ثورة ديسمبر و البداية الصحيحة مع العالم
طاهر عمر
26 October, 2022
26 October, 2022
مهما حال جبّار الصدف بيننا و بين بدايتنا الصحيحة مع العالم من حولنا سوف تأتي لحظة تكون فيها المحاولة ناجحة و لا أشك لحظة أن ثورة ديسمبر هي بداية صحيحة للشعب السوداني و فرصة ليبداء أول خطواته الصحيحة في مشواره مع العالم ليسير و يلحق بمواكب البشرية و قد حققت إزدهارها المادي و قد إنعكس في إرتفاع مستوى المعيشة و إرتفاع في مستوى الوعي نتيجة التحولات الهائلة في المفاهيم و علاقتها الطردية بمسألة فهم ظاهرة المجتمع البشري خاصة فيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية نحو الفرد.
غياب مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد من دفتر فكر النخب السودانية هو المسؤول من إنحراف فكر النخب السودانية و قد جعلها تستحق بأن توصف بأنها مدمنة للفشل و لا يعترض على تشخيص دكتور منصور خالد للنخب و إدمانها للفشل إلا الذين يعنيهم بتشخيصه و قد ظهر إنحراف فكرهم عندما وضح ضعف نظرهم كما يقول فردريك نيتشة إنك لم ترى إلا التشابه؟ أنها علامة على ضعف النظر.
علامة ضعف نظر النخب السودانية نجده قد إتضح في إنشغالهم و بحثهم عن التشابه كما يقول نيتشة حيث يكمن ضعف النظر في رؤية المشابه و أعني كيف كان إنشغال النخب السودانية بمشكل الهويات و ليست الحريات و قد وصل بهم ضلالهم المبين أن أسسوا لها مداراس مثل الغابة و الصحراء و ابادماك و العودة الى سنار و غيرها من ضلالهم القديم و لذلك نجد من يعترضون على وصف منصور خالد لهم بادمانهم الفشل من كانوا ممن يصنفون من مؤسسي البحث عن رؤية التشابه الذي يؤشر الى ضعف النظر و قد رأينا أن ضعف نظرهم قد أخّرهم عما يشغل العالم و نخبه فيما يتعلق بمسألة الحريات و ليس الهويات القاتلة كما يقول امين معلوف.
الانشغال بالحريات و ليس الهويات هو الذي يؤسس بما كان معطى من قبل النشؤ و الارتقاء بأن البشرية قد فارقت كل من العرق و الدين و إتجهت الى مستوى كيف يستطيع العقل البشري في ابداعه و عبر العقلانية أن يؤسس لمجتمع يبحث عن نقطة التوازن و لا يفضي إليها غير المسير عبر معادلة الحرية و العدالة و لا تكون بغير تحديد بعدها البؤري عبر العلاقة ما بين الفرد و الدولة.
و هذا هو الأدب الغائب عن دفتر النخب السودانية و غيابه قد أتاح الفرصة لظهور عديمي الموهبة من سياسيين قد إنشغلوا بالأعراض و تركوا التشخيص الصحيح للمرض و من الأعراض مشكلة التهميش و المهمشين فهي أعراض أما سببها لأن النخب السودانية لم تؤسس لعلاقة الفرد بالدولة بل إنشغلت بالهويات القاتلة بدلا من الهوية الفردية في علاقة الفرد بالدولة و هي التي تحكم معادلاته السلوكية.
و غياب مفاهيم تؤسس للهوية الفردية و علاقة الفرد بالدولة قد أتاح الفرصة لظهور سياسيين لاحقين للاحداث و يطاردون نتيجة من بنات غفلتهم و هي الهامش و المهمشين و غيرها مما يشغل النخب عن كيفية البداية الصحيحة مع العالم و نجدها في موروث النخب السودانية الفاشلة جيل عبر جيل و المؤسف نجد إصرارهم على إحياءها بل تأبيدها باتفاقيات تخلد غفلتهم كاتفاقية جوبا و هي تحاول معالجة ظاهرة الهامش و المهمشين بغفلة لا تفتح على غير إستمرار الكساد الفكري لأنها تؤسس للجهوية و العرق و الدين و تؤسس لنظرة لا تعطي الفرد أي مساحة تؤسس لعلاقته بالدولة كما رأينا الحال في المجتمعات المتقدمة حيث يظهر أن الهدف من العقد الاجتماعي هو الفرد و ليس ظاهرة المجتمع لأن الفرد مشغول بقيمة القيم و هي الحرية.
