الملائكة يصوتون للمؤتمر الوطني….وعملية “تستبدلون”!!! … بقلم: د.عثمان إبراهيم عثمان

 


 

 

د.عثمان إبراهيم عثمان

  الشعب يحتار!!!! كان عنواني المفضل لهذا المقال، مقتبساً من تغطية "قناة الشروق" الفضائية للانتخابات السودانية بعد انتهاء الحملة الانتخابية تحت عنوان "الشعب يختار"؛ فأظهرت فيه قناة الوالي انحيازاً بيناً لحزب المؤتمر الوطني، منذ بداية الحملة الانتخابية، وبتضييق يزداد مع الأيام لمساحة أحزاب المعارضة، كما لم تعكس البيانين الأوليين لمركز كارتر، والمجموعة الأوروبية عن الانتخابات، بالشفافية المطلوبة، ناسية، أو متناسية أن هناك خيارات كثر أمام المشاهد للحصول على معلومات ذات مصداقية؛ مما أفقدها عذريتها الإعلامية، فلم تعد تستهوى من يبحثون عن الإعلام النزيه، وغير المنحاز.

   حدث نفس الشيء، مع "قناة ساهور" وبصورة بائسة، وبشعة، وفيها استغلال شنيع لحب السودانيين لنبي هذه الأمة (محمد صلى الله عليه وسلم)؛ فبعد أن كانت كل المساحة الإعلامية مسخرة لمدح البشير(ص)، والصلاة عليه؛ صارت تورد المشاهدين السم الزعاف، في صبحها، ومسائها، بتمجيد المشير(م)؛ فهجرناها بعد أن كنا نستمع فيها لأعذب الكلمات، والألحان.

   فإذا كان هذا غير مستغرب من هاتين القناتين، بحسبانهما  مملوكتين لحزب المؤتمر الوطني، الذي دفع تكاليفهما من حر مال الشعب السوداني؛ فما بال التلفزيون القومي لم يستطع صبراً على المساحة الضيقة التي أتاحها لأحزاب المعارضة، والفعاليات الانتخابية لم تستكمل بعد، ولسان حاله يقول:" ياخ ديل قوموا نفسنا"، فأعاد نفس الوجوه القديمة؛ ليطل علينا مجدداً الدكتور حسن عابدين، تحت لافتة أستاذ التأريخ بجامعة الخرطوم، والبروفسير حسن الساعوري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، والدكتور صفوت صبحي فانوس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم؛ فإذا غابت الشفافية، والمصداقية، عن إدارة التلفزيون القومي كالعهد بها، لم لم يتزين هؤلاء الجهابذة بشجاعة التصريح بانتمائهم لحزب المؤتمر الوطني؟ فالأول كان سفيراً لسودان الإنقاذ بالملكة المتحدة، حتى وقت قريب؛ والثاني مدير أسبق لجامعة النيلين، أما الأخير فهو قيادي بالمؤتمر الوطني "عديل كده" عن طائفة الأقباط بالسودان.

