بين تنوير البرهان واتفاق الانتقالية والسيادي والحاضنة!!
ركن نقاش
البرهان في تنوير للتشكيلات العسكرية التابعة للجيش السوداني أكد أن جميع التكوينات توافقت على حماية ثورة الشعب السوداني، وتواثقت، وأدت القسم على ذلك، وأن لا عودة للنظام القديم، وأنهم يعملون في تناغم تام مع الشق المدني لتحقيق مهام المرحلة، وهم الآن يعملون في مجال الضائقة الاقتصادية بعمل تشكيلات لمحاربة التهريب بجميع أشكاله من تهريب للمواد التموينية، أو تهريب البشر، وهم يحرسون الثغور، ويحمون الوطن، وفي مجال الجائحة الصحية يعملون لحماية المواطنين من هذه الجائحة المميتة، ويتعاونون مع أصحاب الشأن في المجال الصحي، أما في مجال مهمتهم الأساسية أمن الوطن وأمن المواطن فهم يعملون بكفاءة واقتدار لانجاز مهمتهم الأساسية، ودعا ألا تتدخل السياسة في التشويش وحرف مسار الجيش القومي..
وتعليقنا على هذا التنوير أنه جاء ليطمئننا على أساسيات مهمة، فهل الأمور هي كما قال القائد البرهان؟!..
تسييس العسكر بين مايو والانقاذ:
من المعلوم بالشواهد أن العمل على اختراق القوات المسلحة قديم قدم المؤسسة العسكرية ولكنه بدأ ممنهجاً في أخريات أيام نميري وبعد دخول الحركة الاسلاموية إلى المصالحة الوطنية التي افترعها الصادق المهدي مع النميري في باخرة على مياه البحر الأحمر، واهتبلتها الحركة الاسلاموية، واستغلتها لتوطين أقدامها، ومن ذلك عمل دورات دراسية ممنهجة لقادة القوات المسلحة، في المركز الاسلامي (سابقاً)، وجامعة أفريقيا العالمية (حالياً)، يقول العقيد فيصل علي ابوصالح وزير داخلية الانقاذ وعضو مجلس قيادة الثورة سابقاً يونيو ١٩٩٢ (في الذكرى الـ 23: العقيد ابوصالح يحكي قصة الانقلاب بالتفاصيل الكاملة واسباب خروجه من نظام البشير):
* "كنا نحن الضباط المنضوين تحت لواء التنظيم الإسلامي أربعة فقط في الاستوائية وهم كمال علي مختار وانا وعبد القيوم محمد احمد الحاج ويونس محمود وكان هناك عدد آخر من الضباط القريبين من التنظيم من من نطلق عليهم اسم [المؤلفة قلوبهم] وهم تجاني آدم الطاهر وفيصل مدني وصلاح عبد الله عطية".
* "بناءً على توجيه منا زار علي عثمان محمد طه المنطقة العسكرية الاستوائية بصفة زعيم المعارضة بالجمعيه وكانت هذه الزيارة أولى خطوط الأعداد"
* "كانت تلك أول مره أقابل فيها دكتور نافع ولكن يبدو أن الرجل يعرف عني الكثير...وفي نهاية اللقاء ودعنا الجميع وقبل أن اخرج من المنزل سألني دكتور نافع إن كانت لي علاقة طيبه بمحلات عابدين عوض لتفصيل الملابس العسكرية إم لا، فأجبته مازحاً إن كان يريد تفصيل بدله عسكرية، فأجابني جاداً [أن الملابس العسكرية موجودة ولكن تنقصنا بعض علامات الكشف والنياشين] وسألني ان كان في امكاني الحصول على عدد منها، فأجبته نعم يمكنني ذلك ولكن لماذا؟ فقال (سعادة العميد عبد الرحيم حا يشرح ليك)"
* "ولم يفت عليَّ أن أسأل العميد عبد الرحيم عن معنى كلام دكتور نافع عن الملابس العسكرية فضحك وقال ربما احتجنا لهم يوماً و أبديت انا تحفظي تجاه اشراك المدنيين في أي عملية عسكرية فأجاب "ملكية دكتور نافع ديل عساكر اكثر مني ومنك"،
* "وصل عمر البشير في اليوم المحدد وكنت آخر مره التقيته في الخرطوم عام ١٩٨٤ خلال احدى الدورات بالمركز الإسلامي الافريقي"..
