الاحلال والإبدال dolib33@hotmail.com معركة الخرطوم مع الجنائية الدولية التى أتخذت من الطابع القانونى والسياسي شكلاً لها، سرعان ما تحولت بعيد صدور قرار توقيف الرئيس البشير في الرابع من مارس الجاري، الى معركة اخري بين الحكومة والمجتمع الدولى حول العمل الانساني بدارفور، بعد القرار الذي اتخذته الحكومة بطرد "13" منظمات أجنبية عاملة بدارفور، وهو القرار الذي حول تفاعلات الاحداث حول المحكمة الجنائية الى صراع بين الحكومة والمجتمع الدولى حول الوضع الانساني الذي يخلفه طرد المنظمات الأجنبية وما يتردتب عليه في الأرض. فبعد أن كان الجميع ينتظر رد فعل الحكومة اتجاه البعثات الدولية والسفارات الغربيه بإبعادها من البلاد، فاذا بردة الفعل الحكومى جاءت بإتجاه المنظمات الدولية العاملة في دارفور التى تتهمها الحكومة بالتخابر مع المحكمة الجنائية الدولية وتعديها لحدود التفويض الممنوح لها، وهي ردة الفعل التى سرعان ما حولت المعركة ما بين الحكومة السودانية والمحكمة الجنائية الدولية الى الامم المتحدة والخرطوم وتأثير طرد المنظمات الثلاثة عشر على الاوضاع الانسانيه في الاقليم، حيث دعا الامين العام للامم المتحدة صبيحة قرار طرد المنظمات الحكومة السودانية الى التراجع عن قرارها حتى لا يؤثر على الاوضاع الانساينه في الاقليم، فيما مضت بعض المنظمات والهيئات الى وصف القرار بأنه يعد جريمة إبادة جديده يمكن ان تضاف لسجل الحكومة السودانية، لأن هذه المنظمات تتولى رعاية "450" ألف نازح بدارفور. وفي الوقت الذي كانت تبذل فيه جهود وضغوط لعودة تلك المنظمات لمباشرة مهامها الانسانية، أعلن السيد رئيس الجمهورية إنهاء عمل المنظمات الأجنبيه في البلاد بعد عام، وأمهل وزارة الشئون الانسانيه عاماً واحداً "لسودنة" العمل الطوعى في البلاد وايقاف الوكالات الاجنبية، لتتولي المنظمات الوطنية مسؤولية العمل الانساني بدارفور، وقال البشير لدي مخاطبته حشدا من القوات المسلحة والشرطة والأمن الوطنى بالخرطوم أول أمس، انه وجه وزارة الشؤون الإنسانية بسودنة العمل الطوعي "والا يكون هناك بعد عام تعامل مع منظمة أجنبية"، وقال أنّ وكالات إغاثة سودانية ستتولى كل مهام توزيع المعونات بالسودان خلال عام، تتوقف بعده المنظمات الدولية عن توزيع المساعدات وتكتفي بتسليم الاغاثات في المطارات والموانىء لتتولي المنظمات الوطنية ايصالها للمحتاجين". الحكومة حزمت أمرها وتوكلت على تنفيذ قرارها بعد ان قالت أنها لدغت من تلك المنظمات كثيرا، والتى صار عملها الاستخباراتي أكثر منه انساني، واعلنت وزارة الشئون الإنسانية أنها ستبدأ في تنفيذ قرار الرئيس عمر البشير بسودنة العمل الطوعي بالبلاد ووضعه في سياق تنفيذي في المدي المحدد بعام واحد، وقال وزير الدولة بالشؤون الإنسانية أحمد هارون في مؤتمر صحفي اول أمس أن القرار لا يشمل بأية حال من الأحوال وكالات الأمم المتحدة العاملة بالبلاد، لأن لها وضعيتها الخاصة، وباعتبار أنها جزء من المكون الوطني، وقال ان الوزارة لديها إجراءات فنية و إدارية و تنفيذية ستقوم بها تمهيدا لوضع هذا القرار موضع التنفيذ، وذلك بعد عام من الآن. ولكن تنفيذ قرار "سودنة" العمل