المهدي “مهاجرا”ً من مظلة “التراث” إلى هجير “المعاصرة” “حبواً” ! (4/4)

 


 

عيسى إبراهيم
11 January, 2020

 



(في الرد على ورقة الصادق المهدي المقدمة لمركز الدراسات السودانية - الندوة الفكرية بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لاستشهاد المفكر السوداني الأستاذ محمود محمد طه تحت عنوان: المسلمون وقضايا العصر: السلام والديمقراطية والاشتراكية (نحو فكر إسلامي مستنير) خلال الفترة 18-20 يناير 2020- الخرطوم - ورقة الإمام الصادق المهدي – قدمها واعتذر عن الحضور بلا ذكر سبب لعدم حضوره)

الصادق وغياب النبوة؟!:
قال المهدي في خاتمة ورقته: "مقولات: محمد عابد الجابري لقطيعة معرفية مع التراث، ونصر حامد أبو زيد بتاريخية النص القرآني، وبرهان غليون بعلمنة الإسلام، ومحمد أركون: الدين من فطرة الإنسان الأسطورية، ومحمود محمد طه برسالتين للإسلام ثانيتهما تُدرك في القرن العشرين.. قبول هذه المفاهيم تتطلب نبياً يوحى إليه، وأن تكون دعوته مقنعة بحيث يلتف حولها الناس، ولكن مع غياب النبوة، والتصديق بها، فإن هذه المنظومة الإيمانية من شأنها أن تشعل ردة فعل قوية في الاتجاه المضاد"
هل في ختم النبوة غياب لها؟:
لقد ختمت النبوة بنص قرآني صريح: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"، ومعنى ختم النبوة يكمن في ألا حاجة لارسال ملك الوحي جبريل ليوحي لنبي آخر بوحي، ذلك أن كل ما أراد الله قوله للبشر تم ونزل بين دفتي المصحف، فهل يعني ذلك غياب للنبوة كما يقول الصادق المهدي (وهو خطأ قاتل ما كان له أن يتورط فيه رجل في قامته وسط عشيرته)، أم أن النبوة حاضرة، بين ظهرانينا، ولا حاجة لنا لنبوة مستأنفة، فقد علينا أن نحسن الاتباع ونجوده لقدوة التقليد النبي الأمي محمد بن عبدالله (عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم)، وقد جاءت الآية: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، لنتبعه في شريعته (الرسالة الأولى) لتقودنا إلى اتباعه في سنته (الرسالة الثانية من الاسلام)..

إتهام جائر من الصادق للجمهوريين:
يقول الصادق في ورقته: "خوض الجمهوريين في السياسة أدى لمواقف في غاية التناقض، فقد أيدوا نظام الطاغية جعفر محمد نميري لأكثر من عشر سنوات، وألفوا في تأييده النشرات والكتيبات، حتى عندما فتك بالأنصار العزل في الجزيرة أبا وودنوباوي في مارس 1970م، وعندما تجاوز أساسيات المحاكم العادلة فبطش بحلفاء الأمس الذين انقلبوا عليه من الشيوعيين في 1971م. هذا الموقف لا يليق بمن يرفع شعار الحرية لنا ولسوانا، ومن تزخر كتاباته بلفظ العنف (يعني ترك العنف) كوسيلة لتصفية الخلافات، أو حتى لفرض الديانة، فهو يقول: (إن العنف لا يبعث إلا إحدى خصلتين: إما العنف ممن يطيقون المقاومة أو النفاق من العاجزين عنها، وليس في أيهما خير)."، "كما أنه وبالرغم من تأكيد دعوته على أهمية معاملة الناس بالحسنى إذ يقول: (جعل المعصوم الدين كله في هذا المجال فقال: الدين المعاملة) ، إلا أن بعض الجمهوريين اتسموا بأعلى درجة من الوقاحة في سب الآخرين، فقد كان عمر القراي عنواناً للطعان اللعان الذي لم يسلم المسلمون من لسانه وقلمه"..

الجمهوريون ومايو:
يعلم القاصي والداني أن موقف الجمهوريين من مايو، كان موقفاً مبدئياً، إذ جاءت في وقت تكالبت فيه الطائفية "الختمية والانصار"، ممثلة في حزبي الأمة بقيادة الامام الهادي (يرحمه الله)، والاتحادي الديمقراطي بقيادة الأزهري (يرحمه الله)، وربيبتهما الحركة الاسلامية بقيدة الترابي (يرحمه الله)، تجركت فيه هذه القوى لاجازة ما يسمى بالدستور الاسلامي (أطلق عليه الجمهوريون الدستور الاسلامي المزيف – في رأيهم ليس في الشريعة الاسلامية دستور لعدم توفر حقي الحياة والحرية فيها) لتحوز هذه المجموعة السلطتين الزمنية والروحية لتهيمن على كل شيئ، ومعلوم أن الجمهوريين يناهضون ما يسمى بالدستو الاسلامي عند هذه الطوائف، فلما جاءت مايو في ساعة الصفر عند قراءة الجمعية التأسيسية لمسودة الدستور التي قال الامام الهادي: "إذا الجمعية ما أجازتو ح نجيزو بالقوة"، وقال الأزهري: "إذا لم تتم اجازته ح ننزل الشارع لاجازته"، فكان من الطبيعي أن يؤيد الجمهوريون مايو..

