لانهائية من السموات والبحار.
فوق كل هذه الزرقة يتلاعب (حمزة) بالظلال يضيف خطا فاتحا يشعر المتأمل برغبة في السير علي الرمال منتشيا بالأستقرار تحت قدميه مستشعرا نسمة محملة بالرطوبة وبطعم الملح وبأصداف بيضاء صغيرة تشابه النجوم ؛ أو يضيف ظلا غامقا يدفع المشاهد للتنفس بعمق بينما المياه تسحبه في دوامة زرقاء داكنة نحو المجهول فيحاول معاكسة التيار نحو طفو امن يؤثثه خليط من أحمر وأصفر ومنمنمات كحمامات سلام تعيد أليه الأحساس الأولي/ الأزلي بالدهشة أمام هذا الكم الكبير من التفاصيل الصغيرة والكبيرة والجميلة التي يضعها (منعم) بضميرو صبرجميل لفنان يتحكم في أفكار فرشاته ويرشها علي اللوحة طليقه العنان حتي حافة الحرية التي تلامس الأبدع في اكتماله.

redseawaters@hotmail.com
///////////////////////////////

 

آراء