المترجم كقارئ .. ترجمة: بدرالدين حامد الهاشمى
المترجم كقارئ The Translator as a Reader
سطور من كتاب "تاريخ القراءة" بقلم: البيرتو مانويل Alberto Manguel
ترجمة: بدرالدين حامد الهاشمى
تقديم: البيرتو مانويل (1948م- ) كاتب ومترجم ومحرر أرجنتيني كندي الجنسية نشر بالإنجليزية والإسبانية عددا من الكتب والمقالات عن الترجمة والنقد والقراءة وتاريخها، وألف كذلك عددا من الروايات والكتب الأخرى، ونال عددا من الجوائز العالمية في أوربا وأمريكا الشمالية. اصدر كتاب "تاريخ القراءة" (والذي نقتطف منه بعض هذه السطور) في عام 1996م. المترجم.
--------------------------------------------------------
(1) في عام 1836م كتب العالم الألماني الكسندر فون همبلت (مستكشف ودبلوماسي وعالم ألماني مشهور في مجال العلوم الطبيعية عاش بين عامي 1767 - 1859م. المترجم) أن لكل لغة "شكلا لغويا داخليا" يعبر عن العالم الخاص للذين يتحدثون بها. يفهم من هذا الكلام أنه ليس هنالك كلمة فى أى لغة لها ما يطابقها تماما في لغة أخرى، وهذا مما يجعل الترجمة عملا مستحيلا أشبه بمحاولة تضفير حبل من الرمل أو رسم وجه الريح. يمكن للترجمة أن توجد فقط كنشاط شكلي ومتمرد عنيد لفهم ما هو مخبوء وغير مسترد في النص الأصلي عن طريق لغة المترجم.
عند قراءة نص ما بلغتنا الاصلية فإن النص نفسه يصبح عائقا، ويمكن لنا الغوص فيه فقط بمقدار ما تسمح لنا به الكلمات ومعانيها وتعريفاتها، واستدعاء وتأمل كل النصوص التى تشابهه أو تتعلق به، تماما كما لو كنا في قاعة مليئة بالمرايا. بإمكاننا إنشاء نص ناقد آخر ليضيف ويشرح ويضيء النص الذي نقرأه، ولكن ليس بإمكاننا أن نهرب من حقيقة أن لغة النص تمثل "حد نهاية كوننا". تصطنع الترجمة نوعا من "العالم الموازى" وفضاء وزمانا آخر يفصح النص فى رحابه عن معان ممكنة ومتميزة وإستثنائية أخرى. بيد أنه لا تتوفر كلمات للتعبير عن هذه المعانى إذ أن الكلمات توجد فقط فى بديهة أرض مجهولة المالك تقع بين لغة النص الأصلي ولغة المترجم.
(2) كان ..... يقرأ من أجل "الفهم/ الإحساس sense ليفك طلاسم نص لم يكتب بلغته، لكنه أجاد تلك اللغة بما يكفى لينظم بها شعره الخاص. يعتمد " الفهم " على اللغة المستخدمة. نجد أن الكاتب قد كتب شيئا بطريقة معينة ليس بالضرورة لأنه قد إختار أن يكتبه بتلك الطريقة، بل لأنه ينبغي كتابة الكلمات في تلك اللغة بتتابع معين لتتجمع وتعطى "فهما/ إحساسا" معينا، ويستحسن أن تحمل أيضا نوعا من الموسيقى، وأن تتحاشى بعض التراكيب والتعابير، إما لشذوذها، أو لإمكان فهمها على أكثر من وجه، أو لأنها لم تعد تستعمل. تتآمر كل الحيل العصرية في اللغة من أجل تفضيل استخدام مجموعة من الكلمات دون أخرى.
(3) كان ..... يقرأ من أجل "المعنى meaning . لا ريب إن الترجمة هي أعلى مراحل الفهم، والذي يقرأ نصا بقصد ترجمته يشتغل بأكثر عمليات "الأسئلة والأجوبة" نقاء في سبيل اصطياد (تصيد) أكثر الافكار غموضا ومراوغة. أقول "اصطياد" الفكرة وليس "نقلها"، فإن من طبيعة "كيمياء" هذا الضرب من القراءة أن المعنى فيها يستحيل فور ترجمته إلى معنى آخر مواز ومختلف. يمضى المعنى عند الشاعر في التقدم كلمة إثر أخرى، متحولا من لغة إلى إخرى.
(4) من المفترض (رسميا) أن توضح الترجمة النص وأن تستعيد معناه، بيد أننا نجد أن أي ترجمة ناجحة تختلف – بالضرورة- عن الأصل، إذ أنها تفترض أن النص الأصلى قد تم فهمه بعد أن تم هضمه وتجريده (بل تعريته) من غموضه الهش. عند الترجمة يستعيد النص – تحت قناع جديد- براءته الضائعة بعد القراءة الأولى، إذ أن القارئ يواجه – وللمرة الثانية- بنص جديد بغموضه الملازم.
هذا هو التاقض الظاهرى (paradox) في الترجمة والذي ليس للفكاك منه من سبيل، بيد أنه يمثل مصدر غناها أيضا.
نقلا عن "الأحداث"
badreldin ali <alibadreldin@hotmail.com>