“تاريخ أفريقي لأفريقيا: من فجر الإنسانية إلى الاستقلال”

 


 

 


المؤلف

الإعلامية زينب محمد خير البدوي

أحمد إبراهيم أبوشوك

(1)

تمهيد

في أوائل الستينيات من القرن العشرين، زعم هيو تريفور روبر (Hugh Trevor-Roper)، المؤرخ الإنجليزي، "أنَّ أفريقيا السوداء قبل الاستعمار لم يكن لها تاريخ". استهجن بعض المؤرخين الأفارقة هذا الزعم، وساندوا مشروع كتابة تاريخ أفريقيا العام، الذي أطلقته اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) عام 1964، بهدف تجاوز المزاعم القائلة بأن أفريقيا ليس لها تاريخ مكتوب قبل مجيء المستعمر الأوروبي، وكذلك الخروج من دائرة الأحكام المسبقة التي فرضها إرث تجارة الرقيق والنظرة الاستعمارية الاستعلائية تجاه إنسان أفريقيا. وتحقيقاً لهذا الهدف، دعت اليونسكو أكثر من 230 مؤرخاً وباحثاً أفريقيًا، ووضعت لهم خارطة طريق لكتابة تاريخ أفريقيا العام منذ ظهور الجنس البشري إلى حقبة ما بعد الاستعمار، مع اصطحاب الشتات الأفريقي في العالم. وصدر مشروع اليونسكو في ثمانية مجلدات، مذوقةً بأشكال توضيحية وخرائط ورسوم بيانية وصور فوتوغرافية، فضلاً عن الفهارس العامة والقوائم الشاملة للمصادر والمراجع.

وانطلقت هذه المجلدات الثمانية من مفهوم مبتكر، يوثق لتفاعل أفريقيا مع العالم المحيط بها، تحت عنوان "الانتماء الأفريقي في العالم"، مؤكدةً بذلك علاقة أفريقيا العضوية بشتاتها وترابطها الداخلي المستمر، الذي يشمل الحركة الديناميكية للأفراد والجماعات والثقافات والمعارف داخل القارة، وتواصل ذلك الحراك الداخلي مع العالم الخارجي. وخلاصة ذلك إن أفريقيا لم تكن عبارة عن ترعة مقطوعة عن المجرى الرئيس لتاريخ العالم، بل كانت رافداً من روافده وفرعاً من فروعه. وبذلك شكلت المجلدات الثمانية نقلة نوعية في كتابة تاريخ أفريقيا العام؛ لأنها قد وضعت منهجية جيدة كتابة تاريخ القارة السمراء، وعززت ذلك بسريات تأريخية موضوعية، بدأت بعصر ما قبل التاريخ في أفريقيا، وانتهت بالأبعاد السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة في القارة منذ عام 1935 وحتى حقبة ما بعد الاستعمار.

تُوِّجت مجلدات اليونسكو الثمانية بثلاثية التراث الأفريقي، التي ألفها ورواها البروفيسور علي المزروعي (1933-2014) في أوائل الثمانينيات، ثم بثتها في شكل أفلام مسلسلة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بالتعاون هيئة التلفزيون النيجيرية في النصف الثاني من عقد الثمانينات. وبعد ذلك نشر مزروعي نصوص الأفلام في كتاب يحمل العنوان نفسه، ضمن منشورات بي. بي. سي (BBC Publications) وشركة ليتل براون آند كومباني (Little, Brown and Company). ويقصد مزروعي بثلاثية التراث الأفريقي التأثيرات الثلاثة الرئيسة، التي شكلت خارطة أفريقيا السياسية والثقافية والاقتصادية والدينية، وهي تشمل (1) التراث الأفريقي الأصل، الذي نشأ في تراب القارة نفسها وتطور عبر زمانها ومكانها ومناخها؛ (2) وتراث الرأسمالية الأوروبية المركزية الذي فرضه الاستعمار الأوروبي على الأفارقة؛ (3) وانتشار الإسلام والتعريب عن طريق الدعوة والجهاد. ويرى مزروعي أن هذه المؤثرات الثلاثة لم يتفاعل معها الزعماء الأفارقة الوطنيون بإيجابية، وأن الغرب ظل ينظر إلى أفريقيا باعتبارها متلقٍ للمؤثرين الأخيرين أكثر من أنها مؤثرة فيهما. علماً بأن أفريقيا قد أثرت في تاريخ أوروبا وأمريكا، إلا أنها اليوم، من وجهة نظر مزروعي، تعاني الأمرين: تبعية الاقتصاد وفشل السياسة الناظمة للعلاقات الرأسية بين حكامها ومحكوميها.


