بيع الوهم .. احتمالات حرب أهلية في السودان أم قصة وقائع انقلاب معلن؟

 


 

حمد الناير
17 March, 2023

 

alnaierhamad20@gmail.com

التهديد بحرب أهلية وتصوير كأن البلد على شفا حفرة من الاقتتال الأهلي صار جزء من اجندات بعض القوى، كأنما لسان حالهم يقول "اما أن تقبلوا هذا او الحرب." لكن في نهاية الأمر انه تلويح خطير بالحرب الاهلية فالمثل يقول إحذر ما تتمناه. هذا الخيال العاطل حول حرب أهلية خاطفة فوق أنه سفه في السياسة ومغامرة بمصير الأمة فإن مطلقه لا يرى أبعد من موطئ قدميه. فالذهاب الى الحرب الاهلية ليس بهذه البساطة. ليس فقط لأن محصلة الحرب الأهلية خسارة للجميع، بل أكثر من ذلك انه لا يمكن هندستها على الاطلاق واطلاقها والسيطرة عليها حسب رغبة السياسيين. لن تكون عملية خاطفة باي حال إن اندلعت، ولا يمكن التحكم في اطرافها المحلية وتحديد من يدخل الحرب ومع من او ضد من. واخطر من ذلك لا يمكن مسبقا تحديد الاطراف الاقليمية والدولية التى لابد من تدخلها دعما لهذا الطرف او ذاك. نظرة واحدة لاي حرب اهلية في التاريخ القريب سيكشف عدد الفاعلين الدوليين فيها ودعمهم لهذا الطرف وذاك حسب مصالحهم وفي بعض الاحيان تتناقض حتى مصالح الحلفاء الدوليين تجاه اطراف حرب اهلية ما.
لننظر الى جانب آخر من الحرب الاهلية ونقاربه من واقعنا: الحرب الاهلية في اوجه من اوجهها البارزة هي عبارة عن تفكيك للهوية الوطنية، خاصة الهوية الوطنية في طور التكون، وإعادتها الى شكل اولى من الهويات. مثلا، احتاجت اطراف الحرب اليوغسلافية الى تفكيك هوية اليوغسلاف وبعثت الهوية البوسنية والصربية والكرواتية. وانتهي الأمر باللبنانيين الى مارونيين وسنة وشيعة، وكذلك حال العراقيين حيث صار لدينا أكراد، شيعة وسنة وهكذا. فالحرب الاهلية تحتاج الى هويات تشكل الحواضن للأطراف المتقاتلة. وهذا الهويات يجب أن تكون هويات صلدة لحد ما لخوض حرب أهلية، وفي الغالب يتم صقلها في عملية التحضير لهذه الحرب بل بعثها وايقاظها. هذه الهويات قد تكون دينية أو إثنية أو حتى قبلية، ولكن ليس بالضرورة فهنالك هويات فكرية تسببت في حروب أهلية، كحرب الجنوب والشمال الأمريكي او الحرب الاهلية الاسبانية أو الحروب الاهلية اليمنية الاولى .
إذا وقفنا هنيهة عند هذه النقطة، دعنا نتساءل: الى ماذا سيتم تفكيك الهوية الوطنية السودانية الجامعة الآن للتجييش لحرب اهلية؟ هل ستتم التعبئة على اساس إنها هي حرب بين قبائل دارفور وقبائل الوسط؟ هل هي حرب بين القبائل العربية والقبائل الافريقية؟ هذا لا يستقيم ولا يدخل العقل فحركات دارفور في تحالف واضح مع الجيش بينما يُتهم المجلس المركزي لقحت بالتحالف مع قوات الدعم السريع. هذا تدليس وخلق حواضن وهمية. ثم، لماذا تسمى بحرب أهلية بينما الاطراف المرتقب قتالها هي اطراف عسكرية في الأساس. على كل حتى إذا سلمنا إنها الحرب الاهلية فمثل هذه الحرب تحتاج الى تعبئة عالية حتى يتم الحشد لها وتكوين حاضنة ذات مشروع ذو ملامح تتوافق عليه الحاضنة. هل المجتمع السوداني الراهن سيمد لوردات الحرب الاهلية المحتملة بهذا الوقود؟ يقولون أن سلطة الانقاذ نجحت في بعث القبلية. لكن السؤال أين وكيف ولماذا، بل والى اي حد نجحت في ذلك. فقط تخيل معي حرب أهلية في الخرطوم وأم درمان وبحري ومدني وكوستي وعطبرة وبورتسودان والأبيض والجنينة والفاشر وحلفا الجديدة ..