القانون الدولى والمحكمة الجنائية الدولية وجنايات الرؤساء: دبلوماسية الانقاذ تجاه المحكمة الجنائية

 


 

 

 

جرائم حرب دارفور شكلت اخطر ازمة سياسية ودبوماسية تواجه نظام كليبتوغراطية الاسلامويين منذ عام 2003 بعد إزمة جنوب السودان حيث تصدرت عناوين الاخبار الرئيسة على المستوين الاقليمى والدولى بجانب تفاعل المنظمات الاقليمية والدولية ومجلس الامن. ولقد إتضح من الشواهد ان حكومة السودان كانت تعتمد موقفا عاطفيا مناهضا للجنائية لم يقم على مسوغات منطقية ويفتقر إلى الرؤيا الواضحة للتعامل مع ملف الجنائية الذى اعتبرته ملفا امنيا بالغ الخطورة. وبرزت إجتهادات فردية من قبل شخصيات اكاديمية او جامعية بجانب وزارة العدل. وتم تكليف الدكتور والقانونى معاذ تنقو بوضع خارطة طريق للتعامل مع مسألة الجنائية فى عام 2009؛ حيث ألتقى بالمستشار القانونى للرئيس النيجيرى السابق أوباسانجو ( رئيس زعماء وحكماء أفريقيا ) لمعالجة القضايا الافريقية ومن بنيها قضية دارفور. ثم تلى ذلك وضع ورقة اشتملت على ثلاثة مواقف: 

 التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية بشكل قانونى ومواجهة اتهاماتها بالادلة ومقارعتها بالحجة عبر التعاقد مع المحامى البريطانى الكبير سير جيفرى آيس الذى كلف بمناهضة موقف الجنائية من خلفية كونه قاضيا سابقا بالمحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة
 إنتهاج سياسة إعلامية ودعائية تكشف للمجتمع الدولى والنام الاقليمى الافريقى ان المحكمة عبارة عن أداة يوظفها المجتمع الدولى لتركيع الدلو لاافريقية ويالتالى مواجهة جعاويها بأى حال من الاحوال
 عدم الإعتراف بالاختصاص القانونى للمحكمة الجنائية والامتناع عن التعامل معها فى كل الاحوال
من الواضح ان موقف المحكمة الجنائية قد قلص من المجال السيادى للرئيس السودانى واصبح السودان مرتهنا تماما مما اثر سلبيا على دوره فى المجتمع الدولى . كما ان الجنائية قد شلت تفكير الرئيس الذى ظل محاصرا حصارا نفسيا ثقيلا لا فكاك منه. وضمن التغطية الاعلامية الدولية الكبيرة التى حظيت بها جرائم حرب دارفور ارتفع معدل زيارات المسؤوليين الدوليين الى الخرطوم من بينهم وزراء خارجية الولايات المتحدة والمانيا وفرنسا وبريطانيا والسويد وسويسرا ورومانيا وامين عام الامم المتحدة كوفى عنان والرئيس النيجيرى السابق اوباسانجو رئيس الاتحاد الافريقى وألفا عمر كونارى رئيس المفوضية الافريقية . واعقب ذلك إتهام كولن باول نظام الانقاذ بارتكاب جريمة "إبادة عرقية" فى دارفور حيث تم إتخاذ قرار مجلس الامن رقم 1556 بعد وقت وجيز من زيارته مع كوفى انان للسودان. شهدت دبلوماسية الانقاذ نشاطا مكثفا مدفوعة برعب الجنائية لإيجاد تسوية للأزمة في دارفور حيث نجحت فى إقناع الانظمة العربية بالوقوف معها ضد ما وصفته بالهجمة الامريكية - الصهيونية المستهدفة حسب وصفها تغيير الهوية العربية الإسلامية للسودان‏.‏
كما نجحت في استنفار اتحاد علماء المسلمين والهيئة الإسلامية العالمية للدعوة والإغاثة عبر ورقة الانتماء الإسلامي وتحييد الدور المصرى الداعم لموقف السودان وتأثير ذلك على النظام الاقليمى العربى . بجانب مشاركة الحكومة فى قمة خماسية عقدت في طرابلس لتسوية النزاع في دارفور بالوسائل السياسية‏.‏ ثم تضافرت المنظمات الاقليمية تؤازر موقف حكومة السودان من تهم محكمة الجنائية الدولية وموقفه من المادة 16 من نظام روما الاساسى وهى الجامعة العربية والاتحاد الافريقى ومنظمة المؤتمر الاسلامى ومنظمة دول عدم الانحياز ومجلس البرلمان العربى المؤقت
تجميد موقف امريكا الرسمى المتمثل فى رأى كولن باول وقرارات مجلس الامن لتجميد تهمة الابادة الجنائية وتعطيل ملف المحكمة الجنائية من ضمن 9 تهم موجهه إلى السودان قام الموكل الجنائى للجنة الدولية للدفاع عن السودان المحامى البريطانى سير جيفرى نايف برفع إستنئاف ضد عريضة الاتهام التى تقدم بها مدعى المحكمة الجنائية مارينو اوكامبو ضمن السجال القانونى المنقطع الذى جرى فى إطار الحملة التى وجهتها حكومة الانقاذ ضد المحكمة الجنائية ولكنها لم تسفر عن نتائج ايجابية. إستئناف ضباط الاتصال بالاستخبارات الامريكية نشاطهم فى الخرطوم على الفور؛ وإبتعاث ممثلين لجهاز الاستخبارات السودانى الى واشنطن مقابل دعم الجهاز السودانى تقنيا وماليا. ثم سمح لعناصر من وكالة الاستخبارات الامريكية بالتحقيق مع المشتبه بهم من تنظيم القاعدة المتواجدين فى الخرطوم.
