الوحدة الجاذبة: مفاهيم جديدة للسيادة الوطنية !! … بقلم: يحيى العوض
يحي العوض
21 July, 2010
21 July, 2010
YAHYA ADAM [yahyaalawad@hotmail.com]
تهدر دول العلم الثالث , فى مرحلة مابعد الاستقلال , سنوات طويلة من تاريخها , للوصول الى درجة من الاستقرار , تجعلها قادرة على الحركة والتفاعل للارتقاء بحياة شعوبها . ويقول الكاتب النيجيرى وولى سونيكا : نكاد جميعا ,فى العالم الثالث , أن نكون ضحايا وفى الوقت نفسه طغاة وظالمين ! .. فكل ضحية منا تتخصص فى صناعة الموت فى اليوم التالى للآخر ! فحروب الداخل هى الأقسى عادة وهى الأصعب , لأنها تتم بين اطراف تعرف نقاط ضعف خصمها , وتجعل كل شىء مستباحا ." ! ويضيف : ان قوة الأنظمة وبطشها , يستر فى الوقت نفسه ضعف الحجة , مما يزيد من التناقض واستمرار شلالات الدماء .!
فاذا كان اى جندى نظامى, فى العالم الثالث , يحلم بأن يهب فجرا , للاستيلاء على السلطة , فالتوازن المضاد , يغرى كذلك شبابا للامساك بالبندقية والتمرد على السلطة وفق المعادلة الأزلية , اذا كنت قادرا على فعل شىء , فغيرك قادر عليه, وان اختلفت الوسائل ..!
والسؤال الهام لماذا ترسخت هذه القناعات فى العالم الثالث ؟
هناك عدة اجتهادات :
- اسلوب التعامل مع كل اختلاف ," ينطلق من عدة خيارات : الغاء الآخر او تحجيمه او القضاء عليه او تجاهل وجوده او تطويقه او اخضاعه . "!
هل تنطبق هذه الخيارات على التجربة السودانية ؟
هناك دراسات , خارج فضائنا السودانى , اعتقد حيدتها ,وافضل مناقشتها :
ان ضيق قاعدة الطبقة الحديثة فى السودان وارتكازها الجغرافى فى الخرطوم جعل طموحها السياسى يصطدم دائما بعقبة كؤد تتمثل فى سيطرة الاحزاب ذات القاعدة الطائفية على السلطة الديمقراطية , مما عزز من قوة التوجهات الراداكالية المعادية للديمقراطية البرلمانية الغربية . وجعل قطاعا رئيسيا منها يفضل الانقلاب كمدخل للمشاركة فى الحكم , مستبعدا المداخل الاطول مدى واكثر عمقا , كما حدث فى تجربيتى الحزب الشيوعى , مايو 1969 ويوليو 1971 والجبهة الاسلامية القومية يونيو 1989 م.
(الاستاذ علاء قاعود , مدير مركز دراسات حقوق الانسان , مصر – الفجر 1998 م)
- حصل السودان على استقلاله عن طريق المناورة السياسية على الطرفين مصر وبريطانيا . هذا أورث سياسيا , نجاعة هذا الاسلوب , الذى ترسخ فى التحالفات والتحالفات المضادة بين الاحزاب او مع قوى نافذة مسيطرة.
(د. سيد فليفل, الفجر 1998م)
- السودان بلد غنى بامكانياته المادية والبشرية , انتهى بسبب المكابرة والطائفية الى ان وضع نفسه بين البلدان الاشد فقرا , ويعتبر نموذجا صارخا لعدم الاستقرار المتوطن وضراوة النزعة الدوجماتية والخيلاء الانسانى , فلماذا سقط السودان فى هذا الاضطراب , فى حين انه بمقدوره ان يصبح بلدا متقدما ومزدهرا . ان السعى لخلق استقرار فى الشرق الاوسط يعنى ايضا الاهتمام با ستقرار السودان.
(ميشيل جوبير , وزير الخارجية والتجارة الأسبق الفرنسى , فى كتابه : رؤيا عالمية للشرق الاوسط .)
واذا نظرنا بموضوعية الى مسلسل الأزمات الدامية فى بلادنا منذ الرصاصة الاولى فى حرب الجنوب عام 1955 , وماتبعها من اتساع المنازلات فى جنوب النيل الازرق وجبال النوبة ثم دارفور , نجد ان خيار التدمير الذاتى للذات , يتصاعد وفقا لهذا التراث الممهور بالدم وتسعره , سعارا جنونيا , الرغبة المتقدة للانتقام , كلما سقط قتيل , او انتهك عرض.ولا توجد حرب نظيفة فى تاريخ صراعات البشر !
والتدمير الذاتى , شمل , ايضا أحزاب المدى التاريخى , فدمرت اروع نماذج تحالفها , بعد تجربة مؤتمر الخريجين , فى الاربعينيات , لتنسف تحالفها فى التجمع الوطنى الديمقراطى , وميثاقه , فى التسعينيات , الذى قدم افضل الحلول لتثبيت وحدة السودان , كما أشرنا فى المقال السابق .
"انفجرت كل فصائل التجمع بالخلافات الداخلية والصراعات والانقسامات . حزب الامة تحول الى كتل فى امدرمان و لندن والقاهرة ونيويورك . انقسام عمودى فى الاتحادى الديمقراطى , بخروج اهم مكوناته , جناح الشريف, ثم الأزهرى . القيادة الشرعية انقسم عنها التحالف الوطنى بقيادة عبد العزيز خالد . الحزب الشيوعى انقسم الى حق والمنبر الديمقراطى , وكذلك مؤتمر البجا والحزب القومى والاتحاد الفيدرالى . " والنتيجة ترسيخ مبدأ التحالفات المضادة والمناورات ونقض العهود والمواثيق , وانسداد افق الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها .
