تعويم الاتفاق الإطاري

 


 

جعفر خضر
18 December, 2022

 

تحت حجة توسيع قاعدة الانتقال قربت قحت إليها المؤتمر الشعبي وأنصار السنة والاتحاد الديمقراطي الأصل، وأسمتهم قوى الانتقال، باعتبار أنها كانت مع نظام الإنقاذ حتى لحظة سقَوطه ، لكن تميزت هذه الأحزاب بأن اتخذت موقفا ضد انقلاب 25 اكتوبر.
ولم يؤدي ذلك الى توسيع قاعدة الانتقال لان تقريب هؤلاء ادى تلقائيا الى ازدياد ابتعاد القوى الثورية وعلى رأسها لجان المقاومة؛ إذ أن الكل يعرف أن لجان المقاومة لن تقبل ان تكون مع الذين كانوا مع نظام الإنقاذ حتى لحظة سقوطه في مكان واحد، فقد نصت مواثيق اللجان على معنى هذه العبارة (الذين كانوا مع نظام الإنقاذ حتى لحظة سقوطه) والتي هي بالأساس قد صاغتها قوى الحرية والتغيير خلال الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية 2019م.
وها هو الناظر ترك ومبارك الفاضل وعشرات الاجسام تدافعت للتوقيع على الاتفاق الإطاري. وشكت الحرية والتغيير، على لسان ياسر عرمان، من أن هنالك محاولة لإغراق الاتفاق بالفلول..
إن الموقف من انقلاب ٢٥ أكتوبر هو الخط الفاصل بين قوى الانتقال والفلول عند قحت. ولكن تكمن المشكلة في أن الانقلابيين أنفسهم لم يعترفوا بالانقلاب، إذ أن السفاح عبد الفتاح البرهان وصف ما حدث في 25 أكتوبر بانه (كان ضروريا) في لقاء جرى. معه مؤخرا .
فكيف تتوقع قحت من البرهان أن يساعد في إغلاق باب التسوية (العملية السياسية) في وجه من لم يصف ٢٥ أكتوبر بالانقلاب. إن البرهان من مصلحته تعويم الاتفاق بالفلول، ليزيد من عدد الذين يمكنه أن يتحكم فيهم بالإغراء بالمال والمناصب وبالتهديد والوعيد .
إن حدود البرهان غير حدود قحت فهو دائما يردد (ما عدا المؤتمر الوطني)، وليست لديه مشكلة حتى مع المؤتمر الوطني، لكنه يرفض حدود قحت التي تقسم المجموعات إلى قوى ثورة وقوى انتقال وفلول، وقد قال البرهان في المعاقيل ( الاتفاق حريصين انو يمشي بالطريقة الصحيحة .. ما فيه اقصاء لاحد.. ما فيهو أي راي وزول درجة أولى وزول درجة ثانية)!! .
إن البرهان سيساعد قحت بإبعاد الأرادلة، إذا سمت له قحت حكومة على هواه .
احتفى منسوبون لقحت بوصف حميدتي لما حدث في ٢٥ اكتوبر بأنه خطأ ، رغم أنه لم يسمه انقلابا بوضوح، وهو احتفاء في غير محله، أشبه بالاحتفاء بثعبان لأن جلده ناعم وملون .
رغم الخلاف الظاهر بين حميدتي والبرهان إلا أن ما يجمعهما سويا أكبر مما يجمع أي واحد منهما مع قحت ، فهؤلاء شركاء فض اعتصام القيادة، وشركاء إبادات دارفور، وشركاء انقلاب ٢٥ أكتوبر ، وشركاء نهب موارد البلاد.
وقد كان كلام البرهان واضحا بأنه يريد أن ينفرد بقيادة الجيش، وأن إصلاح الجيش شأن يخص العسكريين وحدهم وأنه لن يخضع للسلطة المدنية في الفترة الانتقالية ، إذ قال بالحرف الواحد في المعاقيل (إذا كان في سلطة منتخبة الجيش ده بيكون تحت امراتها).
إن جملة البرهان هذه هي تفسير لفقرة الاتفاق الإطاري المنشورة في صفحة قحت على الفيسبوك إذ نص باب القوات المسلحة الفقرة (6)(ب) (احترام إرادة الشعب السوداني في حكومة مدنية تعددية ديمقراطية والعمل تحت إمرتها). بمعنى انه لن يأتمر بأمر حكومة الفترة الانتقالية القادمة.
وإذا سارت الأمور على هواهم فحتى الحكومة المنتخبة سيكون البرهان وحميدتي من صانعيها في ظل الموارد التي يسيطرون عليها وإمساكهم بالسلاح.

استثمارات الانقلابيين المشبوهة :
ولن يتوقف حميدتي والبرهان عن الأعمال التجارية عبر شركات الجيش وشركات الجنجويد رغم ان الاتفاق الإطاري نص على (تحظر القوات المسلحة من الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي.) وهنالك نص شبيه بالمخابرات وآخر خااص بالشرطة، ولكن ليس هناك في الاتفاق الإطاري أي نص خاص بالدعم السريع يمنعه من الأعمال الاستثمارية والتجارية ، وهذا لم يأت عبطا ، وإنما تم بعلم البرهان ورضاه!!
فإذا افترضنا أن التسوية مضت وتم تأكيد هذه النصوص في الاتفاق النهائي فإن حميدتي سيواصل أعماله التجارية النهبية واستثماراته المشبوهة! وإذا قالت له قحت توقف! سيقول أن الاتفاق لم يمنعني من ممارسة التجارة والاستثمار!!.
ولما تذهب قحت للبرهان أن توقف، سيقول تريدون الجيش أن يتوقف بينما الدعم السريع يتاجر؟!! إنكم تريدون الإخلال بميزان القوى! والجيش لن يرضى بهذا!! فتصيب قحت هاء السكت فتسكت!!!