كشفت صحيفة الغارديان البريطانية بعد عقد الشراكة الاستخبارية بين امريكا والسودان قامت وحدات من الاستخبارات السودانية بتخلل شبكات فى افريقيا والشرق الاوسط لصالح الاستخبارات الامريكية وتقديم " كنوزمعلومات حول نشاط المنظمات الاسلامية فى الصومال". كما قامت الاستخبارات السودانية فى 2005 عام بإحتجاز مجموعة مقاتلين اجانب كانت تزمع الالتحاق بالجهاد المعلن ضد القوات الامريكية فى العراق.
ان حكومة السودان شرعت فى التعاون مع مكتب مقرر المحكمة الجنائية ثم توقفت عنه فجأة لمخاطر ادركتها حيث إنقلبت تؤجج العداء الضارى تجاه المحكمة الجنائية الدولية. وفى التقرير رقم 11 الذى قدمه اوكامبو الى مجلس الامن بموجب القرار 1593 ؛ وبالاشارة إلى المادة 87 من نظام روما الاساسى التى تنظم عملية التعاومن من عدمه مع المحكمة الجنائية ورد التالى:
ان الجنائية استنفدت إجراءات التعاون مع حكومة السودان بناء على الفقه القانونى المتعلق بسابقتى المحاكم الدولية الخاصة فى يوغسلافيا السابقة ورواندا التى تم تشكيلها بقرارات صادرة من مجلس الامن وهو الذى أحال أوضاع دارفور إلى الاختصاص العدلى للجنائية والتى لم تتدخل بإرادتها قبل التخويل القانونى من مجلس الامن.
ان المهلة التى تمنح للسلطات موضع الاختصاص السيادى قد استنفدت بصدور القرار 1593؛ اذ يعتبر من ضمن الخطوات العدلية المطلوبة منح الدولة التى وقعت الجرائم فى نطاق سيادتها المهلة الزمنية الكافية للامتثال ؛ وأى تباطؤ فى الامتثال بميزان معدل المهلة الزمنية المعقولة يعد من ضروب عدم التعاون هذا من حيث الدلالة المعيارية
لتحديد نوايا الدولة المعنية يلجأ إلى مقياس مدى التعاون السابق إن وجد لقياس دوافع ماهية عدم التعاون إن كانت تدلل على إعاقة مقصودة لمسار العدالة الدولية ولذلك اورد تقرير اوكامبو ان حكومة السودان بدأت فى التعاون مع مكتب المدعى العام للجنائية فى القضية التى تنظر فيها الجنائية ضد جوزيف كونى قائد جيش الرب للمقاومة. فقد وقعت اتفاق مع مكتب المدعى العام فى اكتوبر 2005 باعتقال قادة جيش الرب للمقاومة بعد صدور تصاريح توقيف بحقهم من الجنائية.
فى نوفمبر 2005 زار ممثلون للمحكمة الجنائية الخرطوم لمناقشة مسائل تتعلق بقضيتى دارفور وجيش الرب للمقاومة وبذل مكتب المدعى العام للجنائية منذ 2005 مساعى لتطوير علاقة عملية بناءة مع الحكومة اسفر عن قدر من التعاون استمر حتى يونيو 2007 ؛ وبموجبه قبلت الحكومة إشعار الجنائية بتصاريح التوقيف بحق احمد هرون وكوشيب.