الانساني يطرح الذي تعتزم وزارة الشئون الانسانية تنفيذ تتدرك مدى الصعوبات والتكاليف الباهظة التى تنتظرها من خلال توطين العمل الانساني، في ظل ضعف وعدم قدرة المنظمات السودانية في القيام بهذه المهمة التى تتطلع بها أكثر من "180" منظمة دولية وأجنبيه، منها أكثر من "100" منظمة في دارفور، كما تدرك الشئون الانسانية صعوبة استقطاب الدعم ونيل ثقة المانحين الدوليين في ظل ضعف الدعم المحلى والعربي الاسلامي لسد العجز في العمل الانساني بدارفور، خاصة ان مساعد الامين العام للشئون الانسانية هولمز قد قال أمس لقناة الجزيرة تعليقا على سودنة العمل الطوعى في السودان "انهم لن يمنحوا معونات لوكالات لم يثقوا فيها"، في الوقت الذي يشير فيه كثيرون الى ضعف المنظمات الوطنية وقلة قدراتها وإمكانياتها مقارنة بالامكانيات الكبيرة تعمل بها المنظمات الدوليه. ولكن الاستاذ حسبو عبد الرحمن مفوض العون الانساني قال أمس في مؤتمر صحفي "أن المنظمات الوطنية تمتلك القدرة على سد الفجوة الانسانية والاحلال بديلا للمنظمات الاجنبية، وقال ان تبرع المانحين الوطنيين بمبلغ "115" مليون دولار في نفرة المنظمات بقاعة الصداقه سوف تعمم التجربة على الولايات لجمع المزيد من التبرعات لدعم المنظمات الوطنية، ووصف ازمة الثقة بين النازحين والمنظمات الوطنية بأنها "وهم" وانها رسائل خاطئة من المنظمات الاجنبيه، وأضاف ان "95%" من النازحين يتركزون في المناطق الحكومية وبالتالي يسهل عمل المنظمات الوطنية، مشيرا الى الدور الكبير الذي تطلع به المنظمات العربية والاسلامية في مجال المياه والتعليم والصحه بدارفور، خاصة هيئة الاغاثة الاسلامية التى تمكنت خلال ثلاث سنوات من حفر "1000" بئر، وبناء ألف مسجد، وكفالة "6" ألف يتيم". وما ذهب اليه مفوض العون الانساني يري البعض بصعوبة تنفيذه بشكل كامل، في ظل امتلاك المنظمات الأجنبيه لقدرات لوجستية كبيرة مقارنة بالمنظمات الوطنية، كما ان المنظمات الاجنبيه امتلك معلومات تفصيليه عن العمل الانساني في دارفور وتقدير احتياجاتهم. ولكن الدكتور عبد الرحيم بلال الخبير في مجال العمل الطوعى، قال لـ"الصحافه" ان المنظمات الوطنية ليس لديها القدرات اللوجستية والبشيريه، وحتى لو توفرت لها الارادة السياسيه فإن تجربتها ضعيفة مقارنة بالمنظمات الأجنبيه، مشيراً الى ان احدى المشاكل التى ستواجه عملية احلال المنظمات الوطنية بديلا للاجنبية، نيلها ثقة المانحين لها وقبولهم لها، لأن المواد الانسانية تأتى بشروطها بتوصيلها للنازحين، وأضاف ان المنظمات الوطنية لم تبزل اى مجهود لتدريب كوادرها في هذا المجال الانساني الذي يتطلب عملية السرعه ولا يحتمل التأخير، مشيرا الى ان المنظمات الاسلامية لديها تجربة كبيرة لكن عددها بسيط واذا نالت ثقة المانحين العرب والاسلاميين الضعيفة فإنها قد لا تجد تلك الثقة من المجتمع الدولى". وكان دكتور قطبي المهدى مسئول المنظمات بالمؤتمر الوطنى قال في الثامن من مارس الجاري في تصريحات صحافيه، بجاهزية أكثر من "200" منظمة طوعية وطنية لحل محل أي منظمة أجنبية تغادر البلاد أو يتم طردها، وكشف عن إحلال عدد من المنظمات الوطنية وتسليمها