بين "قضمة" العسكر و"لحسة" الاحزاب:
لقد استقطع العسكر من حياتنا السياسية بعد الاسثقلال 53 عاما (6 أعوام لنظام عبود – الذي لم يكن انقلاباً بقدر ما كان تسليماً وتسلماً بين رئيس الوزراء عبدالله خليل والفريق إبراهيم عبود باعتبار أن التدخل المصري في الشأن الداخلي السوداني حتم عليه تسليم السلطة للجيش السوداني – ثم 16 عاماً فترة مايو، وعام سوار الذهب الانتقالي، و30 عاماً لفترة البشير والاسلامويين)، مقابل أحد عشر عاماً هي فترات حكم الأحزاب!!..
إتفاق أضلاع مثلث السلطة:
اجتماعات و مباحثات ثلاثية الأضلاع تخرج بتوصيات مفصلية بين الانتقالية والسيادي وقوى الحرية والتغيير تم التشديد على انفاذ مصفوفة الفترة الانتقالية كل بند في مواعيده:
تفكيك التمكين، محاكمات رموز النظام السابق، الفصل بين السلطات مع تحديد المهام، الشراكة، السلام، الأزمة الاقتصادية، إصلاح الأجھزة العسكریة والشرطية والأمنیة، اصلاح أجهزة العدالة، الموقف من العلاقات الخارجیة ، الإسراع باستكمال بناء ھیاكل السلطة الانتقالیة، آلیات مشتركة لمتابعة التنفيذ والمراقبة والتقييم لضمان إنفاذ المھام العاجلة والتي تعثرت من مھام المرحلة الانتقالیة.
إعادة تأهيل الأجهزة العسكرية:
لا أحد ينكر أن فترة الثلاثين عاماً من حكم الانقاذ قد تدخلت لتغيير كل شيئ، ليس إلى الأفضل بل إلى الأسوأ، من خلال تدخل الآيدلوج، ومن ذلك العمل الممنهج لتغيير عقيدة القوات النظامية القومية (جيش وشرطة وأمن) من حماية الوطن والمواطن إلى حماية الحرمين الشريفين، من ما أدخلنا في حُمَّى صراع المحاور، ومعلوم عندنا محوري الممانعة (قطر، إيران، سوريا، تركيا، روسيا، وحزب الله اللبناني)، والمهادنة (السعودية، الامارات، مصر)، مما أوقعنا في شد وجذب المحاور المتناحرة، وخوض حروب بالوكالة، مما جعلنا ونحن دولة متعثرة اقتصادياً وغنية شعباً وثروة، نتدخل بصورة سافرة في حرب اليمن، وافتقدنا موقف الحياد، ومحبة السلام، والسؤال هل الحرب اليمنية - وهي حرب عقائدية بين مذهبين هما "الشيعة – في إيران ولبنان والعراق - والسنة" في السعودية - هي حرب يمكن أن يتضرر منها الحرمان الشريفان في مكة والمدينة؛ وهي قتال بين فئتين كلاهما مسلمة ولا يحق لنا الاشتراك فيها، بل نحن ملزمون كمسلمين لا كسودانيين أن نصلح بين الفئتين أولاً، من هنا نثمن عالياً التنوير الذي أعلنه الفريق أول عبدالفتاح البرهان في اجتماعه بالقادة العسكريين، ونجزم أن الخروج من هذا النفق المظلم ليس بالحديث فحسب وانما بالعمل المضني لاصحاح البيئة العسكرية التي عملت فيها الآلة التخريبية للانقاذ خلال أعوام طويلة وقرع على الرؤوس والأفئدة واستخدام العاطفة الدينية الفجة لحرف قواتنا المسلحة من مهامها الحقيقية في بناء شعب تقسمه القبائل والأعراق واللغات واللهجات وتتوزعه تباينات اقتصادية قاهرة لابد من العمل عل تفكيك صعابها بالتنمية، ليس الاقتصادية فحسب، بل بالتعليمية والتثقيفية والصحية، والتقريب بين الهامش والمركز حتى تزول الفوارق اللونية والجنسية والقبلية ويحدث التمازج والتوافق والاندماج المطلوب بين اثنياتنا المختلفة وهي – إن احسن التعامل معها – ستكون عنصر قوة لا عنصر ضعف!!..
eisay1947@gmail.com