تلكُمُ الجامعات.. أنُلزِمُكُموها هكذا ! … بقلم: عزالعرب حمد النيل

 


 

 

izzalarab giwey (izzanaizzana@yahoo.com)

 

بناء علي ما نشر في وسائل الإعلام والمواقع الإليكترونية والفضائيات وعلي رأسها قناة الجزيرة القطرية والتي خصصت حلقة من برنامج ما وراء الخبر فقد أعدّت جامعة جياو تونغ في شنغهاي تقريرا حول أهم مؤسسات التعليم العالي في العالم خلال السنوات الست الأخيرة وكانت النتيجة أن تصدرت الجامعات الأمريكية هذه القائمة وقد جاء في التقرير الذي نشر علي موقع www.universityworldnews.com   أن 67 جامعة أمريكية تحتل قائمة مؤسسات التعليم العالي المرموقة في العالم ولكن التقرير لم يذكر أي جامعة عربية باستثناء جامعة الملك سعود في المملكة العربية السعودية ضمن القائمة التي ضمت 500  جامعة , وكانت المراكز الثلاثة الأولي علي الترتيب" هارفارد,ستانفورد,كاليفورنيا بيركلي" – بينما حلّت الجامعة العبرية في القدس في المركز 64 , وكانت قد حصلت أوروبا علي 208 جامعة ونالت جامعة طوكيو المركز 20 من بين 5 جامعات حصلت عليها ضمن المائة الأوائل. وقد خضع هذا التصنيف وفقا للمعايير التالية: 1- عدد المنشورات العلمية التي تصدرها الجامعات.2-عدد الخريجين الذين فازوا بنوبل 3- مستوي المعدات ووسائل التعليم.وهذه المعايير لا يمكن القول بالاتفاق حولها خاصة المعيار الثاني فهو غير مرتبط بالدرجة الأولي بالناحية العلمية وكثيرا ما ينتقد بأنّ له بعدا سياسيا وله ظلال ذات صلة بجماعات الضغط علي مستوي الغرب بصورة عامة فقد ذهب كثير من النقاد إلي أن نيل الأديب والروائي الراحل نجيب محفوظ ما كان له أن يفوز بجائزة نوبل للأدب لولا تأييده لاتفاقية كامب ديفيد , وانتقل الجدل عقب منح الرئيس الأمريكي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام علي سبيل التشجيع والتحفيز لتحقيق ما رفعه من شعارات برنامجية في فترة رئاسته لا شك أنها تدفع بالولايات المتحدة محطات متقدمة خاصة علي مستوي العلاقات الخارجية في حال تحقق هذه البرامج .

وفي حلقة نقاش حول التقرير استضاف برنامج ما وراء الخبر الدكتور أمين محمود الأمين العام السابق لرابطة الجامعات في الوطن العربي والدكتور كلوفيس مقصود أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأمريكية بواشنطون للوقوف علي أسباب الغياب العربي عن هذا التصنيف ولعل الغياب لم يكن عربيا فحسب فقد بحثت في التقرير تدفعني الأمنية باحتمالات ذكر لجامعة أفريقية مثل جامعة  ماكريري الأوغندية ضمن التقرير ولكن يبدو أن الغياب جمع العالَمَين الجارَين.

ما يهمنا في حلقة النقاش هذي أن كل الأسباب التي سيقت لهذا الغياب العربي عن التصنيف تصدق علي الواقع العلمي والأكاديمي في سودان " العزة والكرامة" ودعونا نُسقِط ما ذكر علي واقعنا.  ذكر الضيفان كثيرا من النقد الموضوعي للحكومات العربية التي تنفق علي الأمن أضعاف ما تنفقه علي التنمية حيث يفضّل معظم الأثرياء العرب الاستثمار في قطاعات تحقق الربح السريع كتصنيع واستيراد الموبايلات علي الاستثمار في مؤسسات تعليمية والرهان علي عقول الشباب بدلا عن آذانهم.  

تهتم معظم الجامعات في هذه الدول والسودان من بينها بالكم علي حساب الكيف  " 350 جامعة عربية مقابل 10 جامعات في منتصف القرن الماضي , الميزانية المرصودة للطالب الجامعي تبلغ 2500 دولار في العام في حين تصل إلي 45000 دولار في أوروبا " , وفي مجال ربط البحث العلمي بالطاقة الإنتاجية فإن جامعة بركلي في كاليفورنيا تتحصل علي أكثر من ميزانية دولة عربية أو أفريقية نامية".

