تقرير المجموعة (س) حول رؤية المجتمع المدني الدارفوري لقضايا الصراع في دارفور (2007/2008)

 


 

 

تقرير المجموعة (س) حول رؤية المجتمع المدني الدارفوري لقضايا الصراع في دارفور (2007/2008)

صديق امبده

تقديم:
التقرير التالي نتاج اجتماعات مطولة (اسبوعية أو كل اسبوعين علي وجه التقريب) لفترة ليست بالقصيرة، بين مجموعة من أهل دارفور؛ و قد تم اختيار أفراد المجموعة بواسطة المجموعات الإثنية (وليس القبلية) التي يمثلونها بالتراضي بينهم. حضر الإجتماع الأول حولي 55 شخصا، فيما أذكر، وتراوح متوسط حضوربقية الاجتماعات بين 35-45 شخصا علي وجه التقريب. كلفتني المجموعة برئاسة اجتماعاتها كما كلفت الاخ المهندس عمر آدم خاطر بأعمال السكرتارية، هذا وقد تمت جميع الاجتماعات في مبني رئاسة (اليوناميد) بالخرطوم-حي الطائف.
بعد قراءتي للتقريرمؤخرا رأيت أن ما ورد فيه قد يكون مفيدا لإثراء مداولات القوي المدنية حول ما يكتنف قضايا إيقاف الحرب وإحلال السلام من تعقيدات وأتمني ألا أكون مخطئا.
******************
دارفـــــور: المجموعة (س) لتوحيد رؤية أهل الداخل
(سبتمبر 2007-يونيو 2008)-التقرير الختامي

I. مقدمـــــة

1. في إطار البحث عن توافق يفضي إلى حل ما اصطلح على تسميته بمشكلة دارفور تكونت المجموعة بغرض توحيد رؤية أهل الداخل (أو المجتمع المدني) من أبناء دارفور. وقد كان أهم ما ميّز المجموعة هو أن عضويتها قد شملت ممثلين لغالبية مكونات الطيف القبلي والإثني في دارفور باعتبار أن للمشكلة بعداً داخلياً يلعب فيه المكون الإثني دوراً هاماً إن لم يكن الأهم. ومن ما ميّز المجموعة أيضاً أنها اعتبرت نفسها كياناً مؤقتاً ،أسمت نفسها (س)، وليس بديلاً لأي كيان قائم (سياسي/منبر..الخ) أي أنها لا تشكّل تهديداً أو منافسة لأي من الكيانات القائمة.

2. تواصلت اجتماعات المجموعة لفترة ليست بالقصيرة (نحو تسعة أشهر) وتداولت حول القضايا الرئيسية الخاصة بالخلاف مع المركز أو ما اصطلح على تسميته بالتهميش، وكذلك الخلاف الداخلي بين أهل دارفور. وعلى وجه العموم فقد تمَّ التداول حول "مشكلة دارفور" بأبعادها المحلية والقومية والإقليمية والدولية.

3. وحيث أن تجربة أبوجا قد أوضحت أن الحل الشامل للمشكلة قد لا يتأتى بحصر التفاوض مع الحركات المسلحة فقط فقد رأت المجموعة أهمية إشراك أهل الداخل بصورة أو بأخرى، وتوحيد رؤيتهم حول إستراتيجية التفاوض ومفردات الحل، والعمل علي إيقاف الحرب فعلياً، وتجاوز المرارات التي خلفتها الحرب، وذلك بالإضافة إلى كيفية التواصل مع حاملي السلاح في سبيل حل عادل ومستدام.

4. تناول النقاش باستفاضة القضايا الرئيسية الخاصة بتقاسم السلطة والثروة كما تناول قضايا التعويضات والترتيبات الأمنية (نزع السلاح والحماية والأمن) وقضايا الأرض (الإخلاء والعودة الطوعية إلى القرى الأصلية والمسارات واسترداد الممتلكات) وكذلك الخلافات الداخلية بين أهل دارفور.

