النيل مازال يجري هادئا

 


 

 

الخرطوم: علاءالدين محمود

مازال نهر النيل "اطول انهار الدنيا" يجري بهدوء يوزع الخير على ضفتيه ذات اليمين واليسار ، غير ان هدوء النيل فيما يبدو يحمل في طيات عبابه وعدا بعاصفة تلوح في الافق لتنذر بحرب بين دول رعته جنينا في اعالي المنابع وبين دول يتهادى في ربوعها هي دول تصنف كدول للمصب في سياق مايعرف بحرب المياه في العالم التي توقعها الخبراء لتكون حرب مياه النيل بين دول المنبع والمصب حول المحاصصة المائية وهي الحرب التي بدأت شراراتها بتصريحات هنا وهناك ، هنا حيث دول المصب التي تحوز بنصيب اكبر ودول المنبع التي تسعى الى تشكيل حلف بمعزل عن دول المصب خاصة مصر والسودان والزامهم بما سيتم الاتفاق عليه لتثور ثائرة دول المصب خاصة مصر حيث عابت منظمات مدنية وشعبية الصمت حيال محاولات إقصاء مصر والسودان من عملية التفاوض حول حصص مياه النيل ودعا خبراء مصريون متخصصون في السياسة والقانون الدولي والعلاقات الدولية وشؤون البرلمان بحسب موقع "مصراوي" دعوا الحكومة المصرية إلى التعامل مع ملف أزمة نهر النيل على أنها مسألة (حياة أو موت) و(قضية أمن قومي) ونصح الخبراء الحكومة المصرية بتوخى الحذر من الذين يخططون لتأجيج الصراع وإشعال نار الخلاف وتأليب دول المنبع بحوض النيل، ضد دول المصب، وبخاصة مصر، مطالبين بدراسة "إعلان دول المنبع عن نيتها توقيع اتفاقية إطارية في 15 مايو 2010، بمعزل عن مصر والسودان، وتقدير الموضوع بحجمه الطبيعي "دون تهوين أو تهويل"

وصرح الخبراء أن "هناك العديد من الخيارات المتاحة أمام مصر للتعامل مع الأزمة، أولها: "التفاوض أو ما يسمى بالخيار الدبلوماسي. وثانيها: التحكيم الدولي أو ما يسمى بالخيار القانوني. وثالثها: تقدير حاجة مصر الشديدة للمياه، حيث يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، وتمثل مياه النيل 85% من احتياجاتها من المياه، وهو ما يمكن تسميته بالخيار الإنساني. ورابعها: "التهور والردود العنيفة أو ما يسمى بخيار الحرب أو الخيار العسكري" وكانت بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وكينيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا، قد اتفقت في 13 أبريل الماضي على اتفاق إطار جديد حول "الاستخدام المنصف لنهر النيل"، لكن مصر والسودان أكبر المستهلكين لمياه النهر رفضتا الاتفاق واشترطت مصر عدم المساس بحصتها التاريخية في مياه نهر النيل والنص في الاتفاق الجديد على حق مصر في رفض إقامة أية مشروعات على النيل، من شأنها الإضرار بحصة مصر. وحذر محمد علام، وزير الموارد المائية المصري دول حوض النيل من توقيع الاتفاق ويشار إلى أن اتفاقية عام 1929، التي مثلت القوى الاستعمارية البريطانية في إفريقيا في أحد جانبيها، تمنح مصر 55.5 مليار متر مكعب سنويا، وهي أكبر حصة من المياه المتدفقة في النهر وتبلغ 84 مليار مترا مكعبا، كما تمنحها حق الاعتراض (الفيتو) على إقامة سدود وغير ذلك من المشروعات المائية في دول المنبع، التي تضم ستا من أفقر دول العالم ، ليقود كل ذلك الزخم الى تزايد الإهتمام بشأن مدى تأثر حصص كل دولة من دول حوض النيل من المياه خاصة مع واقع جديد وهو في حال انفصال الجنوب ، خاصة ان الخبراء يتوقعون ان يختار اهل الجنوب الانفصال عن شمال السودان غير ان الحكومة السودانية مازالت في مرحلة التصريحات الدبلوماسية مثل ذلك الذي صدر عن سفير السودان بالقاهرة والذي قال فيه " ان لم يتبق من النيل سوى كوب ما سيقتسمه السودان مع مصر" ومافات على السيد السفير ان السودان ومصر لايقتسمان مياه النيل بل ان مصر تحوز على الحصة الاكبر ، ولعل مايجري في السودان هو المشهد المعاكس تمام حيث الاهتمام الكبير بهذه القضية في مصر متزامنة مع التحركات الكبيرة لعدد من دول الحوض باتجاه مراجعة كافة الاتفاقيات السابقة، ومن أجل تقرير مصير مشروعات النهر الذي يقع حوالي 45% من حوضه في جنوب البلاد، في حين أن 90% من مساحة الجنوب داخل حوض النيل.

