المعركة من أجل أوراسيا (1 ـ 2) من العولمة إلى الجغرافيا السياسية .. بقلم بيرجيت ماهنكوبف .. تقديم وترجمة: فادية فضّة وحامد فضل الله

 


 

 

بقلم بيرجيت ماهنكوبف Birgit Mahnkopf
تقديم وترجمة: فادية فضّة وحامد فضل الله
مدخل:
إنّ البحث القيّم والهام، والذي نستعرضهُ الآن وقد صدر تواً في المجلة الشهريّة "أوراق للسياسة الألمانية
والدولية"، يُظهر حرب روسيا ضدّ أوكرانيا بوضوح: أن ليس أزمة المناخ فحسب، وبل النزاعات حول القوّة الإقليمية والوصول إلى المواد الخام، ستشتد بشكلٍ كبيرٍ في المستقبل أيضاً. تُدرك وتُشير ماهنكوبف أستاذ (متقاعد) للسياسة الاجتماعية الأوروبية في كلية برلين للاقتصاد والقانون، وعضو في المجلس الاستشاري العلمي في أتاك (Attac ) المانيا، بعودة سياسات القوة الجيوسياسية الكلاسيكية، خاصّة في المنطقة الأوروبيّة الآسيوية.
إلى النص:
ظهر في المجلة العلمية الشهيرة PNAS، في بداية شهر آب/أغسطس، منشور للجمهور العالمي، من علماء المناخ الأكثر تأثيراً في العالم، يسلّط الضوء على "حربنا على الكوكب": تحت عنوان "نهاية اللعبة المناخيّة"، يدعو العلماء إلى إلقاء نظرة على "أسوأ السيناريوهات" الناتجة عن ارتفاع درجة حرارة مناخ الأرض من 2.1 إلى 3.9 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين. هذا هو الطريق الذي نسير فيه. من الواضح أنّ مدى تعقيد التفاعلات في النماذج المقدمة من الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) قد تمّ التقليل من شأنها بشكل أساسي. لكنه كان يتماشى مع منطق مفاوضات باريس المناخيّة في عام 2015، للتركيز على الاحترار العالمي الوشيك بدرجة 1.5 درجة مقارنة بمستوى ما قبل الصناعة - ولكن دون افتراض إمكانية حدوث تطور أكثر خطورة. لقد لعب مجتمع أبحاث المناخ، الذي لا يريد أن يُفقد مصداقيته على أنّه "مثير للقلق"، دوراً في التخفيف من حدّة الافتراضات حول كارثة بيئية وشيكة. لا ينتظر من صانعي القرار السياسي، الذين يعتبرون نظام الرأسمالية الصناعية القائم على الطاقة الأحفورية مقدساً، سوى أن يتحدثوا بلطف ويتوقعوا حسابات لطيفة. لكن المنظمات غير الحكوميّة شاركت أيضاً في لعبة خداع الذات الخطيرة - في الغالب بسبب الاقتناع بأنّ القرارات السياسية يجب أن "تبدو جذابة" حتى يكون لها على الأقل فرصة ضئيلة للتنفيذ.
لا ينبغي أن يكون هناك في الواقع أي حديث عن تغير مناخيّ تدريجي، يمكن التحكم فيه بالوسائل التقليدية. في أوقات الكوارث المناخية التي نشهدها بالفعل في العديد من الأماكن وتزايد الصعوبات الوجودية، يجب توقع زيادة الصراعات العنيفة داخل البلدان وفيما بينها. في المستقبل القريب، كما تنص دراسة باحثي المناخ، يمكن افتراض "الفشل المتزامن"، والذي يمكن أن يؤثر على البلدان والأنظمة على مستوى العالم - يمكن مقارنته بديناميكية الدومينو التي أطلقت على الأزمة المالية العالمية لعام 2007/2008. ولكن إذا تم الوصول إلى عتبة معينة من الفوضى! - وهو ما يعني في اللغة اليومية فائضاً من الفوضى، ولكن بالمعنى العلمي قبل كل شيء عدم القدرة على التنبؤ بالعمليات - يهدد الانهيار المتزامن للأنظمة البيئية والاجتماعية، (سيطرة الهمجية في التعامل) الكياسة في الطريقة التي يتعامل بها الناس مع بعضهم البعض، حتى قبل أن تنتهي حضارتهم .