و عليه أن الهدف هو الفرد و بالتالي هو عقلاني و أخلاقي و قد وصلت البحوث في مجال الاقتصاد و الاجتماع الى أن ما يشغل فكرهم هو الفرد و ليس الطبقة كما يدور في ذهن الشيوعي السوداني و هذا الفرد الذي يحل محل الطبقة عقلاني و أخلاقي لا يحتاج لخطاب ديني أي دين كما يظن أتباع الطائفية و السلفيين و الكيزان لأننا في زمن الحداثة و قد أصبح الدين و علاقة الفرد بربه علاقة فردية لا دخل لرجال الدين بها و عليه يمكننا أن نقول أن من مؤشرات كساد النخب السودانية أن المثقف العضوي اليوم هو من أتباع أحزاب وحل الفكر الديني كيمين غارق في التخلف و في الطرف الآخر يسار رث يقوده أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية.
الدين قد أصبح من ظواهر المجتمع البشري و قد سبق الدين على مسرح المجتمع البشري السلطة و عليه لم يفهم المثقف السوداني مفهوم السلطة كمفهوم حديث الى اللحظة و لا يقدر أن يتصور أن السلطة كانت سابقة لظاهرة الدين في المجتمع البشري و لهذا نجد النخب السودانية أسيرة عقل الخلوة و لا تستطيع التفكير خارج حقول الدين و لا تتصور النخب السودانية أن الدين ظاهرة من ظواهر المجتمع.
و عليه يستطيع العقل البشري بعد نضجه أن يجعل تجربة الانسان وفقا لضمير الوجود سبيل يفضي الى سيطرة العقل البشري على حال المجتمع بدلا عن دين الكهان الذي ينشده الكوز و السلفي و الطائفي في مجتمعنا السوداني الذي قد تأخر عن اللحاق بمسيرة المجتمع البشري.
لهذا تجد أن النخب السودانية و هي غير قادرة بل عاجزة تماما بأن ترى أن مفهوم السلطة بالمعنى الحديث و مفهوم الدولة الحديثة لا مكان فيه لمقاربات كل من أبعاد العرق و الدين و هذا لا يمكننا تجسيد علومه بغير التأسيس لعلاقة الفرد بالدولة لتأسيس الهوية الفردية و بسبب غيابها أي الهوية الفردية نجد خيبة إتفاق جوبا حيث يكمن جبريل في وزارة المالية لكي يحقق ما يعتقده بأنه علاج ما يسمى بالتهميش و المهمشين و هيهات.
و لو كان جبريل اقتصادي لما تهافت على وزارة الاقتصاد لكي يأخذ نصيبه و يظن بأنه سيزيل به وهم التهميش لأن هذا التفاوت يمكن إزالته بخلق الثروة و إعادة توزيعها بنظريات لا تخرج من صميم آداب اقتصاديات التنمية و هي بعيدة كل البعد عن صراع الريادات الوطنية غير الواعية و هي تتحدث عن الهامش و المهمشين و تسير في طريق سياسي و اتفاقيات لا تفتح على تحول اجتماعي و تحول ديمقراطي بل تؤسس للجهوية و العرق و الدين و تعيق مسألة التحول الديمقراطي بالكلية.
لأن جبريل و مناوي مثل ما كمن جبريل في وزارة المالية يمكن أن يقول بأنه يجب أن يحضر على المشهد السياسي بدون انتخابات لمدة عشرة سنوات ليضمن إزالة أثار التهميش و من هنا مسألة حصر مفهوم النخب في الهامش و المركز لا يساعد على مسألة التحول الديمقراطي على الإطلاق بل سيجلب لنا نموذج سلفا كير من جنوب السودان.