فرية تأييد الجمهوريين لعنف مايو بالانصار:
نتحدى الصادق المهدي أن يبرز دليلاً واحداً على تأييد الجمهوريين لبطش مايو بالانصار في ود نوباوي أو الجزيرة أبا!!، الموقف كان تحدياً من الانصار لنظام عسكري يحتكر العنف حين تصديهم لدورية شرطية في ود نوباوي، وحشد الاسلامويين للانصار وشحنهم للوقوف ضد نظام نميري وجلبهم للسلاح بقيادة محمد صالح عمر ومهدي ابراهيم، ثم كانت المعركة الخاسرة التي راح ضحيتها عشرات الأنفس البريئة، ومن ضمنهم الامام الهادي، أما كون الأستاذ محمود ضد العنف فهو موقف مبدئي لا تنتطع فيه عنزان، إذ حين أعلن الجيش السوداني في خبر عن معاركه في جنوب اليلاد وتكبيدهم التمرد خسائر في الأرواح أحد عشر عسكرياً، وفقدان الجيش لسبعة من مقاتليه، علق الأستاذ محمود قائلاً: "لقد خسر السودان ثمانية عشر من رجاله"!..

أي الموقفين أكثر خزياً:
موقف الجمهوريين المبدئي من مايو، أم أداء الصادق المهدي قسم الولاء للاتحاد الاشتراكي السوداني (رغم قتلهم عمه الهادي المهدي بعد أحداث الجزيرة أبا) الحاضنة السياسية لمايو؟!!، "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً وصادقاً لثورة مايو الاشتراكية وأن أدعم تحالف قوى الشعب العاملة وتنظيمها القائد الاتحاد الاشتراكي السوداني"، أمام النميري وأبوالقاسم محمد ابراهيم..

المهدي أفكار بلا سيقان:
قال الصادق المهدي ضمن ورقته التي أشرنا إليها مراراً: "لقد ألفت ونشرت حتى الآن أكثر من مائة كتاب وكتيب تناولت هذه الموضوعات، وبينت مشروعية استصحابها من نصوص الوحي الإسلامي، بلا حاجة لرسالة ثانية وبلا حاجة لنسخ المكي للمدني، وبلا حاجة لترقي الإنسان حتى يبلغ مقام الرب"، وكان قد ذكر: "إن في الحضارة الحديثة مفاهيم ذات قيمة إنسانية عظيمة أهمها: منظومة حقوق الإنسان: المنطلقة من خمسة أصول، ذكر من ضمنها: الكرامة، والعدالة، والحرية، والمساواة، والسلام. ونسأل الصادق – في ظل الشريعة الموروثة من القرن السابع – ونذكره باقراره مأزق الفكر الاسلامي الحديث المتمثل في فقه الجهاد بالسيف وما يترتب عليه من استرقاق للأسرى – معاملة بالمثل – فكيف يكون للمسترقين كرامة وهم عبيد وفق منطق الجهاد بالسيف؟!، وكيف نكون عادلين معهم وهم رقيق حرب؟، وكيف يكونوا أحراراً وهم عبيد؟، وكيف نساويهم بنا وهم دوننا؟، وكيف نكون في سلام معهم والشريعة تأمرنا أن ندخلهم في الاسلام فإن أبوا نجبرهم على دفع الجزية عن يد وهم صاغرون ذليلون حقيرون؟، فإن أبوا قاتلناهم حتى يرضوا بالاسلام أو دفع الجزية، ثم نرتب كل ما قلنا مسقطين ذلك على المرأة المسلمة (على الربع من الرجل المسلم في الزواج وعلى النصف منه في الميراث وعلى النصف منه في الشهادة) وعلى الذمي (لا يلي لنا عملاً ولو كان كاتباً، نضطره إلى أضيق الطريق، لا نجدد لهم كنائسهم، نتزوج نساءهم ولا يتزوجون نساءنا)، بلا حاجة - كما تقول - لرسالة ثانية، وبلا حاجة لنسخ المكي للمدني؟!..

eisay1947@gmail.com

 

آراء