عودة المواجهات الجيوسياسية
ومع ذلك، لا توجد في أوروبا ولا في مناطق أخرى من العالم أيّة ردود فعل على هذه التطورات بإجراءات سياسية يمكن أن تتجنب أسوأ الحالات. نشهد بدلاً من ذلك زيادة في المواجهات الجيوسياسية، وإن كانت بأدوات مختلفة عمّا كانت عليه في بداية القرن العشرين، مع فاعلين أخرين، وقبل كلّ شيء، في ظلّ ظروف "ذروة " التي لم تكن موجودة في ذلك الوقت.
تمّ في الثلاثين عاماً الماضية، وضع ديناميكية نمو غير طبيعية، مرة أخرى في عملية "تسريع كبير" بواسطة الاقتصاد الجغرافي، والتي كانت قد بدأت فعلياً بالرأسمالية الصناعية منذ حوالي 250 عاماً. كان الأمر دائماً يتعلق بفتح الأسواق وحصص السوق وربطها والسيطرة عليها. حدث هذا في المقام الأول، وإن لم يكن حصرياً، من خلال استخدام القوة الناعمة: من خلال التوسع غير الرسمي للسلطة عبر وضع المعايير والقواعد - مثل المعايير الفنية، ولكن أيضاً في معايير حقوق الإنسان - أو من خلال السيطرة غير المباشرة على قواعد نظام التجارة العالمي. وعلى نفس القدر من الأهمية كان التأثير الذي تمارسه الدول الصناعية الغربية من خلال المنظمات الدولية وعدد كبير من المجموعات غير الرسمية، بما في ذلك مجتمعات الأعمال والمنظمات غير الحكومية. هذه هي الطريقة التي يجب أن يتم بها تنفيذ أهداف المنافسة الجغرافية الاقتصادية: إنشاء شبه احتكارات؛ ممارسة السلطة خارج أراضي الدول القومية الفردية؛ السيطرة على البنى التحتيّة ذات الأهمية النظاميّة؛ ولكن قبل كلّ شيء الوصول المميز إلى الموارد من أي نوع.
يتم متابعة هذه الأهداف بشكلٍ متزايدٍ بوسائل الجغرافيا السياسية. لا يتعلق هذا بأيّ حالٍ من الأحوال بمواجهة تاريخية بين "الغرب الحرّ" و "روسيا الرجعية" أو الدفاع العالمي عن "سياسة خارجية قائمة على معايير - وهميّة - ضدّ حكام استبداديين من جميع الأطياف.
إنّ الربط الحالي للأراضي من خلال سياسات القوّة يتعلق مرّة أخرى بالسيطرة على المساحات الجغرافية من خلال التوسع في الفضاء السيادي للدول الأخرى - في الجوّ والبرّ والبحر - بهدف تعظيم القوّة الاقتصادية والعسكرية. إن الوسائل المستخدمة هي نفسها إلى حدّ ما كما كانت من قبل تحت راية العولمة، مثل وضع المعايير من خلال أدوات السياسة المالية والإنمائية أو تمويل وتخطيط وبناء البنى التحتية في المنطقة السيادية للدول الأخرى. ومع ذلك، يتم استخدام أدوات أقل "لينة" أيضاً في الجغرافيا السياسية الجديدة: تغيير النظام الذي يتمّ التحكم فيه من منطقة غير تابعة للدولة من خلال دعم مجموعات سكانية مختارة؛ تمويل الانتفاضات، أو مؤخراً، استخدام الطائرات بدون طيار لقتل الممثلين غير المرغوب فيهم لقوة أجنبية من بعيد. كما لا يتم بالطبع، ازدراء أدوات الجغرافيا السياسية المعروفة: احتلال الأراضي والسيطرة عليها والدفاع عنها في حروب بالوكالة والتدخل العسكري مع أو بدون إعلان الحرب.
يصعب تضييق نطاق الأهداف الشاملة للمواجهة الجيوسياسية، لأنّ عدداً كبيراً من المخاوف غالباً ما يتم دمجها. ومع ذلك، في معظم الحالات، يتعلّق الأمر بالحفاظ على الأمن القومي وإرساء التفوق العسكري و/أو منح المستثمرين إمكانية الوصول إلى الموارد الاستراتيجية. ومع ذلك ، فمنذ العصر الرقمي، فإنّ أيّ تقنيةٍ جديدةٍ يمكن استخدامها لأغراض مدنيّة لها أصولها في التطبيقات العسكرية أو يمكن استخدامها من أجلها، بما في ذلك الهدف الجيوسياسي المتمثل في الحفاظ على الأمن القومي وإرساء التفوق العسكري وضرورة إنشاء "السيادة التكنولوجية" والدفاع عنها. هذه هي الطريقة التي يراها اليوم اللاعبان الكبيران في المواجهة الجيوسياسية، الولايات المتحدة والصين، وهذه هي الطريقة التي يراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكممثل للاتحاد الأوروبي. ولكن في أي مناطق جغرافية تتركز الصراعات الجيوسياسية الحالية؟ قد يعتقد أي شخص يقرأ الصحف اليومية أن الأمر يتعلق أساساً بالحدود الشرقية لحلف الناتو. لكن الجغرافيا السياسية الجديدة لا تتعلق بأوكرانيا، حتى لو كانت من خلال موقعها الجغرافي حالة عازلة قوية بين كتلتين من القوى، مع معادن مرغوبة، وموارد زراعية ومعدنية. لكن حرب أوكرانيا بلا شكّ جزء من الصراع من أجل "نظام عالمي جديد" - بين الولايات المتحدة، الدولة المهيمنة القديمة المريضة، والصين، القوّة المهيمنة الجديدة التي تناضل من أجل الهيمنة على العالم. وقبل وقت طويل من انتهائها، أحدثت هذه الحرب تغييراً في اللعبة من حيث دور الاتحاد الأوروبي في لعب القوة الجيوسياسية للولايات المتحدة.
