بين علمين: حياة البارون سير ردولف سلاطين باشا … عرض: بدر الدين حامد الهاشمي
بدر الدين حامد الهاشمي
3 September, 2011
3 September, 2011
بين علمين: حياة البارون سير ردولف سلاطين باشا
(الجزء الأول)
Between two flags: The life of Baron Sir R. Slatin Pasha
تأليف: غوردون بروك شيبيرد
عرض: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم:
نَشَر المؤرخ "غوردون بروك شيبيرد" في عام 1972م هذا الكتاب عن سيرة وحياة الضابط النمساوي رودلف سلاطين (1857–1932م)، الذي عمل في خدمة الحكم التركي في السودان منذ 1879م، ثم ادَّعى الإسلام وسلَّم نفسه لأنصار المهدي في دارفور في 1882م بعد أن أيقن من عدم جدوى المقاومة، وظل أسيراً لدي المهدي، ثم خليفته عبد الله التعايشي، إلى أن تمكن من الفرار من أسره إلى مصر، وما لبث أن عاد مع جيش الجنرال كتشنر الذي أعاد احتلال السودان في عام 1898م، وعمل في خدمة الحكم الثنائي (البريطاني/ المصري) إلى عام 1914م. يسرد الكتاب سيرة الرجل منذ طفولته المبكرة وحتى وفاته، بيد أن اهتماماتنا –كسودانيين - بتاريخ الرجل كثيراً ما يقتصر على عمله في بلادنا في العهود الثلاث المذكورة آنفاً وبكتابه الشهير المثير لكثير من الجدل "السيف والنار في السودان"، رغم أن كامل تاريخ الرجل يتصل اتصالاً عضوياً قوياً ببعضه البعض، ولا يمكن فهم شخصية الرجل والكثير من أفعاله دون معرفة كامل قصة حياته وجذوره العائلية.
شغفت (على المستوى الشخصي) بتاريخ سلاطين منذ أن وقع في يدي كتابه مُعرَّباً وأنا في نهاية المرحلة الوسطى، وما زلت بالسيرة الدرامية لهذا الرجل الاستعماري المثير للجدل كلفا، ولا أدري إن كان رجال السينما قد حولوا قصة حياته المثير لفيلم سينمائي طويل، رغم علمي أن فيلماً وثائقياً من 90 دقيقة عن "السيف والنار في السودان" قد أنتج بالفعل في ربيع 2011م تجد بعض المعلومات عنه هنا:
http://www.filminstitut.at/en/slatin-pascha---feuer-und-schwert-im-sudan
وسبق أن أنتجت في عام 1967م حلقات تلفزيونية عن حياة الرجل بعنوان Slatin Pascha
ولا أدري لم تقاعس أهل الدراما عندنا عن الكتابة المسرحية أو التلفزيونية أو السينمائية عن هذا الرجل، فحياته في نظري المتواضع "كنز درامي" لمن أراد الكتابة... ولو من باب ما يسمى بـ"إعادة كتابة التاريخ"، وهو مفهوم لنا فيه رأي ليس هذا مكانه.
المترجم
-----------------------------------------
ولد رودلف سلاطين في قرية قرب فينيا في 7/6/ 1857م، وكان الرابع بين أطفال والدته آنا، ووالده مايكل سلاطين التاجر النمساوي (والذي تحول لأسباب "عملية/ مصلحية" من اليهودية للمسيحية الكاثوليكية في 25/3/ 1838م بتوصية من أحد المتنفذين في الحكومة). تعود أصول عائلته اليهودية إلى "بوهيميا" في دولة التشيك. بحث المؤلف مطولاً مستعيناً بمتخصصين في فينيا في نوعية التجارة التي كان يمارسها والد ردولف سلاطين، وخلص إلى أن ذلك الرجل تقلَّب كثيراً في المهن، فقد سجَّل مهنته في شهادة ميلاد ابنه كصبَّاغ مرخص للحرير، ثم سجل مهنته عند دخول ردولف للمدرسة كتاجر للفاكهة، ثم غدا بائعاً للثلج، وعند التحاق ابنه رودلف بالمدرسة الحربية كان مهنة الوالد هي "صاحب منزل"، وكانت تلك هي إحدى وظائف رجال الطبقة البرجوازية في فينيا. من المؤكد أن الرجل لم يكن له طيلة حياته عمل ثابت أو ثروة تذكر، فمات ولم يترك لأبنائه ما يورث، وهذا ما دعا كل أبنائه للتخلي عن تراثهم اليهودي في التجارة والأعمال، وانصرفوا لأعمال تدر دخولاً محدودة لكنها مضمونة، مثل مهنة التدريس أو الإدارة أو المحاماة.