و أظن أن أغلب قيادات الفصائل المسلحة ليس لديهم إستعداد للتحول الديمقراطي و يعجبهم نموذج سلفا كير في جنوب السودان حيث انسدّت كل الطرق المؤدية للتحول الديمقراطي و غاب عن أفقهم أن أقرب الطرق لخلق تحول ديمقراطي نتاج تحول اجتماعي هو نشدان الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و هو الطريق الوحيد القادر على تحقيق تنمية تنعكس على المجتمع في إرتفاع مستوى المعيشة و إرتفاع مستوى الوعي.
و هذا يحتاج لتحول هائل في المفاهيم تصبح مسألة الهامش و المهمشين على ضؤه نوع من لعب العيال. نضرب مثلا على الديمقراطية الامريكية التي قد أعجبت توكفيل رغم أنها كانت تعاني من آلام الرق و العنصرية و إضطهاد المرأة و لكن عبر تاريخها قد تخلصت من كل نواقصها كذلك عبر إيماننا بالتحول الديمقراطي يمكننا خلق ثروة و خلق فلسفة لإعادة توزيعها تقضي على تأخر بعض الأقاليم.
و هذا التأخر يلعب على وتره من يظن أنه يقود الهامش و المهمشين للحاق بمركزسمى مركز من باب الرغبة و الأمنيات لأن السودان مجتمع تقليدي لا مركز له غير أن يلحق بركب البشرية و هي تسير عبر طريق الانسانية التاريخية كما تخلص المجتمع الأمريكي عبر الديمقراطية من نواقصها التي يعيشها الرقيق و بقية الأعراق من غير البيض و كذلك المرأة و لكن عبر التحول في المفاهيم التي فتحت على المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد قد زالت كل نواقص الديمقراطية.
هذا ما غاب عن فكر كل من جبريل و مناوي و أردول و مالك عقار فما زالوا يظنون أن إزالة التهميش و إلحاق الهامش بالمركز يمكن الوصول لها بمساندة أفشل إنقلاب عسكري و هذا يوضح كيف أن فكرة الهامش و المهمشين لم تخلق نخب و ريادات واعية في صفوف الحركات المسلحة تؤمن بأن الديمقراطية و ليست مساندة العسكر هي القادرة على خلق اقتصاد قادر على خلق الثروة و قادرة على خلق فلسفة إعادة توزيعها.
و هذا الوعي لم يتسلح به غير الشخصيات التاريخية التي تستطيع تجاوز العقل الجمعي التقليدي و لم يتميز به من بين أتباع الحركات المسلحة غير جون قرنق و ربما يكون عبد العزيز الحلو من ورث من جون قرنق صفات الشخصية التاريخية عندما أصر على فصل الدين عن الدولة و نادى بالعلمانية بشكل واضح.
لذلك هندسة اتفاقية جوبا في جنوب السودان كانت صناعة مقلدة لنموذج سلفا كير و قد جاءت بمن وقف في صف العسكر مؤيد لأفشل إنقلاب و قد دللت أن الحركات المسلحة ليست أرض خصبة لميلاد مفكرين ينتصرون الى التحول الديمقراطي في السودان و قد رأينا كيف سقط أردول في وحل خيباته و كيف سقط مالك عقار و مناوي و جبريل بسبب وقوفهم و تأييدهم لأفشل إنقلاب يمر على السودان.