في الحرب من أجل "جزيرة العالم الكبيرة"
لا تزال الصراعات الجيوسياسية تدور حول نفس المنطقة كما كانت في بداية القرن العشرين. في ذلك الوقت، وصف الجغرافي البريطاني هالفورد ماكيندر الكتلة البريّة الشاسعة لمنطقة أوراسيا، بما في ذلك إفريقيا، بأنّها "جزيرة العالم" الكبيرة، التي تضمّ ثلاث قارّات متقاربة وتمثل "قلب" العالم. تحتوي اليوم على آخر الموارد الرئيسية وآخر الاحتياطيات المفترضة من المواد الخام الأحفورية - وإلى حدّ بعيد أكبر كمية من المعادن والفلزات (المركبات الصلبة) المطلوبة لجميع تقنيات الرقمنة المدنية والعسكرية، ولكن أيضاً لتوليد الطاقة من مصادر مُتجددة و التنقل الإلكتروني، للصناعة الكيميائية وصناعة الطيران، وكذلك للمعدات الطبية للمجتمعات الصناعية الحديثة.
لقد تمّ كما هو معروف، تطوير هذه الكتلة الأرضيّة الأوروبيّة الآسيوية الضخمة لعقد من الزمن من قبل جهة فاعلة تتمتع بقوة ماليّة وتكنولوجية هائلة: من خلال مبادرة الحزام والطريق، تريد الصين بناء شبكة ثلاثية القارات، من السكك الحديدية وخطوط أنابيب النفط والغاز والبنية التحتية الصناعية - بما في ذلك وقبل كلّ شيء محطات الطاقة والموانئ وشبكات الكهرباء – أنشاء "أكبر سوق بإمكانيات لا مثيل لها"، وفقاً لما قاله الرئيس شي جين بينغ في خطاب ألقاه عام 2013 في جامعة نزارباييف في كازاخستان. وفي الوقت نفسه، تؤمن الصين الوصول إلى العديد من رواسب المواد الخام "الاستراتيجية" عبر شركاتها المملوكة للدولة. وفي الوقت نفسه، يمكن لوصلات الطرق والسكك الحديدية عبر القارة الأوروبية الآسيوية، بمجرد اكتمالها، نقل البضائع بين الشرق والغرب، أسرع بكثير من حركة السفن ، ولكن أيضاً من إفريقيا إلى أوروبا وآسيا. بالإضافة إلى ذلك، ستكون طرق النقل هذه أقل تعرضاً من الممرات المائية المستخدمة حتى الآن لمخاطر الحصار من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. لأن الصين، على عكس القوى الإمبريالية القديمة لأوروبا والولايات المتحدة، لم تعامل القارة الأفريقية على أنها مكان "عرضي جانبي"، يمكن للجمهورية الشعبية أن تحقق ما حاولته جميع القوى المهيمنة في العالم لمدة 500 عام: السيطرة على كتلة الأرض ثلاثية القارات، التي يعيش عليها 70 في المائة من سكان العالم.