لمهام ومقار المنظمات الأجنبية التي تم طردها مؤخرا والتي كانت تعمل في مجالات "الغذاء المياه والدواء" مشيرا الي تولي الهلال الأحمر السودني عمليات تقديم الغذاء على مستوى ولايات دارفور بجانب خدمات الصحة بغرب دارفور". ولكن جاهزية تلك المنظمات للاطلاع بمهمتها الوطنية هل تقابلها امكانيات للقيام بهذه المهمة لدى هذه المنظمات الوطنية، في ظل ضعف قدراتها ومواردها التى كثيرا ما يشار الى انها احد اسباب تراجع دورها في دارفور، المهندس سيف النصر مدير برنامج السودان بمنظمة العون الانساني، أشار في ورقته المعده بعنوان "دور المنظمات الوطنية في معالجة المشكلة الانسانية بدارفور في العام 2007م"، الى أن عدد المنظمات الوطنية في جنوب دارفور يبلغ "31" منظمة بينما تعمل "11" منظمة في غرب دارفور و "7" فقط في شمال دارفور، مشيرا الى ضعف قدرات هذه المنظمات مقارنة بالاجنبيه، وأورد ان الهلال الأحمر السوداني الوحيد المتواجد في كل ولايات دارفور بإعتباره المنفذ لتوزيع الغذاء الذي يمنح من برنامج الغذاء العالمي، ما يعني ان جملة المنظمات الوطنية الى نهاية العام "2007م" العامله في دارفور "49" منظمة مقابل قرابة "100" منظمة دولية. ولكن الدكتور حسن عبد العاطى الناشط في مجال العمل الانساني قال لـ"الصحافة" ان المنظمات الوطنية التى تمتلك قدرات لوجستية عالية هي ثلاث منظمات "العون الاسلامية، والهلال الاحمر السودانى، ومؤسسة الشهيد الزبير" وان بقية المنظمات لا تمتلك القدرات والامكانيات التى تمكنها من الحركة، وان عددها الكبير لا يعكس القدرات الفعلية "ضعيفه" وقال أن الجانب الانساني يحتاج لقدرات عاليه، وقال ان المنظمات الوطنية تعتمد كلها على التمويل الاجنبي عدا المنظمات المرتبطة بالحكومة، وقال ان معظم العاملين في المنظمات الاجنبية اكثر من "90%" كادر وطنى، واضاف ان الدعم الذي يقدم من الحكومة للمنظمات انتقائي كما لا توجد ميزانيات في الدولة مخصصه للعمل الانساني". وتعول الحكومة بجانب الجهد الوطنى في العمل الانساني على الدور العربي والاسلامى، حيث ابدت منظمة المؤتمر الاسلامي استعدادا لتنظيم مؤتمر لإعمار دارفور، كما ابدت عدد من الهيئات العربية استعدادها لسد النقص الذي يمكن ان يخلفه طرد المنظمات الاجنبيه، لكن مراقبون يتخوف من قدرة الهيئات العربية والاسلامية في القيام بتلك المهمة، استناداً الى تجربة سابقة للجامعة العربية كانت في اكتوبر 2007م، من خلال مؤتمر نظمته الجامعة العربية بالخرطوم وشاركت فيه وفود كبيرة، وبحضور الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، بالاضافة الى نحو مائة من الهيئات الخيرية والمؤسسات العاملة في مجال العمل الإنساني والإغاثي والتنموي، ومنظمات العمل العربي المشترك وصناديق التمويل والاستثمار والمنظمات الأهلية والقطاع الخاص العربي، بهدف دعم وتحسين الأوضاع الانسانية في دارفور عبر اقامة مشروعات التنمية والخدمات الاساسية للمواطنين من صحة وتعليم ومياه ومأوى بتكلفة تقدر بـ850 دولار، لكن حصيلة المؤتمر جاءت دون التوقعات حيث لم تتجاوز التبرعات لـ"250" مليون دولار من جملة المبلغ المطلوب وقتها "850" مليون دولار.