تجربة الأطباء الصينيين الموفدين من برنامج “دبلوماسية الصحة القومية” للعمل بالسودان .. ترجمة وعرض: بدر الدين حامد الهاشمي
The experience of Chinese physicians in the national health diplomacy programme deployed to Sudan
كاي واينف وسارة قمبل والفاتح مالك وسارة حسن وأمي هاقاوبيان
Kai Wang, Sarah Gimbel, Elfatih Malik, Sara Hassen and Amy Hagopian
ترجمة وعرض: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذا ملخص وعرض لشذرات من مقال نشر في عام 2011م بالمجلة الطبية "الصحة العامة العالمية Global Public Health" عن العون الطبي الصيني الذي تلقاه السودان عبر العقود الماضية. وتصدر هذه المجلة الاليكترونية عن دار النشر الشهيرة "تايلور وفرانسيس".
ويعمل كُتَّاب المقال بقسم الصحة العالمية في مدرسة الصحة العامة بجامعة واشنطن بمدينة سياتيل بولاية واشنطن الأمريكية، وبوزارتي الصحة في واد مدني والخرطوم.
المترجم
**** **** ****
لقد ظلت الفرق الطبية الصينية تعمل في الدول النامية منذ عام 1963م، بناءً على هدى استراتيجية "دبلوماسية صحية" انتهجتها الصين منذ تلك السنوات.
وفي هذا البحث قمنا بفحص ما نشر في الأدبيات الصينية وفي المواقع الحكومية لوصف المساهمات التاريخية والحالية للفرق الطبية الصينية حول العالم. وبالإضافة لذلك، قمنا بإجراء مقابلات مع 36 عضوا من برنامج الفرق الطبية الصينية التي أرسلت للسودان، تدور في غالبها حول دوافعهم للانضمام لذلك البرنامج، والتحديات التي واجهتهم، والفوائد التي حققوها، وهم يعملون بجانب مُضِيفيهم السودانيين. وكان الحنين والشوق للوطن هما أكبر التحديات التي واجهت أولئك العاملين. وأفاد أكثرهم بأن أقوى دافع حضهم على البقاء بالسودان كان هو حب الاستطلاع / الفضول، وبيئة العمل الطيبة بالنسبة لهم كأطباء. وتراوح تقييم أفراد الفرقة الطبية الصينية (عدا اثنين منهم) لعملهم في السودان بين "جيد" و"جيد جدا"، بينما أتى تقييم كل زملائهم السودانيين أعلى من ذلك. غير أن هنالك اختلافات عديدة في الاعتقادات بين الصينيين والسودانيين المشاركين في البحث حول المسؤوليات المتصورة للفريق الصيني، والتحديات المتعلقة بالتواصل بينهما.
وكانت هنالك ثلاث دعائم لعمل الفريق الطبي الصيني بالسودان هي: الالتزام الحكومي لدى حكومتي الصين والسودان، ومهنية الفرق الطبية الصينية، والبيئة الطبية الصديقة.
وسيعتمد أي نجاح مستقبلي لهذه الفرقة الطبية الصينية (أو أي فرق مشابهة) على رغبة واستعداد الحكومتين والأطباء الصينيين صغار السن للمشاركة في البرنامج، وعلى ترحيب وتعاون أطباء البلد المضيف. وهنالك أيضا بعض المهددات للبرنامج، منها التناقص المستقبلي في الحاجة لعون هؤلاء الأطباء الصينيين في ظل تخريج أعداد متزايدة من الأطباء في البلد المضيف.