ومع ذلك، تظل أوراسيا أيضاً ذات أهمية أساسية بالنسبة للأوروبيين، خاصة فيما يتعلق بأمن الطاقة لديهم. لكن هذه هي المنطقة أيضاً، التي كتب فيها زبيغنيو بريجنسكي، وهو مستشار مؤثر للإدارات الأمريكية من رونالد ريغان إلى باراك أوباما، أن من يحكم هذه المساحة الشاسعة من الأرض يحكم العالم أيضاً. لذلك كانت منذ أوائل التسعينيات، عقيدة السياسة الخارجية للولايات المتحدة هي أنه لا ينبغي لأي قوة أن تكتسب القدرة على طرد الولايات المتحدة (البعيدة عن القارة!) خارج أوراسيا. هذا هو الغرض من نشر حوالي 750 قاعدة عسكرية أمريكية في 80 دولة، أقامت "حلقة حديدية حول أوراسيا" وتشمل اليوم "المنطقة المحورية" الموسعة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. توضح استراتيجية الأمن القومي الأمريكية، التي نُشرت في عام 2017 تحت عنوان "منافسة القوى العظمى"، هذا الأمر بوضوح لا لبس فيه. وعليه، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في "منافسة لا هوادة فيها مع روسيا والصين"؛ مما يجبرهم على تطوير جميع الإمكانات الاقتصادية والتكنولوجية بشكل كامل من أجل التمكن من وقف سعي الصين للسيطرة على العالم في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
نظراً لأن توافر مصادر الطاقة يلعب دوراً رئيسياً، يُنظر إلى الصين على أنّها الخصم الرئيسي، لكن روسيا مستهدفة أيضاً كمورد للطاقة. من وجهة النظر هذه، تعمل أوروبا من ناحية كجسر عسكري إلى أوراسيا، باعتبارها "قوّة عظمى طبيعية" يجب أن تفي بالتزاماتها من التحالف التقليدي والنووي، أي في المستقبل يجب أن تكون قادرة على شنّ الحرب بنفسها، و يجب ألاّ - مثل ألمانيا على وجه الخصوص - "تعيش على شحم بطولة العالم بالتصدير" من ناحية أخرى، يُنظر إلى الاتحاد الأوروبي أيضاً على أنّه سوق كبيرة يمكن غزوها من قبل الشركات (التقنية) الأمريكية أو الصينية.
الجوانب الجديدة للجغرافيا السياسية الحالية
كان مشروع العولمة في التسعينيات من القرن الماضي يدور أيضاً حول غزو السوق والسيطرة عليه وكذلك حول نهب جميع الموارد النشطة وغير النشطة بعيداً عن المراكز الصناعية القديمة. ومع ذلك، فإن اليوم للجغرافيا السياسية، بعض الجوانب الجديدة: أولاً، يظلّ الوقود الأحفوري "شريان الحياة للرأسمالية" على الرغم من كلّ "الوعود الخضراء". لأنّه فقط من خلال استخراجه القاسي، وتركيزه ونقله المحتمل عبر مسافات طويلة، وكذلك بفضل التخزين السهل نسبياً للطاقة الأحفورية كثيفة الطاقة، يمكن الاستمرار في بنائه على تلك "الأشكال السحريّة" التي جعلت النمو الاقتصادي غير الطبيعي تاريخياً ممكناً خلال الـ 250 سنة الماضية - جعلت من الممكن الزيادة في إنتاج الطاقة لكلّ هكتار من الأرض على كوكب ذي مساحة محدودة.
ثانياً تجاوزت معظم احتياطيات النفط والغاز مستويات إنتاجها القصوى بوقتٍ طويلٍ. فقط، في "الدول المارقة مثل إيران وفنزويلا وروسيا لم يحدث هذا بعد. مع كلّ النفط المكتشف حديثا. وحقول الغاز أخذ ما يسمى بعامل الحصاد في الانخفاض بشكل مطرد منذ عام 2006؛ في عام 2019، مقابل كلّ برميل نفط جديد يتم اكتشافه، كانت هناك حاجة إلى خمسة براميل لتطويره. ومع ذلك، مع استمرار ارتفاع الطلب، أصبح من المربح إنتاج نفط غير تقليدي من أعماق البحار أو من رمال القطران، وكذلك من الغاز الناتج عن الطريقة المعقدة تقنياً والمدمّرة للغاية من الناحية البيئية المتمثلة في تفجير الصخور من خلال "التكسير الأفقي".
بسبب طفرة التكسير أو التصديع المائي، أصبحت الولايات المتحدة بحكم الواقع مكتفية ذاتيا من الغاز؛ ومنذ وقت طويل يحاولون جني فوائد جيوسياسية منه. لقد مارس الرئيس دونالد ترامب بالفعل ضغوطًا على الحلفاء الأوروبيين بفرض رسوم جمركية عقابيّة بسبب وارداتهم من النفط والغاز من روسيا. لكن خليفته جو بايدن فقط كان قادراً على أن يعلن للصحافة في 2 فبراير 2022 - أي قبل غزو روسيا لأوكرانيا - أن الولايات المتحدة ستمنع تشغيل خطّ أنابيب نورد ستريم 2 من روسيا إلى ألمانيا. منذ ذلك الحين، لم يقف أي شيء في طريق توسيع البنية التحتية للغاز السائل على جانبي المحيط الأطلسي - وتم تأمين أسواق مبيعات غاز التكسير(التصديع) الأمريكي الباهظ الثمن في أوروبا لعقود. تشير التقديرات إلى أن أوروبا ستشتري 170 مليار متر مكعب من الولايات المتحدة في عام 2030 بدلاً من 20 مليار متر مكعب السابقة؛ من شأنه أن يكون أكثر بكثير من 157 مليار التي أتت من روسيا حتى الآن.