5. إن تعقيد القضايا محل التداول وتشعبها وطول الزمن الذي استغرقته تلك المداولات يجعل من العسير تلخيصها بصورة مرضية للجميع ومتوازنة في عدة صفحات. لكن الايجابي هو أنه في الوقت الذي كانت فيه وجهات النظر متقاربة أو متطابقة حول أغلب القضايا كانت مساحات الخلاف في أضيق نطاق وربما في موضوع واحد على وجه التحديد هو موضوع أن تكون دارفور اقليمياً واحداً أم عدَّة ولايات.

II. إقليــــم واحــــد أم عـــــدد من الولايـــــــات

6. استمر التداول حول هذا الموضوع بالتحديد لعدد من الجلسات اتضح من خلالها أن هنالك عدم اتفاق بين المشاركين، وقد قدّم المجتمعون دفوعات موضوعية حول رؤيتهم لمستقبل دارفور وهل تكون إقليماً واحداً أم لا. وفيما يلي نورد حُجج كل فريق- دون ادعاء بشمول القائمة لكل الحُجج التي قُدمت.

7. مؤيـــدوا الإقليــــم يرون الآتي:

• إن الأصل في دارفور هي أن تكون إقليماً واحداً وقد تمَّ أخذ رأي أهل دارفور بصورة أو بأخرى وأوضحوا خيارهم في أعوام 1981 و1997.

• الإقليم ضرورة أمنية والدعم العالمي يمنح لدارفور وليس لولاية بعينها، كما أن الحديث عن البنيات الأساسية (مثل طريق الإنقاذ الغربي) يتم على أساس أن منافعه لكل دارفور.

• يجب أن يكون هنالك إطار لحل مشكلات دارفور (حكومة ومجلس تشريعي ونظام قضاء ونيابة على مستوى الإقليم) لأن وحدة التشريع مهمة لحل القضايا المتشابكة (مثل الرحّل، المسارات، والنازحين والمشاريع القومية وغيرها). ومثل هذه القضايا لا يمكن أن تحل في ولاية بمعزل عن الولايات الأخرى وهي تحتاج لوحدة إدارية كبرى تربط هذه الولايات.
• للإقليم فوائد متعددة منها أنه كشخصية اعتبارية وكيان قانوني يشرف على حكومات الولايات، ويكون في وضع أفضل للبحث عن المعونات والاقتراض من الداخل والخارج.

• الموارد الطبيعية والبشرية تكمل بعضها البعض في الولايات الثلاث.

• أبوجا نفسها لم تتناول قضية دارفور مجزأة أو كولايات وإنما تناولتها كوحدة واحدة هي دارفور.

• غالبية الأحزاب والقوى السياسية ترى أن تكون دارفور إقليماً موحداً وكذلك ورش العمل المختلفة في الداخل والخارج.

• كل مندوبي رئاسة الجمهورية وممثلي الرئيس يتم تعيينهم لكل دارفور وليس لولاية بعينها مما يؤكد وحدة الإقليم.

• إذا كان الاعتراض على السلطات فليس المقصود انتزاع سلطات الولايات ومنحها للإقليم وإنما استجلاب سلطات للإقليم من المركز، كما يمكن أن يحتوي الإقليم على خمس ولايات بدلاً عن ثلاث.

• إذا كان هنالك خوف على وحدة السودان يتم التأكيد على الوحدة وأن يقسّم السودان الشمالي لستة أقاليم أحدها دارفور زائداً العاصمة القومية.

8. المعترضـــون على الإقليــــم يـــرون الآتي:

• هنالك دستور مؤقت (INC) مجاز من المجلس التشريعي قسّم مستويات الحكم وليس من بينها إقليم في الشمال، فهل يمكن إلغاء الدستور وهو مبني على اتفاقية السلام الشامل (CPA) التي تمَّ التوقيع عليها بدعم من المجتمع الدولي وضماناته.

• اتفاقية أبوجا نصّت على الاستفتاء على موضوع الإقليم بزمن محدد (2010) فلماذا لا ننتظر الاستفتاء ونحتكم لرأي الجماهير. إن المجتمع الدولي يرى أن أبوجا هي المرجعية ولذا فالأوفق أن نقبل بها أو ننظر في تقديم زمن الاستفتاء.

• مساحة دارفور شاسعة والإقليم يخلق مركزية جديدة وفيه ظلم للأطراف واللامركزية هي الأفضل في مثل هذه الحالات.
• إنشاء الولايات ومرجعيتها الخرطوم هو تقصير للظل الإداري، وسياسات تقصير الظل الإداري لخدمة المواطنين هو أسلوب سالك من أساليب الحكم الراشد.