وفي الخرطوم نظم مركز طيبة برس الذي يتولى ادارته الاستاذ فيصل محمد صالح الصحفي المعروف محاضرة أمس حول إتفاقية مياه النيل وتداعيات استفتاء جنوب السودان قدمها الدكتور سلمان محمد احمد سلمان خبير قوانين وسياسات المياه.

وقال الخبير الدولي من أن ابرز تداعيات انفصال الجنوب ستشمل ميلاد الدولة الحادية عشر لدول حوض النيل وتضم معظم روافد النهر، ولديها مشاريع زيادة مياه النيل، وتجاور 5 دول نيلية، وحدود مائية من شمال السودان تواجهه العديد من التحديات في مقدمتها الحقوق الرعوية وانضمام جنوب البلاد الى تكتل دول المنبع، ومدى التزام الدولة الجديدة بالإتفاقيات الموقعة خصوصا اتفاقية مياه النيل لعام 1959م، وماهية السبل والعوامل التي يجرى على اساسها توزيع حصص واستعمال المياه والجدول الزمني لذلك.

ورأى أن جنوب السودان رغم أن اتفاقية السلام الشامل جعلت قضية المياه شأنا مركزيا، لكنه يحتاج الى المياه بشكل كبير على صعيد تأهيل المشاريع الزراعية والرعي والزراعة، فضلا أن اهم مشروع لزيادة حجم المياه يقع في الجنوب وهو مشروع "قناة جونقلي"، وأوضح ان كمية المياه التي يمكن إستخلاصها من مستنقعات جنوب السودان وإضافتها لنهر النيل قد تصل الى حوالي 20 مليار متر مكعب وفي تقديرات اخرى قد تصل الى 28 مليار، إذ أن كمية التبخر والتسرب للنيل معظمها في جنوب البلاد.

وأعرب عن خشيته من اشتعال صراع حول المياه بين القبائل الرعوية في الجنوب والشمال، خصوصا مع الاحتياجات المائية المتوقعة لجنوب السودان، ومع الصعوبات الكبيرة التي تواجه ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، معتبرا أن النزاع حول منطقة ابيي هو "صراع حول المياه" وليس بسبب النفط كما يقال، وأضاف إن بحر العرب سيظل الحد الفاصل بين دارفور والجنوب وبين الجنوب وكردفان، إذ أن المنطقة التي ستتبع للجنوب بعد الاستفتاء أو المشورة الشعبية بها رافدين اساسيين لبحر العرب هما "الرقبة الزرقاء" و"رقبة الشيل"، وقال إن كردفان سينتهيب دورها كمجاور لنهر النيل ولن يتبقى من أجزاءها غير 22 كيلو متر فقط مجاور للنيل.

ومن تأثيرات إنفصال الجنوب، قال الخبير الدولي سلمان أن الوضع الجديد سيخلق اشكاليات لشمال السودان وكذلك لدول حوض النيل، خصوصا في ظل التبعات المائية المتوقعة للنزاعات الحدودية بين السودان مع بعض دول الحوض (إثيوبيا، كينيا، اوغندا)، لكنه قال أن كل ذلك يعتمد على الاستقرار السياسي والامني في الجنوب، كما عبر عن دهشته من تعمد الحركة الشعبية لتحرير السودان اغفال قضية المياه في محادثات السلام بنيفاشا عام 2005م، وراى أن الحركة فضلت التوقف عن التدخل في قضية المياه لانها لا ترغب في اثارة مشكلات مع دول الحوض، أي ان اسباب سياسية دفعت الحركة التي التعمد في جعل قضية المياه في برتكول تقاسم السلطة وليس برتكول تقاسم الثروة، حيث اعطى البرتكول كافة الصلاحيات حول مياه النيل الى الحكومة المركزية ولم يتضمن البرتكول اي اشارة الى مشاريع زيادة مياه النيل من مستنقعات الجنوب أو الى قناة جونقلي التي كانت الحركة الشعبية قد اوقفت العمل فيها عام 1984م، وابرز الخبير الدولي وثيقة من رسالة الدكتوراة لزعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق يؤكد فيها أن الحركة لا ترفض اقامة المشروع لتنمية الجنوب، ولكنها ضد إستغلال قناة جونقلي لنقل المياه الى شمال البلاد أو الى مصر.

وقال أن التحدي الحقيقي يتمثل في الموازنة بين الاستعمالات المائية القائمة لدولتي الاحتباس السفلي (السودان ومصر)، بالاحتياجات المتنامية لدول الاحتباس الاعلى (دول منبع النيل)، في وقت يعتبر فيه السودان ومصر المستعملان الاساسيان لمياه النهر، مع رفض الاعتراف من الدول السبعة لاتفاقية 1929م، وأضاف ان الانفصال سيخلق مشكلة مائية خاصة للشمال، في ظل فشل السودان في استعمال حوالي 18.5 مليار من المياه في ظل اتفاقية 1959م.