ثورة ديسمبر فرصة لجسر الهوة ما بين النخب السودانية و لا قاسم مشترك بينها غير فكرة الانتصار للتحول الديمقراطي سواء كان ذلك وسط أتباع الحركات المسلحة أو في نخب الوسط و لا سبيل غير تنمية الوعي بفكرة أن الديمقراطية هي ابنة القيم و التشريعات و القوانيين التي تؤسس لعلاقة الفرد بالدولة و ليس كما يظن علاقة الفرد بمركز أو هامش و يحتاج تأسيس مثل هذا الوعي لشخصية تاريخية بين النخب السودانية لكي تقود هذا التشظي وسط النخب التي قد شطرت جسمها ما بين مركز و هامش بسبب ضعف وعيها بتارخ الانسانية التاريخية.
taheromer86@yahoo.com
///////////////////////////
غياب مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد من دفتر فكر النخب السودانية هو المسؤول من إنحراف فكر النخب السودانية و قد جعلها تستحق بأن توصف بأنها مدمنة للفشل و لا يعترض على تشخيص دكتور منصور خالد للنخب و إدمانها للفشل إلا الذين يعنيهم بتشخيصه و قد ظهر إنحراف فكرهم عندما وضح ضعف نظرهم كما يقول فردريك نيتشة إنك لم ترى إلا التشابه؟ أنها علامة على ضعف النظر.
علامة ضعف نظر النخب السودانية نجده قد إتضح في إنشغالهم و بحثهم عن التشابه كما يقول نيتشة حيث يكمن ضعف النظر في رؤية المشابه و أعني كيف كان إنشغال النخب السودانية بمشكل الهويات و ليست الحريات و قد وصل بهم ضلالهم المبين أن أسسوا لها مداراس مثل الغابة و الصحراء و ابادماك و العودة الى سنار و غيرها من ضلالهم القديم و لذلك نجد من يعترضون على وصف منصور خالد لهم بادمانهم الفشل من كانوا ممن يصنفون من مؤسسي البحث عن رؤية التشابه الذي يؤشر الى ضعف النظر و قد رأينا أن ضعف نظرهم قد أخّرهم عما يشغل العالم و نخبه فيما يتعلق بمسألة الحريات و ليس الهويات القاتلة كما يقول امين معلوف.
الانشغال بالحريات و ليس الهويات هو الذي يؤسس بما كان معطى من قبل النشؤ و الارتقاء بأن البشرية قد فارقت كل من العرق و الدين و إتجهت الى مستوى كيف يستطيع العقل البشري في ابداعه و عبر العقلانية أن يؤسس لمجتمع يبحث عن نقطة التوازن و لا يفضي إليها غير المسير عبر معادلة الحرية و العدالة و لا تكون بغير تحديد بعدها البؤري عبر العلاقة ما بين الفرد و الدولة.
و هذا هو الأدب الغائب عن دفتر النخب السودانية و غيابه قد أتاح الفرصة لظهور عديمي الموهبة من سياسيين قد إنشغلوا بالأعراض و تركوا التشخيص الصحيح للمرض و من الأعراض مشكلة التهميش و المهمشين فهي أعراض أما سببها لأن النخب السودانية لم تؤسس لعلاقة الفرد بالدولة بل إنشغلت بالهويات القاتلة بدلا من الهوية الفردية في علاقة الفرد بالدولة و هي التي تحكم معادلاته السلوكية.
و غياب مفاهيم تؤسس للهوية الفردية و علاقة الفرد بالدولة قد أتاح الفرصة لظهور سياسيين لاحقين للاحداث و يطاردون نتيجة من بنات غفلتهم و هي الهامش و المهمشين و غيرها مما يشغل النخب عن كيفية البداية الصحيحة مع العالم و نجدها في موروث النخب السودانية الفاشلة جيل عبر جيل و المؤسف نجد إصرارهم على إحياءها بل تأبيدها باتفاقيات تخلد غفلتهم كاتفاقية جوبا و هي تحاول معالجة ظاهرة الهامش و المهمشين بغفلة لا تفتح على غير إستمرار الكساد الفكري لأنها تؤسس للجهوية و العرق و الدين و تؤسس لنظرة لا تعطي الفرد أي مساحة تؤسس لعلاقته بالدولة كما رأينا الحال في المجتمعات المتقدمة حيث يظهر أن الهدف من العقد الاجتماعي هو الفرد و ليس ظاهرة المجتمع لأن الفرد مشغول بقيمة القيم و هي الحرية.