ظلت الحركة الشعبية لتحرير السودان , والمؤتمر الوطنى , القوتين الرئيسيتين على مسرح السياسة السودانية. ويئست القوى الاقليمية والدولية من استمرار الازمة السودانية وتصاعد تكلفتها , بشرا واموالا, بمعدل 650 مليون دولار سنويا . وبالرغم من نقل 116 ألف طن من الاغذية عام 1998 , الا ان الامم المتحدة كانت بحاجة الى المزيد من المال لتمويل نقل السكر والحبوب . وشاركت عشرون دولة اوروبية واسيوية , اضافة الى امريكا ومصر والامم المتحدة والمفوضية الاوروبية و كينيا كمراقب, فى اجتماعات حاسمة ,طوال عامين, وهددت بالغاء معونة الدول المانحة للاغاثة ,اذا لم تتوصل الحركة الشعبية والحكومة السودانية الى اتفاق .
وتم توقيع بروتوكول ماشاوكس وا تفاقية نيفاشا , 2003م – 2005م و اصبحت , احزاب المدى التاريخى , خارج عوامل التأثير على مجريات السياسة السودانية . واستطاع حزب المؤتمر الوطنى , نهش ما تبقى من قواعدها المحبطة ! وتعاملت معها الحركة الشعبية بحذر وفقا لاجندتها وبرامجها المرحلية ..وفى المقابل , ادى انهيار التجمع , الى تمتين الانتماءات الجهوية والاقليمية , وتنظيمها فى حركات مسلحة . فالقبيلة او المذهب الدينى , هما دائما , بمثابة ( الجلد للانسان ) آخر الملاذات للدفاع عن النفس!
ومكنت اتفاقية نيفاشا , المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية , لترسيخ برامجهما السياسية , فى الشمال والجنوب . وكان رهان القوى الدولية الضامنة لبروتوكول مشاكوس و اتفاقية نيفاشا , ان المعادلة الجديدة , ستضمن , التوازن , داخليا وخارجيا , فى توجهات الحكومة السودانية , خاصة بعد المفاصلة التاريخية , وخروج الدكتور حسن الترابى من سدة الحكم ,عام 1999, وهو انجاز لم يكن متوقعا , كما أشرنا فى المقال السابق .ومن الغباء ان يظن احد بان السياسة الدولية مبنية على معايير اخلاقية مجردة , وانما على مصالح دائمة , تتنوع وفقا للمتغيرات والضرورات الاقليمية والدولية , لا عداوة دائمة ولا صداقة مستمرة , الا من خلال ترسيخ هذه المصالح . والمصطلحات تتغير , فالمفاهيم القديمة عن السيادة الوطنية , وعدم التدخل فى شئون الغير او عدم الانحياز , اصبحت لها دلالات حديثة , مشروطة , بنظام دولى جديد و بمقاييس مقننة ومرتبطة بمواجهة الارهاب , العابر للحدود , بعد زلزال الحادى عشر من سبتمبر 2001م. واصبحت قضايا حقوق الانسان , مرادفة , لسيادة الدول , وليست شأنا داخليا .ولم تعد أهمية الدول , تبنى من منطلق اطماع فى ثرواتها , وانما لاهمية موقعها الاستراتيجى ومداها الحيوى ومشاريعها السياسية ومدى تأثيرها فى فضائها الداخلى بمكوناته الاثنية و الاجتماعية والفكرية المختلفة وامتداده الى دول الجوار , ومابعدها !
واصبح الدكتور الترابى بعد خروجه من السلطة وتأسيسه للمؤتمر الشعبى , يشكل العامل الاكبر , لتمسك المؤتمر الوطنى بالمنطلقات الفكرية , المتجسدة فى - المشروع الحضارى- والتى استند عليها لقيام الدولة , قبل المفاصلة , وهى معادلة جعل الدكتور الترابى, من المستحيل لأحد , ان يتجاوزها, وهى اشبه بنظرية" بافلوف " فى الفعل ورد الفعل :" ان تجعل خصمك يعمل لمصلحتك وهو مؤمن انه يمارس أقدس واجباته الوطنية ويحقق مصلحته السياسية والقومية ." !, اعاد الدكتور الترابى بعد المفاصلة , تقديم نفسه بانه المجدد والبديل , والوسطية السياسية والفقهية , الضامنة لوحدة السودان فى الجنوب والغرب , وفى صياغة فكر اسلامى سياسى عالمى متجدد ! وتحرك فى كل الاتجاهات . كاريزما الدكتور الترابى وقدراته على التأثير لا تحتاج الى تأكيد . كان الدكتور خليل ابراهيم زعيم العدل والمساواة , فى بعثة دراسية فى هولندا عام 1999م , وحدثت المفاصلة فى غيابه , وبعد عودته "فوجىء بانقسام الاسلاميين و اعتقال الترابى , وقيل له ان الخيار كان بين الحفاظ على الدولة أو الابقاء على الدكتور , وكان رأيه :ان الدولة صنعها الترابى , فمن الواجب الابقاء عليه واستمراره مرشدا لها .. " ! هل كان د. خليل ابراهيم أبعد نظرا من رفاقه فى الحركة الاسلامية , أم غرر به . ؟
نواصل فى لقاء قادم .
yahyaalawad@hotmail.com