ثالثاً، من المتوقع حدوث العديد من تأثيرات تسجيل الدخول المرتبطة ببناء وصيانة البنى التحتية للوقود الأحفوري: تعمل خطوط الأنابيب على توسيع نطاق سلطة الدولة ونفوذها وربطها، مما يسمح للحكومة (الحكومات) والاقتصاد (الاقتصاديات) في أحد طرفيها بممارسة السيطرة على نظرائهم في الطرف الآخر. من ناحية أخرى، تمثل خطوط الأنابيب استثمارات عالية المخاطر ومكلفة للغاية لا تؤتي ثمارها إلاّ من خلال العقود طويلة الأجل. من ناحية أخرى، فهي تضمن الوصول غير المباشر إلى مناطق الإنتاج خارج سيادتها وتمكن من التأثير على حجم إنتاج وأسعار النفط والغاز من خلال الضغط، أو الابتزاز، أو العقوبات أو التدخل العسكري. وما ينطبق على خطوط الأنابيب، تلعب بناء شبكات الكهرباء دوراً رئيسياً (في شكل معدل) أيضاً. إذا أرادت دول الاتحاد الأوروبي الآن تحرير نفسها من الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية، لكنّها ستغطي استهلاكها المرتفع للطاقة في المستقبل عن طريق استيراد الغاز السائل (خاصة) من الولايات المتحدة، فسيتم تبادل أقطاب التبعية فقط.
مع الاختلاف الجوهري بين الخيارين في آلية الولوج في البنى التحتية الأحفورية، رابعاً: يكون استبدال غاز خط الأنابيب من روسيا بغاز التصديع من الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط قراراً لصالح البديل الأكثر ضرراً بيئياً للغاز الأحفوري، ولكن قبل كل شيء للمنتج الأكثر تكلفة على المدى الطويل. يشير هذا إلى بُعد غالباً ما يتم تجاهله في الجغرافيا السياسية الجديدة حول مصادر الطاقة: لا يتعلق الأمر أبداً بكميات الوقود الأحفوري التي تعتمد عليها الرأسمالية الصناعية الحديثة. يتعلق الأمر دائمًا وأيضاً بـ "النفط الورقي"، أي أسعار النفط والغاز التي يتم توليدها في بورصات العقود الآجلة الدولية من قبل التجار من القطاع الخاص للطلب المحتمل في الغد وحول العملة التي يتم تحرير فواتير بها. في هذا الصدد، فمن المحتمل أن يبشر عام 2022 بـ "نقطة تحول" - لزيادة أسعار الوقود الأحفوري أيضاً، وبالتالي إلى استقرار الدولار، الذي تعرض للضرب في السنوات الأخيرة، كعملة يتم فيها تسوية ليس فقط "شريان حياة الرأسمالية" ولكن معظم السلع والخدمات التجارية في العالم أيضاً.
خامساً، يجب أن نتذكر أن مفاوضات المناخ في(COP26) في غلاسكو في شتاء عام 2021 والإعلان عن الصفقات الخضراء في أوروبا والولايات المتحدة يجب أن ترسل إشارة قوية للمستثمرين بأنّ التعامل مع الوقود الأحفوري لن يكون مجدياً على المدى الطويل. لذلك سيكون من الحكمة الاستثمار في مصادر الطاقة "الخضراء" والبنية التحتية المرتبطة بها في أسرع وقت ممكن. ولكن اليوم، بالتوازي مع العديد من القنابل المتفجرة الجديدة، يتم تصنيع قنابل كربونية عملاقة جديدة وهناك طلب متزايد عليها في أوروبا منذ بداية حرب أوكرانيا. هكذا وصف صحفيو الجارديان ما يقرب من 200 مشروع جديد للنفط والغاز يجري تطويرها حالياً؛ ستضيف هذه وحدها مليار طن آخر من ثاني أكسيد الكربون إلى 36.3 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون المنبعثة على مستوى العالم في عام 2021.

hamidfadlalla1936@gmail.com

 

آراء