المدافع لا تقتل الأوطان إنما يقتلها نضوب الأفكار

 


 

 

abudafair@hotmail.com

الدموع دليل حزن وأسي لكنها لم تعد قادرة لعلاج جراحاً غائرة في قلب وطن يُصبح ويُمسى الحزن فيه خبراً للأطفال، لكن الاكثر حزنا يوم ان تعامى النخب عن ابصار الحقيقة، فكان سبباً للمآسي والاحزان، بخلافٍ بسيط، نتيجة أمور تافهة وجدت طريقها إلى قلوب ممتلئة حقداً وحسداً، ونفوساً ملتهبة غلاً وضغينة، أعماهم الانتماء الأيديولوجي، يمييزون الناس على اساس اللون، العرق، الجنس، الدين، والجهة. لا بأس بوجود طوائف متباينة لكن على أساس المواطنة. فأيّ مصيبة يحصل للوطن نتقاسم مرارته جميعاً. العدل مذاقه مر لا ينادي به الا من ظُلم أو من له قلب سليم.

عقارب الساعة لن تدور للوراء، الندم لا يجدي نفعاً ولن يعيد لنا ما فقدناه. ثلة لا يزالون في الحرب سكارى، حيث لا تبقى ولا تذر، دموع ودماء أحزان ومآسي، خراب، هجرة الديار والاهل، نزوح، ودمار. فقدنا أحباباً يعز علينا فراقهم، لكن في آخر النفق ضوء أن تلاقحت الافكار يمكن أن ننجز ان كان لنا عقل واعي وقلب سليم، عن طريق جسر الصبر والتسامح، والعظة والعبرة من تجارب التاريخ ودول سبقتنا إلى هول الحروب. العدالة الانتقالية كنموذج ناجع لترسيخ مبدأ السلام، وتجربة اذهبوا فأنتم الطلقاء في التسامي، ضبطاً للنفس من الرغبة في الانتقام، والإبتعاد عن الكراهية، والحقد انعكاساً للشجاعة وتغليباً على الهوى رحمة بالمسيء تقديراً لجانب الضعف البشري، وتوثيقاً للروابط الاجتماعية التي تعرضت للوهن والانفصام. فوهة البندقية لا تأتي بالديموقراطية بل توفر فرص جديدة للاستبداد، لا خير فيها إلا بنهايتها ولا تنتهي في ميادين القتال إلا اذا انتهت في الأفكار.

معركة النباء والتعمير تحتاج النظرة إلى المصالح الآنية، وتأجيل الملفات المعقدة، وترتيب الأولويات، وتقديم حلول ساسية توقف الحرب وتسكت البندقية، وتقود بأتجاه الحريات العامة تعزيزاً لمبدأ الشراكة الموسعة نحو الاستقلالية والسيادة. بالمثال يتضح المقال، اسرائيل دخلت مع العرب في حروب مدمرة، وقفت معظم دول إفريقيا والهند والصين مع القضية العربية مع وقف الحرب. اسرائيل لم تنظر للذاكرة التاريخية، وقعت إتفاقيات معهم، بحساب المصلحة الآنية والاستفادة من الكتلة البشرية. ضُربت اليابان بالقنبلة الذرية، لم تكن ذاكرتها سمكية، لكنها نظرت للمسألة بعقلانيه، تحولت من بقعة سويت بالتراب، نساء ثكلى واطفال جياع حفاة عراه وشيوخ مهزومين نفسياً وجيش منهار وبقايا معاقين، تركت خلفها المآسي والآلام، لم تفكر بعقلية الانتقام تحملت المسؤولية، من دولة سويت بالارض مسحاً، إلا جبال من حطام، مسحت دموعها وضمدت جراحها ونفضت شعثها ونهضت من ركام رمادها، متحدياً الحصار. سألت نفسها، اسئلة ثلاثة غيرت حياتها من ضعف إلى قوة يتمنى الكل أن ينالها: اولاً؛ ما هو الشيء السيء في اخلاقنا، جعل الناس يكرهوننا لدرجة الضرب بقنبلة ذرية. ثانياً: اين جامعاتنا وعلماءنا وطلابنا، عندما صنع الناس القنبلة الذرية اين كانوا هم من التقدم في مثل هذه الصناعات، ثالثاً: لماذا لم تكتشف مناهجنا الدراسية الخلل الموجود في اخلاقنا وفي تعليمنا. أزاحت الركام من ترابها، جمعت الاشلاء في متحف ليكون عبرة وعظة للاجيال حتى لا ينهجوا نهج الاباء وإلا مزيداً من الدماء. علينا أن نطرح ذات الاسئلة، لماذا الحرب والدمار الظلم والظلمات، لابد ان ننظر الي الخلل بعقلانية وننقب عميقاً في الأفكار بدل التنقيب في الصحراء بحثاً عن المعادن،