• الإقليم يتسبب في نفقات جديدة كبيرة على حساب التنمية وهنالك تجربة في الجنوب حيث "بكت" الولايات على زمن المركز.

• الإقليم يكرّس للانفصال والهيمنة العرقية وعليه فإن اللامركزية- عن طريق الولايات- يبعد شبح الهيمنة العرقية.

• دارفور اختلفت الآن عما كانت عليه في الماضي وليست هي دارفور القديمة والتاريخ في هذا لا يفيد.

9. في رأي البعض أنه من الواضح أن الموضوع خلافي وأنه موضوع ثقة أكثر منه اختلاف على قضايا وأن هذه الثقة ليست متوفرة حالياً. وترى المنصة (منصة الرئاسة) أن هنالك غموض وتحفظات لم تُطرح بوضوح من كلا الطرفين.

10. من التحفّظات التي تمَّ التعبير عنها بوضوح إمكانية أن يؤدي الإقليم إلى الهيمنة العرقية وربما الانفصال. كما تمَّ التساؤل أيضاً عن كيفية ملء المناصب الدستورية والوظائف القيادية للخدمة المدنية في حالة الأقاليم. وقد برزت بعض مفردات الحلول للتحفظات المثارة ومن ذلك أن يتم التأكيد على وحدة السودان (بالشكل الذي يرضي الجميع). وأن يتم تفادي احتمال الهيمنة العرقية بالضمانات اللازمة، ومنها الإدارة بالتناوب للإقليم وربما المحاصصة في المناصب والوظائف- على الأقل لفترة زمنية محددة حتى تعود الثقة المفقودة.

III. المشاركــة فـي السلطــــة

11. عرّف المتداولون المشاركة في السلطة على أنها المشاركة في مؤسسة الرئاسة(بما في ذلك منصب الرئيس مستقبلاً) والحكومة والأجهزة القضائية والعسكرية والأمنية وقيادة الخدمة المدنية وإدارة العاصمة القومية والمفوضيات والتمثيل الخارجي والجهاز المصرفي والمؤسسات الاقتصادية وغيرها. كما أضافوا أنها تعني كذلك المشاركة الفعّالة في اتخاذ القرار السياسي في المركز، أي أنها تعني مناصب بصلاحيات قومية فعلية.

12. أمَّن المشاركون على أهمية التحول الديمقراطي والحكم الفدرالي لاستقرار الأوضاع في السودان كما أكدوا أيضاً على أن الاستقرار في دارفور بوجه خاص رهين بأن تكون المكاسب الناتجة عن مفاوضات السلام لكل أهل دارفور وليس للحركات فقط، وهي قناعة ذات صلة بتجربة فصيل منّي (الحركة الموقّعة على اتفاقية أبوجا).

13. لاحظ المشاركون عدم تضمين اتفاقية أبوجا في الدستور الانتقالي بعد سنتين من توقيعها مما أدى إلى تعبير المشاركين عن شكوكهم حول جدية الحكومة في حل مشكلة دارفور وتأكيدهم على أهمية الصياغة المحكمة لبنود أي اتفاقية قادمة وتضمينها في الدستور ووضع الضمانات المختلفة لها والجداول الزمنية اللازمة لتنفيذها.

14. فيما يختص باستدامة السلام، سواء كان على المستوى القومي أو على مستوى دارفور، فقد تمَّ التأكيد على أهمية أن يكون هنالك تمييز إيجابي لدارفور ولأبناء دارفور والأقاليم المهمَّشة الأخرى وأن تكون المشاركة في السلطة على جميع المستويات على أساس الكثافة السكانية مع وجود آلية لاتفاق الحركات وأهل الداخل على توزيع المكاسب على أسس ومعايير محددة على كل أهل دارفور.

15. أثناء التداول برزت بوضوح قضية خصخصة الكثير من مؤسسات الدولة وتفريغها من أهميتها وتحويل مهامها لشركات خاصة تابعة ( ويعتقد أن الأجهزة الأمنية قد تم تفريغها بهذا الشكل) وبالتالي فإن المشاركة في السلطة يجب أن تعالج هذه المستجدات. أي أن المشاركة قد لا يكون لها معنى في مثل هذه الظروف إلا إذا اشتملت على المشاركة في مفاصل السلطة الظاهرة وكذلك الباطنة.