أطماع دولية وإقليمية:
ليس من الحكمة تجاهل المجتمع الدولي والإقليمي، وإنما ينبغي العمل على كسبهم لمصلحة الثورة والدولة المدنية الديمقراطية، مع الانتباه لمطامعه ومصالحه التي قد تتعارض مع مصالح الشعب السوداني .
إن خطأ قوى الحرية والتغيير هو أنها تعول على المجتمع الدولي والإقليمي أكثر من اللازم، وكلنا يرى التكالب الدولي والإقليمي على الموارد السودانية.
وبالامس القريب رأينا توقيع اتفاق بين الإمارات وحكومة الانقلاب لتشييد ميناء ابو عمامه بتكلفة مقدارها 6 مليار دولار مع سوق حرة واستثمار زراعي .
هؤلاء لم ينتظروا حتى تتشكل حكومة التسوية كي يتقدموا بعرضهم وطلبهم. إنها سياسة فرض الأمر الواقع، مما يكشف نوايا الإمارات التي كان لها دور كبير جدا في. تعطيل الثورة. السودانية. .
إن المجتمع الدولي (الغربي) المتمثل في الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا حريص على استقرار السودان ورعاية مصالح الغرب أكثر من حرصه على التحول المدني الديمقراطي.
فهم حريصون على إبعاد الروس من البحر الأحمر ومن الأراضي السودانية . لكن ليست لديهم مشكلة مع استيلاء الإمارات على ميناء أبو عمامة فهو يخدم المصالح الامريكية باعتبار ان الإمارات حليفتهم في نهاية الأمر.
إن دعم الاتحاد الأوروبي للجنجويد في أخريات حقبة البشير من أجل مكافحة الهجرة غير المنظمة إلى أوروبا أسهمت في تقوية الدعم السريع ماديا ومعنويا مما أسهم في تمكينه. هذا يدلل على ان رغبة الغرب في تحول مدني ديمقراطي ليست رغبة صميمة.
لذلك ليس من المستبعد أن تعقد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتفاقا مع العسكر وتؤمن على حمايتهم وتحافظ على وجودهم في المشهد نظير ان يرتموا في حضنهم هم بدلا من روسيا، ويكتفوا بحكومة مدنية شكلية تحفظ ماء وجههم أمام شعوبهم.
إن تحقيق التحول المدني الديمقراطي هو الذي سيخلق استقرارا مستداما، وهو الذي يفتح المجال للاستثمار والتعاون الاقتصادي المنصف بين أنداد، وينبغي أن تكون هنا مصلحة الغرب الاستراتيجية.

فائدة التسوية وفوائد أخرى:
إن كانت للتسوية من فائدة فإنها قد وحدت كل تنسيقيات لجان المقاومة تقريبا رفضا لها.
إن أعظم فائدة يمكن أن تقدمها الأحزاب السياسية للجان المقاومة هي أن ترفع يدها عنها، بمعنى الا تعمل على اختطاف اسمها وتجييرها لخطها. السياسي..
وأن أعظم. فائدة يمكن أن تقدمها لجان المقاومة لنفسها والثورة هو أن تجيب على سؤال الشرعية بأن تتجه للبناء المؤسسي الديمقراطي الذي يعطي قيمة مضاعفة للكلمات والمواثيق .
فعندما يقول الناطق الرسمي باسم لجنة مقاومة بري الدرايسة أننا نرى كذا، فهذا صوت بقوة 200 عضوا او يزيد، هم مجموع أعضاء الجمعية العمومية الذين أجازوا نظامهم الأساسي بمحض إرادتهم، وانتخبوا المكتب التنفيذي وهياكل اللجنة بإرادتهم الحرة .
لن يكون صوت التنسيقية قويا وشرعيا إلا إذا كانت هي تنسيق للجان مقاومة شرعية منتخبة.
لا بد من طي صفحة السودان القديم الذي تكاد تنعدم فيه المؤسسية وتغلب عليه العلاقات العشائرية وتسود فيه الشللية والنزعات الذاتية. ولو تمعنا في الأجسام المكونة لكتل قحت الخمس لرأينا الفوضى ضاربة بأطنابها، وقد انتقلت العدوى حتى إلى لجان المقاومة فتجد أفراد محدودين يسيطرون على تنسيقية كاملة دون وجه حق . هنالك اكتظاظ للأجسام وشح في المؤسسات..
إني لأفتح عيني حين أفتحها
على كثير ولكن لا أرى أحدا
لا ارى مؤسسيا سوى لجان مقاومة تعد على أصابع اليدين ونقابات قليلة وبعض الأجسام.
فلنبدأ البناء القاعدي للجان المقاومة والنقابات الآن وفي كل أنحاء السودان، إنه الطريق، إذ أن فاقدي المؤسسية يستحيل أن يبنوا دولة المؤسسات!.

gafar.khidir70@gmail.com
////////////////////////

 

آراء