وبموجب المادتين 53 و55 من قانون روما الاساسى تقاسمت الحكومة مع الجنائية وثائق وسجلات من بنتها تقرير لجنة التقصى السودانية وتقرير حول العمليات العسكرية اعدته وزارة الدفاع السودانية وتم إجراء مقابلات مع مسؤولين فى الحكومة بإعتبارهم شاهدين محتملين بجانب إجراء 5 بعثات فى الخرطوم آخرها تم فى يناير- فبراير 2007 .
وبعد شهرين من صدور تصاريح توقيف احمد هرون وكوشيب ابدت الحكومة رغبتها فى التعاون بتشكيل لجنة وزارية وبدون إشارة إلى وضع حد زمنى لانهاء التعاون. ولكن فى منتصف ابريل 2007 اتخذت الحكومة قراربإنهاء التعاون مع الجنائية تم نشره فى الموقع الالكترونى لوزارة الخارجية السودانية . وفى ابريل 2007 استفسر المدعى العام للجنائية عن حقيقة ذلك القرار ولم ترسل الحكومة اى رد حول الموقف المعلن ولكن صدرت تصريحات عامة من مسؤولين بالحكومة تؤكد إنهاء التعاون مع الجنائية. فهل ادرك الانقاذيون حينها ان الجنائية فجأة إنقلبت إلى غول امبريالى كما يزعمون؟ ثم طلبت الجنائية وعدد من الناشطين الدوليين للمشاركة فى العملية القضائية ومواصلة التعاون الحكومة لحد زار فيه مجلس الامن السودان فى المدة ما بين 16-17 يونيو 2007 لاقناع الحكومة باستئناف التعاون ولكن تمسكت الحكومة بالامتناع التام. وفى يونيو 2008 اصدر مجلس الامن تصريحا رئاسيا رقم طلب من حكومة السودان والاطراف المعنية بنزاع دارفور التعاون التام مع الجنائية لوضع حد للافلات من العقوبة حيال الجرائم المرتكبة فى دارفور. ومن ثم اصدر المدعى العام تصريحا بإعتقال الرئيس عمر البشير فى مارس 2009 وهو ما ايدته الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية فبراير 2010.
ولقد قرأت ضمن منشورات الاعلامى الكبير عبد الرحمن الامين فى واشنطون ان مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية السابق الذى يقال انه من الموافقين على التعامل مع الجنائية قام فى عام 2009 بإخطار القائم بالاعمال الامريكى فى الخرطوم ان استراتيجية الانقاذ الجديدة تجاه التعامل مع الغرب أقرت إحالة البشير الى المعاش وترشيح بديل للرئيس لخوض انتخابات عام 2009 ؛ وتسليم أحمد هارون وعلى كوشيب للجنائية ولكن صدور قرار الجنائية بإلقاء القبض على البشير ادى الى التراجع عن تلك السياسة. ونلاحظ ان مسألة المحكمة الجنائية اصبحت ورقة يتنازع حولها كبار المسؤولين فى حكومة الانقاذ يوظفها كل لمصلحته السياسية عندما انبهل النظام فى صورة مراكز قوى مصطرعة يوحدها الخوف المشترك من الجنائية .
هل سبق ان تم الاتصال بالجنائية من قبل مسؤول كبير من الانقاذ ضمن تحصيل طموحه فى منصب نائب الرئيس بهدف تسوية الملف بتسليم الأشخاص الذين وردت اسماؤهم فى عريضة اتهام المدعى العام للمحكمة الجنائية مورينو اوكامبو ( احمد هارون وعلى كوشيب وآخرين ) وبالتالى يتم إسقاط التهمة عن بقية المسؤوولين. هل طلبت الجنائية تقديم المقترح كتابة فى صيغة رسمية وتعذر ذلك بوصفه اعترافا بالمحكمة الجنائية وما سيترتب عنه من جريمة تعويق مسار العدالة الجنائية الدولية؟ هل فكرت الحكومة فى رشوة اوكامبو مقرر الجنائية ؟ هل تم توظيف الملف من بعض اعضاء الفريق الرسمى المعنى بالقضية لأهميته وحساسيته لزيادة نفوذهم داخل النظام ؟ هلى اختفى على كوشيب من الانظار كما يشاع مثل إختفاء ميلوشوفيتش؟ هل خطط فريق من الانقاذيين لإستغلال ورقة الجنائية لضرب البشير ومهدوا لذلك بإطاحة صلاح قوش وكمال عبيد وكمال عبد اللطيف وقيادة الجيش طمعا فى اطاحة بكرى حسن صالح ضمن طموحات لوراثة البشير؟ هل كان من الانقاذيين من يرفض الامتثال لطلب الجنائية ويأمل فى إعتقال البشير ليحل محله ؟ هل خلقت قضية الجنائية سوق مؤتمرات كان يحضرها اشخاص بعينهم ضمن الطموحات المتقاطعة لمراكز القوى داخل النظام؟