كان ردولف طالباً ثانوياً متوسط المستوى، ولم يدُرْ بخلده أبداً أن يغادر بلاده ويغامر بالهجرة لبلاد بعيدة، أو على الأقل لم يصرِّح بذلك لأحد من العالمين. ولكن ما لبثت حياته أنْ تغيَّرت بالكلية عندما سمع عن بائع كتب في القاهرة يبحث عن مساعد له يجيد لغات أجنبية وقليل من المعرفة بعلم التجارة. ترك سلاطين كل شيء وسافر للقاهرة - وهو في السابعة عشرة من عمره - للعمل مع ذلك البائع. لم يكن قد سافر من قبل ذلك لأي مكان خارج بلاده في حياته، ولم يكن له معارف أو أصحاب خارج نطاق عائلته الصغيرة. لا أحد يعلم سبب اختياره للسفر للقاهرة، ولكن لعله كان مفتوناً بأفريقيا وسحرها الغامض، وبقصص المغامرين من الألمان في تلك السنوات. قضى سلاطين الفترة بين 1874- 1875م في جو القاهرة الكوزموبولتياني (العالمي) مع المهندسين والتجار والمساحين والعلماء والجنود والمغامرين الذين جابوا صحارى السودان المضطربة التي كان يحتلها، ولخمسين عاماً خلت، خديوي مصر. سافر سلاطين مثلهم للسودان وجاب أنحاء كردفان وجبال النوبة، وكان يرغب في الذهاب إلى إقليم دارفور المضطرب، بيد أن السلطات المصرية لم تعطه الإذن بالذهاب لأسباب أمنية. قنع سلاطين بالبقاء في الخرطوم مع مغامر ألماني يدعى ادوارد اشنتسر كان يعمل في إدارة حكم الخديوي. كان سلاطين في التاسعة عشرة من عمره حين استدعاه – وهو في الخرطوم - الجيش النمساوي المجري للخدمة الالزامية، فحزم حقائبه وآب لبلاده حيث عمل مجنداً في أرض البوسنة، ولكن ليس قبل أن يطلب من صاحبه الألماني ادوارد اشنتسر أن يتوسط له عند الجنرال غوردون ليعود ويعمل في خدمة الخديوي. قضى سلاطين فترة خدمته في جيش بلاده، وعاد للقاهرة ثم للسودان في بداية عام 1879م وعمره 21 عاما. وجد سلاطين أن الحكومة وفَّرتْ له منزلاً وعدداً من الخدم، وكان غوردون حفياً بالشاب النمساوي، ويكن له وداً خاصاً، ولأهل النمسا عامة، إذ كان عمل من قبل في "مفوضية الدانوب" بالنمسا، وكان يحرص على لقائه يومياً ليختبره و"ليضعه في الصورة". تم تعيينه كمفتش حسابات لفترة قصيرة في "المسلمية" بيد أنه لم ينجح في أداء وظيفته تلك لأنه – كما قال - وجد الفساد في تحصيل الضرائب شائعاً وتصعب السيطرة عليه. عُيِّن بعد ذلك مديراً لدارا في جنوب غرب دارفور. لم يأبه البتة للمرتب الضئيل الذي توفره الوظيفة، أو قائمة الأمراض الطويلة في تلك المنطقة التي تبدأ بالحمى الصفراء والديسنوتاريا والملاريا وتنتهي بالكوليرا والجذام. في يومه