الخ هل الهوية السودانية - قدر ما تبلور منها حتى الآن في علاقات الدم والعشرة والثقافة والادب والحنين للمستقبل والمصير المشترك ، هل الهوية السودانية هشة لهذا الحد لتنهار أمام دعاة الحرب الاهلية ومشعليها؟ أعتقد انه من الحمق إن توهمت قيادة الجيش السوداني الحالية أو قيادة الدعم السريع أن هنالك حاضنة جاهزة تتمثل في الشعب السوداني كله او اغلبه تنتظرها في هذا السودان العريض لإبتدار حربها الاهلية . إن ما سيحدث في حالة تحول الخلاف الى صراع عسكري سيكون على أحسن الفروض محاولة انقلاب آخر، لكنه انقلاب من نوع فريد ، ونعم سيكون دموي وخسائره فادحة لكن في نهاية الأمر وبعد أن ينجلى الغبار لن يكون حظ المنتصر في هذا الانقلاب اسعد من حظ إنقلاب البرهان بل اسوأ ولن يهنأ بسلطة مستقرة، فحتي الجانب المهزوم ستكون له قواعده التي سيرجع اليها سواء كانت في البطانة او مفازة دارفور ليعاود الكرة من جديد في دائرة لا تنتهي. إذا نجحت حركات ضعيفة التسليح والعدد نسبيا في زعزعة الحكومة المركزية طوال العقود الماضية ما بالك بإنقسام وإقتتال بين جيشين نظاميين. نعم، جيشان نظاميان فدعونا نتحدث بصراحة. الا يتحدث الجميع حول الجيش والدعم السريع الآن؟ ولنفترض أن هذا الانقلاب الفريد قد افلت من هذه الايدي العبقرية المخططة ولم تتحقق تلك العملية الخاطفة وانقلب السحر على الساحر وتحول الأمر الى حرب اهلية بالفعل، الى ماذا سينتهي الحال؟ هذا الخيال العاطل الذى يتمنى إشعال اقتتال اهلى والذي يتمنى عملية عبقرية خاطفة تعيد الامور الى نصابها- كما يتصور- عليه أن يدرك أن الحرب الأهلية تعني إنهاء احتكار الجيش والشرطة لاستعمال السلاح والنار والحديد نهائيا ودخول المدنيين المسلحين لساحة الصراع. ذلك يعنى ايضا أنه لن يكون هنالك ما يعرف بجيش او الحركات المسلحة فالكل مسلح هنا. وعليه أن يفكر في الاسئلة التالية: ماذا سنفعل بهذا العدد المهول من الشباب الذي يخرج الى الشوارع كل يوم عندما يكتشف على نحو مباغت ان البلد صارت حرب أهلية وانه لا جدوى من الوسائل السلمية والتظاهرات والإعتصامات؟ اين سيذهب هؤلاء الشباب عندئذ؟ هل سيذهبون الى البيت ويجلسون تحت عمود النور في الاحياء في انتظار نهاية الحرب؟ هل سيتحولون الى حركة مسلحة او حركات مسلحة هم انفسهم؟ هل سيقوم الجيش أو الدعم السريع بتجنيدهم؟ وهل الجيش والدعم السريع قادرين على ذلك؟ هل هنالك مصالح لدول الجوار والاقليم في تسليحهم وتدريبهم؟ هل الحركات المسلحة الحالية ستستوعبهم وتقوم بتسليحهم وتدريبهم؟ هل ستتبخر شعاراتهم حول المدنية والسلام والعدالة وينصرفوا للدفاع عن الاحياء بالعكاكيز والسكاكين المنزلية؟ جميع الاطراف التي تتصايح حول الحرب الاهلية تدرك انه بيع وترويج للوهم حيث انه لا طرف قادر على تحمل عواقب هذا الفعل الطائش. وفوق ذلك الجميع يعلم إن الخلاف الحالى بين قوتين عسكريتين يجب تسميتها باسمها وتحميلهما المسؤولية، وإن وقع شيء بينها ليس هنالك ما يستوجب تسميته بحرب اهلية فالحرب الاهلية تعني الحرب بين المدنيين (الاهالي)، وإن أفلت الأمر من يدي تلك القوتين وانفرط حبل الأمن نتيجة لفعلهما سيلجأ الاهالي للسلاح وينتهى احتكارهما للعنف ولا أحد يستطيع التكهن بالقوى التي يمكن أن تولد وسط هذا الرماد.

 

آراء