ويمكن تخريج الموقف المتشدد بعدم التعاون مع الجنائية بالحصانة النفسية ضد الامتثال ويستوى فيه المتشددون والمعتدلون بهدف حمايتهم وهو موقف غريزى لانعدام البدائل وهناك من يريد التضحية بالرئيس مما ادى لزيادة مخصصات قوات الدعم السريع وايكال امر حماية الرئيس إليها. ونعتقد بأن الانقاذ أضرت السودان بتعريض سيادته ومصيره إلى التحقير والامتهان بالتشخيص الخاطىء والامتناع عن عدم مواصلة التعاون مع الجنائية مصادرة بذلك 50% من الحق فى الشراكة العدلية الذى يوجبه مبدأ التكامل العدلى بالتداخل السلس بين الإختصاصين الجنائيين الوطنى والدولى وعدم الاستفادة من تراث محاكم رواندا وسيراليون وتيمور الشرقية. ان موقف النظام خال من الحكمة والحجة القانونية المقنعة حيال القانون الجنائى الدولى الذى يشكل رافدا رئيسا فى القانون الدولى العام الذى تم الاحتكام إليه لمحاكمة جنايات الدول وانتهاكات الأفعال السيادية ومحاكمة الشخصية الاعتبارية للدولة الممثلة فى شخصية رئيسها و حكومتها. حيث يعتبر القانون الدولى المعاصر المواطن المحلى الوحدة الأساسية فى المنظومة الحقانية الدولية التى تكفل له حق الحماية من الانتهاكات من قبل الانظمة الشمولية.
مقاضاة الرؤساء بموجب القانون الدولى:
 يمكن مقاضاة البشير وأفراد نظامه المرتكبين لجرائم الابادة والقتل الجماعى والتعذيب وقتل المتظاهرين المسالمين والشروع فى وضع الخطط لقتل االمعتصمين بشكل جماعى بموجب احكام القانون الدولى على النحو التالى:
 ان اتفاقات جنيف الاربع لعام 1949 والبروتوكول الاضافى لعام 1977 بمرتبة القانون العرفى الدولى وتسوغ التدخل القضائى بموجب سلطة الولاية القضائية الدولية ؛ وبموجبها قدمت طلبات إلى بريطانيا لتسليم الرئيس التشيلى السابق الجنرال بينوشيه إلى محكمة إسبانية فى التسعينات. ان توقيف بينوشيه فى لندن (1998) وتسليمه إلى محكمة إسبانية بتهم جرائم القتل الجماعى والتعذيب والاختطافات خلال فترة رئاسته لدولة تشيلى احدث تطورا نوعيا فى القانون الدولى بتقييد مبدأ الحصانة السيادية الممنوحة لرؤساء الدول والحكومات بعد قرار اللجنة القضائية فى مجلس اللوردات فى بريطانيا أن التعذيب والتقتيل وجعل المواطنين رهائن ليس من الأفعال المشروعة للرؤساء ؛ ولذا لا يتمتع الرئيس السابق بينوشيه بأى حصانة من التوقيف والمقاضاة رغم إصداره فى عام 1978 امرا رئاسيا يمنح نفسه ومسؤولى حكومته حصانة قانونية من المساءلات الجنائية وهو الشىء الذى يتجه المجلس التشريعى للنظام لفعله. وقرر مجلس اللوردات البريطانى عدم إلزامية تلك التسوية للقضاء البريطانى ولا القانون الدولى. الثابت فى القانون الدولى امتثال اسبانيا وبريطانيا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا للأمر القضائى بتوقيف الجنرال بينوشيه الصادر من محكمة إسبانية وتم بموجبه فتح تشيليون قضايا قانونية ضده فى المانيا وايطاليا والسويد ولكسمبورغ وامريكا.
 ألغى قرار مجلس اللوردات حكم رئيس قضاء بريطانيا "توماس بينغهام " الصادر من المحكمة العليا البريطانية والقاضى بتمتع بينوشيه بحسبانه رئيس سابق بالحصانة الجنائية لكل الافعال التى صدرت منه بصفته رئيسا لدولة تشيلى ما يمنع تسليمه لاسبانيا.