الأخير بالخرطوم، قابله غوردون في باخرته الراسية على النيل الأبيض، وقضيا بمفردهما وقتاً طويلاً بالليل يناقشان الأحوال المتردية في دارفور (رغم رداءة لغة سلاطين الإنجليزية حينها). عند الصباح الباكر بدأ سلاطين رحلته الطويلة غرباً على ظهر حصان صغير أهداه إليه غوردون، وظل ذلك الحصان رفيقاً له لأربعة أعوام قادمة. قابل في منتصف الطريق في الأبيض (عاصمة كردفان) مفتش الصحة السويسري زوربوخن، والذي كان أيضاً في طريقه لدارفور. سافرا معاً لذلك الإقليم في يونيو 1879م. خلال المسيرة الطويلة لدارا كان طلاب الحاجات يتقاطرون على سلاطين من كل حدب وصوب بعد أن سرت إشاعة أنه ابن عم غوردون (ربما بسبب عينيه الزرقاء اللون ووجهه الحليق). أورد المؤلف قصة (قال إنها طريفة) حدثت لسلاطين وهو في طريقه لدارا، حيث قابله شاب وسيم في التاسعة عشرة من عمره شغفت به (من جانب واحد) امرأة عجوز شمطاء قبيحة ولكنها بالغة الثراء و"أغرته" بالزواج منها، رغم أنه كان يحب شابة في عمره في الخرطوم. جاء الشاب لسلاطين يرجو تخليصه من براثن تلك الشمطاء الثرية. حكم له سلاطين بما أراد، فإذا بالعجوز تقتحم عليه داره (مخالفة قواعد "الإتكيت" العربي) بوجهها المتغضن وشعرها الشائب المدهن وبصوتها الذي يشبه صوت ببغاء محموم، وكادت تفتك به لولا تدخل الحارس، والذي كان خارج الدار يسمح صراخ العجوز. كانت للقصة نهاية سعيدة، إذ يقول المؤلف أن سلاطين قابل بعد سنين عديدة ذات الرجل وقد تزوج من محبوبته الأولى وأنجب منها عدداً من الأطفال، وكان في غاية الامتنان لسلاطين لتخليصه من براثن تلك العجوز الشمطاء (عبء الرجل الأبيض في أنبل تجلياته!!! المترجم)
وصل سلاطين للفاشر حيث قابل حاكم إقليم دارفور الإيطالي مسيداقليا، ثم توجه جنوبا لدارا في رفقة مفتش الصحة السويسري، والذي كان يحسبه الناس – بسبب مظهره وعمره – الحاكم القادم لدارا، وليس سلاطين. استغل سلاطين ذلك الانطباع وتقدم موكب الرجل السويسري، وأعلن للأهالي من مستقبلي حاكم دارا القادم أنه رئيس حرس الحاكم القادم، وطفق يسأل الناس عن الأحوال في دارا وعن إخلاص الموظفين والأهالي وغير ذلك من دقيق المعلومات. عند حضور الدكتور السويسري لدارا ظنه الناس بالفعل أنه حاكمهم الجديد فمضوا يدبجون أمامه الخطب الطويلة، والقصائد المادحة، والأهازيج المرحبة، وكان سلاطين مستغرقاً في الضحك والسخرية من موقف السويسري الذي كان في حيرة مما يجري أمامه، خاصة وهو لا يعرف العربية مثل سلاطين.