16. في رأي المشاركين أنه يجب ألا تكون اتفاقية نيفاشا هي السقف الذي يوقف مساعي أهل لدارفور لنيل حقوقهم في المشاركة خاصة وهم لم يُستشاروا أو يشاركوا في صنعها.

IV. اقتســــام الثــــروة

17. أمُن المتداولون على ما جاء في اتفاقية أبوجا (كوثيقة) من تعريف للثروة بمعناها الواسع كما تمَّ التأكيد على أهمية مفوضية توزيع الإيرادات كآلية لتحقيق العدالة والتوازن في توزيع الإيرادات والمشروعات القومية وكلما يتصل بالثروة بما يزيل الغبن ويحقق وحدة الوطن. كما أكدوا في المقابل على ضرورة تأسيس المفوضية المذكورة على أساس قانون من الهيئة التشريعية وليس بمراسيم جمهورية. وكذلك أكدوا على أهمية حيدتها واستقلاليتها والتمثيل المتوازن داخلها لكل المناطق سواء كان ذلك على مستوى الخبراء أو على مستوى السكرتارية الفنية.

18. أوضحت المداولات الارتباط الوثيق بين السلطة وتوزيع الثروة في بلد نام مثل السودان وكيف أن تسنّم المواقع القيادية في الدولة سواء كان على مستوى الوزارات الرئيسية أو المؤسسات والشركات المملوكة للدولة والجهاز المصرفي والجمارك والضرائب والأجهزة الأمنية، كيف يمكن لممارسة المسئولين فيها لسلطاتهم أن تؤثر ليس فقط على توزيع فرص العمل وتوزيع الموارد المالية والمشروعات وإنما على تنفيذها أيضاً (سلباً أو إيجاباً) مما يؤدي إلى تراكم المظالم وبذور عدم الرضا- بما في ذلك التمرد - ممَّا يُهدد وحدة الوطن وأمنه. وعليه فإن الضرورة تقتضي تفكيك التمكين الحزبي والجهوي ومشاركة الجميع في إدارة أجهزة الدولة على أُسس ومعايير واضحة تراعي مصلحة الوطن (تبدأ بالتمييز الإيجابي للأقاليم الأقل مشاركةً)، وتكون معالجة هذا الخلل من أوليات المصالحة والتوافق.

19. أن تُمثّل دارفور والأقاليم المهمّشة الأخرى في المفوضيات وعلى رئاسة بعضها كما يجب أن تسبق هذه الإصلاحات التي قد تأخذ زمناً إجراءات فورية من الدولة لإحقاق العدالة بتعيين أعداد مقدَّرة من أبناء هذه الأقاليم في الأماكن القيادية في الخدمة المدنية والمؤسسات المختلفة.

20. في هذا الإطار أيضاً تكررت الملاحظة بأهمية إحكام الصياغة لبنود اقتسام الثروة في أي اتفاق قادم وتفادي سلبيات التجربة الماضية.

V. قضــايــــا الأرض والحواكيــــر

21. النقاش في موضوع الأرض لم يخل من تباين في الآراء لكن هنالك اعتقاد بأن وثيقة أبوجا، رغم عدم قبول البعض بها، فإنها قد غطَّت معظم القضايا المتعلقة بموضوع الأرض والحواكير وما يتصل بها، كما أنها قد نصَّت على المواطنة وتثبيت الأعراف.

22. بالرغم من ملاحظة أن الأرض هي مصدر للتنازع بسبب طرق تنظيم الانتفاع بها إلا أن الاعتقاد السائد هو أن تفاقم الخلاف في موضوع الأرض قد نتج من عدَّة مسببات منها تدخُّل الدولة في تسييس القبائل وسعيها لكسب ودها. ومنها الحراك السكاني المتعاظم بسبب الجفاف (النازحون والرعاة) ولجوء الأجانب من دول الجوار أو دخولهم بتشجيع من الدولة أو موافقتها. ولكن المشكلة الرئيسية تبقى في انتزاع الأرض أو امتلاكها بقوة السلاح وهو ما لم يكن عليه الحال سابقاً.