ولمواجهة هذه التحديات، إقترح الخبير القانوني أن تضمن قضية المياه في قانون الإستفتاء، مثل قضايا "الجنسية، والحدود، والديون الخارجية، والاصول"، لكنه قال أن القانون لن يحل تداعيات الانفصال بشان قضية المياه، وقال أن التحديات سياسية واقتصادية واجتماعية ومناخية وبيئية يواجهها نهر النيل ودول الحوض، داعيا الى ضرورة التعاون الكامل بين دول الحوض والتركيز على تقاسم المنافع بدلا عن المياه، معتبرا أن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الاستفادة القصوى من نهر النيل وزيادة وحماية موارده، ونادى بإشراك المواطنين في كل ما يتعلق بقضية المياه، وان يلعب السودان دور الوسيط في معادلة تقاسم المياه بين دول حوض النيل على أساس توضيح المنافع المشتركة وليس على أساس"المحاصصة". انفض سامر الندوة التي نظمتها طيبة برس لتشعل الاهتمام بما اثارته بمستقبل مياه النيل الذي تتهدده الحرب بين دول ظل مصدر الخير لها ، غير ان نظرية المؤامرة تطل بوجهها خاصة في شمال الوادي حيث يتم اتهام اسرائيل "كدأب العرب" فيما يجري من صراع خفي بين دول حوض النيل عندما تم وصف نذر الحرب القادمة بانها حرب أخطر من العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، ومن نكسة حزيران عام 1967م، ومن حرب أكتوبر عام 1973م، ويتم تبرير ذلك بان تلك الحروب برغم تداعياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على المنطقة، إلا أنها حروب مباشرة بين جيوش نظامية وفي بقعة جغرافية محددة. ويرون ان اسرائل اليوم تلعب مع مصر لعبة حقيرة

وحرباً خفية، وتحاربها بالوكالة، ويعتقدون إنها الحرب الاسرائيلية على مصر، والتي تدور رحاها منذ سنوات، واليوم تتكشف بعض من فصولها، لا تقوم بها حمامة السلام في الشرق الأوسط "إسرائيل"، وإنما وكلاؤها، دول منبع نهر النيل، وأبرزهم أثيوبيا وتنزانيا، ومن ما سبق يتضح ان بعض المصريين من خبراء ومثقفين يتهمون مباشرة اثيوبيا وتنزانيا بل ودول اخرى بالعمالة لصالح اسرائيل في حربها ضد مصر  ويعتقد كثير من الخبراء المصرين ان هذه الدول اكتشفت فجأة  ويتسأل الكاتب المصري احمد صلاح الدين طه عن لماذا اكتشفت دول المنبع فجأة لا تستفيد بقدر كاف من مياه نهر النيل قبل ان يضع ثلاثة بنود يعتقد انها تثير مخاوف دول المنبع بينما تعتبرها مصر والسودان مسلمات  وهى:

1- الاعتراف بالحق التاريخى لدولة المصب بالإضافة إلى السودان فى ماء النيل والذى يحدد الحاجات المائية للدولتين بالحجم المذكور سابقاً،

2- ضرورة الإخطار المسبق لدولتى المصب بشأن أى مشروعات تنشأ على النهر أو فروعه ويمكن أن تؤثر على تدفق الماء بالشكل الطبيعى

3- الالتزام بقاعدة الإجماع عند التصويت لتغيير أى من البنود الأساسية للاتفاقية، والموافقة بالأغلبية عند تغيير أى من البنود الأقل أهمية، وفى الحالتين كلتيهما لا بد من موافقة مصر والسودان؛ مما يعنى التحكم التام لهاتين الدولتين فى مصير المبادرة وتبعية جميع دول الحوض لآرائهما وتصوراتهما وربما مصالحهما أيضاً.

ويقول طه في مقال للمصري اليوم ان هذا البند الأخير فيما يبدو كان السبب وراء الخروج على مصر والسودان، ويصف طه ذلك الخروج بالذى بدا كما لو كان انقلاباً قامت به دول المنابع السبع على سلطة دولتى المصب وهو ما يؤذن بتوتر لا يبدو أنه سيكون عسكرياً فى المنطقة، بل ربما كانت السبب فيه قناعة لدى دول المنابع السبع أن انشغال مصر والسودان بشئونهما الداخلية سيحول دون القيام بأى خطوات حقيقية تمنع تهميش دورهما والحط من مكانتهما بين دول الحوض.

النيل مازال يجري هاديئا غير انه الهدوء فيما يبدو الذي يسبق عاصفة كبيرة ربما تعيد النظر من جديد في قسمة للنيل تعتبرها دول المنبع "قسمة ضيزا" وربما تقود التدخلات الدولية في الامر الى حالة اقرب الى "تقرير مصير" بالنسبة لمياه النيل بين دول المنبع والمصب

 

 

آراء