 يمكن مقاضاة الرؤساء المقترفين لجرائم دولية بموجب القانون الدولى خارج إطار نظام روما الاساسى والذى عكس التطور القانونى حول الحصانة السيادية فى المادة 22 التى لا تسوغ الدفع بالحصانة ؛ وذلك وفق مبدأ الاختصاص الجنائى القانونى لمحاكمة الافراد المرتكبين لجرائم دولية محددة فى المحاكم الوطنية ؛ بغض النظرعن مكان ارتكابها او جنسية الضحايا اومرتكبى تلك الجرائم ؛ وتصنف ضمن الجرائم المرتكبة ضد الانسانية جمعاء على شاكلة جرائم القرصنة وتجارة الرق والجرائم المنتهكة لاتفاقات جنيف لعام 1949، ومن بينها الابادة العرقية المجرّمة منذ محاكمات النازيين فى "نورمبيرغ" فى عام 1948 وجرائم التعذيب والفصم العنصرى.
 يمكن مقاضاة تلك الجرائم بموجب القانون الدولى العرفى بناء على الاختصاص الجنائى الدولى ؛ ويحق للمتضررين بشكل مباشر من جرائم حرب دارفور؛ وضحايا التعذيب والمعاملة المهينة وغير اللائقة برفع عرائض الى الاجهزة العدلية فى مهاجرهم الغربية لتوقيف الجناة من نظام الإنقاذ وحظر دخولهم إليها بعد توفر السند القانونى لشرعية تلك المناهضات القانونية وثبوت أثرها الايجابى فى تعديل مسار الافلات من العقوبة. أخذا بالاعتبار التقتيل والتعذيب والتحقير الذى تمارسه كتائب الظل الملثمة والمحسوبة على الاسلاميين ، المتنقلة على سيارات بدون لوحات "الاسلامية" التى حرضها على عثمان محمد طه واتخذ لها الرئيس البشير مبررات قرآنية فى آية القصاص ، إضافة إلى انتهاكات وتعديات جهاز الامن وفروعه فى الولايات التى تقتل المعتقلين بممارسات شتى صنوف التعذيب مخالفة لنصوص الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وانتهاكا لنصوص الدستور السودانى الذى وضعه الاسلامويون انفسهم.
 يمكن الطعن القانونى بتقديم أدلة للسلطات العدلية ووزارات الداخلية فى الأتحاد الاوربى وكندا والولايات المتحدة واستراليا وغيرها فى عدم اهلية حاملى الجنسية المزدوجة من الأفراد الموالين للنظام لانها تمنح بشروط قانونية صارمة وبالتالى لا يحق لهم موالاة النظم المنتهكة او تقديم الدعم لسياساتها مما يتناقض وقوانين البلد مصدر الجنسية والجواز. وهاك عدد كبير من الاسلاميين حملة جوازات غربية.
 يمكن مقاضاتهم بموجب قوانين مسنونة فى امريكا وبريطانيا وكندا والاتحاد الاوربى على شاكلة مايعرف لدى المحامين الدولين ب "قانون ماغنيتسكى العالمى" والتى بموجبها يتم تجميد الاصول والارصدة المالية المملوكة للجناة فى كل البنوك والموسسات المالية الغربية وحظر منح سمات دخول الى العالم الحر من كافة ارجاء العالم لمرتكبى الفظائع البشعة والجنايات والانتهاكات الشنيعة لحقوق الانسان. ويستهدف هذا القانون مايسمى بالخلايا الخبيثة او الافراد الذين قاموا بإتخاذ قرارات القتل اوتنفيذ عمليات وجرائم قتل نفذتها الحكومات العسكرية والانظمة السياسية الديكتاتورية وهو ما استخدم ضد المسؤولين فى النظام العسكرى فى بورما ونشطاء الاجهزة الامنية فى نيكاراجو والروس المسؤولين من عملية إغتيال المحامى الروسى " سيرجى ماغنيتسكى" فى عام 2008 ؛ لقيامه بكشف عمليات فساد واسعة النطاق ارتكبتها الحكومة الروسية مما ادى لاعتقالة وتعذيبه حتى الموت فى احد السجون الروسية. وهو القانون الذى تم الاشارة إليه بعد مقتل الصحافى السعودى جمال خاشوقجى داخل مبنى القنصلية السعودية فى تركيا مما اعتبر حينها "تحديا رئيسيا للعالم المتحضر".
 يمكن محاكمة البشير ومسؤولية وكبار ضباطه وقيادات اجهزته الامنية الذين ثبتت بحقهم ارتكاب جرائم ابادة وقتل جماعى وتهجير قسرى فى حرب دارفور فى عام 2003.