23. بعد التداول فإن الرأي الغالب فيما يبدو هو أنه في الوقت الذي لا يمكن فيه إلغاء التاريخ بين يوم وليلة (أي عدم إلغاء الحواكير) إلا أنه يجب أن تكون هنالك مرونة في موضوع الأرض بحيث يتم تطويع الأعراف لمواكبة الحداثة. أي أن تكون هنالك موازنة بين مفاهيم الأرض والحواكير كمفاهيم تاريخية ومفهوم المواطنة وحق المواطن في الاستفادة من الأرض.

24. وقد ظهر من النقاش والمداولات المطولة أن هنالك تعقيدات في حالة الإصرار على الحواكير بشكلها التقليدي ومنها ماذا يحدث لأهل دارفور الذين اختاروا الاستقرار في مناطق أخرى من السودان ولم تواجههم أي مشاكل. وفي رأي البعض فإن التمترس في المفهوم التقليدي للحاكورة مضر بعمليات التصالح والتعايش المستقبلي لأهل دارفور خاصة وأن قضية الأرض هي قضية منفعة وهي مقدمة على كل أشكال التعامل في الأرض.

25. هنالك رأي أو اعتقاد من البعض مفاده أن هنالك أراضي تمَّ احتلالها أو نزعها بقوة السلاح وتمَّ إقصاء السكان الأصليين منها. وفي هذا الإطار فقد أكد المجتمعون على مبدأ رفض احتلال أراضي الغير وحق عودة المهجَّرين إلى أراضيهم قبل الحرب. كما أقر الاجتماع اقتراحاً بتبنِّي لجنة تحقيق (حقيقي) مستقل ومحايد حول الموضوع ومعرفة حجم الاحتلال/ الإقصاء (إن وجد) واقتراح الحلول الناجعة لحل المشكلة.

VI. التعويضــــــات

26. التعويضات هي في الأصل لإزالة الغبن عن الأضرار الناتجة عن الحرب، شاملة الأضرار المادية والمعنوية. وتأسيساً على هذا فقد أكد المجتمعون على إقرار مبدأ التعويضات كحق ولكل الأطراف المتضررة من الحرب بالرغم من التعقيدات التي ينطوي عليها تنفيذ المبدأ.

27. وقد رأي المجتمعون كذلك أن تكون التعويضات شاملة للتعويضات الفردية والجماعية. وفي الوقت الذي يمكن الاتفاق فيه حول كيفية التعويضات الجماعية فإن الاتفاق على كيفية وحجم وآلية تنفيذ التعويضات الفردية ليس بنفس الوضوح أو السهولة. وعلى وجه التحديد فإن المشكلات التي تحتاج إلى حلول تشمل الآتي:

• كيف تتم معالجة أمر المبالغة في تقدير الخسائر من قِبل المتضررين أو عدد المتضررين أنفسهم، إذ أن هنالك شواهد بانضمام أعداد مقدَّرة لمعسكرات النازحين على أمل أن تشملهم التعويضات.

• هل يكون تقدير التعويضات عن طريق محاكم أم لجان إدارية مشفوعة باليمين- علماً بأن الحركات قد أبدت اعتراضها على المحاكم لصعوبة الإثبات عن طريق إجراءات المحاكم.

• هل تُقيد الخسائر بقيد زمني محدد؟

• الخسائر كلها ليست من قِبل الحكومة أو جيشها لأن الحركات المسلحة أيضاً تسببت في خسائر للمواطنين فيكف تتحمِّل الحركات ما يليها من التعويضات.

• كيف يعالَج موضوع السرقات/ الأموال المنهوبة التي استولى عليها أفراد أو جهات بعينها.

28. علماً بالتأكيد على مبدأ التعويض لكل المتضررين فإن هنالك اتفاق عام بين أغلب المشاركين بأن الأوفق أن تبدأ التعويضات بالمتضررين في معسكرات النازحين واللاجئين وأن يكون التعويض للأسرة مع إعانة لها لمدة ستة أشهر أو عام. أما عن مقدار التعويض للأسرة فقد رؤي الاستهداء بتعويضات المتضررين من جراء السدود (مروي، كجبار) وغيرها كسوابق حتى تتحقق العدالة بالتساوي في المعاملة بين المواطنين في كل السودان.