و عليه أن الهدف هو الفرد و بالتالي هو عقلاني و أخلاقي و قد وصلت البحوث في مجال الاقتصاد و الاجتماع الى أن ما يشغل فكرهم هو الفرد و ليس الطبقة كما يدور في ذهن الشيوعي السوداني و هذا الفرد الذي يحل محل الطبقة عقلاني و أخلاقي لا يحتاج لخطاب ديني أي دين كما يظن أتباع الطائفية و السلفيين و الكيزان لأننا في زمن الحداثة و قد أصبح الدين و علاقة الفرد بربه علاقة فردية لا دخل لرجال الدين بها و عليه يمكننا أن نقول أن من مؤشرات كساد النخب السودانية أن المثقف العضوي اليوم هو من أتباع أحزاب وحل الفكر الديني كيمين غارق في التخلف و في الطرف الآخر يسار رث يقوده أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية.
الدين قد أصبح من ظواهر المجتمع البشري و قد سبق الدين على مسرح المجتمع البشري السلطة و عليه لم يفهم المثقف السوداني مفهوم السلطة كمفهوم حديث الى اللحظة و لا يقدر أن يتصور أن السلطة كانت سابقة لظاهرة الدين في المجتمع البشري و لهذا نجد النخب السودانية أسيرة عقل الخلوة و لا تستطيع التفكير خارج حقول الدين و لا تتصور النخب السودانية أن الدين ظاهرة من ظواهر المجتمع.
و عليه يستطيع العقل البشري بعد نضجه أن يجعل تجربة الانسان وفقا لضمير الوجود سبيل يفضي الى سيطرة العقل البشري على حال المجتمع بدلا عن دين الكهان الذي ينشده الكوز و السلفي و الطائفي في مجتمعنا السوداني الذي قد تأخر عن اللحاق بمسيرة المجتمع البشري.
لهذا تجد أن النخب السودانية و هي غير قادرة بل عاجزة تماما بأن ترى أن مفهوم السلطة بالمعنى الحديث و مفهوم الدولة الحديثة لا مكان فيه لمقاربات كل من أبعاد العرق و الدين و هذا لا يمكننا تجسيد علومه بغير التأسيس لعلاقة الفرد بالدولة لتأسيس الهوية الفردية و بسبب غيابها أي الهوية الفردية نجد خيبة إتفاق جوبا حيث يكمن جبريل في وزارة المالية لكي يحقق ما يعتقده بأنه علاج ما يسمى بالتهميش و المهمشين و هيهات.
و لو كان جبريل اقتصادي لما تهافت على وزارة الاقتصاد لكي يأخذ نصيبه و يظن بأنه سيزيل به وهم التهميش لأن هذا التفاوت يمكن إزالته بخلق الثروة و إعادة توزيعها بنظريات لا تخرج من صميم آداب اقتصاديات التنمية و هي بعيدة كل البعد عن صراع الريادات الوطنية غير الواعية و هي تتحدث عن الهامش و المهمشين و تسير في طريق سياسي و اتفاقيات لا تفتح على تحول اجتماعي و تحول ديمقراطي بل تؤسس للجهوية و العرق و الدين و تعيق مسألة التحول الديمقراطي بالكلية.
لأن جبريل و مناوي مثل ما كمن جبريل في وزارة المالية يمكن أن يقول بأنه يجب أن يحضر على المشهد السياسي بدون انتخابات لمدة عشرة سنوات ليضمن إزالة أثار التهميش و من هنا مسألة حصر مفهوم النخب في الهامش و المركز لا يساعد على مسألة التحول الديمقراطي على الإطلاق بل سيجلب لنا نموذج سلفا كير من جنوب السودان.