السياسة القانونية البديلة وفق نظام عدلى جديد:
 لا يكفى فقط الاقرار او المصادقة على نظام روما الاساسى ؛ المطلوب التشريع لجرائم الحرب والابادة العرقية والجرائم ضد الانسانية فى النظام القانونى السودانى توطئة للمصادقة على قانون روما وذلك بتحريك الاجراءات وفق نظام الثنوية القانونية ؛ مع تدريب القضاة والمحامين وطلاب القانون لرفع درجة الوعى بالجرائم الدولية الاربعة
 الوفاء بالتزامات السودان تجاه القانون الدولى والقانون الانسانى الدولى بالنكوص عن مبدأ عدم التعاون وإستئنافه إذا امتثل النظام . وتطوير ذلك إلى الغاية الثانية وهى الاستفادة من مبدأ التكامل العدلى بإشراك النظام القانونى السودانى فى المساءلة الجنائية ووضع الاحكام الرادعة بحق الجناة وتطوير القانون الجنائى وفق فقه المحاكم الدولية الخاصة التى اشرنا إليها. وهذا يفضى إلى المطالبة بتشكيل المحكمة السودانية الدولية الخاصة لمحاكمة جرائم حرب دارفور يشترك فيها قضاة ومحامون دوليون مع قضاة ومحامين سودانيين.
 ان اطروحتى تقوم على تكامل المحكمة الدولية الخاصة مع مبدأ العوض وهو راسخ فى القانون الدولى بإحداث التوازن بين العقوبة الجنائية اى القصاص على نسق محاكمات نورمبيرغ والتعويض المالى لجبر الاضرار ودية الدماء وتأهيل الضحايا ضمن مصفوفة عمليات قانونية لا تقف عند حد القصاص الجنائى وحده ؛ على ان يكون العوض مدخلا لجلب الرساميل المهربة بإجبار الجناة بدفع التعويضات المالية على ان ينشأ صندوق من تلك التعاويض بجانب حملة تبرعات على الصعيد القومى تخصص دخولها لإعادة بناء وإعمار دارفور.
 تطوير اسس قانونية لترسيخ دينامية تصالح وتكامل اجتماعى من واقع الثقافة السودانية والتراث المحلى بدلا من نقل من تجربة جنوب افريقيا فى هذا الشأن
 بلورة وعى قانونى جديد بالتوافق على سياسة قانونية ترجح التزام مبادىء الانصاف والحس السليم من اجل بناء اسس المواطنة المدنية – القانونية وترسيخ العدل الاجتماعى والشراكة فى الموارد الطبيعية ؛ سياسة مبرأة من الاثنية والعرقية والجهوية ؛ وهذا اضمن لتحصين النظام المدنى المستخلف وعدم إعاقته بتراكمات الانقاذيين التى اعتمدت سياسات الاستعلاء العرقى لتفتييت المجتمع السودانى ليسهل ضبطه وقيادته كرها بالامتثال الجبرى والامتهان القسرى
 وضع دليل قانونى للمواطن بالجرائم الدولية يتكامل مع إدخال القانون الجنائى الدولى ضمن منهج كليات القانون فى الجامعات السودانية وبالاخص جامعة الخرطوم ويعززه إدخال مبدأ وثقافة العون القانونى بالشراكة بين الاجهزة العدلية ونقابات المحامين ومراكز حقوق الانسان والمجتمع المدنى.
 ويهدف ذلك إلى إطلاق حملة لتحصين المجتمع من الجهالة النافية للعلم بالقانون لأن الجهل بالقانون ليس دفعا مقبولا فى المحاكم على ان يلعب النساء والشباب والأحزاب الوطنية والمنظمات السياسية والمجتمع الاهلى والدينى مع الاسناد القانونى الدور الاكبر فى هذه الحملة.
 الاجدى لعدم تكرار ارتكاب تلك الجنايات والفظاعات إبتكار مركز جرائم وضحايا دارفور يعنى مستقبلا بالدفاع عن القوانين الجنائية الجديدة ووضع سياسات تبشير بالمواطنة المدنية الشاملة ونبذ وفضح التفرقة العرقية وانماط الاستعلاء الثقافى وإبراز دور المرأة فى دارفور التى كانت ضحية لجرائم الاغتصاب كما يعنى المركز بتقديم النصح للنساء ضحايا الفظائع والتعذيب والترويع الاثنى
 تحديث اسس ومناهج التعليم القانونى وتحريرها من الفلسفة التعليمية التى وضعها الاسلامويون وهى تجرية احدثت قطيعة قانونية ومعرفية مع القانون العالمى بتهمة العلمانية والركون إلى تقنين الادلوجة التمكينية تشريعات
 محاكمة جرائم حرب دارفور بالجهاز القضائى السودانى بعد إصلاحه فى عهد ديمقراطى جديد يتكافىء فيه دور النظام العدلى الوطنى والنظام الجنائى الدولى والاستفادة من التراث القانونى والعدلى الدولى بتجاوزواقع النسبية الجنائية المحلية بتماهيها مع النظم العدلية العالمية
 دليل الضحايا القانونى:
 ان محاكمة مرتكبى جرائم دارفور بمثابة رافعة قانونية لكبح جماح سياسات الاستئصال السياسية وإدانة العدوان العرقى والتعدى الجنائى المحفز بالاستعلاء الثقافى ؛ وهو كوسيلة تربوية يشحن ذاكرة اجيال المواطنة القانونية الجديدة بالعصمة العدلية ويشكل مدخلا رحبا لعتبة المساواة امام القانون.