  قبل أن أبرح هذه الجزئية، لفت انتباهي حديث أدلي به الدكتور حسن عابدين، عندما استضافه التلفزيون القومي في فترة أخبار العاشرة من يوم السبت 17/4/2010م، يدعو فيه لتمديد الفترة الانتقالية، وتأخير استحقاق استفتاء شعب الجنوب على حق تقرير المصير حتى يتمكن الشريكان من جعل خيار الوحدة جاذباً. فأقول له: لم لم تطرحوا على حزبكم تأجيل الانتخابات حتى يتمكن الجميع من أنجاز أمور كثيرة من بينها الخيار الجاذب للوحدة؟ لقد أصر حزبكم على قيام الانتخابات في موعدها، وعلي عدم تأجيلها، ولو ليوم واحد، رغم أن الحركة الشعبية رهنت موافقتها على التأجيل بموافقة حزبكم. ألا يعلم الدكتور المبجل، وهو أستاذ التأريخ الموسوعي، أن استحقاق الاستفتاء مرده الارتياب من أفاعيل جلابة الخرطوم!!! أم هو حديث قصد به حزبكم اختبار رد فعل الحركة الشعبية التي أظهرت حساسية مفرطة تجاه تأجيل الاستفتاء، الأمر الذي دفعها للتضحية بمرشحها لرئاسة الجمهورية رغم حظوظه البينة في المنافسة القوية على المنصب؟ هل هي أحدى ألاعيب المؤتمر الوطني، ليتحدث الناس عن رؤية حسن عابدين، على نسق مثلث حمدي؟ لقد أبدت الحركة الشعبية، وعلى لسان كبار مسؤوليها شكوكها الموثقة، وريبتها المشهودة من تنطع المؤتمر الوطني على مدى الخمس سنوات الفائتة، وتعمده عدم الإيفاء بمستحقات اتفاقية السلام الشامل، والدستور الانتقالي؛ وفي ظنهم أن حزب المؤتمر الوطني سيعتمد أسلوب المماحكة فيما تبقى من استحقاقات مهمة مثل: ترسيم الحدود بين الشمال، والجنوب، وعدم تنفيذ بروتوكول منطقة أبيي، وعدم تعيين مفوضية الاستفتاء، وأي قضايا أخرى عالقة؛ ومن ثم تأخير استحقاق الاستفتاء عن موعده المضروب في يناير 2011م؛ مما يقود لاشعال الحرب بين الشمال، والجنوب مجدداً؛ فإن سلمت الجرة في المرات السابقة فلن تسلم هذه المرة. ففي ظني أن هذه ما سيلجأ إليه المؤتمر الوطني، ليعود لمربع الإنقاذ الأول، عبر لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ليقهر مناوئيه في الشمال؛ خاصة بعد أن فقد الأمل في شرعية مرتجاة إثر تزويره للانتخابات، وإعلان جميع الأحزاب المشاركة، وغير المشاركة، بعدم الاعتراف بها، واعتبارها كأن لم تكن.

 دعني، عزيزي القارئ، أعود مجدداً للسبب الذي جعلني أفضل العنوان أعلاه على الآخر، رغم قصره، ودلالته الكاراكاتيرية. فقبيل مفاصلة القصر، والمنشية، توليت منصب نائب عميد كلية العلوم، وكان حينها البروفسير المجاهد الزبير بشير طه مديراً لجامعة الخرطوم؛ فأنبت في أحيان كثيرة عن عميد الكلية بحضور اجتماعات عديدة تحت رئاسته؛ التي كان يبتدرها، في مرات عديدة، بإحدى قصص الجهاد في أحراش الجنوب، وما أكثرها تداولاً في تلك الأيام البائسة من تأريخ السودان، حتى سئمها العمداء الموالون أنفسهم، فلا تسمع ترديد التكبير المعهود في مثل هذه الحالات. درج البروفسير المجاهد أن يمضي معظم وقته "بمناطق العمليات"، بوصفه أميراً للمجاهدين، وذلك إبان فترة توليه منصب نائب مدير الجامعة؛ وكان في الأيام القليلة التي يعود فيها لمزاولة مهامه بالجامعة يكون مرتدياً للزى العسكري الكامل، مطقماً بالبوريه، والعصاة؛ ولكنه ترك هذا الزى بعد أن صار مديراً للجامعة!!!! تعود تفاصيل القصة كما يحكيها أمير المجاهدين، بأن طلاب الطب المتواجدين في مناطق العمليات بالجنوب عندما يرغبون في مذاكرة دروسهم يلجئون إلي جثث القتلى من المتمردين – ألا يعد ذلك انتهاكاً لحرمة الموتى؟- ؛ فلاحظوا أن كل الجماجم التي درسوها تحوي ثقوباً من الخلف، متساوية المساحة، وفي نفس الموضع؛ وأن هذه الأمور قد أثارت انتباههم، خاصة وأنهم يعلمون، من ناحية تشريحية، ألا وجود لهذه الثقوب، في جماجم البشر، كما أن المجاهدين لا يملكون سلاحاً يمكن أن يحدث هذا النوع من الثقوب بالجماجم؛ فيرجع أمير المجاهدين هذه الظاهرة إلى اشتراك الملائكة مع المجاهدين في حربهم ضد الكفار؛ أسوة باشتراك الملائكة في غزوة بدر الكبرى!!! تخيل، عزيزي القارئ، الدرك السحيق الذي وصلت إليه الجامعة على أعلى مستوياتها في تلك الفترة!!!

