تعقيب على الأستاذ نضال عبد الوهاب ليس حوارها إنما إخراجها للعلن

 


 

عادل إسماعيل
16 September, 2024

 

و الضمير (الهاء) يعود للحركة الإسلامية و حزبها "المؤتمر الوطني" .
ظل الأستاذ نضال عبد الوهاب يثابر مثابرة شديدة لطرح أفكار مبتكرة تكسر الجمود السياسي و تحريك الأمور للأمام ، وهو مجهود مقدر على كل حال ، كما إنه أفضل من تكرار روايات الأطراف المتقاتلة العقيمة .
يبدو طرح نضال ، في ظاهره ، منطقيا . فروايات "القوى السياسية" بأن الإسلاميين وراء الحرب ، تقود للاستنتاج الطبيعي أنك إن أردت وقفها ، فعليك الحوار مع من أنشأ الحرب كما تقول .
و في حقيقة الأمر ، إن القوى السياسية ممثلة في "تقدم" و نظائرهم "الإسلاميون" يضخمون حجوم بعضهما البعض لمداراة إفلاسهما و فقدانهما للفضاء الجماهيري الذي يمكنهم من القبول الشعبي . و معروف تزلف الإسلاميين للجيش لاعتقادهم أنه يشكل لهم حماية للاحتفاظ بما نهبوه من ثروات الشعب السوداني ، كأن يكافؤهم الجيش على "وقفتهم" معه في حرب جناحهم المجرم المستبد: الدعم السريع .
أما سر المغناطيسية بين الدعم السريع والقوى السياسية ممثلة في "تقدم" ، فقد تناولناه في مقالنا السابق الذي حمل عنوان (فرص السلام و جاهزية "تقدم") بما يغني من إعادته هنا . و لكن ما نحب الإشارة إليه هنا ، أن الطرفين يستقويان بالسلاح تعويضا لهما عن سداد الأفكار المقنعة التي تدفعها إلى الحياة منفعتها للناس . فالإسلاميون الممثلون في حزب "المؤتمر الوطني" المحلول و خصماؤهم في "قوى الحرية و التغيير" الموسعة في جبهة "تقدم" ، يعتقدان أن إنجازهما إنما هو عوار الآخر . فلكأنما تقول "تقدم" بلسان حالها أن أقبلوني بفشلي و سذاجتي السياسية خير لكم من لصوصية و إجرام "المؤتمر الوطني" ، كما يريد "المؤتمر الوطني" أن نقبل لصوصيته و إجرامه باعتباره أفصل من فشل "تقدم" و سذاجتها .
و لأنهما الأعلى صوتا في الفضاء السوداني ، أنحبس الأستاذ نضال في هذا السجن الصوتي و رأى حثهما للدخول في حوار لأجل وضع أسس لوقف الحرب و إرساء السلام في المستقبل . و في ذلك ، أغفل الإستاذ نضال أن إفرازات هذه الحرب البليدة هي التي ستشكل ، بالضرورة مقبولية النظام السياسي الذي يعقب الحرب .
فالتفكير بإبعادهما معا ، أفيد للمرحلة الانتقالية و استقرارها . إذ أنه ينزع فتيل التوتر الإفنائي الأحمق الذي جبلا عليه حتى لا ينعتق الشعب السوداني من قيدهما الثقيل . فالطرفان يتظاهران باحترام الشعب السوداني و خياراته مجرد تظاهر ، فحسب . و لئن كنا لا نحتاج دليلا للمفارقة الوجودية للإسلاميين مع حرية اختيار الشعوب لتقرر مصيرها و مسيرها ، فخصماؤهم في "أحزاب" اليسار ، و التي أنفقت أنت و غيرك جهدا ثمينا في إنعاشها بأفكار شتى بلا جدوى ، يعلمون أن إصلاحها يعني تبددها و زوالها في الحياة السياسية .. و هذا هو السر في عزلها للشباب حينما أدارت السلطة الانتقالية ، وذلك لأن دمج الشباب ، في الانتقال ، كان سيجر معه أسئلة تجعل خدود "الأحزاب" متوردة ، كلماذا تتمركز الديمقراطية في لجنة ، أو لماذا يتشبث النوباوي السوداني الأصيل بعروبة السودان ، أو لماذا يعيش رئيس حزب خارج بلده ، أو لماذا يلح رئيس حزب على احتكار السلطة الزمنية و الدهرية احتكارا وسواسيا ..