 هذا المنهج يعتبر مدخلا للاصلاح القانونى واعادة تكييف فلسفة العدالة الجنائية بالتكامل مع إعادة بناء المواطنة القانونية وتجديد دور الانتماء الوطنى ضمن متوالية تعدد الثقافات المتكافئة على المستوى الافقى الرافضة للاشراف العلوى والرأسى من قبل صناع المعاييرالإيدولوجية الزائفة. انها تشكل شهادة تاريخية لتخطى سطوة الدجل السياسى لتكون تميمة استشفاء من الغبن الاجتماعى وتأشيرة عبور لبرزخ نفايات الادلوجة الاخوانية السامة وإستعادة كرامة الضحايا بتحيين الماضى وجعله حاضرا مشهودا ومستقبلا مطلوبا.
 ان التستر على مرتكبى جرائم الحرب والابادة فى افريقيا يقضى على الجهود المبذولة لمجابهة معتنقى ايدولوجيا الاستئصال والاستعلاء الثقافى والدينى والتفوق العرقى ويمنحهم حصانة من العقوبة كما يجعل منهم بلغة القانون الجنائى شركاء بعديين فى الجريمة.
 إن الابادة العرقية او التقتيل الجماعى بدوافع سياسية او عرقية او ثقافية علوية لن تتوقف إذا إستمرت المحكمة الجنائية الدولية رغم بعض الإنتقادات التى طالت دورها وطريقة عملها معطوبة بإنعدام آلية توقيف. وهنا ننادى بتكامل شرعة القانون الدولى لتشد بعضها بعضها حتى تفرز ثقافة حقانية تلتزم بها الدول بداية من افريقيا لحماية الانسان الافريقى من عمليات السطو الدموى المهراق ظلما وعدوانا وتبخيسا. وان العصر الراهن هو عصر الضحايا بإمتياز ولا ينقصهم إلا التوحد والاستفادة من الروافع القانونية المتاحة وإدخالها ضمن آليات المقاومة الفكرية والاجندة البديلة لمقاومة نُصب التمكين المزدرية
 دارفور وضحاياها هى المدخل الجديد للوفاء بمطلوبات الاصلاح القضائى وإستحداث معايير النظام العدلى وتعديل القانون الجنائى الحالى لازالة التعارض القائم نتيجة عدم الوفاء بالتزامات السودان الدولية ذات الصلة بالقانون الدولى الانسانى والقانون الجنائى الدولى
 وهى تتماهى مع رافعة ثقافية تشاركية تمحو العنجهية السوقية وتدفعنا لاكتشاف الهوية السودانية المتميزة وتنقيتها من شوائب الاستقطاب الاثنى والاستعلاء العرقى والتهميش السياسى والتبخيس الاقتصادى
 وهى السياسة الجديدة لرتق الفتوقات الدامية لنسيج الوحدة الوطنية المنشطرة ونزع التسيس الدينى ونبذ الانكفاء الدينى الفتاك وإدانة تعدياته وتعويض ضحاياه وتخليد ذكراهم فى الذاكرة الجمعية المستجدة عبر الاجيال
 وهى تشكل مدخلا لتجديد السياسات تجاه وقف الحرب وإشاعة ثقافة السلام وتدمير الاصول البشرية وإعادة كتابة تاريخنا العدلى وتطورنا القانونى ومراجعة سيرة التعليم القانونى ليعكس مشروع المواطنة الحقانية والتكافؤ الانسانى ويدحر اسطورة التصنيف العرقى- وتحريره من الطوطمية المؤدلجة المعاصرة التى تجعل من الآخرين قرابين بشرية لمشروعاتها الاستئصالية ضمن نظم الشرعنة ومخططات الاخضاع القهرى التى تحيل الآخرين المنبوذين فى قاموس الاستئصاليين إلى معاقين سياسيين يتأرجح حاضرهم بين رحى الابادة العرقية والاعاقة السياسية.