29. وقد عبَّر البعض أيضاً عن إمكانية أن يكون هنالك إعفاء من الضرائب لفترة زمنية محددة لتمكين الناس في دارفور من العودة إلى الدخول في دورة الإنتاج والمساهمة في الناتج المحلي دون الاعتماد على الآخرين.

VII. الترتيبـــــات الأمنيــــــــة

30. الترتيبات الأمنية تعني – من بين أشياء أخرى- وقف إطلاق النار ومراقبته، حماية النازحين، حماية قوافل الإغاثة، حماية النساء والأطفال، حظر محدود للسلاح، مراقبة الحدود، إعادة دمج المسلحين السابقين واستيعابهم وكذلك التزام المسلحين الآخرين غير الأطراف المتحاربة بوقف إطلاق النار، وهي مهام متداخلة ومتعددة كما هو واضح.

31. من خلال المناقشات برز رأي مفاده أن الموضوع ليس من اختصاص غير المتحاربين وبالتالي يترك حسمه للحكومة والحركات المسلحة. وهنالك رأي آخر يقول بوجوب التفريق بين أمن النظام (أو أمن الحركات) وأمن المواطنين بصرف النظر عن قبائلهم وأعراقهم. أي أن هنالك مخاوف من الترتيبات الأمنية التي لا تُراعي إلا أمن المتحاربين وتحقيق المكاسب في المؤسسات النظامية التي تعقب الوصول إلى اتفاق سلام.
32. أوضحت المداولات الإشكالات العديدة المتعلّقة بهذا الأمر، لكن أنصب اهتمام المتداولون على التفاصيل التي تضمن تحقيق الأمن للمواطن وليس على الجوانب الفنية التي تهم المتحاربين، مع ملاحظة تشابه الترتيبات الأمنية التي تمَّ الاتفاق عليها في أبوجا مع ما جاء في اتفاقية نيفاشا رغم اختلاف مشكلة دارفور عن الجنوب بحكم أن نيفاشا تحمل في طيَّاتها خيار تقرير المصير.

33. أكدت المداولات على أن أمن المواطن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بوقف حقيقي لإطلاق النار وكذلك بنزع السلاح وكلاهما صعب التحقيق قبل تحقيق الشروط الموجبة له. ومنها أن عدم توفُّر الأمن حالياً لا يشكّل عاملاً مساعداً لنزع السلاح، بالإضافة إلى أن العدد الكبير للجهات الحاملة للسلاح (نظاميين وغير نظاميين) بما في ذلك الحركات وتشظِّيها إلى فصائل متعددة وغير متفقة فيما بينها، لا يساعد كذلك على الوصول لوقف حقيقي لإطلاق النار.

34. من ناحية فإن الحركات المسلحة غير متفقة فيما بينها إلا ضد الحكومة وقادتها السياسيون ليست لهم السيطرة على القادة الميدانيين. ومن ناحية أخرى فإن الحكومة ربما لا تكون قادرة على نزع سلاح الجنجويد (لأنهم في وضع قوي كما يرى البعض).

35. إن اهتمام المجتمع المدني بالترتيبات الأمنية ينبع من الانفلات الأمني الذي أعقب أبوجا والذي تعزَّز بازدياد الفاقد التربوي في دارفور الذي يُغذِّي النهب المسلح (والذي ازدادت وتيرته وتطوَّرت وسائله) والفراغ القضائي والصراع القبلي والمنظمات الطوعية الأجنبية التي تفرِّق بين أهل دارفور على أساس العرق مما يؤدي إلى الضغائن ويشجِّع على استعمال القوة.
36. تطرَّق المجتمعون أيضاً إلى الثغرات المختلفة في الصياغة و التنفيذ والخاصة بوثيقة سلام دارفور في أبوجا مما يمكن تفاديه في أي وثيقة سلام مستقبلية ومن ذلك:

• الاتفاقية ليس لها ضمانات عسكرية ودولية (الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، الولايات المتحدة) تكوِّن وتشرف على مفوضية التقييم والمراجعة لتنفيذ الاتفاقية.

