تنسيقية القوى الديموقراطية و المدنية: الواقع و التحديات

 


 

 

بقلم: د. محمد حمد مفرح
من الحقائق البدهية التي لا يرقى إليها الشك بل تكاد أن تكون محل اجماع المفكرين و المحللين السياسيين و المهتمين بالشان السياسي السوداني، أن نظام الحكم الديموقراطي Democratic Rule يعد، اكثر من غيره، النظام الأمثل لحكم السودان. و ليس أدل على ذلك من ان سائر المحللين السياسيين و الكتاب الذين ظلوا يتناولون الشأن السياسي السوداني في كتاباتهم محاولين تشريح الازمة السياسية السودانية المتطاولة و منقبين عن نظام حكم يخاطب قضايا الواقع بالبلاد، قد اجمعوا على افضلية النظام الديموقراطي. ذللك ان هذا النظام، و بحكم طبيعته و مؤداه و مدلولاته المفاهيمية يناسب التعددبة العرقية و الثقافية و الدينية و التباينات المتعددة التي تسم الواقع السوداني.
و تبعا لذلك فان التعريفات المختلفة للديموقراطية و التي يعبر عنها، بمفهوم اكثر دقة و موضوعية، التعريف الذي يقول ان الديموقراطية هي (حكم الشعب بالشعب و للشعب) تعزز، أي هذه التعريفات، حقيقة افضلية هذا النظام. و لذلك يمكن التعويل على امكانية نقله بلادنا الى افاق حضارية ارحب تضعها على عتبات النهضة الشاملة. غني عن القول ان التحولات المفصلية الايجابية الكبيرة التي حدثت في حياة العديد من الدول التي طبقت النظام الديموقراطي ناقلة تلك الدول الى فضاءات التطور و النماء، تعد اكبر شاهد على ان الديموقراطية تمثل المعادل الموضوعي للتطور و النهضة الحقيقية. و من الامثلة الساطعة على ذلك دول أوروبا الغربية التي حققت قفزات حضارية ضخمة بدءا من كسر حاجز التخلف مرورا بالثورة الصناعيةlndustrial Revolution و عصر النهضة حتى بلوغ عصر ثورة المعلومات و الاتصالات الحالي. و تستمر هذه الدول في سيرورة التطور العام بخطى متسارعة و وتيرة متصاعدة. و ينسحب هذا الحال على امريكا و العديد من دول العالم شرقا و غربا.
من جهة اخرى، و تأسيسا على حقيقة أن تجارب الحكم الديموقراطي بالسودان تمثل، في مجملها، تراكم خبرات يعتد بها على صعيد اثراء التجربة الديموقراطية بالبلاد، برغم قصر هذه التجارب و ما اعتورها من معوقات و متاربس، تاسيسا على هذه الحقيقة فمن الأجدى ان تستثمر هذه التجارب في رفد عملية التحول الديموقراطي المستهدفة، بكل ما يعمل على تطويرها و ترسيخها. و ليس ثمة ادنى شك في ان استثمار هذه التجارب و البناء عليها يمثل إضافة ثرة للتجربة الديموقراطية المرتقبة التي يتطلع إليها دعاة الديموقراطية و الداعمين لها. ذلك ان هذه التجارب تمثل (ادبا سياسيا) Political Literature منتجا على الصعيد النظري و العملي،و ذلك باعتبار انها مرت بمراحل التمارين الديموقراطية و النضج النسبي لتجارب الحكم الديموقراطي المختلفة و الممارسات السياسية، بايجابياتها و سلبياتها. و بالقطع يتوافر هذا الأدب السياسي في تجارب العديد من الاحزاب و بالذات الاحزاب الكبيرة كحزب الأمة القومي و الحزب الاتحادي الديموقراطي و غيرهما.
من جانب اخر يمكن الاستفادة من الأدب السياسي الغزير و العبقري لبعض المفكرين السياسيين امثال الامام الصادق المهدي و الدكتور فضل الله علي فضل الله الوزير السابق و استاذ الادارة و العلوم السياسية، عليهما الرحمة، و غيرهما فضلا عن بعض السياسيين النابهين ذوي الافق الفكري الواسع امثال الاستاذ محمد احمد المحجوب و مبارك زروق و على محمود حسنين عليهم الرحمة. هذا علاوة على الكتاب الذين لهم اسهامات كبيرة في مجال الفكر و التحليل السياسي.
