تحت المطر … بقلم: احلام اسماعيل حسن

 


 

 

 

كالعادة زى كل يوم , ينتهى يوم العمل عند الساعة الخامسة والنصف , فى اثناء عودتى الى البيت رايت سحبا كثيفة سوداء حتى لتبدو وكأنها دخان, نظرت الى الشارع ممتدا طويلا امام بصرى, تنظم على جانبيه اشجار على هيئة صفين متوازيين, وحال ما ارتفع بصرى عن مدى انتهاء الشارع ليرتفع البصر الى اعلا فاذا ب بذاك السحاب الداكن ينهمر غزيرا وبعنف شديد, فما كان منى الا ان دلفت الى احد الاشجار احتماء متأخرا حيث تبللت ملابسى و ما هى الا برهة تفقدت فيها ملابسى المبتلة حيث ما زال الماء ينزل من خلال اغصان الشجرة.

 

 نظرت حولى لقد بدأ الظلام يعم المكان وسرت رجفة شديدة فى جسدى وطغى الخوف على كامل احساسى , فالمكان كان خاليا مع اتساعه.

 

 مع هذا المزيج غير المطمئن من الاحاسيس سرى بصرى نحو ذاك الشارع الممتد حيث بدت الاشجار كمهرجان للالوان و نظرت الى الارض فاذا هى تكتسى  سجادا احمرا يملا الفراغ بين صفى الاشجار واذا بى اخطو على ذلك السجاد مرتدية فستان ابيض طويل الذيل يتجرجر من  ورائى وشعرى  يتماوج متدليا فى نعومة وبهجة انهداله على الاكتاف.

 

كنت حافية القدمين حاملة حذائى فى يدى  امشى  بخطوات متناسقة  سهلة  وكانها  تتزامن مع ايقاع واداء فريد فى مسرح للبالى .

 

 رايت جوعا من  الناس على جانبى الطريق وكلما احاول الاقتراب منهم تتلاشى ملامح وجوههم ثم اعود لمنتصف الطريق اواصل المسير وخلفية صوتيه لسيمفونية بيتهوفن التاسعة تحرك مشاعرى وتضبط وقع الخطى اثناء المسير.

 

ثم فجأة اتوقف تصمت الموسيقى ويجف نبع الايقاع  فيرتد كيانى الى قواعده بجانب تلك الشجرة وقبل ان اهز برأسى لآتبين طيف الرؤى من الواقع رجعت بى ذاكرتى عندا كان عمرى فى الرابعة عشر وفن البالى كان عشقى الاول والموسيقى بتصاويرها وابداعاتها.

 

 رجعت الى الزمن البعيد حيث كانت القراء ة وكتابة الشعر والقصة من امهات امنياتى , ومنذ ذاك العهد عشقت الكتابة التى تعبر عن جمال الطبيعة وروعة الكون وبهجة الحياة, ثم ما لبث الحال حيث انقلبت الحياة بوجهها الاخر , تبدلت الظروف بدأت الحياة قساوتها من مربض حياتى , بيتنا حيث اصاب الشلل ابى  وخمسة اخوان يصغروننى سنا, لابدا من هنا اعالة اسرتى  كلهابمسؤولية اكبر من قدراتى وتحملى .

 

 من وظيفة صغيرة فى مصنع  بدوام كامل وبعض الاوفر تايم, ثلاث بنات وولدين يشقون طريقهم فى الحياة على كفاف حيلتى المتواضعة . ولكنها كانت ارادة خلق الحياة ان يشقو طريقهم فى الدراسة ثم يتخرجون الى الحياة العامة .

 

 

 

توقفت المطرة تحسست شعرى المبتل وجدته تقاصر اكثر مما اتوقع , التمست جسدى اتفقد الكرمشة فيه, وحين عدت ببصرى الى السماء مرة اخرى ما زال المطر يصب غزيرا ولأكثر من ثلاث ساعات

AHLAM HASSAN [ahlamhassan@live.ca]

 

آراء