• من يتولى حفظ أمن الإقليم في الفترة الانتقالية وكيف؟ هل هو الشرطة أم البوليس المجتمعي المقترح؟ وهل سيتبع الأخير للشرطة في الولاية؟ وكيف يكون التقاضي في المناطق التي تسيطر عليها الحركات، وهل سيخضع الكل للقضاء السوداني (حكومة، حركات UNAMID) أم لا؟

• كيف تتم عملية نزع السلاح و إعادة الدمج للمسلحين DDR)؟ علماً بأنه إذا لم توفَّر لهم الدولة الغذاء في معسكراتهم سوف يلجأون إلى النهب. وهل تنطبق عملية إعادة الدمج على كل المسلحين؟

• كيف يتم إصلاح المؤسسات الأمنية لتتماشى وواقع السلام الجديد؟
• هنالك واقع جديد بدخول القوات الهجين وانتشارها والحصانات الممنوحة لها، وهو واقع يجُب ترتيبات أبوجا. فما هي الترتيبات المناسبة؟

37. رغم تباين الطرح في موضوع الترتيبات الأمنية إلا أن هنالك اتفاق عام بأن الموضوع أهم من أن يُترك للحكومة والحركات، وأن المجتمع المدني له الحق وله المصلحة في الوصول إلى ترتيب يُحقق أمن مواطني دارفور كلهم دون استثناء، خاصة وهنالك تقارب الآن بين المواطنين والإثنيات المختلفة بانخفاض مظاهر الاعتداءات وهي تطورات ايجابية يجب الحفاظ عليها.

38. هنالك اعتقاد بأن المركز له دور رئيسي في تأجيج الصراع ويجب تحجيمه بمشاركة أهل دارفور- خاصة النظام الأهلي- في أي حل مستقبلي وفي خلق المجتمع الآمن. وهنا يرى البعض أن تتم المحافظة على التعايش السلمي ونزع فتيل الصراع القبلي بميثاق أو مواثيق سلام بين المجموعات الإثنية والقبلية المختلفة في دارفور (وهو شكل من أشكال العدالة الانتقالية الذي يتم الاتفاق عليه) وأن يسبق هذا الميثاق/المواثيق أي ترتيبات أمنية. وعلى وجه العموم فالرأي الغالب هو أنه إذا لم تتصالح المجموعات الإثنية المختلفة (بالآلية التي يتم التراضي عليها) فسوف لن يُكتب للترتيبات الأمنية النجاح مهما بذل في نواحيها الفنية.

VIII. الخلافـــات الداخليـــة (الدارفورية- الدارفورية)

39. الخلافات الداخلية بين المجموعات الإثنية المختلفة في دارفور سبقت تصاعد الخلاف مع المركز ولكنها تفاقمت بعده. وباتفاق الآراء فإن للمركز الدور الأهم في تصعيد خلافات أهل دارفور، وهنالك رأي غالب أيضاً بأن الحكومة فيما يبدو غير جادة بما فيه الكفاية لحل المشكلة- بمكوناتها المعروفة (تقاسم السلطة والثروة وغيرها) أو السعي لمصالحات داخلية بين أهل دارفور يعيد الأمن والأمان للمواطن والدولة.

40. جرت نقاشات مطوَّلة حول حكم دارفور المستقبلي وقد خلُصت المداولات إلى مجموعة مبادئ تؤسس لسلام مستدام ومن ذلك:

• من الضروري التوصُّل إلى مصالحات بين المجموعات الإثنية المختلفة يسبقها أو يعقبها ميثاق للتعايش وعقد اجتماعي يحسم المشاكل المعلقة بشكل نهائي.

• الاعتراف بالتنوّع القبلي والإثني وحق الجميع في العيش والتعايش في دارفور وكذلك حق المشاركة في الحكم على أسس ومعايير موضوعية يتم الاتفاق عليها.

• أن يكون لدارفور ميثاق ودستور يتراضى عليه أهلها يحدد كيفية المشاركة في الحكم ويقنن لعدم الهيمنة العرقية والقبلية ويكون ملزماً لأي حاكم مستقبلي سواء كان حزباً فاز عن طريق الاقتراع الحر أو غير ذلك.