  تذكرت هذه القصة المملة التي ظل يتحفنا بها البروفسير المجاهد، دون كلل أو ملل، وبغير تجاوب من الحضور؛ وأنا استعرض مآلات الانتخابات السودانية، فبرغم مقاطعة أحزاب معتبرة للاقتراع، والهرجلة التى ضربت بأطنابها عملية الاقتراع في اليوم الأول بكامله، وجزء من اليوم الثاني، والحضور الضعيف في بقية الأيام، بشهادة الجهات الرسمية؛ إلا أن "المقوضية" ظلت تتحدث عن نسبة مشاركة عالية منذ البداية، لتستقر على نسبة 60% في نهاية المطاف؛ التي شكك فيها البيان الأولي لمركز كارتر:"إن المشاكل المتعلقة بقوائم تسجيل الناخبين قد مثلت أعظم نكسة للعملية الانتخابية، وأجبرت أعداد كبيرة من الذين يحق لهم الاقتراع، بالامتناع عن التصويت، مما أثر على التمثيل الحقيقي للمقترعين"(البيان المشار إليه صفحة 15)!!!! والشعب يتفرج، ويحتار. كيف إذن تحصلت "المقوضية" على هذه النسبة العالية من التصويت؟ للتعاطي مع هذه الحيرة، في ظل هذه المعوقات العملية، سنلجأ لمقاربة البروفسير المجاهد، آنفة الذكر؛ بوجوب تدخل قوة خارقة تنقذ العملية الانتخابية، وتقف إلي جانب أصحاب المشروع الحضاري، والحزب الرسالي؛ وهذه بالطبع لن تكون ممثلة في الشياطين الذين لن يمدوا يد العون لهؤلاء "الأطهار"؛ رغم أن العملية الانتخابية، والديمقراطية نفسها، حسب هؤلاء الرساليون، هما رجس من عمل الشيطان؛ وأن دخولهم لساحة التنافس الانتخابي، ما هي إلا عبادة لله، سبحانه وتعالى، كما صرح بذلك مرشحهم لرئاسة الجمهورية أكثر من مرة.

 ألا تعلم يا هذا.... إنه فقه الضرورة؛ الذي شرعه شيخهم الذي علمهم السحر، فصاروا أعظم سحراً منه؛ فتغزل في العملية الانتخابية صباحاً، عندما ظن أن تلاميذه سيمنحونه النسبة التي تؤهله لرئاسة الجلسة الافتتاحية للبرلمان على الأقل، ولم يلبث أن قذفها بأقذع الألفاظ، مساءً، عندما تيقن أنهم لن يقيموه بأكثر من نصف النسبة المؤهلة لمبتغاه.... اللهم لا شماتة!!! لم يطلق الشيخ اتهامات التزوير على عواهنها، وإنما نسبها لمصادر سياسية، وأمنية عليا، وأفصح بأنه سيلجأ للقضاء على الرغم من أنه أبدى عدم ثقته به في محاكمة السلطان. ولكن ألا يعتقد منسوبو المؤتمر الوطني، بأن تصريحات الشيخ الخطيرة هذه تستوجب المساءلة، والمحاسبة؛ إذا كانت فعلاً الانتخابات نزيهة، ولم تعبث بها أيديهم؛ أم أن الأمر برمته يندرج تحت عبارة         "خلوها مستورة"؛ أو "أسد علي وفي الحروب نعامة"، يا شيخ نافع.