في أول أيامه في دارا، وبينما كان يتناول طعام إفطار رمضان مع جمهرة من كبار القوم جاءه رسول من حامية صغيرة في "بير قوي" تفيد بأن السلطان هارون (المتطلع لحكم دارفور) على وشك الهجوم عليهم ، لذا فقد جاءوا لسلاطين طلباً للعون. على الفور رمى ما بيده من لحم وركب حصانه ومعه 200 من العسكر السودانيين و20 من الأتراك والمصريين واتجه صوب "بير قوي"، والتي وصلها عند المغيب بعد مسيرة يومين. أصيب سلاطين عند وصوله بحمى وصداع قوي عالجه شيخ (طبيب) المنطقة بالضغط على جانبي رأسه، وقراءة بعض الأدعية والتعاويذ بالعربية، والبصق على وجهه بين حين وآخر! غضب سلاطين من البصق على وجهه فدفع بالشيخ بعيداً عنه. عرض عليه الشيخ إحدى خدمه الحسان كممرضة وخبيرة بأمراض المنطقة، ولكن رفض سلاطين العرض شاكرا، ونام ليلته ليصحو في صباح اليوم التالي وهو في تمام العافية، مما رفع من أسهم الشيخ الطبيب عند الأهالي. بقي سلاطين في انتظار هارون وجيشه دون جدوى، فقضى وقته يتجول في الأسواق حيث تباع الملابس والكبريت، والفتيات أيضا. بعد يومين بلغته الأخبار بأن هارون سمع بمقدم سلاطين فولاه الدبر. لم يجد سلاطين أمامه ما يفعله فآب لدارا. ما إن حلَّ عام 1880م حتى كان سلاطين قد بسط سلطته على المنطقة وقضى تماماً على تمرد هارون. في أبريل من عام 1881م بعث الخديوي لسلاطين رسالة بالفرنسية يبلغه فيها بتعيينه حاكماً لكل إقليم دارفور بديلاً للإيطالي مسيداقليا. بعد عامين من ذلك التاريخ قام شيخ الرزيقات "مادبو علي" بالانضمام لجيش المهدي والتمرد على سلاطين. حارب سلاطين التمرد، بيد أنه خسر في معركة "أم وريقات" 8000 من جنده، وتراجع مهزوماً لمركزه في دارا جريحاً بطلقة نارية في يده اليمنى فصلت أحد أصابعه. اعتنق سلاطين الإسلام – اسمياً - لكسب ود جنوده المسلمين وسمى نفسه "عبد القادر" إذ كان قد سمع من أفضل مخبريه في دارا (وهن عاهرات البلدة) أن جنوده عندما يشبعون من "المريسة" تنحل عقد لسانهم (وملابسهم أيضا) ويصرحون بأن سبب هزيمتهم هو أن قائدهم كافر بالله ورسوله. فرح الجنود والضباط بإعلانه الدخول في الإسلام وبتوزيعه للحم عشرين ثوراً على الجنود ككرامة (عبء الرجل الأبيض وتضحيته ونبله أيضا. المترجم).
عند تسجيله للأحداث التي جرت أثناء حصار المهدي الطويل للأبيض، سرد المؤلف قصة الجندي الألماني جوستاف كلوتز والذي كان ضمن جنود هكس باشا، ثم قرر تسليم نفسه لجيش المهدي. أحضر الجندي الأبيض (والذي كان المهدي وجنوده يحسبونه ضابطاً إنجليزيا) إلى مجلس المهدي تحت ظل شجرة ضخمة من أشجار التبلدي خارج مدينة الأبيض، حيث تم استجوابه استجواباً دقيقاً أبلغ فيه الرجل المهدي بما يود أن يسمعه من أن جيش هكس ضعيف منقسم على نفسه لا أحد فيه يؤمن بأنه سينتصر. سُرَّ المهدي أيما سرور بتلك الإفادات وكافأه، ليس فقط باستبقائه على قيد الحياة، بل وبإجلاسه بقربه على مائدة الطعام، وأخذه لقطع لحم مشوية مختارة بعناية، وإعطائها بيده له، وتلك إشارة نادرة الحدوث دالة على عظيم الامتنان.
عندما سمع سلاطين (عبد القادر) بسقوط الأبيض وهزيمة هكس باشا في شيكان قرر إعلان هزيمته واستسلامه للأمير مادبو، حيث كُبِّل بالأغلال وأرسل للمهدي مخفوراً كأسير حرب. قبل ذلك سلم إدارة إقليمه لمساعده محمود خالد (وهو من أبناء عمومة المهدي). كانت الليلة التي سبقت تسليمه لنفسه هي أتعس ليلة في حياته... كيف لا وقد كانت – للمفارقة الحزينة - هي عشية ليلة الميلاد. مضى يتذكر أيامه الخوالي في وطنه، وطافت بعيون عقله المسافر في النمسا ذكرى تقاليد احتفالات تلك الليلة في فينا الجميلة من شجرة عيد الميلاد في كل بيت، والشموع المضيئة، وأجراس الكنائس، وصناديق الهدايا المغلفة بأزهى الألوان. في صبيحة اليوم التالي راقب – وبحزن عميق جنوده يسلمون أنفسهم وأسلحتهم لسيدهم المهدوي الجديد، ثم قام بمصالحة عدوه الماكر المراوغ مادبو، والذي كان في حالة عداء مستعر معه لعامين سابقين، والذي كان يعده "عدواً عاقلا" يستحق كامل الاحترام. أعاد سلاطين لمادبو طبول الحرب التي كان قد غنمها منه في غارة ليلية ذات صيف مضى، ووضع معها سيف من سيوفه دلالة على الكرم وحسن النية. رد مادبو التحية بإهداء سلاطين أفضل جواد في إسطبله.، بيد أن سلاطين اعتذر عن قبول الهدية واكتفى بقبول كلمات نصح قليلة من الشيخ الحكيم جاء فيها: "أنا مجرد رجل عربي، ولكن اسمع لنصحي. كن مطيعاً والزم الصبر. الصبر فضيلة عظيمة، وإن الله مع الصابرين". لسنوات طويلة قادمة علقت تلك النصيحة بعقل سلاطين، وكان يتحلى بالصبر آملاً في حدوث الفرج.