(2)

زينب بدوي وتاريخ أفريقي لأفريقيا

صدر في الشهر الماضي (نيسان/أبريل 2024) كتاب الإعلامية زينب محمد خير البدوي بعنوان "تاريخ أفريقي لأفريقيا: من فجر الإنسانية إلى الاستقلال" (An African History of Africa from Dawn of Humanity to Independence)، باللغة الإنجليزية عن دار النشر (WH Allen) البريطانية، ويبلغ عدد صفحاته 544 صفحة. ويكمل هذا الكتاب النهج الذي أخطته مجلدات اليونسكو الثمانية عن تاريخ أفريقيا العام؛ لأن المؤلفة انطلقت من فرضية مفادها: "الجميع أصلهم من أفريقيا، وبالتالي فإن هذا الكتاب للجميع". وبناءً على ذلك أسست البدوي سرديتها التأريخية، التي شملت أنساب الأسر الحاكمة وصراعاتها التنافسية في شمال أفريقيا قبل قرون من ميلاد المسيح؛ والتوسع المحفوف بالمخاطر والدمج التوفيقي للديانات الإبراهيمية في النسيج الاجتماعي للقرن الأفريقي؛ وظهور ممالك غرب أفريقيا التي كانت تغذي الاقتصاد العالمي عندما كانت أوروبا تعيش في عصورها المظلمة. وألقت الضوء على المخلفات الأثرية ذات الطابع الديني والاقتصادي والاجتماعي التي تركها الإنسان الأفريقي، وتناولت الآثار الموجبة والسالبة للحقبة الاستعمارية، وحركات التحرر الأفريقية ونضالاتها ضد المستعمر الأوروبي، والحكومات الوطنية التي أعقبت الفترة الكولونيالية. والكتاب كما وصفه أحد الذين قاموا بمراجعته بأنه لم يكن كتاباً أكاديمياً صرفاً، بل كتاب يجمع بين الرواية التاريخية، والسرد الأدبي الشفاف، والتجارب الشخصية للمؤلفة، التي رسمت بعض المشاهد التاريخية من واقع زياراتها الميدانية المتكررة للقارة السمراء خلال سبع سنوات، زارت فيها أكثر من ثلاثين دولة أفريقية، وقابلت رؤساء بعضها، وحوارات قطاعات مجتمعية متنوعة فيها. ولذلك تأمل البدوي أن تكون "قد أثبت أن أفريقيا تتمتع بتاريخ، وأنها جزء أساس من قصتنا العالمية، وأنها تستحق قدراً أعظم من الاهتمام والاحترام، مقارنة بما حظيت به حتى الآن".


(3)

المؤلفة في سطور

لم تكن الإعلامية البارزة زينب محمد خير البدوي مؤرخة بحكم تخصصها، بل درست الاقتصاد والفلسفة والعلوم السياسية في جامعة أكسفورد، وحصلت على ماجستير الدراسات الشرق أوسطية في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن. ارتبطت حياتها العملية بالإعلام، حيث عملت باحثة وصحفية ومذيعة بتلفزيون يوركشير (1982-1986)، وانضمت إلى القناة الرابعة البريطانية عام 1988، وفي العام 1998 انتقلت إلى الخدمة العالمية بهيئة الإذاعية البريطانية (البي. بي. سي.)، وقدمت العديد من البرامج التلفزيون الحية، والبرامج الحوارية الهادفة. وتقلدت العديد من المناصب التشريفية والوظيفية، ونذكر منها: رئيسة مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن؛ ورئيسة الجمعية الأفريقية الملكية؛ كما أنها منحت جائزة الشخصية الإعلامية الأولى في المملكة المحتدة للعام 2009.



ahmedabushouk62@hotmail.com

 

آراء