 إن تزوير الانتخابات قد سار به الركبان قبل أن يصرح شيخ الترابي بعملية "تستبدلون" التي اطلعت بها الأجهزة الأمنية صبيحة الجمعة 16/4/2010م، في اعتداء صارخ على إرادة الناخبين، تماماً كما سرقت السلطة من الشعب في صبيحة الجمعة 30/6/1989م، إثر انقلابهم المشؤوم على الحكومة الديمقراطية المنتخبة، بقوة السلاح. إلا يستحى الدكتور إبراهيم أحمد عمر وهو يتحدث لهيئة الإذاعة البريطانية مساء الأحد 18/4/2010م، بألا مجال للأحزاب التي قاطعت الانتخابات بالاشتراك في الحكومة القادمة، إذا لم تقبل بالديمقراطية وإرادة الشعب!!!! عن أي ديمقراطية، وإرادة شعب، يتحدث قائد ركب التعليم العالي المعطوب؟ هل هي إرادة الشعب التي اغتصبوها طوال العشرين عاماً الفائتة؟ أم هي ديمقراطية التدليس، والغش، والتزوير، التي مارسوها إبان الانتخابات؟ ثم، هل طالبت الأحزاب بذلك؟ وإذا افترضنا أن ذلك صحيحاً؛ منذ متى أصبحتم تستجيبون لمطالب الأحزاب؟ ألم تعقدوا له المؤتمرات الصحفية قبل أن تتفقوا على خطوطه العريضة؟ فصار مجالاً للخلاف بينكم على أعلى المستويات!!! إنه لا يعدوا أن يكون أحد مكائدكم الممتدة منذ "اذهب إلى القصر رئيساً، وسأذهب إلي السجن حبيساً"، بغرض التغطية على فضائح سرقة إرادة الناخبين؛ ليصدق عليكم القول:"الحرامى فوق راسو ريشه". فهذا حصاد زرعكم المسموم؛ فاهنئوا به لوحدكم، واعلموا أن الأشراف لا يقتاتون على موائد اللئام. ولكن إن رغبتم حقاً في مشاركة الآخرين لكم في الهم الوطني المسؤول، فالطريق لذلك يمر عبر اعتبار مسخرة الانتخابات كأن لم تكن؛ وحل "مقوضيتها" الشهباء، واستبدلها بآخري تمثل فيها الأحزاب بطريقة مرضية، بعد أن فقدنا الثقة بما يسمون بالشخصيات القومية؛ وتعديل قانون الانتخابات؛ وإلغاء القوانين المقيدة للحريات؛ وإجراء تعداد سكاني موثوق؛ وتكوين حكومة قومية حقيقية، ولا بأس أن تكون علي رأسها مؤسسة الرئاسة الحالية، لاضطلاع بالمهام آنفة الذكر.

  لقد وردت إفادات عديدة لشواهد التزوير الموثقة، وآخرها شريط الفيديو في الرابط: (http://alrakoba.com/news-action-show-id-24417.htm)، الذي يعطى صورة حية لعملية "تستبدلون" بولاية البحر الأحمر، حيث يشاهد موظفو المفوضية، وتحت إشراف وحماية الشرطة وهم يعبئون بطاقات التصويت لأناس يرتدون زى الشرق المميز، ليقوموا بحشوها داخل صناديق الاقتراع المصفوفة. لا أود هنا الخوض فيما تبقى من فضائح، والذي أصبح معلوماً للقاصي والداني، ولكن من المهم أن نذكر أن عملية "تستبدلون" قد أدت لغضب القاش، في غير موعده، وببركة الملائكة، لابتلاع مستقبلي الميرغني بكسلا، ولحرمان عبد الله حمد الملك من أصوات عشيرته الأقربين، وليستظل مؤيدو ميرغني عبد الرحمن بالشجرة. كما لابد أن أعلق على الأسف العارم الذي غشي وجه بنتنا يسرى، ذات الثمانية عشرة ربيعاً، وهي تتأهب للإدلاء بصوتها للدكتور كامل إدريس، فوجدت أن عصبة المؤتمر الوطني قد كفوها مشقة العملية؛ فعادت إلى المنزل وهي مكسورة الخاطر، تشكو أمرها لله، فالشكوى لغير الله مذلة. بالطبع حدث نفس الشيء للكثيرين، ولكن التصويت المتعدد للشرطة في أماكن العمل، والسكن، بعد إزالة الحبر السري، بالتعليمات، حسب إفادة مصادرنا المستقاة من ضابط شرطة، بالإضافة لاستبدال صناديق الاقتراع بليل، و"ميوعة" السجل الانتخابي، واستخراج  شهادات السكن دون ضوابط من قبل اللجان الشعبية؛ هو ما قاد لعمليات التزوير غير المسبوقة في التأريخ الحديث، ليكتسح المؤتمر الوطني الانتخابات بالكامل، ودون منازع " ده التزوير ولا بلاش". لم كل هذا اللؤم؟ كان تخلو شوية مقاعد للشيخ. أم أن الشيخ أمره مقدور عليه كما أفصح بذلك الدكتور نافع؟ ولكن ما يدعوا للقلق الصدام المتوقع بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني في انتخابات حاكم ولاية النيل الأزرق؛ فكلا الحزبين قد أتهما من قبل المراقبين الدوليين بالتزوير في معاقلهما ( حديد لاقى حديد)؛ ولكن لولاية النيل الأزرق وضع خاص حسب اتفاقية السلام: حاكم من الحركة الشعبية لولاية شمالية، ومن ثم فإن الأجهزة الحكومية بها تخضع لسلطة المؤتمر الوطني، ولذا فإنها لن تتوانى في تزييف أرادة الناخبين لصالح مرشحهم الدكتور فرح عقار، وقد وردت بالفعل نتائج تدل على تقدمه البائن، بالتلفزيون القومي، وبعض الصحف الموالية للمؤتمر الوطني؛ في حين أن الحركة الشعبية ادعت أيضاً تقدم مرشحها؛ واعتبرت، على لسان نائب الأمين العام لقطاع الشمال، أن تزوير الانتخابات بالنيل الأزرق يعتبر خطاً أحمراً؛ وعضده بالفعل السيد مالك عقار نفسه بأن تزوير انتخابات ولاية النيل الأزرق سيقود لتجدد الحرب بين الشمال والجنوب.  