 ان هذه الرافعة تدفع سودان ما بعد- الكليبتوغراطية العنجهية للمساهمة فى تطوير نظام دولى جنائى عادل بحق الافارقة من حيث الاسهامات الافريقية فى تعديل مسار القانون الدولى وظلاماته التاريخية على قارة افريقيا لا سيما يوم كان الجناة اجانب فما بالنا والجناة من وسطنا.
 ان السوابق القانونية تفيدنا ان اتفاقات جنيف الاربع الصادرة فى عام 1949 والبروتوكول الاضافى الصادر فى عام 1977 تشكل ما يعرف بالقانون العرفى الدولى تسوغ التدخل القضائى بموجب سلطة الولاية القضائية الدولية ؛ وبتطبيقها تم رفع طلب تسليم بريطانيا الرئيس التشيلى السابق الجنرال بينو شيه إلى محكمة إسبانية فى التسعينات ومحاكمة إيرلخمان فى اسرائيل فى الستينات.
 ان قضية توقيف الجنرال بينوشيه فى لندن فى عام 1998 وتسليمه إلى محكمة إسبانية لمحاكمته على جرائم القتل الجماعى والتعذيب والاختطافات اثناء ممارستة للاختصاص السيادى فى تشيلى احدث تطورا نوعيا فى القانون الدولى المعاصر بتقييد الحصانة السيادية بحق رؤساء الدول والحكومات على إثر قرار اللجنة القضائية فى مجلس اللوردات اعلى سلطة قضائية فى بريطانيا بأن التعذيب والتقتيل وجعل المواطنين رهائن ليس من الأفعال المشروعة للرؤساء ؛ ولذلك قضت بعدم تمتع الرئيس السابق بينوشيه بأى حصانة تدرأ عنه التوقيف والمقاضاة بالرغم من إصداره فى عام 1978 امرا رئاسيا منح بموجبه نفسه والمسؤولين فى حكومته حصانة رسمية من المساءلات الجنائية حيال انتهاكات حقوق الانسان؛ كما اصر عند التنازل عن الحكم على تضمين الدستور تلك الحصانة ضمن سياق الاتفاق على نظام انتقالى مدنى. ولذلك قرر مجلس اللوردات عدم إلزامية تلك التسوية للقضاء البريطانى ولا القانون الدولى.
 الثابت فى القانون الدولى امتثال دول اسبانيا وبريطانيا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا لامر توقيف بينوشيه الذى اصدرته محكمة إسبانية وبموجبه تم فتح قضايا قانونية ضده فى المانيا وايطاليا والسويد ولكسمبورغ وامريكا من قبل مواطنين تشيليين.
 إن قرار مجلس اللوردات الغى حكم رئيس قضاء بريطانيا "توماس بينغهام " الذى أصدرته المحكمة العليا البريطانية والقاضى بتمتع بينوشيه بحسبانه رئيس سابق بالحصانة الجنائية لكل الافعال التى صدرت منه بصفته رئيسا لدولة تشيلى ولذلك لا يمكن تسليمه لاسبانيا.
 الشاهد انه يمكن مقاضاة الرؤساء المقترفين لجرائم دولية بموجب القانون الدولى خارج إطار نظام روما الاساسى والذى عكس التطور القانونى حول الحصانة السيادية فى المادة 22 التى لا تسوغ الدفع بالحصانة ؛ وذلك وفق مبدأ الاختصاص الجنائى القانونى لمحاكمة الافراد المرتكبين لجرائم دولية محددة فى المحاكم الوطنية ؛ وذلك بغض النظرعن مكان ارتكابها او جنسية الضحايا او مرتكبى تلك الجرائم ؛ لأنها تصنف ضمن الجرائم المرتكبة ضد الانسانية جمعاء على شاكلة جرائم القرصنة وتجارة الرق والجرائم المرتكبة ضد اتفاقات جنيف لعام 1949 ، ومن بينها الابادة العرقية المجرّمة منذ محاكمات نورمبيرغ ضد النازيين فى عام 1948 وجرائم التعذيب والفصم العنصرى.
 كما يمكن مقاضاة تلك الجرائم بموجب القانون الدولى العرفى بناء على الاختصاص الجنائى الدولى ؛ ويمكن للمتضررين بشكل مباشر من جرائم حرب دارفور بالتقدم الى الاجهزة العدلية أين ما كانوا فى مهاجرهم الغربية والاطلسية بعرائض تطالب بتوقيف الجناة وتحظر دخولهم إليها لا سيما بعد توفر السند القانونى لشرعية تلك المناهضات القانونية وثبوت أثرها الايجابى فى تعديل مسار الافلات من العقوبة.


faran.idriss5@gmail.com

 

آراء