التغيير لم يأتي الا بانفصال فكري بين الاجيال (الاباء والابناء). الرسالات السماوية والتطورات التاريخية كلها بمثابة انفصال فكري. لكن لكل قديم حراس، يقاومون، (بل قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٍۢ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهْتَدُون) حالنا الان يعد بمثابة انفصال فكري بين القديم والجديد، لابد من طي صفحة الماضي وتحويل الشعارات إلى افعال بدل التغني بالاماني والاحلام.

وطن يسع الجميع شعار، يعزز في قلوبنا حباً لبقعة عشقنا ترابها، منذ نعومة اظفارنا، مهما جار الزمان، تحُدنا امل الرجوع إليها والعيش على ضفاف انهارها وتحت ظلال اشجارها قد نختلف مع النظام لكن تظل الوطن خالداً في الوجدان، فشل العقل الجمعي، اليمين واليسار والإسلامي والعلماني، الشيوعي والبعثي، الختمية والانصار في انشاء وطن يسعنا جميعاً. منا من ينادي بالشريعة وفق فهمه، ومنا من يمني نفسه بدستور علماني وفق منظوره في الحالتين وطن لا يسعنا جميعاً، القاسم المشترك ما أسميته بالدولة القيمية، حيث لا تعارض بين الوهية النص وواقعية محتواه وانتمائه الى افق الفهم البشري، الذي يربط قيم الارض بالسماء والاسباب بالمسببات، لإعادة التوازن بين الوجود والغيب، والعقل والعاطفة، والذات والمجتمع، والأنا والآخر، وغيرها من الثنائيات التي مهما أنكرناها، ماثلة في طبيعة الوجود. تقوم على ثلاثة ركائز أساسية اولها: القيم الانسانية ثانيها: كرامة الإنسان ثالثها: حقوق الإنسان، اذا ما توفرت تلك العناصر، تُصبح دولة مدنية تسع الجميع، دستورها تساوى بين المسلمين وغيرهم من اليهود والنصاري امام العدالة بلا محسوبية ولا تمييز. دولة المساواة السياسية في توزيع المناصب والعدالة الاقتصادية التي تنظم الثروة وتوزيعها بطريقة عادلة، للنساء والرجال نفس الفرص في الحقوق والواجبات في كآفة المجالات. تمكين الكل من الوصول إلى الخدمات العامة، التعليم، والرعاية الصحية، ونظام العدالة. تفعيل القوانين لمكافحة الظلم، ومعالجة الاسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي لعدم المساواة بأنشاء نظم للعدالة تراقب حالات التمييز وتعمل على إنصاف الضحايا.

المواطنة امر يتعلق بجميع المواطنين وسريانها في الواقع ومجريات الامور. هي الانتماء للوطن على اساس الرابطة الوطنية واستحقاقاتها ومقتضياتها وليس على اساس الدين او العرق او الجنس او غير ذلك. وهي لصيقة بالمدنية والابن الشرعي للحرية ورديفة للديمقراطية، قرينة للعدالة والكرامة الانسانية. تعزز الاطار التعاقدي الرضائي بإرادة حرة لا وصاية فيها ولا اكراه ولا استبداد. قادرة على صهر العوامل المتنافرة لصالح وحدة مكوناتها عبر متلازمة الحقوق والواجبات. نبذ الفكر المغلق الذي يستند لذرائع وهمية، أو دينية أو فئوية لتفكيك النسيج الاجتماعي. الانتظام ضمن دولة تحرير العقل من وهم الاستكانة والاستسلام، تدين لها بالولاء وتحترم دستورها وقانونها، وتقدم تصور معرفي جديد لمحاربة التنميط في سياقه القديم وتشكلاته التاريخية والثقافية والاجتماعية، وتأطر للمشاركة في الحوار كأفضل طيب لعلاج الافكار، وإلا سوف تحاصرنا الأفكار المريضة في زنزانة المآسي حيث الحُكام لُصوص، يكسبون الرزق بلا عرق وينامون بلا قلق، ويعيشون بلا ارق، فالطبيب ليس من يصف الدواء بل من يضع يده على موطن الداء.
Abudafair@hotmail.com
///////////////////////

 

آراء