  في ختام هذا المقال؛ لابد من التعليق على إعطاء أهمية قصوى لنسبة التصويت العالية، وخلو الانتخابات من أعمال العنف؛ وهما أمران كانا لافتين بالنسبة للمراقبين الدوليين، والعرب، الأفارقة؛ مما جعلهم يتوقعون قبولها من قبل كثير من الدول، وأنها قد تكون مثالاً يحتذي في أفريقيا، والعالم العربي. أولاً نسبة التصويت العالية قد دحضتها عمليات التزوير الواسعة عبر عملية "تستبدلون"، و"ميوعة" السجل الانتخابي، فلا يعلم إلي الآن عدد المسجلين لينسب إليهم عدد المقترعين، فتحسب وفقاً لذلك نسبة التصويت. أما خلو الانتخابات من أعمال العنف، فمرده لفقدان العملية الانتخابية لحيويتها في مرحلة الاقتراع، بالمقارنة مع مرحلة التسجيل، بعد انسحاب الأحزاب منها، ولعدم ثقة المواطن السوداني عموماً في صدقيتها، وشفافيتها، ونزاهتها، بالإضافة لعدم ميله عادة للعنف؛ فأضحى مجمل العملية بالنسبة له أمراً لا تتناطح فيه عنزتان. أما دهشة أخوتنا العرب، والأفارقة، فتعود لأسباب تخصهم، ولا نود الخوض فيها، لأنها لا تمت للانتخابات السودانية بصلة.

  أما المدهش حقاً فهو ترديد الأجهزة الإعلامية السودانية الرسمية لتعليقات المنظمات العربية، والأفريقية بنجاح العملية الانتخابية استناداً على نسبة التصويت العالية المفترى عليها، وخلو أجوائها من أي مهددات أمنية؛ ناسيين أو متناسين أن العملية قد شابتها عمليات الغش، والتدليس، والتزوير، في كل مراحلها؛ ابتداءً من التعداد السكاني، وتوزيع الدوائر الجغرافية، والتسجيل، وانتهاءً بعلميات التصويت، والفرز؛ ولذا تجدهم يتحدثون فقط عن أجواء العد، والفرز؛ حتى أن إحدى مقدمات نشرات الأخبار بالتلفزيون القومي سألت سفير السودان بفرنسا - لم يحترم الكرسي الذي يشغله، وأبى ألا أن يكون مراسلاً للتلفزيون، فلعل في ذلك رسالة للترقي - عن أجواء الانتخابات بفرنسا؛ حتي تشعره بالكف عن إيراد حصاد مرشحي الرئاسة المواصلون، والمنسحبون على حد سواء. كما درج التلفزيون " القومي" هذه الأيام على استضافة شخصيات يصبغ عليها صفة  القومية في حين أنها إنقاذية حتى الثمالة من أمثال الدكتور حسين سليمان أبو صالح وزير خارجية حكومة الإنقاذ الطالبانية، وثاني أثنين وأدا الديمقراطية الثالثة؛ والأب فلوثاوث فرج عضو المؤتمر الوطني، ذلك الحزب الذي قض مضاجع الطائفة القبطية بالسودان، فالتجأت لمنافي كندا، واستراليا، وأمريكا، وبريطانيا، خوفاً من بطشه.

  إننا إذ نورد هذه المخالفات، والخروقات؛ إنما ننشد معالجتها بالشفافية المطلوبة؛ لأنها بغير ذلك سوف تتراكم لتنفجر في يوم من الأيام، وتكون التفجيرات، والاغتيالات، بديلاً لها، مثلما يحدث الآن في العراق، وباكستان.

                                          اللهم إني قد بلغت، اللهم فأشهد!!!!!!!!

 

آراء