استعرض كُتَّاب المقال في مقدمتهم "الخدمات الطبية والصحية" باعتبارها أحد وسائل الدبلوماسية ذات الفائدة للبلاد المانحة والمستقبلة لتلك الخدمات. وعلى الرغم من أن هنالك الكثير من الدول التي تقدم المعونات الاقتصادية والفنية للبرامج الطبية في الدول النامية، إلا أن للصين وكوبا تراثا قديما في إرسال فرق طبية للدول الأقل نموا كوسيلة من وسائل توطيد العلاقات، وتمتين العلاقات السياسية والاقتصادية، وتوسيع دوائر النفوذ فيها مستقبليا. وتسمح طبيعة الحكومتين الصينية والكوبية وهيكلية نظامهما التعليمي والصحي للقيام بما هو أكثر من مجرد تقديم عون مالي، وإرسال عون بشري مؤهل (يمكن أن نسميهم "سفراء صحة")، خاصة في سنوات الحرب الباردة، حين لعب هؤلاء "السفراء" دورا مهما في إظهار التضامن مع الدول الحليفة.
وكانت الجزائر هي أول دولة تبعث لها الصين بفرق طبية، وذلك في عام 1963م. وتوالى بعد ذلك انتشار تلك الفرق الطبية في دول كثيرة. فبعثت الصين بأكثر من 20000 فردا لتسع وستين دولة، منها خمسين دولة أفريقية. وقيل إن نحو 200 مليونا من المرضى قد استفادوا من خدمات أولئك الأطباء الصينيين. ثم تناقص عدد الصينيين في عام 2010م فبلغ 1252 فردا في ثمان وأربعين قطرا. وقدر استثمار الصين في ذلك البرنامج الصحي في عام 2003م بنحو ثلاثين مليونا من الدولارات.
وعمدت الصين لإرسال فرق صحية من إقليم واحد من أقاليمها لكل دولة معينة من دول العالم النامي. وشارك حتى عام 2009م 27 إقليما من أقاليم الصين (التي يبلغ عددها 31) في ذلك البرنامج. وتستشير الصين الدولة المستضيفة عن نوع التخصصات الطبية التي تحتاجها، فترسل لها من تختاره من المتطوعين الخبراء من إقليم معين تحدده هي. ويتكون عادة الفريق الصيني المبتعث من أطباء وممرضين وفنيين من الجنسين، إضافة لمترجمين وطهاة وسائقي سيارات. ومن أسس اختيار هؤلاء الوطنية، والمعايير الأخلاقية، وتمام الصحة، والمهارات الطبية واللغوية. ويتلقى المختارون قبل سفرهم دورات تدريبية تمتد لنصف عام في لغة البلاد التي سيبعثون إليها وتاريخها وسياستها وثقافتها، وأيضا في أسس الأمن والسياسة الصينية. وتأتي البعثة الصينية لأي بلد عادة محملة بمستلزماتها ومعداتها وأدويتها الخاصة. ويقضي فريق كل أقليم صيني عامين في البلد النامي، ثم تبعث الصين بعد ذلك بفريق آخر من ذات الإقليم. وتتكفل الصين (خلافا لكوبا) بكل تكاليف سفر فرقها الطبية ومرتباتهم وتكلفة المعدات والأدوية وغيرها. وبعثت الصين في عام 2006م بفريق طبي لجنوب السودان استجابة لطلب من الأمم المتحدة (ولا يناقش المقال أمر تلك البعثة هنا).
ثم تطرق كُتَّاب المقال بعد ذلك للأوضاع الصحية في السودان، الذي يعد في مؤخرة دول العالم في الانفاق على الخدمات الصحية (منسوبا إلى دخله القومي)، وبقلة نسبية في أعداد الأطباء. فهنالك مثلا، حتى عام 2006م، طبيبان فقط لكل 100,000 نسمة في دارفور (وللمقارنة يوجد في فرنسا 340 طبيبا لكل 100,000 نسمة). ورغم افتتاح الكثير من الكليات الطبية الجديدة في "ثورة التعليم" إلا أن غالب الخريجين يهاجرون للعمل في الدول الأكثر ثراءً.