و بالرغم من ذلك ، نرى أن أكثر القرارات طفولية ، و التي اتخذت في الفترة الانتقالية ، هي حل حزب الإسلاميين "المؤتمر الوطني"!!
و في حقيقة الأمر ، قاس متنطعو الفترة الانتقالية ذلك بحل الحزب الألماني النازي بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية . وهو قياس فاسد كما ترى . فالحزب النازي الألماني لم تطح به ثورة شعبية كثورة ديسمبر ، ثورة "عندك خت ، ما عندك شيل" .. فلماذا ، إذن، تحل حزبا رفضته الجماهير ؟؟ علاوة عل ذلك ، فحل حزب "المؤتمر الوطني" ، جعل هذا الحزب يغوص تحت الأرض ، يحوك خططه الشريرة بعيدا عن عين الجماهير ، كما جمد الانقسامات و الانشقاقات التي بدأت برفض الأتباع لقياداتهم ذات العقلية النهبية و الإجرامية .. و كان من شأن هذه الانقسامات و الانشقاقات أن ترخي قبضتهم على متصل الثروة و السلطة ، و من ثم محاسبتهم على النهب و الإجرام ، موظفين في ذلك زخم الثورة التي جعلت البرهان يقول لأحد الصحفيين حين سأله "ما هي القوانين المقيد للحريات التي وافقتم على إزالتها ؟" ، بقوله " لا أدري (!) و لكنهم طلبوا منا ذلك و وافقنا عليه (!)" . و التعجب من عندي يا بن ودي ..
إن اقتراحك بالحوار مع الإسلاميين الذي يتضمن اعترافهم بالثورة و شعاراتها التي أطاحت بهم ، و اعتذارهم عن نهب الثروات و الأفعال الإجرامية ، إنما يغفل حقيقة بنيوية معتقة في مخ الإسلاميين ، و هي أنهم لن يقبلوا على شيئء إلا إذا أجبروا عليه أجبارا ، و لا شيئ يجبرهم سوى العمل في الضوء و محاصرتهم بهذا الضوء . و لا أعتقد أن الشعب السوداني يهتم أن يدعي الإسلاميون أنهم فرقة ناجية يوم الحشر ، أو أنهم يعرفون الطريق إلى الجنة و يرغبون في احتكارها و معها الأنبياء المرسلين ، إنما يهمه بالدرجة الأولى محاسبتهم على ما اقترفوه من نهب للثروات و إرجاعها و على الجرائم المرتبطة بها و تسويتها .
إن التفكير في وقف هذه الحرب البليدة يبدأ بالتخلي عن الروايات غير الواقعية مثل إن الجيش يسيطر عليه الإسلاميون سيطرة محكمة ، أو أن "الدعم السريع" يجب إفناؤه عن بكرة أبيهم . فلو كان الإسلاميون يسيطرون على الجيش سيطرة كاملة لما صنعوا له الدعم السريع و ربوه و فضلوه عليه حد الإذلال . فهم خلقوا "الدعم السريع" لأنهم يدركون أن هذا الجيش يمكن أن يخرج من ثناياه كمحمد صديق و حامد الجامد ..
و أما "الدعم السريع" ، فواقع شاذ ممض ، و لكنه فيعرف ألا مكان له خارج الجيش ، و أن مصيره الاندماج في الجيش ، و بشروط هذا الجيش . على سبيل المثال ، لا مكان لرتبة اللواء إلا عبر دخول "الكلية الحربية" ، و قس على ذلك من مفاهيم الاندماج المتعارف عليها عالميا .
لذلك ، لا ضرورة لحوار سياسي مع الإسلاميين أو "التقدميين" ، إنما حملة السلاح المتقاتلين فحسب ، على أن تمتد الفترة الانتقالية بسيطرة العسكر في الشأن الأمني حتى تتم السيطرة على السلاح السائب . و خلالها يسمح لكل أصحاب المشاريع السياسية بطرح ما عندها ، وسبق أن فصلنا بعض الشيئ في ذلك في مقالنا المشار إليه آنفا .. و في غضون ذلك ، تعمل أزموزيا السياسة فعلها الطبيعي بغربلة المشاريع السياسية المطروحة فتسقط الأفكار الصبيانية في جب العدم ، و يبقى أصلحها نفعا للناس ، و لي أملي كبير في الشباب لإنشاء أحزاب واقعية تستوعب ما حصل من حروب و مآسي ، أحزاب من واقعنا ما من أكتر ..

adil.esmail@gmail.com

 

آراء