حالة ولاية كسلا، جدل العلاقة بين أدارة الازمة والقرارات التنفيذية

 


 

محمد بدوي
29 October, 2020

 

 

تدهور أوضاع حقوق الإنسان الذي شهدته ولاية كسلا ،شرقي البلاد في الفترة الأخيرة وما نتج عنه من انتهاكات جسيمة، متمثلة في ست حالات قتل خارج نطاق القضاء و إصابة سبعة وثلاثون آخرين، يعتبر إنتهاكا صارخا لحرية التعبير و التجمع السلمي المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية 2019 ، فضلا عن تطلعات السودانيين/ات في تحقيق دولة سيادة حكم القانون.
بالرغم من ان طبيعة الأزمة سياسية ، الإ أن الجهود الرسمية كشفت ضعف المنهج المتبع في إدارة الأزمات. الزيارات المختلفة لبعض أعضاء مجلسي السيادة و الوزراء منذ الأحداث الاولي في سبتمبر 2020 انتهت الي حزم من التوصيات دون التطبيق ، بالإضافة إلى غياب الشفافية حول خطة المعالجات حرمت الأزمة من جهود شعبية كان يمكن أن تسهم في الحل عن طريق المناصرة بدلا من صورة العزلة المرتبطة بالموقف الرسمي والذي قاد الي حالة من الاستقطاب الحاد بين المكونات السكانية للولاية أو اقليم شرق السودان بشكل عام .
إن إختزال مسئولية الإنتهاكات وتراجع حالة الأمن في دور قوات الشرطة يمثل تغييب للمشهد الكلي للازمة ، فالشرطة التي لخص وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي بإسم الحكومة في الرابع عشر من أغسطس 2020 عقب زيارته لكسلا بأن طبيعة العلاقة بينها والشارع متراجعة بسبب سجلها المرتبط بالنظام السابق اي بان العلاقة ليست علي نسق " الشرطة في خدمة الشعب " ، الأمر يتطلب الإصلاح الشامل الذي لا تزال ملامحه غائبة نظريا او عمليا ، عملية الاصلاح ستسهم في اعادة القوات النظامية الي ادوارها الطبيعية ، من ناحية ثانية المحصلة شكلت مؤشرا بأن أي تطورات سياسية يجب أن تاخذ في الحسبان قراءة حصيفة للواقع .
ومن التعقيدات أيضا كشفت الأزمة عن تقاطعات في العلاقة بين الحرية والتغيير و الجهاز التنفيذي، الأمر الذي يعيد الاسئلة الحرجة حول فلسفة العلاقة مرة أخري على طريقة هل هي تنفيذية مشتركة ؟ رقابية ؟ ام طوعية غير ملزمة بحيث تبقي كمقترحات ؟ وماهو برتوكول الاتصال بينهما حول القرارات ؟ و حتي الاجابة او التعليق علي ما أشرت اليه في تقديري أن الحالة تلفت الانتباه لأعادة النظر الي المشهد منذ بداية الاحداث و محصلة القرارات الاخيرة و انعكاساتها الراهنة والمستقبلية علي المواطنة و الانصاف وتعزيز إحترام القرارات التنفيذية، هذا مع الانتباه الي منح الاحداث الداخلية قدر يتناسب والجهد المبذول في ادارة الملفات الخارجية. الجدير بالذكر ان من ايجابيات الثورة انها دفعت بالأمل لعبور التحديات مما يجعل الحصافة سمه يجدر استصحابها وان اقترنت بمراجعة القرارات بطرق و ادوات تضعها في سياق الحلول و ليس الاثر السالب ، فكل ما يجري الان بالضرورة جزء من التاريخ المدون غدا فإعلاء الحكمة يجعل منها درسا مستفادا في حلقات أخري علي المدي القريب أو المستقبلي.
استنادا علي كل ما اشرت اليه في هذا المقال اقترح علي السلطة التنفيذية الاتي:
١. اعادة الحال بولاية كسلا الي ما قبل الاقالة.
٢. الاستهداء بتجربة والي ولاية جنوب كردفان 2005 بحيث يعمل الاطراف علي حل ذاتي يفكك الارتباطات الاثنية ويعلي من قيمة المواطنة.
٣. إلتزام الاطراف باحترام رئيس الوزراء لسلطاته حول اي قرار عقب ذلك بما يرتبط بمصير منصب الوالي .
٤. في حال الإبقاء علي الولاة ، تكوين لجنة خبراء سودانيين من المختصين في كافة المجالات ليشكلوا مجلس استشاري للولاة المتناصفين للفترة الانتقالية.
٥. تكوين لجنة تحقيق من شخصيات قانونية مستقلة بما يشمل قضاه و وكلاء نيابة وضباط إداريين و ضباط شرطة ممن عملوا سابقا في اقليم شرق السودان بالاضافة الي ممثلين لنقابة المحامين السودانيين مع الحق بالاستعانة بالمختصين في كافة المجالات المتعلقة بالتحقيق في الانتهاكات مع التركيز على قضاة وضباط إداريين بالمعاش ممن عملوا بالإقليم، علي ان تمنح اختصاصات بإحالة النتائج لأجهزة تنفيذ القانون .
٦. لاحقا يمكن الإستفادة من لجنة الخبراء الاستشاريين بصيغ متعددة في تعزيز الأطر النظرية لمنهج العدالة الإنتقالية لإقليم شرق السودان .
أخيرا تأتي هذه الإقتراحات في ظل غياب أسباب الإقالة من القرار الرسمي لرئيس الوزراء ، و لإرتباط الحالة بانتهاكات حقوق الإنسان متمثلة في عدة أشكال يظل المعنوي منها يعزز التراجع السالب للعيش السلمي ويجعل منه حالة قابلة للإنفجار مستقبلا لأي سبب و ما أحوجنا في النظر إلي مسار تشكيل هويتنا الوطنية.

badawi0050@gmail.com

 

آراء