تحويل موظف البنك ايداعات العملاء حسابه الخاص خيانة أمانة جنائية: حكومة السودان ضد ف.غ.ج. وآخر/اس/ج/32/1957

 


 

 

حكومة السودان
ضد
ف.غ.ج. وآخر/اس/ج/32/1957

خلاصة أسباب الحكم:
(1) يعد موظف البنك الذي يقوم بسوء قصد بخصم النقود من حسابات عملاء البنك وإيداعها حسابه الخاص أو حساب شخص آخر مرتكباً جريمة خيانة الأمانة تحت المادة 347 من قانون العقوبات السوداني.
(2) العلاقة بين البنك والعميل هي علاقة دائن بمدين (الحسابات الجارية) ولكن هذا لا ينفي أن يكون البنك مؤتمنا على مال العميل.
(3) يسأل البنك مدنياً عن الإخلال بالعقد إذا فشل في دفع المبالغ المستحقة عند الطلب ويسأل جنائيا بجريمة خيانة الأمانة إذا حوّل أموال العملاء لحسابه أو مصلحته الخاصة.
(4) لا يجوز محاكمة المتهم الثاني بالاشتراك مع المتهم الأول لأنه لم توجّه إليه كل التهم المنسوبة للمتهم الأول.

ملخص وقائع القضية:
وجهت تهمة خيانة الأمانة للمتهم الأول وهو موظف رفيع ببنك باركليز/ فرع ود مدني والذي قام بسوء قصد، على الأقل ثلاثة مرات، بإيداع قيمة شيكات للعملاء في حسابه الخاص. وفي إحدى هذه المرات أعطى شيك رد بدون صرف إلى المتهم الثاني وأمره بتعليمات مباشرة بايداع مبلغ الشيك في حسابه الخاص.
أدانت محكمة كبرى المتهميّن بجريمة خيانة الأمانة الجنائية. أيّد رئيس القضاء إدانة المتهم الأول ورفض إدانة المتهم الثاني بسبب أن المحاكمة المشتركة للمتهميّن مخالفة لنصوص قانون الإجراءات الجنائية السوداني.

الحكم

القاضي/ محمد أحمد أبو رنّات/ رئيس القضاء:
(بعد سرد الوقائع) أثيرت نقطة إجرائية هامة فيما يتعلق بالمحاكمة المشتركة للمتهمين الاثنين. يبدو لي هناك خطأ في ضم المتهمين في محاكمة واحدة. بالرجوع للمواد 199-206 من قانون الإجراءات الجنائية السوداني التي تحكم هذه الحالة، وجدت أن المتهم الثاني لم توجّه إليه أي تهمة أو ينسب إليه أي فعل من الأفعال المنسوبة للمتهم الأول. ولكي تجري محاكمته بالاشتراك مع المتهم الأول يجب أن تنسب إليه كل الأفعال محل الاتهام.
أرى هناك خطأ في ضم الأطراف إذ لا يمكنّا تجاهل حكم المادة 206 من قانون الإجراءات الجنائية السوداني. وهذا ليس مجرد خلل إجرائي بل خلل في المحاكمة لا يمكن معالجته أو تلافيه.
وهذا النظر تؤيده سابقة قضائية صادرة عن محكمة Privy Council بإنجلترا أوردها Sohoni في مؤلفه: (الإجراءات الجنائية، الطبعة الرابعة عشر، صفحة 1053). حيث جاء بالحكم: "لا يرى السادة القضاة اللوردات عدم الانصياع للنص الصريح على طريقة المحاكمة مجرد خلل في الإجراءات".
وقد اتبعت وجهة النظر هذه في قضية صدر الحكم فيها عن (مجلس اللوردات) بإنجلترا منشورة في (1894) A. B. 494. حيث يقول القاضي لورد "راسل" عن المحاكمة المشتركة للأطراف: "إذا لم تكن مضمونة بقاعدة أو تشريع ينظمها فإن ذلك في رأيّ أكثر من مجرد خلل في الإجراءات".
وأرى أن المتهم الثاني كان يجب أن يحاكم وحده على انفصال، ولهذا السبب أرفض تأييد الحكم الصادر ضده. كما أن لديّ شك حول حقيقة علم المتهم الثاني بأن المتهم الأول كان يقوم بارتكاب جريمة خيانة الأمانة عندما تسلم منه الشيك.
ولنأخذ الآن قضية المتهم الأول. ليس لديّ أدنى شك في ثبوت إدانة المتهم. السبب الأول الذي استند إليه الاستئناف هو أنه ليس هناك علاقة أمانة، ولذا لا يجوز إدانة المتهم الأول بجريمة خيانة الأمانة الجنائية. الرد على هذه الحجة في غاية البساطة.
صحيح أن العلاقة بين البنك والعميل هي علاقة دائن بمدين. ولكن هذا لا يعني أن البنك لا يمكن أن يكون مؤتمنا لهذا الغرض على مال العميل. ولا شك أن العملاء المعنيون في هذه القضية لهم الحق في سحب نقودهم عند الطلب، فإذا فشل البنك في دفع المبالغ المستحقة فإنه يسأل مدنياً عن الإخلال بالعقد. ولكن فلنفترض أن فشل البنك في الدفع ليس بسبب تكبده خسائر ولكنه بسبب تملكه للنقود وتحويلها لمصلحته الخاصة، فبأي جريمة يكون مذنباً؟
حتما سيكون مذنباً بجريمة خيانة الأمانة الجنائية criminal breach of trust. لقد جاء نص المادة 347 من القانون الجنائي السوداني واسعاً. فهو لا يتحدث فقط عن المال الذي يؤتمن عليه المتهم وحسب بل تحدث عن السيطرة والهيمنة على المال وهذه العبارة واسعة بما يكفي لتشمل سيطرة البنك على الأموال التي يؤتمن عليها.
إن المتهم الأول موظف رفيع بالبنك وهو بلا شك له السيطرة على الأموال التي يودعها عملاء البنك. والعلاقة التعاقدية بين البنك وعملائه لا تعطي البنك الحق في نقل نقود أحد العملاء إلى عميل آخر بدون تفويض. والمتهم الأول بصفته موظف بالبنك قام بذلك الفعل بدون تفويض من البنك، وفَعلَ كل ذلك بسوء قصد بغرض تحويل هذه المبالغ موضوع الاتهام إلى مصلحته الخاصة.
الحقيقة أشعر أنني سوف لن أفعل أكثر من تكرار ما ورد بحكم المحكمة الأدنى إذا تتبعت الرد على كل ما جاء بصحيفة الاستئناف. فهي لم تثر أي نقطة قانونية جديدة وكل المسائل والأسباب القانونية التي تضمنتها ناقشتها المحكمة الأدني. فقد حظيت هذه القضية بمحاكمة ممتازة من رئيس المحكمة القاضي/علي أحمد بيطار الذي يستحق الإشادة لتقديمه للسلطة المؤيدة صورة واضحة جدا للقضية وللمعاملات المعقدة موضوع التهم.

*هامش:
نُشرت هذه القضية بمجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1957 ص 74 ونقلناها من الإنجليزية إلى العربية، فقد كانت المحاكم السودانية تصدر الأحكام القضائية باللغة الإنجليزية حتى سنة 1970. اكتفينا بالأحرف الأولى من اسم المتهم المحكوم عليه.
هذا وقد بدأنا مشروعاً طموحاً لترجمة هذه المجلات القضائية إلى اللغة العربية. نسأل الله التوفيق.

 

abusara21@gmail.com
//////////////////////////

 

آراء