الفيضانات… كارثة متكررة في السودان!

 


 

 

برق القبلة شال شالت معاه بروق ختتلو أم رويق عم السحاب من فوقو العفرت رحل يبكي ويسوي القوق والضحوي اتردف ليله ونهاره يسوق "الحاردلو" يحتفي الشعب السوداني بحلول فصل الخريف ويستبشر به أيما بشرى؛ لأن الخريف هو فصل نزول الأمطار التي تعني النماء واخضرار الزرع وامتلاء الضرع وعودة الحياة إلى الأرض "فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" فهذه سنة الله في الكون الذي لا يمكن أن يظل بلا ماء مطلقاً. وإذا عدنا لديوان الشعر الشعبي في السودان لوجدنا معظمه يتحدث عن الخريف والأمطار وأثر ذلك في حركة الناس ونشاطهم: من طيرة أم بشار جانا السلف قطار اتلموا يا عمار فرق الموالف حار ولكن في الآونة الأخيرة صار موسم الخريف مصدر قلق لكثير من مناطق البلاد حيث تتعرض مساحات واسعة من الأراضي السكنية والزراعية لفيضانات مدمرة تبلغ حد الكارثة القومية في بعض الحالات، نسأل الله اللطف. وما نراه الآن في منطقة المناقل وولاية نهر النيل لهو أصدق دليل على ذلك، فحفيدات مهيرة وود حبوبه يبتن وهن يفترشن الماء ويلتحفن السماء الملبدة بالغيوم الماطرة، ويتعرضن للسعات الثعابين والعقارب ويتضورن جوعاً، ولكن يمنعهن الحياء والعفاف من مد الأيادي طلباً للإغاثة، بل يرفعن أكف الضراعة لمجري السحاب ولسان حالهن يقول: اللهم أجعلها أمطار خير وبركة وذلك كله بعد الرضاء الكامل بما قدر الله. وكل ما يحدث إنما هو من آثار رحمة الله، وإن تدمرت المنازل والمزارع، فالله يخلف كل ذلك، وهل حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون؟ في هذا الصدد أتذكر تلك الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرها المبدع عز الدين عثمان في صحيفة الأيام في أواخر سبعينات القرن الماضي إذ يقول في إحداها: Water, water everywhere but not a drop to drink! وفي رسم آخر يظهر طفل وهو يتحرك بقارب صغير بين البيوت وأمه تنادي على جارتها قائلة: "الرسول يا السرة أديه طايوق" !ودلالة الرسمين واضحة فهما يشيران للعامل البشري في كوارث الفيضان؛ لأن الناس وبدون وعي منهم أو بما كسبت أيديهم، قد نسوا أو ربما تناسوا أن الماء لا يغير مجراه أبداً فدأبوا على بناء القرى والمساكن على مجاري الأودية ومصباتها وكأنهم ليس لديهم "طايوق" أو مخ وهذا خطأ مشترك بين الجهات المسؤولة عن تنظيم القرى وتخطيط المدن التي يجب عليها ألا تسمح لمواطن ببناء بيت إلا بعد التأكد من ملائمة الموقع للسكنى؛ حتى نتفادى ما بات يتكرر من كوارث طبيعية بسبب الفيضانات، ولعلكم تذكرون ما حدث في منطقة شمال بحري؛ خاصة في قرى الجيلي وما جاورها، في السنة الماضية، حيث جرفت السيول قرى بكاملها ورمت بها في النيل؛ لأنها كانت تقع على مجاري أودية كبيرة. يضاف إلى ذلك أن الناس يستخدمون مواد محلية لا تقوى على أقل قدر من المياه، ناهيك عن الأمطار التي يتجاوز معدل نزولها مئة ملم. هنالك غفلة من جانب الجهات المسؤولة والمواطن، فكثيراً ما يخرج علينا أحد المسؤولين ليقول تلك العبارة المشهورة: "لقد فجاءنا الخريف هذا الموسم" مع أن مواعيد الخريف ونزول الأمطار معروفة لدى الجميع، ولكن ثمة تراخي في معالجة المشاكل والتصدي لها قبل وقوعها، وذلك بإجراء ما يلزم من تنظيف للمجاري وتوفير متطلبات الكوارث، وتوعية الناس وحثهم على أخذ الحيطة والحذر بالابتعاد عن مجاري السيول والأودية مثلما يحدث في السعودية حيث يرسل الدفاع المدني رسائل لكل الناس بمجرد أن تصدر الجهات المعنية بالإرصاد توقعاتها بنزول أمطار غزيرة في أي مكان بالمملكة! ويضاف إلى ذلك أن بعض المناطق قد أقيمت فيها طرق وقنوات ري، ولكن لم تتخذ الإجراءات الاحتياطية لتفادي تكرار كوارث الفيضانات؛ فمعظم الطرق القومية تقع في مناطق تشقها الأودية مثلما هو الحال في طريق الصادرات الذي يربط بارا بأم درمان فكثيراً ما يتعرض للسيول ويعرض حياة المسافرين للخطر بسبب عدم وجود معابر للمياه. هذا العام اتسع نطاق الفيضانات ليمتد من أم دافوق غرباً، والكوكيتي في شمال كردفان ومناطق المناقل وسنار والنيل الأزرق وكسلا وولاية نهر النيل وشمالاً حتى دنقلا، والقاسم المشترك هو سكنى الناس وتواجدهم الدائم على أو بالقرب من مجاري الأودية؛ وهذا خطأ بشري فادح أدى إلى إزهاق أرواح ونفوق بهائم وتدمير ممتلكات وزروع وأنعام، والله المستعان. المهم في الأمر هو أن نتعلم الدروس من هذه التجارب المأساوية حتى نتفادى تكرار هذه الكوارث مستقبلاً وذلك بتحويل هذه الكميات الهائلة من المياه من نقمة إلى نعمة عن طريق مشاريع حصاد المياه والاستعداد منذ وقت مبكر لفصل الخريف. ونهيب بذوي السعة أن ينفقوا مما يحبون ويقفوا مع إخوتهم المتضررين. ونكرر مع ود الشلهمه قوله: الجاب الخبر من أسنبير وأردادا سمحت من شناة الصيفة والنيل عادا قشها قام نباتا فوقو الصبيب اترادا حار بالحيل فراق إيد الهَمُر وأسيادا

gush1981@hotmail.com
//////////////////////////

 

آراء