قضى سلاطين الأسابيع الأولى من عام 1884م في معسكر محمود خالد (مرؤوسه السابق) في دارا يتفرج - في عجز - إلى عمليات التمشيط والتطهير التي تحدث في المديرية التي كانت تحت إمرته ولوقت قريب. سيطر المهدويون على الفاشر بعد أن سقطت دارا في أيديهم. كان سلاطين يعي دوماً أن القسوة المفرطة هي من الحقائق الثابتة في السودان مثلها مثل الرمل أو الشمس. بيد أن عمليات التعذيب والفظائع التي يقول إنها ارتكبت على يد جنود المهدي في دارا والفاشر فاقت الوصف. شمل التعذيب تعليق المرء من رجليه إلى أن يؤدي تراكم الدم في رأسه (هكذا) لإصابته بالإغماء. قام خالد محمود (حاكم دارفور الجديد) بجلد ضابط مصري ألف جلدة في اليوم لثلاثة أيام متتابعة حتى يعترف بالمكان الذي خبأ فيه ذهبه. تأثر سلاطين من ذلك التعذيب الفظيع فتوسط لإطلاق سراح الرجل. وافق خالد محمود شريطة أن ينبطح سلاطين على الأرض أمامه (وتلك عندهم غاية الإهانة). فعل سلاطين ذلك من أجل حماية الضابط المصري فأطلق سراحه، ولكنه مات بعد أربعة أيام فقط من ذلك. حاول الضابط المصري في لحظات حياته الأخيرة أن يبوح بمخبأ ذهبه لسلاطين، ولكن سلاطين منعه من ذلك بحزم، وتم دفن المصري مع سره "الدفين" (عبء الرجل الأبيض ونبله مجددا. المترجم).
كانت تلك مجرد "بروفة" فقط لما سيراه سلاطين من المهدي وجنوده لاحقا. في يونيو من عام 1884م قابل سلاطين (وبعد مرور نصف عام من تسليمه لنفسه) المهدي. حدث اللقاء في معسكر مفتوح بمدينة الرهد جنوب شرق الأبيض. وصف سلاطين المعسكر بأنه بحر من قطاطي القش تمتد على مد البصر. أعطاه خادمة جبة قصيرة مرقعة تناسب لقاء المهدي، ووصفها سلاطين بأنها جعلته يبدو كـ"امرأة ترتدي ثوب استحمام تنكري"! قبل سلاطين (عبد القادر المسلم في هذه الحالة) يد المهدي بعد انتهائه من الصلاة وجثا على الأرض أمامه يردد البيعة. ربط الضابط النمساوي - المجري بتلك الكلمات التي رددها نفسه بعقيدة المهدي، وبحمايته والذود عنه (في المنشط والمكره) وبعدم خذلانه أو الفرار منه. قضى سلاطين بعد ذلك ساعات طويلة في ترتيل المصحف والراتب والصلاة في جماعة من الصبح حتى المساء. سمح له أخيراً بالانصراف وتحرك بصعوبة صوب داره جراء جلسته القرفصاء لساعات طويلة.
“الأحداث” نقلا عن
badreldin ali <alibadreldin@hotmail.com>