حتى لا يفاجئكم العيد

 


 

د. حسن بشير
19 August, 2010

 


     ظل الكثير من الناس يتحدثون عن تفاجؤ المسئولين السودانيين بالأحداث ذات التكرار الطبيعي مثل هطول الأمطار في الخريف، ارتفاع نسبة الطمي في المياه في نفس الموسم وفيضان الأنهار، افتتاح المدارس و الأعياد وغيرها من المناسبات التي تستدعي التخطيط والتوقع والتحوط لها بما يلزم لمواجهة ما تسببه من التزامات كما هو الحال ايضا مع الاستفتاء. إلا ان هذا الموضوع في رأينا غير ناتج عن المفاجأة او عدم التوقع و إنما بسبب سوء الإدارة وقلة التأهيل والتدريب واختلال الأولويات وتنشأ قناعة بان مشكلتنا الأساسية في السودان تكمن في الإدارة والتنظيم (الإدارة العامة والخاصة) ، فمتي ما صلحت الإدارة كان صلاح الحال والعكس. الا ان الوصول الي صلاح الإدارة في وقت قريب يبدو انه امر مستبعد لسبب بسيط وهو ان لا توجد مؤسسة ما علي المستوي الحكومي مهمومة بهذا الأمر وبالتالي تسعي الي تحقيقه. في ظل هذا الوضع لا نطمح في مواجهة الطوارئ او الأزمات وإنما كل عشمنا يظل محصورا في مواجهة ما هو متوقع وآت لا ريب فيه.  الملفت للانتباه في الآونة الأخيرة هو ما حدث للسكر وارتفاع أسعار السلع الضرورة بشكل جنوني ( أكثر مما هي عليه أصلا من جن) قبل رمضان مباشرة إضافة لموضوع تنقية المياه وانقطاعها في مناطق كثيرة من العاصمة القومية لدرجة جعلت احد الأصدقاء يتمني الحصول حتي علي مياه مجري عادي نسبة لما أصابه من انقطاع تام لها ،وعلي قوله في النهاية ليس هناك فرق فالماء ملوث علي اية حال ودونكم انتشار النزلات المعوية بشكل مقلق حتي في العاصمة القومية.
    الجانب الأخر الملفت للنظر هو عجز شركات (القطاع الخاص) في تلبية احتياجات المواطنين من بعض السلع التي ارتفع عليها الطلب مع إعلان ثبوت شهر رمضان ومنها المياه المعبأة، اللحوم البيضاء و منتجات الألبان. يعني ذلك ان سوء الإدارة والتخطيط في السودان لا يعتبر سلوكا حكوميا وإنما أصاب القطاع الخاص الذي انتقلت اليه عدوي (المرض الحكومي) نسبة للإخوة في الرضاعة من ثدي واحد هو العائد (لمحمد احمد). عموما لا انوي الخوض طويلا في تلك الموضوعات فقد تناولتها العديد من الصحف والأقلام إلا أن هناك ملاحظة وهي عدم اهتمام المواطن العادي بما يحدث باعتبار ان كل ذلك أمر عادي ومن طبيعة الأشياء مما يعني انه قد فقد الأمل نهائيا في تغيير وضعه المعيشي الي الأفضل وأصبح لسان حاله يقول إن ( إصلاح الحال من المحال) ، وهكذا انتقل الي تدبير أمره بعيدا عن الدولة ومؤسساتها ولم يعد يأخذ مأخذ الجد الوعود الحكومية من كل شاكلة ونوع.
   من الظواهر الغريبة المسترعية للانتباه ايضا هو ظهور احتجاجات من نوع غريب لدرجة تجعل البعض يعتقد انها مطالب مشروعة ويسعي للتعاطف معها، من أمثلتها احتجاج أصحاب الحافلات الخاصة علي توقف البصات الجديدة وسط الخرطوم لنقل المواطنين الذين ينتظرون المواصلات. ما هو الغريب في تتوقف البصات في أمكان معلومة للمواطنين في كل خط من خطوط السير؟ يجعل ذلك منها متاحة ومعروفة للطالبين ، لكن المطالبة بعدم تكدسها بكميات كبيرة و لفترة طويلة حتي الامتلاء فهو طلب مقبول واعتراض مؤسس . كذلك الاعتراض علي الغرامات الخاصة بالمخالفات المرورية وهو اعتراض شاذ يشبه اعتراض المجرمين علي تطبيق القانون. بالطبع كل تلك الظواهر تدل علي عدم الثقة في الدولة وفي طبيعة تطبيق القانون وفرض النظام ، إضافة لانفراط المؤسسية التي من أسبابها تفكيك الخدمة المدنية بداية عهد الإنقاذ ولمدة عقد من الزمان او يزيد بشكل منهجي. لا يفترض توقيع الغرامات و العقاب الا علي المخالفين للقانون وفي الحقيقة فان تجاوز سائقي المركبات العامة للقانون أصبح يستدعي تطبيق اقسي عقوبة ممكنة معروفة علي مستوي الممارسة العالمية. ما جاء في قانون المرور الأخير أمر طبيعي معمول به في معظم دول العالم ، خاصة نظام المخالفات التراكمية، لكن تجاوز القانون عندنا ، أصبح هو القانون . يستدعي تغيير هذه العقلية الصرامة في التطبيق وتضييق الخناق علي الاستثمار في القانون الجديد للمصلحة الشخصية وشحن الجيوب.
كل ما اشرنا اليه يعبر عن حالة من التفكك والانهيار يضاعف منه سوء الإدارة والذي سينعكس علي جميع أنواع السلوك العام والخاص لدرجة تجعل الكثير من الناس يعتقدون ان الخطأ هو الصواب ويصبح ذلك مثل الأخطاء اللغوية الشائعة. في هذا السياق علي الجميع ان يتذكروا ان هناك عيد قادم بعد ايام قلائل(حوالي عشرين يوما) وان هذا العيد له مستلزمات مثل السكر، زيوت الطعام ، الملابس خاصة ملابس الأطفال و الحلويات ، اضافة لتوفر الخدمات مثل المياه و المواصلات وغيرها. لكن هذا التذكير ليس بشكل اعتباطي وإنما يجب ان يكون موزونا و بحساب. الحساب يلزم الأخذ في الاعتبار تكاليف المعيشة الباهظة والضائقة المعيشية التي تعاني منها أغلبية أهل السودان. يجب حساب معدلات التضخم المرتفعة والمتصاعدة التي تحصد دخول الناس حصدا وتحطم قدرتهم الشرائية تحطيما. يجب الأخذ في الاعتبار ان العيد متزامن مع فصل الخريف الذي يعني ضيق ذات اليد للمزارعين الذين يعتمدون في دخلهم علي ما يحصدون من زرع وهم لم يفعلوا ذلك قبل العيد، كما قد يسبب ضائقة في المواصلات لبعض المناطق. يجب الأخذ في الاعتبار تزامن العيد مع التزامات وأقساط المدارس او رسومها ومع بداية العام الجامعي الجديد. كل تلك الالتزامات تستدعي الدفع مرة ومرتين ومرات. كيف يمكن للمواطن العادي مواجهة كل تلك المصاريف من دخله المحدود الذي بالكاد يكفي لسد احتياجاته الحياتية اليومية.
    إذن العيد يعني ضبط الأسعار وتوفير نقاط للبيع لمستلزماته في جميع إنحاء السودان. يمكن ان يتم ذلك عبر الأسواق الشعبية او إقامة المجمعات الاستهلاكية المؤقتة الشبيهة بخيام رمضان والبازارات. كثير من دول العالم تفعل ذلك وتقوم بتخفيضات (حقيقة) كبيرة خلال الأعياد لتشجيع المواطنين علي الشراء وهو أمر يعني قلة هامش الإرباح وزيادة المكاسب من التوسع في البيع. يضاف ذلك لنظام التعاونيات (التي اختفت من السودان) والتكافل الاجتماعي النوعي الذي يهتم ليس بالكفالة فقط وإنما بتشجيع الأنشطة الصغيرة والإنتاج حتي يتم التخلص من الفقر وليس لسد الحاجة مؤقتا ليعود المحتاج أكثر احتياجا. كما يستدعي الامر التفكير في مدة العطلة الخاصة بالعيد مع حساب تداعيات الخريف ويلزم لذلك بالضرورة التفكير في توفير وسائل النقل بشكل كافي ومراعاة سلامة الطرق.  سيكون من المفيد في ظل الضائقة المعيشية الخانقة التي يعاني منها المواطن السوداني، التعامل مع احتياجات العيد لهذا العام بشكل مختلف. اذا تم ذلك فستثبت الحكومة لمرة واحدة علي الأقل اهتمامها بغالبية مواطنيها بعد ان هجرتهم في موسم الأمطار وسقتهم من الماء كدرا وطينا.

Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]

 

آراء