وقد برع السودان في ميزة الكم الهائل من الجامعات التي انتشرت في أحياء المدن وفي الطوابق العليا في بعض بنايات العاصمة الخرطوم وكلما ارتفعت إلي أعلي يزداد التدني والانحطاط العلمي , وفي مدن الأقاليم يفاجئك السهم الذي يشير إلي كلية جامعية في "زُقاقٍ" ما .

قرر الضيفان أن الجامعات غير مرتبطة بالقطاعات المنتجة بحيث تتمكن القوي الإنتاجية والجامعات من خلق حوار قُوي يفيد الطرفين ؛ وأن 25% من طلاب الجامعات الذين تخرجوا في الجامعات العربية هاجروا , وأن مستوي كثير من الجامعات تدني من حيث التقييم ومن حيث التدريس بحيث أن البحث العلمي لا يجد الوسائل والآليات والأموال المخصصة كذلك الأمر أن الأساتذة معظم وقتهم للتدريس وليس للبحث والتنقيب العلمي .

 وعلي صعيد سقف الحريات فإن الجامعات العربية تعاني من القمع والتضييق علي المستوي السياسي كما أن المسئولين عن التعليم العالي يقومون علي مؤسسات بدلا من أن يكون دورها التنسيق بين الجامعات تحولت إلي أداة مهيمنة وقابضة وكلما زادت درجة الانفتاح السياسي كلما أتيح للجامعات الفضاء الواسع للإبداع العلمي والبحث الحر الذي لا يخضع للأهواء وقمع السلطة وتجيير فرص الابتعاث والدراسات العليا لصالح الأتباع والموالين دون معيار من الكفاءة وإخضاع توزيع الفرص للتنافس الحر الشريف.

أبتُلي السودان في العقدين الآخِرين بما عُرف بثورة التعليم العالي أو علي اللسان المُعارِض المبين " ثورة إبراهيم أحمد عمر" التي جعلت التعليم دُولة بين الأغنياء فأصبح التلميذ مؤهلا لدخول الجامعة مُسرعا به نسبه للإنقاذ وبمقدار عدد الأيام التي قضاها في الجنوب إبّان حرب الإنقاذ مع الجنوبيين وإذا استُشهد الوالد فذلك أدعي أن يُقبل ابنه بكلية الطب في أرفع الجامعات بنسبة لا تؤهله لدخول كلية علمية  وبدلا من أن يعفي من الرسوم الدراسية مثلا أو يسكن الداخلية مجانا يضاف إليه ما ليس من حقه إذا أصبح طبيبا" لا قدّر الله " سيكون فاشلا من الدرجة الأولي ولنقف علي حجم هذه الكارثة بأمثلة أخري ثلاثة:

الأول : تخرّج طالب ماجستير ينتسب إلي دولة خليجية في النصف الأول من التسعينات في جامعة سودانية وعقب عودته إلي بلاده أجرت معه صحيفة خليجية ذائعة الصيت حوارا كان أبرز ما قاله في هذا الحوار أن الجامعة المعنية ينصبّ اهتمامها علي التحصيل المالي لأمثاله من طلاب الخليج ولا يهم الأمانة العلمية أو مشقة البحث العلمي والتدقيق فيه.

الثاني :أشرف ملحق إعلامي لدولة صديقة وهو متعاون مع أحدي الجامعات السودانية علي رسالة ماجستير رفضها لعدم استيفائها للشروط العلمية فقد كان ثبت مراجع الرسالة الصحف السودانية فقط ولا يدري حتي سفره من السودان هل أجيزت أم لا " ما ورد ذكره سمعته من سعادة الملحق شخصيا".

الثالث: طالبٌ مُنح درجة الدكتوراه في العلوم السياسية  في جامعة مرموقة عند الإسلاميين خاصة وتقدم بطلب للتعيين في القسم نفسه بجامعة أخري إلا أن اللجنة المنوط بها قبوله ورفضه بالقسم فوجئت بأن الرسالة برُمتها نوقشت بوصفها رسالة ماجستير عام 1983لطالب آخر طبعا في الجامعة التي يود سيادته الانتساب إليها فاجلس أيها القارئ العزيز في هدوء و" تأمّل " .

الواقع العلمي والأكاديمي بصورة عامة يشيب له الولدان والكارثة أكبر من الأمثلة التي سقتها وأكبر من الواقع الجامعي في العالمين العربي والأفريقي الذي تسعي لتصنيفه المؤسسات العلمية المهمومة بمثل هذه الدراسات لأنه في بلادنا " يرتدي لحية " وهو مُيمِّم شطر أيّ مسجد ... لا أدري . 

 

آراء