من جانب اخر، و تاسيسا على ان تنسيقية القوى الديموقراطية و المدنية (تقدم) و التي تعد كيانا مدنيا جامع لطيف واسع من القوى المدنية و المجتمعية تمثل راس الرمح في عملية التحول الديموقراطي المرتجى، فان من المؤمل أن تمضي في حراكها الذي بدأته مؤخرا، بكل همة و فاعلية مع ضرورة استمرارية زخم نشاطها على نحو هادف و ملم بمطلوبات المرحلة. ذلك ان (تقدم)، و برغم جهودها المقدرة فيما يلي التركيز على البناء التنظيمي الضروري من أجل البروز كجسم مدني فاعل في الساحة، يهدف الى رسم معالم التحول الديموقراطي، و فيما يلي حراكها الساعي الى إيقاف الحرب و معالجة كافة تداعياتها، برغم ذلك فانها تحتاج، في رأيي الى تطوير حقيقي مؤهل لمخاطبة التحديات الماثلة، مع القيام باختراقات مبدعة من اجل النهوض بنشاطها. و يتطلب هذا الامر،دون ريب، قيام (تقدم) برسم خارطة طريق هادفة و منتجة تروم هزيمة التحديات المشار إليها. و تتمثل هذه التحديات في الاتي:
-البيئة السياسية الداخلية غير المواتية المتمثلة في أعداء الديموقراطية و خاصة بعض الأحزاب التي تمثل متاريس في طريق الديموقراطية حيث ترى فيها معوقا اساسيا لمصالحها.
-البيئة السياسية الخارجية المتمثلة في بعض القوى الاقليمية و الدولية المؤثرة التي تقف حجر عثرة في طريق الديموقراطية و تنشط في اجهاض مساعي التحول الديموقراطي على نحو او اخر.
-ارتفاع نسبة الامية الأبجدية في السودان مع وجود أمية حضارية تتمثل في تفشي انعدام الوعي في اوساط الطبقة المتعلمة، و من ذلك عدم معرفة الحقوق و الواجبات الفردية و الجماعية.
-الواقع غير المواتي الذي خلفه نظام الانقاذ في اوساط المجتمع السوداني و الذي تسبب في تفشي الفكر غير الديموقراطي عبر شيطنة رموز الديموقراطية شخوصا و كيانات.
-تغلغل كوادر نظام الانقاذ و الداعمين له في مفاصل الدولة و امساكهم بمقاليد الأمور فيها مع تاثيرهم السالب الكبير في تعويق كل ما من شأنه ان يقود الى ممارسة سياسية منتجة تتماهى مع مصلحة الوطن.
-التباس (مفهوم الدولة) في اذهان بعض الكوادر السياسية الفاعلة و عجزهم عن فصل المصلحة الشخصية و الحزبية عن المصلحة الوطنية.
-انتفاء الوازع الأخلاقي و الديني في السلوك السياسي و الاداء لدى عدد مقدر من السياسيين و الموظفين في الخدمة العامة.
لذا، و بناء على ان هذه التحديات تمثل بحق معوقات حقيقية ذات تاثير سالب على عملية التحول الديموقراطي المرتجاة، يتعين على (تقدم) النأي عن الحلول التقليدية و القيام، بدلا عن ذلك، باحداث اختراق ملموس Concrete breakthrough من اجل تأهيل نفسها تنظيميا و فكريا و سياسيا و ذلك بهدف مواجهة التحديات سالفة الاستعراض و من ثم تعبيد الطريق للتحول الديموقراطي. غني عن القول ان هذا التأهيل و الذي يعد ضرورة قصوى و احد مقتضيات فاعلية (تقدم) المرجوة يتمثل في أهمية رفدها بعناصر و شخصيات نوعية: وطنية و مبدعة فكريا و سياسيا و زاهدة في المنصب و المصلحة الذاتية، لتكون بمثابة خزانة فكر لها Think Tank.
ثمة مسألة أخرى تعد غاية في الأهمية يقتضيها توسيع ماعون (تقدم) و تحقيق فاعليتها مع استمرارية زخمها، الا و هي الانفتاح على كل القوى الحزبية و المدنية و المجتمعية ذات التوجه الديموقراطي، و التي لا تعد جزءا من (تقدم). علاوة على ذلك فان هنالك حاجة ماسة لمرونة (تقدم) و تقبلها النقد البناء و الاصلاح فضلا عن القيام بالتطوير الدوري المبني على مراجعة الاداء.
و كذلك يجب عليها مواجهة التهم الجزافية التي ظلت تلصق بها زورا و بهتانا من قبل اعداء الديموقراطية، و كذا حملات تغبيش الوعي و الشيطنة الممنهجة التي يقومون بها. عليها ان تكثف اعلامها من اجل نفي كل التهم و حملات الشيطنة التي لا تمت الى الحقيقة بصلة كتهمة انها حاضنة للدعم السريع او ظلت تغض الطرف عن انتهاكاته و ما شابه ذلك. كما ان عليها إدراك ان الحملات الإعلامية المسعورة الموجهة ضدها تحتاج الى اعلام مضاد، قوي و مواكب يعمل على ابانة الحقائق و كشف الزيف.
صفوة القول انه، و لكي يتم توفير الضمانات اللازمة Required guarantees للتحول الديموقراطي المنشود، فان الضرورة تقتضي حرص (تقدم) على حصر اوجه قصورها و ايجابياتها من اجل تلافي القصور و تعظيم الايجابيات سعيا وراء بروزها ككيان قوي و فاعل، يمتلك القدرة على هزيمة التحديات و مواكبة التطورات و صنع الاحداث المنتجة.

mohammedhamad11960@gmail.com

 

آراء