وفي هذا البحث قام كاتب المقال الأول في المقال بإجراء مقابلات (بلغة الماندرين) مع أفراد الفريق الصيني ومع زملائهم السودانيين (بالإنجليزية) في مستشفيين: الصداقة بأمدرمان وأبو عشر في الجزيرة (يعمل فيهما 27 و9 من الصينيين على التوالي). ووصف كُتَّاب المقال المستشفيين، وما بهما من أسرة، وأعداد ما يستقبلانه من مَرْضَى، وغير ذلك من معلومات. وطلب أيضا من الصينيين المشاركين في البحث ملء استبيان لتحديد مستوى التحديات التي واجهونها بالسودان، ودرجة رضاهم عن البرنامج، وعن مرتباتهم وأسباب مجيئهم للسودان، وغير ذلك من الأسئلة الشخصية. وطلب من السودانيين العاملين في المستشفيين تقييم أداء زملائهم الصينيين، غير أن الكاتب لم يسأل المرضى عن رأيهم في الأطباء الصينيين، لأن عددا كبيرا نسبيا من هؤلاء الأطباء كان يعمل في مجالات (مثل مجال الأشعة) التي لا تتطلب الكثير من التداخل المباشر مع المرضى.
وجاءت نتيجة البحث لتؤكد أن أكثر دافع جعل الأطباء الصينيين (الآتين جميعهم من مقاطعة شانسي بشمال الصين) يبقون بالسودان كان هو حب الاستطلاع / الفضول، وبيئة العمل الطيبة، وعدم شعورهم بحدة المنافسة وشدة الضغوط عند ممارستهم لمهنتهم في السودان. بل كانوا لا يمانعون في العمل تحت رئاسة سودانيين، وكانوا يتدخلون دوما لفض الخلافات النزاعات التي كانت تنشأ بين العاملين السودانيين (خاصة فيما يتعلق بالعمل في ساعات معينة). ورغم قسوة الحياة وبيئة العمل في السودان مقارنة بالصين، إلا أن قوة الدافع وحسن التأقلم ساهمتا في رضاء الصينيين عن العمل بالسودان.
وأورد كُتَّاب المقال بعض التحديات التي يواجهها برنامج العون الطبي الصيني للدول النامية. وشملت تلك التحديات ارتفاع قيمة العملة الصينية، وزيادة أجور العاملين الصينيين بالسودان، مما زاد من ميزانية “دبلوماسية الصحة القومية". ومع نمو المجتمع الصيني، وتغير نظرة الجيل الجديد من "الأطباء المتطوعين" وتوقعاتهم، فستقل أعداد الراغبين في المجيء لدول العالم النامي، خاصة وأنهم يعيشون في مستويات أعلى بكثير من الجيل السابق الذي شهد كثير من التغيرات السياسية، ومن شظف العيش أيضا.
ومن المتوقع ألا تطابق مرامي وأهداف وتوقعات البرنامج (الدبلوماسي) للعون الطبي الصيني للدول النامية احتياجات السودان المستقبلية، مما قد يضعف الرغبة لدى الطرفين في الاستمرار في ذلك البرنامج.
وكان من عيوب ذلك البرنامج أنه لم يجعل السودانيين ينظرون للخبراء الصينيين إلا كمجرد ممارسين / أو مقدمي خدمة طبية، ولم يعدهم قط مدربين أو مستشارين. وربما يعزى ذلك لطبيعة الصينيين المتواضعة الهينة اللينة في تعاملهم مع مستضيفيهم السودانيين، ولتحاشيهم دوما للمخاطر. ولصعوبة التواصل لم يتمكن الصينيون من إدارة وحل مشاكل بسيطة نسبيا (مثل صيانة وإصلاح الأجهزة الطبية في مستشفياتهم).
وخلص كُتَّاب المقال إلى أن البرنامج (الدبلوماسي) للعون الطبي الصيني ملائم لاحتياجات ومصالح السودان الآن. غير أنه ينبغي على البلدين أن يعيدا تقويم أهداف البرنامج ومصادر تمويله لمقابلة المستجدات التي طرأت على المشهد الصحي والطبي فيهما. ومن المؤكد أن للصينيين من المرونة ما يكفي لاستمرار ذلك البرنامج في المستقبل المنظور.
alibadreldin@hotmail.com
>