و أظن أن أغلب قيادات الفصائل المسلحة ليس لديهم إستعداد للتحول الديمقراطي و يعجبهم نموذج سلفا كير في جنوب السودان حيث انسدّت كل الطرق المؤدية للتحول الديمقراطي و غاب عن أفقهم أن أقرب الطرق لخلق تحول ديمقراطي نتاج تحول اجتماعي هو نشدان الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و هو الطريق الوحيد القادر على تحقيق تنمية تنعكس على المجتمع في إرتفاع مستوى المعيشة و إرتفاع مستوى الوعي.
و هذا يحتاج لتحول هائل في المفاهيم تصبح مسألة الهامش و المهمشين على ضؤه نوع من لعب العيال. نضرب مثلا على الديمقراطية الامريكية التي قد أعجبت توكفيل رغم أنها كانت تعاني من آلام الرق و العنصرية و إضطهاد المرأة و لكن عبر تاريخها قد تخلصت من كل نواقصها كذلك عبر إيماننا بالتحول الديمقراطي يمكننا خلق ثروة و خلق فلسفة لإعادة توزيعها تقضي على تأخر بعض الأقاليم.
و هذا التأخر يلعب على وتره من يظن أنه يقود الهامش و المهمشين للحاق بمركزسمى مركز من باب الرغبة و الأمنيات لأن السودان مجتمع تقليدي لا مركز له غير أن يلحق بركب البشرية و هي تسير عبر طريق الانسانية التاريخية كما تخلص المجتمع الأمريكي عبر الديمقراطية من نواقصها التي يعيشها الرقيق و بقية الأعراق من غير البيض و كذلك المرأة و لكن عبر التحول في المفاهيم التي فتحت على المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد قد زالت كل نواقص الديمقراطية.
هذا ما غاب عن فكر كل من جبريل و مناوي و أردول و مالك عقار فما زالوا يظنون أن إزالة التهميش و إلحاق الهامش بالمركز يمكن الوصول لها بمساندة أفشل إنقلاب عسكري و هذا يوضح كيف أن فكرة الهامش و المهمشين لم تخلق نخب و ريادات واعية في صفوف الحركات المسلحة تؤمن بأن الديمقراطية و ليست مساندة العسكر هي القادرة على خلق اقتصاد قادر على خلق الثروة و قادرة على خلق فلسفة إعادة توزيعها.
و هذا الوعي لم يتسلح به غير الشخصيات التاريخية التي تستطيع تجاوز العقل الجمعي التقليدي و لم يتميز به من بين أتباع الحركات المسلحة غير جون قرنق و ربما يكون عبد العزيز الحلو من ورث من جون قرنق صفات الشخصية التاريخية عندما أصر على فصل الدين عن الدولة و نادى بالعلمانية بشكل واضح.
لذلك هندسة اتفاقية جوبا في جنوب السودان كانت صناعة مقلدة لنموذج سلفا كير و قد جاءت بمن وقف في صف العسكر مؤيد لأفشل إنقلاب و قد دللت أن الحركات المسلحة ليست أرض خصبة لميلاد مفكرين ينتصرون الى التحول الديمقراطي في السودان و قد رأينا كيف سقط أردول في وحل خيباته و كيف سقط مالك عقار و مناوي و جبريل بسبب وقوفهم و تأييدهم لأفشل إنقلاب يمر على السودان.
ثورة ديسمبر فرصة لجسر الهوة ما بين النخب السودانية و لا قاسم مشترك بينها غير فكرة الانتصار للتحول الديمقراطي سواء كان ذلك وسط أتباع الحركات المسلحة أو في نخب الوسط و لا سبيل غير تنمية الوعي بفكرة أن الديمقراطية هي ابنة القيم و التشريعات و القوانيين التي تؤسس لعلاقة الفرد بالدولة و ليس كما يظن علاقة الفرد بمركز أو هامش و يحتاج تأسيس مثل هذا الوعي لشخصية تاريخية بين النخب السودانية لكي تقود هذا التشظي وسط النخب التي قد شطرت جسمها ما بين مركز و هامش بسبب ضعف وعيها بتارخ الانسانية التاريخية.
taheromer86@yahoo.com
///////////////////////////