• إن وحدة أهل دارفور هي الضامن الحقيقي لأخذ حقوقهم المشروعة من المركز وأن التراضي والتصالح بينهم هو الأهم للسلام المستدام سواء كان شكل الحكم المستقبلي إقليم أو ولايات.

• هنالك خلاف بين أهل دارفور حول شكل الحكم، لكن لا يجب ألا يفسد الخلاف حول الموضوع الود المستديم وتعايش مئات السنين بين مكونات المجتمع الدارفوري. وهنالك تجارب تمكَّنت فيها مجتمعات أخرى الخلافات فيها أشد تجذُّراً مما هي عليه في دارفور من العيش بسلام حيث تمَّت محاصصة في المناصب الدستورية والوظائف أرضت جميع المكونات وحفظت للبلاد وحدتها. ولذلك فمن الممكن الوصول إلى تمثيل جغرافي وإثني في الحكم (أو نظام تبادليBy rotation لحكم الإقليم) يحفظ حقوق الجميع ويزيل مخاوف الهيمنة التي أثارها البعض.

• هنالك تداخل بين قضية الخلافات الداخلية ومشكلة الإقليم والولايات. وحيث أن أي شكل للحكم يتم الاتفاق عليه هو آلية وليس هدفاً في حد ذاته فإن الأهم هو تحقيق التصالح وتحديد الخطوات التي توصل لذلك التصالح ومنها (توقُّف العدائيات بإجراءات ملزمة، رد المظالم، والمصالحة الشاملة) وأن يتم الاتفاق حول مرجعية تحاكمية لحسم القضايا السياسية.

41. ورد في النقاش أكثر من مرة أهمية الاتفاق على منهج لحسم القضايا الخلافية. وقد أثار البعض أنه لا يمكن للأقلية أن تعطِّل مصالح الأغلبية. وربما يعني هذا من ضمن ما يعني أن يتم اللجوء للتصويت. وبعد التداول وتقليب الآراء فإن الرأي الغالب هو أن يتم تدوين الآراء حول القضايا الخلافية الرئيسية (مثل الإقليم/الولايات) وأن تكون المرجعية لأهل دارفور. وقد برز رأي قوي خلال النقاش مفاده أن هنالك قضايا كبيرة وخلافية لا تُحسم بالتصويت (ربما ولا حتى بالاستفتاء) لأن ذلك سيؤدي في المقام الأول لمرارات وجراحات وفي المقام الثاني سوف لن يحسم الخلاف. ولذلك فالأوفق هو الحوار والوصول إلى صيغة تراضي تحفظ حقوق الطرفين. وفي جميع الحالات فيجب أن تكون هنالك تنازلات من الأطراف المختلفة إذا كان الهدف هو السلام المستدام.

42. وفي نفس الإطار فقد تمَّ التأكيد على أهمية المنهج في تقسيم السلطة(بين أهل دارفور) ووضع معايير لتقسيم المناصب والوظائف وذلك لأن تجربة تنفيذ اتفاقية أبوجا قد جعلت بعض الأطراف تعتقد أن جزئية السلطة التي أتت بها أبوجا هي للحركات فقط (وهو ما أدى لانحسار التأييد لها في رأي البعض).

43. بعض الجزئيات الهامة التي أشارت إليها المداولات وأكدت على أهمية الحكمة في التعامل معها هي:

• عدم مواجهة القوات الدولية (اليوناميد أو المجتمع الدولي) وتسهيل مهمتها حتى تخرج من دارفور متى ما استتب الأمن وانعدم السبب لوجودها.

• أهمية معالجة أمر السكنى في أراضي الغير بإخلاء الأراضي التي تمَّ الاستيلاء عليها عنوةً وتمكين السكان الأصليين من العودة لها.

• حل المشكلات بين بعض المجموعات القبلية الكبيرة بصفتها مؤثرة على مجمل الأوضاع الأمنية في دارفور ومنها (مشاكل العرب والزغاوة والعرب والفور و العرب والمساليت والزغاوة والبرقد).

صديق امبده-المكلف برئاسة اجتماعات المجموعة
الخرطوم 21/10/2008
• التقرير مقدم للاجتماع الختامي للمجموعة

sumbadda@gmail.com

 

 

آراء